الاستفتاء في خضم حسم السلطة في بغداد


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5663 - 2017 / 10 / 8 - 21:01
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

سواء بقت كردستان ضمن العراق الفدرالي او تحولت الى كونفدرالية او دولة مستقلة، فأن حكومة الاسلام السياسي الشيعي في بغداد تدرك منذ منتصف الولاية الثانية لمالكي، بأنها لن تستفد من كردستان، الا كشكل سياسي يزين امام العالم بأن العراق واحد ضمن فدرالية فاشلة بالأساس. وان كل قرارات برلمان بغداد ضد اقليم كردستان للرد على نتيجة الاستفتاء، ليس أكثر من انقاذ ما يمكن انقاذه من هيبة وسلطة حكومة بغداد ومحاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء.
لقد قلنا قبل ثلاثة سنوات، ان العراق قبل ١٠ حزيران ٢٠١٤ لن يبق العراق نفسه بعد ذلك التاريخ، وهو تاريخ اجتياح عصابات داعش لأكثر من ثلث مساحة العراق. اي بمعنى اخر ان مشروع العراق الفدرالي، بات في خبر كان، وان مسار العملية السياسية التي وضعت الإطار العملي للمشروع المذكور بدأ يحط رحاله بشكل رسمي.
ان المزايدة على وحدة العراق وترابه، بين الاقطاب المتنافسة على السلطة، بين جناح العبادي المتمثل بالدعم الامريكي والغربي وجناح المالكي المتمثل بدولة القانون -الحشد الشعبي- الدعم الايراني، بين التيار الصدري وبين دولة القانون، بين الاسلام السياسي الشيعي والتيار الاسلامي السني والعروبي المتمثل بالحزب الاسلامي العراقي وتحالف القوى، والوقوف في صف واحد ضد الاستفتاء، لا ينبع من الدفاع عن الوطن والعزف على وتر الوطنية المتهرئة، بل مصدره هو الصراع على السلطة السياسية في العراق والاستعداد لإتمام مسيرة تشكيل الدولة وهويتها السياسية واعادة صياغة الدستور.
وعليه ان ثلاث اتجاهات وبثلاث خطابات سياسية تحاول تبوء المشهد السياسي، الاول خطاب العبادي -الجيش الذي يتحدث بتحدي عن وحدة العراق وترابه، والثاني خطاب المالكي - الحشد الشعبي ويتحدث بلون طائفي حين يقول المالكي ان دولة كردستان ستضعف الجمهورية الاسلامية في ايران والتي ستؤدي الى اضعاف التشييع في المنطقة، والثالث هو علاوي - النجيفي، هو خطاب توفيقي ومتشفي، الذي حمل بشكل غير مباشر حكومة المالكي مسؤولية الاوضاع واجراء الاستفتاء، ويحاولان الاظهار بأنهما الجسر لعبور العراق الى الامام وعدم التقسيم.
اما على الصعيد الدولي، فان استخدام ورقة الهجوم على الاستفتاء، هو من اجل سعي كل طرف بتعقب مصالحه. فوقوف الغرب بقيادة امريكا خلف العبادي وخلف قراراته ضد اقليم كردستان، هو محاولة لتقليل النفوذ الايراني في العراق، وحسم السلطة لصالحه. وفي نفس الوقت ان الجمهورية الاسلامية في إيران ترى في دعم العبادي وفي هذه المرحلة، هو خوفها بتحول كردستان الى منطقة نفوذ امريكية او تركية ومن الناحية الاخرى التلويح بالسيف ضد اية محاولة للمطالبة بإقليم او دويلة سنية، اما تركيا فأن كل تهديداتها العسكرية والاقتصادية ومناورتها العسكرية مع بغداد، والتصريحات العدائية والنارية التي تصدر فقط من اردوغان بشكل يومي ومنتظم، هو رسائل غير مباشرة الى المعارضة القومية الكردية المسلحة سواء في الجانب التركي او في الجانب السوري.
ان اظهار حكومة العبادي الصلابة والحزم ضد الاستفتاء، هي مناورة سياسية استباقية، لإجهاض او احتواء العاصفة التي ستهب من المناطق الغربية بعد الانتهاء بشكل نهائي من سيناريو داعش. وبدأت تباشير تلك العاصفة بالمطالبات والدعوات الى تشكيل اقليم سني. وعليه فان كل من يحتوي نتيجة الاستفتاء او يجهضها او يؤجلها يستطيع ان يتقدم خطوة نحو رسم الملامح السياسية للمرحلة المقبلة.
من الجانب الاخر وعلى الصعيد الاجتماعي، فمحاولة حكومة العبادي بتوحيد المجتمع عبر تسميم الاجواء بشوفينية قومية في المجتمع، هو جزء من حرف انظار العمال والمحرومين عن كل اشكال الفساد واللصوصية وسياسة افقار المجتمع، وطمس ماهية الصراع بين القوى القومية والطائفية على السلطة.
ان عزل مسالة الاستفتاء عن الاوضاع السياسية في العراق، والسعي لتسويق تصور بأن اطراف خارجية وراء مسالة الاستفتاء، هي محاولة لإخفاء فشل العملية السياسية التي بنيت على اساس المحاصصة القومية والطائفية. وان التهديد والوعيد وحتى شن حملة عسكرية على كردستان وبمعية كل الفاشية التركية والفاشية الاسلامية الفارسية في ايران لن تنقذ العملية السياسية ولن تحل الازمة السياسية، ولن تحسم السلطة السياسية لاي طرف، ولن يكون العراق هو نفسه بعد الاستفتاء، لأنه ببساطة ان الاستفتاء هو جزء من الاستحقاقات السياسية ما بعد الانتهاء من سيناريو داعش. يضاف الى ذلك، بان الظلم الطائفي الذي مورس وبشكل منظم منذ حكومة المالكي عبر التطهير الطائفي والاعتقالات العشوائية والتغيير الديموغرافي للمناطق المصنفة بالسنية، هو الاخر بحاجة الى الرد السياسي، ويضاف الى ذلك الظلم الذي مورس بكل اشكاله ضد المنتمين الى الطوائف والقوميات الاخرى مثل الايزيديين والمسيحيين والصابئة والتركمان.
ان الحفاظ على عراق بالشكل القديم، عراق فدرالي، عراق المحاصصة القومية والطائفية، قد ولى، وان اية محاولة في اعادته الى الشكل القديم محكومة عليها بالفشل. لذلك ان احتدام الصراع ضد الاستفتاء ونتائجه هو صراع على حسم السلطة واتمام تأسيس الدولة بهوية المنتصر.
في الطرف الاخر تقف الجماهير المحرومة، من العمال والشباب والنساء والمثقفين التحرريين، ليس لديهم لا ناقة ولا جمل في كل هذه الصراعات، والان يريدون تجنيدهم من اجل حربهم الطائفية والقومية الجديدة. ان تنظيم هذا الحشد، تبديد الاوهام الوطنية في صفوفها والكشف وفضح الاجندة السياسية لتلك القوى، هو المهمة الانية للشيوعيين. ومن الجانب الاخر يجب العمل على تعبئة تلك الجماهير وتوعيتها، بأن نقل العراق الى بر الامان لن يكون عبر الانجرار الى ذلك الصراع والتحول الى وقود له، بل الدخول في الصراع على هوية الدولة ودستورها عبر تنظيم حركة جماهيرية واسعة، لتأسيس حكومة علمانية وغير قومية تعرف البشر على اساس الهوية الانسانية.