العراقيون وأزمة استفتاء اقليم كردستان (2-2)


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 5662 - 2017 / 10 / 7 - 09:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



تناولنا في القسم الأول من هذه الدراسة خمسة استطلاعات للرأي، بدأت في السبت( 23 ايلول 2017)،قبل الاستفتاء بيومين وانتهت في الجمعة 29 ايلول بعد الاستفتاء بأربعة أيام ، هذا يعني ان التغطية جرت قبيل حدث الأستفتاء ،وفي يومه (الأثنين 25 ايلول2017) وبعده،لمتابعة التحولات السيكولوجية للعراقيين. وقد اشرنا فيه الى نتائج كل استطلاع وعدد من الاستنتاجات المركّزة..ونخصص هذا القسم لتحليل تحولات الحدث من منظور سيكولوجي.
في سيكولوجيا الأزمة
يعد علم النفس السياسي من افضل العلوم المعنية بتحليل وفهم الأزمات السياسية خلال الخمسين سنة الماضية،وتحديدا من الأزمة الكوبية الأمريكية في ستينيات القرن الماضي. والجيد في هذا العلم انه انتقل من التحليل والفهم الى مرحلة تدريب المعنيين بالخلافات السياسية على فن التفاوض واصوله العلمية ،وصولا الى ادارة الأزمات سواء تلك التي تحصل بين الدول او التي تنشأ بين قوى سياسية داخل البلد الواحد،والتي نفتقر لها في العراق بالرغم من انه البلد الأكثر انتاجا للأزمات.
وعلى وفق هذا المنظور فان فهم الأزمة بوصفها (عدم القدرة على الوصول الى حل بخصوص قضية بين طرفين او اكثر) يبدأ من تفكيكها في تساؤلات:
لماذا ظهرت الأزمة؟
كيف بدأت الأزمة؟
من سببها،والمستفيد منها والمتضرر والمؤيد والمعارض...؟
ما الاساليب الصحيحة للتعامل معها بهدف ايقافها؟
وما البدائل العملية لقبول تسوية ترضي اطراف الازمة وتنهيها؟
ان الاجابة على هذه التساؤلات فيما يخص الأزمة الحالية بين بغداد واربيل بشأن استفتاء ( 25 ايلول 2017 ) تكاد تكون معروفة حتى على صعيد الشارع العراقي.على ان سببها السيكولوجي الرئيس يكمن في ان تشكيلة الحكم بعد 2003 وزعت العراقيين على هويات مذهبية وعرقية ومناطقية واضعفت العامل السيكولوجي الذي كان يوحدهم المتمثل بالمواطنة التي تعني علاقة متبادلة بين سلطة الدولة (الحكومة) والمواطن ترتب على الطرفين حقوقا وواجبات تنظم بدستور ويتم تطبيقها بآلية اصطلح على تسميتها بالديمقراطية تعتمد مبدأ العدالة الاجتماعية وضمان كرامة الأنسان. ولم يحصل شيء من هذا ،بل أن الدستور كان سببا رئيسا في نشوء الأزمة لأنه عدّ بطريقة يستوعب فيها حجج الطرفين مع ان موقفيهما متضادان.
ويذكر بريمر في مذكراته بان الشيعة كانوا ياتونه للمطالبة بمصالح طائفتهم، وكذا فعل السنة والكرد، ويضيف بان لا احد جاءه يطالب بمصالح العراق.ونجم عن هذا ان الذين استلموا السلطة اعتبروا العراق غنيمة..فتقاسموه. وشاع الفساد لأنهم عدوا وجودهم في السلطة فرصة عليهم ان يستغلوها بما يؤمن لهم ولاسرهم مستقبلا ماديا مضمونا.واقتنع العراقيون بأن الحكومات التي جاءت بعد التغيير (2003) هي الأفشل والأفسد في تاريخ العراق،وأن العقل السياسي العراقي صار منتجا للأزمات ، آخرها ازمة استفتاء اقليم كردستان..وانهم غير قادرين على حل ازماتهم بأنفسهم،لأن بين من هم في مركز القرار يتصف بالدوغماتية والشوفينية والتعصب القومي،فضلا عن انهم يرون في انتاج الأزمات ضمانة لبقائهم في السلطة.
الشائعة
في كل الحروب..تنشط الشائعات ،وهدفها الرئيس هو خلق تشوش فكري وفوضى معلوماتية تفضي سيكولوجيا الى شعور المتلقي بالخوف او الرعب الناجم عن توقع الشر او تضخيم الادانة. ويمتد تاثيرها من خفض المعنويات وتفريق الناس بين مصدقين مرعوبين وخائفين ومحبطين ومتذمرين من نظام سياسي او حكومة مسؤولة عن امنهم الى انعكاس تاثيراتها السلبية من قبيل الخوف والهلع وكيل التهم.وتتحكم في انتشار الشائعة ثلاثة قوانين هي اهمية الحدث وصدمة المفاجاة والغموض.
