كردستان


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5651 - 2017 / 9 / 26 - 11:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

منذ بعض الوقت

أعطيت حلاً للمسألة الكردية على طريقة حلي للمسألة الفلسطينية، آه! ما أسهله وما أبسطه وما أروعه. في كلتا الحالتين، الفلسطينية والكردية، أن نُبقي كل شيء على الأرض كما هو، وبتصريح صغير يخفف من العبء النفسي، ويرضي الرغبة القومية، نعلن قيام الدولة، فننهي بجرة قلم شعور الأكراد بالدونية (قرأت في مقال بالفرنسي منذ قليل ما قاله أحدهم "لا نريد أن نبقى خدمًا لبغداد!")، وفي نفس الوقت يَبقى الأكراد العراقيون، كما كانوا دومًا، معًا وباقي إخوتهم، تحت سقف العراق، بيتهم الكبير وعزتهم كبلد بلا حدود متساوين في الواجبات والحقوق. وعلى الخصوص، كجزء لا يتجزأ من الكيان الإنساني قبل القومي.

غير أن السياسة ابنة كلب

خاصة عندما تكون لمآرب مافيوية محلية وإقليمية ودولية، وبعقلية القرون الوسطى. عندئذ، تحت البرقشة في الكلام عن حرية الأكراد واستقلالهم، يستخدم برازاني وعصابته أفراد شعبه، كما استخدم هتلر الألمان، لتنفيذ أجندة خسيسة ومريبة هدفها تقطيع العراق وإشعال المنطقة وإكمال ما بدأته داعش، بينما برازاني كالكلب راكع، بشماخه الدميم، عند قدمي الإسرائيليين أسياده وناكحيه! التقاء عقلية متحجرة من القرون الوسطى كعقلية نتنياهو مع عقلية سرسرية ولصوصية وكذلك متحجرة من القرون الوسطى كعقلية برازاني، التقاء كهذا لا شيء فيه غير دمار الأكراد وتدمير العراق.

فها هي الدول الجارات

الدول الشريكات في تاريخها وأرضها وحلمها، تركيا وإيران وسوريا تغلق حدودها، وترمي بجيوشها، وهذا بالضبط ما تريده العصابتان الحاكمتان في إربيل وتل أبيب، أن تزج هذه البلدان في مغامرة حربية تدميرية، مغامرة من جهنم، لسائر الأطراف، لا أول لها ولا آخر، مغامرة جهنمية لم يكتبها دانتي في كوميدياه الإلهية، لأنها بكل بساطة تراجيديا الإله والإنسان.

إذن

نتائج الاستفتاء المعروفة سلفًا يجب تجميدها، ويجب تحويلها إلى ورقة كردية من أوراق المستقبل، مستقبل الأكراد ككل، ومستقبل الأكراد في العراق، ومستقبل العراق، في إطار الفدرالية التي نقترح بين العراق وباقي الدول العربية. وبعد ذلك، في إطار الكونفدرالية بين الدول العربية ودول المنطقة. أقاليم الأكراد في تركيا وسوريا وإيران تتحدد كجزء لا يتجزأ من هذه البلدان جغرافيًا، وحتى ثقافيًا، وحتى سياسيًا، وحتى حُلميًا، رغم شعور الأكراد السَّلبي نحوها، فالأكراد حلقة وصل، يكفيهم هذا فخرًا، وقنطرة، نقطة التقاء بين شعوب المنطقة وثقافاتها وسياساتها وأحلامها. أكثر من هذا، الأكراد كوكبة أنوار فضاؤها كل هذه الدول، وليس العكس، كما يتصوره القومجيون والعصابتيون. حدودها خيالية، أي بلا حدود، وهي إنتاج للعلاقات التاريخية القائمة بين الأكراد كأمة والباقين كأمم. إنه مفهوم الشخصية لا التقزم والانطوائية، وأمر الانفتاح علينا لا العداء وفَرِّق تسد، فالعالم يسير باتجاه تعميم السلام وتوحيد الشعوب. إنه قانون التقدم لا التخلف والبربرية، وأمر التكنولوجيا علينا لا السي آي إيه والموساد، فالتطور يجتاح الماضي ويجعلنا واحدًا في البرتغال أو ماليزيا أو المكسيك أو تكساس أو كندا. وإذا كانت المصالح، المصالح الأمريكية خاصة، كبيرة وكثيرة، على حساب النعرات العرقية والطائفية، فهي أكبر وأكثر عند التعامل مع الإنسان كإنسان أولاً وقبل كل شيء وأينما كان.