مطاردة المناضل البطني لمناضلي المباديء في الجزائر


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5671 - 2017 / 10 / 16 - 21:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


تلتزم الجزائر بإحترام كل مواعيد تنظيم إنتخاباتها الرئاسية والتشريعية والمحلية، لكن عادة ما تقابل هذه الإنتخابات بمقاطعة شعبية واسعة جدا، في الوقت الذي تشارك فيها أغلب الأحزاب السياسية إن لم نقل جلها، وعادة ماتبرر بعض الأحزاب أن مشاركتها في الإنتخابات هو تكتيكي تستهدف بها توسيع قواعدها ونشر افكارها في المجتمع، لكن لو كان فعلا هذا المبرر صحيح، لما تقدم هذه هذه الأحزاب مرشحين محدودي المستوى وغير قادرين حتى على خوض نقاشات فكرية وسياسية لإقناع الشعب بطروحاتها؟، بل بالعكس الكثير من هذه الأحزاب، تخسر مع كل إنتخابات قواعدها لعدة أسباب ومنها: الصراع من أجل التموقع في قوائم المترشحين ورفض الكثير من مناضليها التواجد في أواخر القائمة، هذا في حالة إمتلاك هذه الأحزاب فعلا مناضلين سياسيين مستعدين للتضحية من أجل فكرة أو أفكار يؤمنون بها، ويعملون من أجل تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع، لكننا نكاد نجزم أن شكل هذا النضال منعدم تماما اليوم في أغلب هذه الأحزاب، فقد انسحب أغلب المناضلين الحقيقيين، وبتعبير أدق دفعوا إلى الإنسحاب بأساليب لاأخلاقية دنيئة، وأخذ مكانهم الإنتهازيون والوصوليون، وما نسميهم بالمناضلين البطنيين الذين لايؤمنون أصلا بأي فكرة تدفعهم للتضحية من أجلها، فهؤلاء يعتبرون أي حزب مجرد مركوب للترقية الإجتماعية وتحقيق مكاسب مادية ومعنوية.
أن تراجع النضال من أجل الأفكار والمباديء وترك المكان للإنتهازية والوصولية، سيؤدي حتما إلى تحويل كل حزب سياسي إلى مجرد مركوب للترقية الإجتماعية، فمن الطبيعي في هذه الحالة أن يلجأ الإنتهازيون بقوة إلى الأحزاب التي تعتبر مركوبا مضمونا للفوز في الإنتخابات أو تحقيق ترقيات في المناصب، ولهذا يمكن لنا القول أننا اليوم فعلا قد حقق البعض الذين كانوا يقولون منذ سنوات أنهم معجبون بالثنائية الحزبية الأمريكية، فقد وصلنا إليها اليوم بسيطرة تامة لحزبي السلطة الأفالان والأرندي على الحياة السياسية، لكن ليس بمناضليهم الغير موجودين أصلا، بل بكثرة إنتهازييهم مقابل وجود أحزاب تحولت اليوم إلى مجرد حزيبات بسبب تراجع النضال من أجل المباديء والأفكار بداخلها، بل عادة ما يتعرض هذا الصنف من المناضلين من أجل الأفكار والمباديء إلى مضايقات من الرداءة والإنتهازيين والوصولويين بداخل هذه الأحزاب، لأنهم يقفون في وجههم، ويقلقونهم بمواقفهم، ويهددون مصالحهم .
يعد المال الفاسد عاملا رئيسيا في تفسير هذا الضعف الذي تعيشه أغلب الأحزاب في الجزائر، نجد الكثير يتحدثون عن زحف المال الفاسد وسيطرته على دواليب الدولة لدرجة إقالته وزير أول، إلا لأنه أراد تجسيدا عمليا لمبدأ "فصل السياسة عن المال"، لكن لم ينتبه الكثير، بأن المال الفاسد يزحف أيضا للسيطرة على كل الأحزاب، ومنها أحزاب المعارضة، وهو ما يعد أحد أسباب ضعف هذه الأحزاب الأخيرة، فكلما زحف المال الفاسد على أي حزب كان، يتم تمييع الحزب بدفع المناضلين الحقيقيين والنزهاء وأصحاب المباديء والقيم إلى الخارج بأساليب دنيئة ولاأخلاقية خوفا من إقلاقهم لهذا المال الفاسد ومصالحه، وفي نفس الوقت يتم فتح الحزب للرداءة والوصوليين والإنتهازيين والخاضعين وضعاف النفوس، والذين يرون في الحزب مجرد مركوب للصعود الإجتماعي، خاصة أثناء مختلف الإنتخابات، فإن تواصل هذا الزحف المالي على الأحزاب، ولم يتحرك مناضليها الحقيقيين لوضع حد لذلك، فلانستغرب إن سمعنا في المستقبل، بأن هذا الحزب ملكية لفلان والآخر ملكية لفلان آخر، أما المنخرطين في هذا الحزب أو ذاك، فماهم إلا مجرد خدمة لدى هذا الفلان أو ذاك بدل ما يكونو مناضلين أحرار وأسياد.
