حول الإمبريالية الجديدة


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 5648 - 2017 / 9 / 23 - 23:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

- I-
الإمبريالية ؛ عودة إلى توضيح المفهوم ، كمفهوم اقتصادي/ سياسي
مع نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين بدأ يظهر في الأوساط الثقافية التي تشرف عليها وتديرها المؤسسات الثقافية الإمبريالية مفهوم جديد هو "العولمة" ليشير به أصحابه ومطلقيه إلى مرحلة اقتصادية جديدة في الرأسمالية تتجاوز الإمبريالية . وقد انقضى عقد التسعينيات من القرن الماضي ومفهوم "العولمة " ما يزال يتداول بشكل بدهي بالرغم من غزارة الأدب الاقتصادي/ السياسي النقدي الجاري حوله .
لقد أزيل مفهوم الإمبريالية من التداول ، لا بل تجرأ بعض الكتاب العرب (الليبراليين حالياً والماركسيين سابقاً) على وصف الرأسمالية بأنها مع العولمة والدعوات "الديمقراطية " الأميركية ، ومع التدخل العسكري الإنساني لمؤازرة الأقليات القومية والعرقية والطائفية ، باتت الرأسمالية تتخلص من النزعة الإمبريالية وتميل إلى نزعة إنسانية. أي باتت تميل للتخلص من ميولها السابقة إلى الرجعية في السياسة وإلى الإلحاق والضم وإلى السيطرة و الغزو و إخضاع الأمم الضعيفة والفقيرة . وقام مفكر عربي "ماركسي" آخر للتبشير في منتصف تسعينات القرن الماضي بقدرة الرأسمالية مع عصر العولمة على تصنيع الأطراف الرأسمالية وعلى إلغاء التفاوت في تطور الأمم والدول. بالتالي باتت الرأسمالية حسب وجهة نظره ميالة للتخلص من النزعة الإمبريالية، وهلم جرّا من كل أنواع هذا الهذر الرخيص والفاسد.
لكن الظروف التي رجّحت كفة مفهوم "العولمة" وغلّبته بدأت بالتدهور مع كشف النظام الإمبريالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة عن وجهه العدواني والرجعي عبر غزو أفغانستان ولاحقاً غزو العراق 2003 واحتلاله. لقد ذاب الثلج وبان المرج تحت وقع القصف الجوي الليلي الإمبريالي البربري لبغداد . وهكذا ظهرت الحاجة لتفنيد مفهوم "العولمة" ودوره الوظيفي كتمهيد للغزو الإمبريالي مثله مثل مفاهيم عديدة طرحت في نفس الفترة كـ "الديمقراطية الأميركية " و"صراع الحضارات" ، و "نهاية التاريخ"، "والمجتمع المدني " كبديل للدولة السياسية ، ومفهوم "التدخل العسكري "الإنساني" . وهدف ذلك إلى خلق بلبلة فكرية وسياسية في صفوف المناهضين للإمبريالية تمهيداً للغزو وتقبله. من هنا ضرورة نقد مفهوم العولمة و إعادة التعريف بمفهوم الإمبريالية كمفهوم اقتصادي/ سياسي ومفهوم طبقي.
نشأت الإمبريالية باعتبارها تطوراً واستمراراً مباشراً لما فطرت عليه الرأسمالية بوجه عام من خصائص أساسية ، فالمزاحمة الحرة والإنتاج البضاعي بوجه عام هي أخص خصائص الرأسمالية. ومع ظهور الإمبريالية في الرأسمالية بات الاحتكار (النقيض المباشر للمزاحمة الحرة) يحل محل المزاحمة الحرة منشئاً الإنتاج الضخم ومزيحاً الإنتاج الأصغر ، حالاً الأضخم محل الضخم.
لا تمحق الاحتكارات المزاحمة الحرة محقاً تاماً، بل تعيش فوقها وإلى جانبها ، خالقة بيئة تهيمن عليها الاحتكارات الدولية العملاقة ، ومولدة جملة من التناقضات والاحتكاكات والنزاعات في منتهى الشدة .
لقد دفع تمركز الإنتاج والرأسمال إلى درجة نشأت وتنشأ عنها الاحتكارات الصناعية ، دامجة فيها رأسمال حفنة صغيرة من البنوك العملاقة.
الإمبريالية بالمعنى الاقتصادي وبإيجاز هي الرأسمالية في مرحلة الاحتكار ، وهذا التعريف يضم الأمر الاقتصادي الرئيسي لأن الرأسمال المالي هو نتيجة اندماج رأسمال حفنة من البنوك الاحتكارية الكبرى برأسمال اتحادات الصناعيين الاحتكاري (كارتيلات، سنديكات ، تروستات).
