صراعات داخل حركة النهضة


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 5658 - 2017 / 10 / 3 - 14:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

السؤال: كيف يمكن أن نقرأ واقع حركة النهضة اليوم ؟
حركة النهضة جماعة سياسية دينية اى انها تقوم اساسا على خلط الدين بالسياسة وعلى الصعيد التنظيمي تقوم على الطاعة والولاء للشيخ وأعضاؤها يمكن اعتبارهم "مريدين " اكثر من كونهم " منخرطين " في حزب سياسي تتحكم بالعلاقة بين اعضائه وهياكله قوانين داخلية .
وهى تخاتل عندما تظهر انها تخضع الى ضوابط ديمقراطية محاولة ترسيخ صورة الاسلام الديمقراطي وفي ذهنها الاحزاب المسيحية الديمقراطية في اوربا ولكن تلك احزاب علمانية تفصل بين السياسة والدين اما النهضة فلا تزال بعيدة عن ان تكون كذلك رغم تظاهرها بالفصل بين الدعوى والسياسي
وهى تنحنى اليوم مؤقتا للعاصفة التى تهب على الجماعات السياسية الدينية ومركز تلك العاصفة في اوربا وامريكا وهو الذى استعمل تاكتيكيا الاسلام السياسي خلال الانتفاضات العربية ضمن ما سمى بخطة الفوضى الخلاقة تارة والشرق الاوسط الكبير تارة اخرى الخ .. و هو يعمل الان على التخلص من بعض مكونات الاسلام السياسي التى فقدت أهميتها والإبقاء على أخرى لا تزال هناك حاجة اليها والنهضة ترى نفسها في هذا القسم الاخير لذلك تقترب أكثر ما يمكن من ذلك المركز وتغير سياسياتها على ايقاع ما يطلبه وهذا ما رأيناه مثلا عند وقوفها ضد تمرير قانون يجرم التطبيع مع الصهيونية .
وموافقتها على قانون المصالحة في البرلمان ومنحها الثقة لحكومة الشاهد بعد التحوير الوزاري الأخير وعدم احتجاجها على تأجيل الانتخابات البلدية كلها خطوات تندرج ضمن خطة تقوم رئيسيا على المحافظة على التوافق الذى يعنى فعليا ازدواجية السلطة مع نداء تونس فقد اختارت تقاسم السلطة معه بل وضعه في الواجهة والاختباء خلفه أحيانا وتركه ينفذ سياساتها فهى مدركة انه ضعيف داخليا ولكنه قوي خارجيا بالنظر الى القبول الذى يتمتع به لدى العواصم الغربية خاصة باريس وواشنطن ، غير ان سياسة ازدواجية السلطة مؤقتة ولن تدوم طويلا لذلك تستعد النهضة لما بعد" التوافق "
هل ستحافظ على تماسكها في الفترة القادمة خاصة بعد استقالة النائب نذير بن عمو ؟
الارجح ان حركة النهضة ستحافظ على تماسكها و التفكير الذي يسود داخلها مستمد من ارث التقية الضارب في القدم وهى تحول التقية الدينية الى تقية سياسية في انتظار تغير الاحوال تونسيا وعربيا ودوليا لكى تعود الى سياسة التدافع عوضا عن التوافق فهى تريد استراتيجيا السيطرة على السلطة كاملة بما يتيج لها اسلمة الدولة والمجتمع وتعتقد انها اقتربت كثيرا من تحقيق هدفها فتونس تغرق في أزمة تقترب من وضع الكارثة والرجات الاجتماعية قادمة وبنية النظام السياسي مفخخة فقد زرعت النهضة منذ أيام المجلس التأسيسي الالغام داخلها ويمكنها متى ارادت تفجيرها كما أن الارهاب التكفيري يخيم في الجبال وينام في القرى والمدن .
النهضة توجهها سياسة : "إنما النصر صبر ساعة " ولن يفسد عليها سيرها الحثيث نحو ذلك الهدف استقالة نائب او تصريح قيادى هنا او هناك بل ربما استفادت من ذلك بالقول ان هناك اجنحة داخلها لتوحى لأعدائها انها غير متماسكة بما من شانه ايقاعهم في حبائلها فالسياسة كالحرب تقوم على المخاتلة وحركة النهضة برعت فيها عبر عقود وقد استعملها بورقيبة ولكنها استعملته ايضا ولا يشذ بن على ولا السبسي ولا حتى حمة الهمامي عن هذه القاعدة فوراء النهضة هناك مخزون ايديولوجي مستمد من الفقه وعلم الكلام يبيح حتى المحظورات في سبيل بلوغ الهدف النهائي بينما يفتقر نداء تونس مثلا الى فكر سياسي مكتفيا بالاستناد الى بعض الشعارات الليبرالية المشوهة وكان لافتا ان من كتب عن مسيرة " عطائه " قادم اليه من الاسلام السياسي نفسه .