دور المتطرفين العرب والكرد في التصعيد المتفاقم وعواقبه


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5655 - 2017 / 9 / 30 - 14:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لم يخل أي شعب أو قومية من عناصر متطرفة تقود بسلوكها إلى عواقب وخيمة، وفيها هروب إلى الأمام أو نكوص إلى الوراء أو تشديد في المواقف والنزوع إلى تعميق الصراعات وتفجيرها بما يقود إلى العواقب الاي يمكن أن تلحق أضراراً بالمجتمع كله. نعرف هذا الواقع من تاريخ العراق القديم والحديث ومن تاريخ كل الدول والشعوب والقوميات، وليس حكراً على العراق وجود مثل هذه الاتجاهات المتطرفة، سواء أكانت قومية أم دينية أم مذهبية أم فكرية. وغالباً ما يعاني العقلاء والحكماء من عواقب تلك السياسات.
وآخر التجارب المريرة التي عاشها العراق كانت بسبب الأيديولوجيا القومية الشوفينية والعنصرية والسياسات الاستبدادية والذهنية العسكرية التوسعية التي مارسها حزب البعث العربي الاشتراكي بالعراق، إضافة إلى ممارسات مماثلة من الجناح الأخر لحزب البعث في سوريا، أولاً، ثم تجربة الإيديولوجية الدينية الطائفية السياسية المتطرفة التي مثلها بالعراق حزب الدعوة ومجموعة من الأحزاب الشيعية والسنية الأخرى، إضافة إلى وجود نماذج مماثلة أشد عتواً واستبداداً في كل من إيران وتركيا ودول عربية. وقد عانى الشعب العراقي الأمرين حقاً على ايدي البعثيين والقوميين اليمينيين المتطرفين الذين حكموا العراق طوال أربعة عقود (1963-2003)، وكانت كأنها قروناً طويلة ومريرة. ومنذ العام 2003، ولاسيما منذ العام 2005، سقط العراق تحت حكم التحالف الوطني العراقي المتمثل بحزمة الأحزاب التي يطلق عليها "البيت الشيعي" التي جسدها بشكل صارخ الطائفي البشع إبراهيم الجعفري، ولكن وبشكل أبشع وأكثر بغضاً مارسها نوري المالكي ورهطه بين 2006 - 2014، وكلاهما من قادة حزب الدعوة الإسلامية، الحليف المباشر للقوى الإسلامية السياسية الشيعية المتطرفة والحاكمة بإيران.
ونوري المالكي، الذي أذاق الشعب العراقي المزيد من العذابات والخيبات والحرمان، وتسبب في كوارث الأنبار وصلاح الدين ديالي، وأخيراً الموصل ومدن وقرى أخرى من محافظة نينوى، واُرتكبت جرائم الإبادة الجماعية والسبي والاغتصاب والقتل والنزوح والتهجير القسري فيها على أيدي الدواعش القتلة، ينبري اليوم ليعلم الدور التخريبي ذاته وليحدد، عبر رهطه الأقرب إليه، ما ينبغي لمجلس النواب أن يتخذه من سياسات ومواقف وإجراءات، ضد الشعب الكردي لمحاصرته وتجويعه وإذلاله بالتعاون مع الدولتين الضالتين إيران وتركيا. إن ما طرحته حنان فتلاوي من إجراءات تجلت في قرارات مجلس النواب بحضور رئيس الوزراء حيدر العبادي. إن هذه السياسات والإجراءات الشرسة تعتبر عقاباً جماعياً ضد الشعب الكردي الذي مارس حقه المشروع، مارس حق الاستفتاء، وهي إجراءات مرفوضة جملة وتفصيلاً، ولا بد من العودة إلى جادة الصواب وإلى تفعيل العقل والمنطق بحكمة للحفاظ على الأخوة المديدة التي تجمع العرب والكرد وبقية القوميات بالبلاد، لا بد من معالجة الموقف بالنزوع إلى السلم والحلول العملية والإنسانية وبعيداً عن تجييش الجيوش والنفخ بأبواق الحرب، رغم حديث رئيس الوزراء القائل بالابتعاد عن سكب قطرة دم واحدة. ولكن ماذا يعني قرار تجويع الإنسان والمجتمع بكردستان العراق، الكرد وأبناء القوميات الأخرى وبناتهم عبر تطويق كردستان من الحدود العراقية الإيرانية والعراقية التركية ومنع الرحلات الجوية؟ إنها إجراءات تعني الحرب والقتل بطريقة أخرى، بطريقة الحصار التي مورست من المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة 13 عاماً ضد الشعب العراقي والتي تسبب بموت أكثر من 600 ألف طفل عراقي وعشرات الآلاف من المرضى والعجزة وكبار السن، وهو ما ينبغي رفضه ومقاومة تنفيذه.
14 عاماً ولم تمارس السلطة الاتحادية مواد
الدستور العراقي ولم تعالج مشكلة المناطق المتنازع عليها التي كان ينبغي ان تنتهي في العام 2007 وثلاث حكومات راوغت مما دفع الياس بالكرد إلى اتخاذ قرار الاستفتاء. وقد حصل الاستفتاء وقال الشعب الكردي كلمته. ولكن ماذا بعد؟ نحن الآن أمام مشكلة قابلة للعلاج بعودة الجميع إلى جادة الصواب، فهل هذا ممكن؟ نعم هذا ممكن، رغم وجود رؤوس ساخنة مليئة بالحقد والكراهية القومية والمذهبية.
يقول المثل الشعبي العراقي "إن يداً واحدة لا تصفق، بل لا بد من وجود يدين"، وعليه لا بد للحكومتين الاتحادية والإقليم التوقف عن التصعيد وتخلي أجهزة الإعلام وبعض المسؤولين عن المهاترات الكلامية، ثم التخلي عن نتائج الاستفتاء التي ظهرت في المناطق المتنازع عليها، من أجل البدء بحوار إنساني يعالج المشكلات واحدة بعد الأخرى، وربما بمساعدة دولية من جانب الأمم المتحدة وبعيداً عن تدخل القوى المناهضة لمصالح الشعب العراقي بإيران وتركيا أو غيرهما من الدول. ولا شك في أن هذه المشكلات تستوجب في بعضها إجراء تعديلات في الدستور العراقي لتحديد مسؤوليات وصلاحيات الدولة الاتحادية والإقليم، وربما يجري التفكير بصيغ مختلفة لوحدة العراق كدولة ديمقراطية علمانية بعيدة عن الطائفية السياسية ومحاصصة المذلة.
المطلوب من الشعب العراقي ان يتحرك اليوم لمنع التصعيد ومنع اتخاذ إجراءات من جانب الحكومة الاتحادية التي يمكن أن تزيد اللوحة العراقية تعقيداً وهي المعقدة أصلاً، وأن يقدم النصح لحكومة الإقليم بالتعامل الأكثر وعياً للواقع الراهن والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالعراق وبالإقليم وبما يسمح من السير قدماً للإجهاز المشترك على عصابات داعش المجرمة وطردها من البلاد!