ولكي نقدم فهماً لوجوه الظاهرة جميعها ؛ فهماً للإمبريالية الرأسمالية في حالة تطورها الكامل ينبغي الإشارة إلى الأمور الخمسة التالية:
1- تركز الإنتاج والرأسمال تركزاً بلغ في علو تطوره درجة نشأت معها الاحتكارات التي تلعب الدور الفاصل في الحياة الاقتصادية .
2- اندماج أو اقتران الرأسمال البنكي بالرأسمال الصناعي مشكلاً "رأس المال المالي" ، ونشوء الطغمة المالية على أساس "الرأسمال المالي" هذا.
3- تصدير الرأسمال وتوظيفه في الخارج، حيث يكتسب هذا التصدير للرأسمال أهمية في منتهى الخطورة . كان تصدير البضائع هو السائد في مرحلة رأسمالية المزاحمة الحرة ، ومع صعود رأس المال المالي وظهور الإمبريالية الرأسمالية بات تصدير الرأسمال والتوظيفات المالية في الخارج هو المهيمن ، وبات هذا التصدير يشكل التمفصل الحاسم بين الجانب الوطني والجانب الدولي لنشاط رأس المال المالي.
4- تشكيل اتحادات رأسماليين احتكاريين تقتسم العالم من أجل السيطرة على مصادر الخامات الأساسية والمواد الأولية الأساسية للصناعة الرأسمالية ومن أجل أسواق التصريف والاستثمار.
5- انتهى تقاسم أقطار الأرض من قبل كبريات الدول الرأسمالية. و سوف تتصارع الدول الإمبريالية الرئيسية عبر حربين عالميتين لإعادة اقتسام ما تم اقتسامه .. وسوف تتفلّت عدة بلدان من الشبكة الإمبريالية عبر ثورات اجتماعية كروسيا والصين ، وعبر حركات تحرر قومي متفاوتة التجذر و العمق وذلك اعتباراً من نهاية الحرب العالمية الأولى .
كل هذه التعريفات غير كافية للإحاطة بظاهرة الإمبريالية. لذلك يتوجب إعطاء الإمبريالية تعريفات إضافية أخرى منها:
1- علاقة الإمبريالية بالاتجاهين الأساسيين في حركة العمال (الاتجاه الانتهازي والاتجاه الثوري) . إن الوضع الاقتصادي الذي خلقته الإمبريالية يجعل من الانتهازية في حركة الطبقة العاملة في الدول الإمبريالية الرئيسية حالة سائدة ، تُصدر بدورها إلى الدول الرأسمالية الطرفية
2- الإمبريالية هي تراكم هائل للرأسمال النقدي في عدد قليل من البلدان . حيث يميل رأس مال البنوك إلى العمل في قطاعين متناقضين : القطاع الأول ، رساميل موظفة في قطاعات "منتجة" (التجارة والصناعة والزراعة ومعها الخدمات). والقطاع الثاني ، رساميل "مضاربة" موظفة في البورصات والعمليات المالية (أسهم، سندات حزينة ، سندات دين ، أوراق مالية ، الخ..). وقد لاحظ لينين ومؤلفون آخرون سابقون (قبل الحرب العالمية الأولى) تعاظم التوظيفات في القطاع المضارب وتفوقها على التوظيفات المنتجة ، حيث تشير هذه الظاهرة إلى بروز الطابع الطفيلي للرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية .
3- لقد سبق ورأينا أن الاحتكار هو أعمق أساس اقتصادي للإمبريالية وهو احتكار رأسمالي ، أي أنه ناشئ عبر الرأسمالية وقائم ضمن الظروف العامة للرأسمالية وللإنتاج البضاعي والمزاحمة، و ضمن تناقض مع هذه الظروف العامة دائم لا مخرج منه. لهذا السبب ليس كل احتكار هو إمبريالية ، وليس كل ميل للغزو والعدوان هو إمبريالية . الإمبريالية هي احتكار في كنف علاقات الإنتاج الرأسمالية ، حيث تسيطر الملكية الرأسمالية الخاصة. من هنا فاحتكارات الدولة الصينية الحالية ليست إمبريالية . وميل إيران لنشر أفكار الثورة الإيرانية ذات المظهر الديني ليست إمبريالية. كما أن التوجيه الأساسي للاقتصاد الروسي بعد الثورة الاشتراكية يجعل من روسيا دولة قومية تحاول التحرر أكثر من الهيمنة الأميركية.