لايجب ان نكذب على أنفسنا، وتخفي الكثير من الأحزاب الشمس بالغربال، فهي في الحقيقة تدرك جيدا أنها في تقهقر مستمر إن لم نقل الإندثار، لكنها تخفي ذلك بأكاذيب تشبه أكاذيب الصحاف أثناء الهجوم الأمريكي على العراق في 2003، فهي في الحقيقة لا تختلف في ممارساتها عن ممارسات النظام في كل شيء، إن لم يكن أبشع منه، ومنها ظاهرة الكذب وإخفاء الحقائق بدل مواجهة حقيقتها كما هي والعمل على إصلاحها لإعادة بناء نفسها فعلا، لكن إصرار هؤلاء على إخفاء هذه الحقائق يختفي وراءه ربح الوقت الكافي من قياداتها الوطنية والمحلية التي تسمح لها بتحقيق مصالحها المادية الضيقة على حساب مصالح الجزائريين ومناضلي هذه الأحزاب ومبادئها وأفكارها.
فلنعترف بأن الأحزاب ضعيفة جدا من ناحية التركيبة البشرية سواء على صعيد الكم أو العدد وكذلك من ناحية القدرات والكفاءات، فنحن لا نفهم كيف بمقدور أحزاب غير قادرة على تجنيد عشرة أشخاص في بلدية أو ولاية، لكنها تقدم قوائم إنتخابية بلدية أو ولائية تتجاوز عددها المئة، كما يقع مثلا في العاصمة أو سطيف أو وهران وغيرها، وهنا تحضرنا ما هو غائب، ولعل لا يدركه الكثير، فإن كان البعض يتحدث عن المال الفاسد وشرائه التوقيعات والمراكز الأولى في قوائم الترشيحات، خاصة في الأحزاب المضمونة النجاح كالأفلان والأرندي، لكن هناك حزيبات او أحزاب أو حتى قوائم حرة يسيطر عليها مال فاسد أيضا، فإنها تشتري ملفات الترشح لإستكمال قوائم ترشيحاتها، ويتم ذلك في بعض الأحيان بثمن بخس جدا لايتعدى ألف أو ألفي دينار مركزة على الفقراء والزوالية أو ما يسميها فرانز فانون بحثالة البروليتاريا المستعدة لبيع كل شيء من أجل بطنها، وعادة هؤلاء لاعلاقة لهم بالسياسة أصلا، ولا يعرفون أو يسمعون بالحزب الذي باعوا له ملف ترشحهم لإستكمال قائمة ترشيحاته حسب قانون الإنتخابات، فمايهمهم هو ما يقبضونه من مال زهيد، وهؤلاء سنجدهم يوم الإنتخابات يبيعون أيضا أصواتهم وأصوات عائلاتهم لمن يعطي لهم ثمنا أكبر، فإن كان القانون يعاقب شراء المناصب والتوقيعات وبيع الأصوات، فلا نعلم حكمه في بيع ملفات الترشح لإستكمال قوائم الترشيحات، لكن ماهو مؤكد أن الفساد السياسي والحزبي بلغ أوجه في بلادنا للأسف الشديد، فقد تم التراجع تماما عن النضال السياسي بالمشاريع والأفكار إلى النضال البطني الإنتهازي الذي سيطر على أغلب الأحزاب السياسية في بلادنا، وهو ما يتطلب تفكيرا جديا في إنقاذ الحياة السياسة قبل وقوع الفأس على الرأس.
عادة ماتمس ظاهرة شراء ملف الترشيحات العنصر النسوي بكثرة، فالنظام الذي مرر قانون ثلث النساء في أي قائمة للترشيحات لم يكن هدفه في الحقيقة تطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين، فصحيح يستهدف من ذلك في الظاهر إرٍسال رسالة إلى الغرب، لكنه في نفس الوقت يشجع فكرا منغلقا وضد المرأة في مختلف وسائل الإعلام، مما يدفع حتى الأحزاب التي بإمكانها ان تستكمل قوائم الترشيحات، فإنها ستجد عراقيل بالنسبة للثلث الخاص بالنساء، وبهذا الشكل مهما فعلت، ستقع في المحظور المحرم قانونا، وهي الإغراءات المالية لإستكمال قوائمها، وفي الأخير كل هذا التعدي من الأحزاب على القانون تعلم به السلطة جيدا وتسجله، لكنها تمارس بها الضغط لإسكات هذه الاحزاب في حالة تزوير الإنتخابات دون الحديث عن ضغوطات أخرى تستخدمها ضدها مثل فساد مختلف القيادات الحزبية وشراء ذممها بالسكوت إما عن فسادها أو توظيف هذه القيادات لأحزابها كأداة لتحقيق مكاسب مادية، لأن قيادتها للحزب سواء محليا أو وطنيا يفتح لها أبواب الإدراة، ويمكنها من ربط شبكة علاقات مع مسؤولين تساعدها في تحقيق عدة مكاسب مادية، هذا ما جعل هذه القيادات، تطرد بأساليب ملتوية المناضلين الحقييين، لأنها تقلقهم، وتكشف زيفها أمام الرأي العام، وترفض كل هذه الممارسات، وتعوضهم بأغلبية، ممن نسميهم بالمناضلين البطنيين، وتستخدم بالإلتواء على تأويلات النصوص القانونية للأحزاب حسب رغباتها وتسليط مجالسها التأديبية كمقصلة على كل صوت معارض لهذه الممارسات داخل هذه الأحزاب، ولهذا أفرغت أغلب الأحزاب من مناضليها الأكفاء والحقيقيين، لتتحول إلى مجرد هياكل فارغة، يغلب عليها مناضلون صامتون وشياتون ينتظرون ترقيتهم إلى مناضلين بطنيين، فالمناضل البطني لاينظر إلى الحزب إلا كأداة أو مركوب للترقية الإجتماعية لاأكثر ولاأقل.