ما حصل من الشائعات التي رافقت حدث استفتاء اقليم كردستان كان محدودا،لتعطل قانونين فيها هما ان الحدث لم يشكل صدمة مفاجأة ولم يكتنفه الغموض.فمنذ عام 2014 طالب الأقليم باجراء الاستفتاء،وكان هدفه واضحا هو الاستقلال عن العراق.غير ان الشائعات هنا وظفت قانون (اهمية الحدث).فهو بالنسبة للشعب الكردي يمثل حلما في تحقيق دولة كردية،فيما يمثل على صعيد الشعب العربي تقسيما يهدد وحدة العراق وامن مواطنيه.
ولقد اقتصرت الشائعات على كيل التهم..من قبيل استفسار بعث به احد المواطنين عبر المسنجر:
- دكتور ،صحيح وصلت طائرات عسكرية اسرائلية الى اربيل؟
فاجبته: في اوقات الأزمات تكثر الشائعات..وهذه واحده منها.
وحصل ان سياسيين فاشلين وآخرين متهمين بالفساد وآخرين كانوا قادة في الجانب العربي ،اخذوا يكيلون التهم للجانب الكردي باطلاق تهم وشائعات،كقول احدهم (لا نريد قيام اسرائيل ثانية في شمال العراق)،وان والد السياسي فلان الفلاني كان يهوديا. يقابله في الجانب الكردي تصريحات مشابهة بان السياسي القيادي فلان الفلاني اصله ايراني،وقول احدهم عبر الفضائيات بأن العراق (دولة مصطنعة) مع انه وصف نفسه بأنه أكاديمي ومفكر.
والجانب الايجابي هنا ان الشائعات التي تروج للحرب كانت ضعيفة،وانها تساوقت مع نتائج الاستطلاعات التي اعطت بديل نشوب حرب (عسكرية،اهلية) اقل النسب (5%)فقط.
ويعود السبب الرئيس الى ان تعامل رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي مع الأزمة كان عقلانيا رصينا وهادئا معتمدا مبدأ اللجوء الى الدستور في حل الخلافات،وانه ينظر الى الشعب الكردي على انهم مواطنون من الدرجة الأولى.. يتقاسم الخبز معهم ويقف ضد اي هجوم عليهم وأي حصار يستهدف تجويعهم.
الشحن الانفعالي الشعبوي:
ظهر هذا الشحن الانفعالي على المتظاهرين الكرد في اليوم الذي سبق الاستفتاء،اذ حمل المتظاهرون نعشا يمثل العراق،ولافتات أخرى بينها (وداعا ياعراق).وذكرت وسائل الأعلام بأنه تم رفع العلم الأسرائيلي في اربيل ،وقابله بأن تم حرقه في بغداد.
وكثرت النكات الساخرة بين الشعبين لاسيما في الجانب العربي في حال يذكّرنا بتلك التي حصلت في السبعينيات وتبناها النظام الدكتاتوري التي تسخر من الشعب الكردي بنكات تقوم فكرتها على انه (غبي) مع ان حاله حال الشعب العربي..فيه مبدعون ومفكرون ومثقفون..واغبياء، واخرى كثيرة تسخر من السياسيين العراقيين. ومع ذلك كانت هنالك نكات لا تخلو من طرافة كتساؤل احدهم: (وين اراجع للحصول على فيزا لدخول اربيل؟!).
ونقل لي ان قيادات سياسية شيعية عملت على دفع عدد من اعضائها الى ترويج نكات تسيء الى الشعب الكردي بهدف الاستفزاز والتصعيد واستغلال ذلك لاغراض انتخابية بعد ان تراجعت شعبيتهم.ومع ان استفتاء كردستان أثر بشكل كبير على الحملات الجماهيرية المناهضة للفاسدين الذين شعروا بالارتياح لصرف الانتباه عنهم ، الا انه سيؤدي لاحقا الى تصعيد الغضب الشعبي ضدهم باعتبارهم هم السبب فيما يحصل للعراقيين من بؤس وأزمات.
ولقد كشفت الاستطلاعات التي اجريناها عن ان الحالة السيكولوجية للعراقيين في اوقات الازمات تتغير بتغير الأحداث،ما يعني ان الانفعال يتحكم بهم اكثر من الفكر.فاذا تغير الموقف (س) الى (ص) ثم الى (ع)من الحدث ذاته،فان الحالة السيكولوجية تتغير ايضا حتى لو كانت المواقف متباينة،فيما كانت الحالة السيكولوجية للسياسين من نوع (اما ، او) وقد تجسدت في الوفدين المفاوضين العربي والكردي التي انتهت مساء اليوم الذي سبق اجراء الاستفتاء بعدم الوصول الى اتفاق.ويعزى أحد أسباب ذلك الى ان العراقيين السياسيين بشكل عام لا يمتلكون ثقافة التفاوض بوصفه علما وفنا.
ان الحال سيبقى منتجا للأزمات ما لم يتم تشكيل حكومة مدنية قائمة على الكفاءة والنزاهة..وتلك مهمة الجماهير العراقية التي عليها ان تغادر سيكولوجيا الاحباط واليأس من اصلاح الحال الى سيكولوجيا اليقين بأن انهاء مسلسل الأزمات يكون بـالخلاص من الفاسدين.
1 تشرين الأول 2017