ومع ذلك فالاحتكار الرأسمالي ككل احتكار يولد الميل إلى الركود والتعفن .
4- مع التراكم الهائل للرأسمال النقدي ولكتلة هائلة من الأوراق المالية في حفنة من الدول الرأسمالية تنمو بصورة خارقة فئة من أصحاب المداخيل ، أي من الأشخاص الذين يعيشون على "قص الكوبونات" ؛ على استثمار رؤوس أموالهم في الخارج . وهم أشخاص منعزلين تماماً عن الاشتراك في أي مشروع منتج ، أشخاص مهنتهم الفراغ وتصدير الرأسمال وتوظيف الرساميل في الخارج . وهذا الأمر يشكل أساساً من أسس الإمبريالية الاقتصادية الجوهري ، يشدد لدرجة كبيرة عزلة هؤلاء عن العمليات الانتاجية ، ويسم بطابع الطفيلية كامل البلاد التي تعيش من استثمار عدد كبير من البلدان ما وراء المحيطات.
5- من خواص الإمبريالية المرتبطة بجملة الظواهر السابقة الذكر انخفاض الهجرة من البلدان الإمبريالية وازدياد الهجرة إليها : انتقال العمال ونزوحهم إلى هذه البلدان من بلدان أكثر تأخراً حيث الأجور هناك أكثر انخفاضا إلى حد كبير، والنزاعات العنيفة مستمرة.
6- تميل الاحتكارات إلى بيع منتجاتها في الداخل بأسعار احتكارية عالية وفي الخارج بأسعار منخفضة لسحق المنافسين. وذلك لكي تحقق أكبر قدر من الأرباح . وهذا يبين تهافت "الديمقراطية" الإمبريالية.
7- في الأزمات الرأسمالية يشتد الميل نحو الاندماج ويبرز تدخل الدولة الإمبريالية الرأسمالية ، حيث تهرع هذه الأخيرة إلى مساعدة ونجدة البنوك المفلسة أو المهددة بالإفلاس . حيث يظهر مرة أخرى تهافت "ديمقراطية" الإمبريالية . حيث تأخذ هذه الدولة الرأسمالية من الناخبين الفقراء والمتوسطين ومن المنتجين وتعطي للأثرياء والمضاربين المقامرين بالاقتصاد القطري والعالمي . هكذا تعيد الدولة الإمبريالية الرأسمالية توزيع الثروة القومية عبر الميزانية العامة والضرائب لصالح حفنة من المضاربين الأثرياء الأفّاقين.
8- إن الاحتكارات والطغمة المالية والنزوع إلى السيطرة بدلاً من النزوع إلى الحرية والميل إلى العنف والعسكرة والعدوان والظلم القومي والضم والإلحاق للدول الضعيفة واستثمار عدد متزايد من الأمم الضعيفة والصغيرة من قبل حفنة من الأمم القوية أو الغنية . كل ذلك خلق ويخلق السمات السياسية المميزة للإمبريالية التي تحمل على وصفها بالرأسمالية الطفيلية أو المتعفنة . إن كل ما قلناه فيما تقدم عن طبيعة الإمبريالية الاقتصادية/ السياسية يستنتج أنه لا بد من وصفها بأنها رأسمالية انتقالية ، أو بالأصح محتضرة . وهذه الكلمة الأخيرة إشارة إلى أفول الدور التقدمي التاريخي للبورجوازية كطبقة عالمية في مراكز النظام وفي أطرافه بالرغم من التقدم التقني السريع في ظل الرأسمالية ، وبالرغم من النمو السريع لقطاعات ودول بشكل منعزل ومتفاوت . كما تشير إلى عنف وعدوانية وعسكرة الإمبريالية وإلى اشتداد الظلم القومي وإلى الرجعية في الفكر وفي السياسة في ظل جميع النظم سواء أكانت جمهورية أم ملكية ، فاشية أم بونابرتية ..بالرغم من أهمية الفروق بينها.
9- من خواص الرأسمالية في المرحلة الإمبريالية بوجه عام فصل ملكية الرأسمال عن توظيف الرأسمال في الإنتاج ، فصل الرأسمال النقدي عن الرأسمال الصناعي /التجاري أو المنتج وعن جميع المشتركين مباشرة في إدارة الرأسمال .
والإمبريالية أو سيطرة الرأسمال المالي هي مرحلة الرأسمالية العليا التي يبلغ فيها هذا الفصل مقاييس هائلة . وهيمنة الرأسمال المالي على بقية أشكال الرأسمال تعني سيطرة صاحب الدخل (المستثمر المضارب ) الذي يعيش فقط من عائدات الرأسمال النقدي تعني بروز عدد ضئيل من الدول التي تملك "البأس " المالي بين سائر الدول ويمكننا أن نتبيّن نطاق هذا السير من أرقام إحصاءات الإصدارات المالية والأسهم والسندات ، أي حجم إصدار مختلف أنواع الأوراق المالية .
-II-
البلبلة الفكرية الحاصلة على أثر تفكك الاتحاد السوفييتي ، وما تبع ذلك من نشاط إمبريالي ثقافي / إعلامي هائل.
لقد شكلت نهاية السبعينيات من القرن الماضي لحظة ظهور تغيرات مهمة على المستوى الدولي شملت:
1- كساد عالمي تال لارتفاع أسعار النفط على أثر حرب 1973 بين العرب وإسرائيل. وكانت الحرب الباردة واعتماد دولة الرعاية الاجتماعية (بعد أزمة 1929 ، وعلى أثر انتصار الثورة الاجتماعية في روسيا 1917 ) قد ساهمت في تعميق هذا الوضع .
2- علامات واضحة على توقف النمو الاقتصادي السوفييتي بفعل اهتراء النظام البيروقراطي السوفييتي وضغط الحرب الباردة المنهك .
3- انتصار الثورة الشعبية الإيرانية بقيادة آيات الله ممثلي طبقة البازار التقليدية البورجوازية الصغيرة والمتوسطة . وما ولّده هذا الانتصار من ديناميات ثقافية/ سياسية ذات طابع ديني .
4- اعتماد الدول الإمبريالية الرئيسية (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة) سياسات ليبرالية جديدة تدعو لتحرير الأسواق أمام نشاط وتدفق رؤوس الأموال الموظفة في الخارج والعاملة في المضاربات المالية نظراً لتحرير النظام النقدي من مراقبة البنوك المركزية والدول الرأسمالية .
مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي ظهرت نتائج العوامل سالفة الذكر:
1- تفكك الاتحاد السوفياتي
2- ظهور نوع من المد الديني السلفي ، مع ميل للثقافة الدينية للعمل في الحقل السياسي (تعاظم ظاهرة الحزب الديني).
3- ظهور بعض نتائج السياسات الليبرالية الجديدة : ميل النظام الإمبريالي لتعزيز قدراته العسكرية عبر تعزيز حلف شمال الأطلسي وتكليفه بمهمات عدوانية عبر ما سمي بالتدخلات العسكرية ذات النزعة الإنسانية لدعم الأقليات القومية والإثنية والطائفية . انهيار عملات بعض البلدان ، ظهور دعوات الخصخصة وتحرير الأسواق أمام نشاط رأس المال المالي الدولي ، وإجراء تغيرات اقتصادية هيكلية أو كلية في اقتصاديات الدول المتخلفة أو الناشئة تحت إشراف وتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . وذلك لتسهيل دخول وخروج الاستثمارات الدولية قصيرة الأجل المضاربة بكل شيء حيوي وأساسي لحياة البشر.
4- ظهور مفاهيم جديدة في التداول الثقافي العالمي (العولمة، المجتمع المدني ، صراع الحضارات أو الثقافات ونهاية التاريخ ، الخصخصة و كفّ تدخل الدولة في العملية الاقتصادية لاجتماعية (نهاية دولة الرعاية الاجتماعية أو دولة الرفاه) الخ.
إن السهولة التي انتشرت بها هذه المفاهيم ناجمة بالأساس عن الآلة الإعلامية الضخمة للمؤسسات الاحتكارية الدولية المستفيدة من وجود ما سمي بالتقنية ذات الطابع الدولي (البث الفضائي، والاتصالات الفضائية ، والربط الإلكتروني) ، ومن تطور وسائل الإعلام المرئي والمسموع والاتصالات والمواصلات . ومستفيدة من البلبلة الفكرية العالمية التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة ، وما سببته هذه البلبلة وذاك الإعلام الهائل الموجّه من انجراف آلاف المثقفين من حقل اليسار الماركسي إلى الحقل الليبرالي الجديد .
III--
تبعات الهجوم الأمريكي (قصف يوغسلافيا واحتلال العراق وأفغانستان) : بربرية النظام الإمبريالي الرأسمالي
أدى احتلال العراق وأفغانستان وقصف يوغسلافيا من قبل قوات التحالف الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى زعزعة الكثير من المفاهيم السالفة الذكر . وقد توضح على أثر العدوان زيفها ونفاقها الأيديولوجي ودورها الوظيفي في التمهيد النفسي للعدوان خاصة مفاهيم الحرية والديمقراطية والازدهار الاقتصادي بفعل الاستثمارات الأجنبية والخصخصة ، وغير ذلك ..
لقد استطعنا ،خاصة مع انفجار الأزمة الرأسمالية الاقتصادية/المالية الأخيرة(2007-2008 )، من أن نميز العناصر الأساسية التي قام عليها مصطلح "العولمة" وذلك على النحو التالي :
1- فك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971 بمبادرة من نيكسون
2- نشأة وتعزز التكنولوجيا ذات الطابع الدولي (البث والاتصال الفضائي ، الربط الإلكتروني)، ثورة المواصلات والاتصالات .
3- اعتماد ما سمي بالسياسات الليبرالية الجديدة من قبل الدول الإمبريالية الرئيسية وامتداد ذلك لاحقاً إلى الكثير من الدول الرأسمالية الطرفية المتخلفة . شمل ذلك تحرير الأسواق وكف يد الدولة عن مراقبة الأسعار . حرية تدفقات رؤوس الأموال الموظفة والمضاربة عبر الحدود القومية ، خصخصة مؤسسات الدولة ، وانسحاب الدولة من التزاماتها الاجتماعية تجاه الطبقات الفقيرة .
4- تعاظم الاستثمارات المالية في الخارج إلى حد هائل ، واتجاه المضارب منها إلى الأسواق الناشئة والبلدان المتخلفة الكبيرة . وتعاظم التوظيفات الأميركية في الخارج خاصة في أوربا.
5- ميل متعاظم لرأس المال المالي النقدي للتوظيف في الخارج كاستثمارات مباشرة قصيرة الأجل ومضاربة .
6- محاولات النظام الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ، وعبر الغزو والعدوان لاستعادة البلدان التي تفلتت من الشبكة الإمبريالية على أثر الحرب العالمية الثانية .
- IV-
الأزمة الاقتصادية /المالية الرأسمالية الأخيرة(2007-2008)
هي أزمة اقتصادية/مالية للرأسمالية وليست أزمة عامة للرأسمالية نظراً لغياب حركة اشتراكية ماركسية قوية وبالتالي نظراً لغياب البديل بالمعنى التاريخي . بالرغم من ظهور علامات أولية على حركات كهذه في أمريكا اللاتينية . لهذا السبب فالأزمة أزمة اقتصادية هائلة الحجم لكنها متلاشية ، نظراً لقدرة الرأسمالية مستعينة بدولتها في الخروج المؤقت من هكذا أزمات. لكن طبيعة وحجم الأزمة الراهنة تجعل تكرارها أمراً وارداً وبفترات متقاربة نسبة إلى التاريخ القريب للرأسمالية. خاصة وأن رأس المال المالي النقدي الناشط في المضاربات الدولية وفي الاستثمار والرهن العقاري وفي المواد الأساسية بلغ من الضخامة حداً قارب قيمة الناتج الإجمالي الأمريكي
واعتباراً من 1979 سنة الإعلان الرسمي عن تبني السياسات الليبرالية الجديدة ، سوف تظهر القروض قصيرة الأجل و المضاربات المالية كوسيلة لتحريك الفائض الاقتصادي من دون زيادة في الإنتاج الحقيقي ، لكنها ستلعب في الوقت نفسه دوراً مدمراً لأسواق بكاملها: أزمة النمور الآسيوية وانهيار أسواقها 1997 ، ومن ثم أزمة الغذاء العالمي والارتفاع الجنوني في أسعار مواد الغذاء الرئيسية خاصة الأرز، والارتفاع الجنوني في أسعار النفط الخام ، وآخرها الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت ببنوك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري في الولايات المتحدة وامتدت بسرعة لتشمل الاقتصاد الرأسمالي عامة متسببة بموجة ركود اقتصادي وكساد شاملة.
يميل الفائض الاقتصادي الرأسمالي للارتفاع من حيث حجمه المطلق ومن حيث نسبته إلى الناتج الكلي معاً كلما تطور النظام الرأسمالي الاحتكاري.
يحقق النظام الرأسمالي الاحتكاري زيادة في فائض الإنتاج عبر الآليات التالية:
1- التسعير الاحتكاري
2- ميل تكاليف الإنتاج للانخفاض نتيجة التقدم السريع والمتواصل في التكنولوجيا وفي إنتاجية العمل
3- إعانات الدولة الرأسمالية الاحتكارية (الدولة الإمبريالية) للبحوث الزراعية والصناعية وإعانات تسهيل اندماج الشركات القومية في الصناعات الرائدة (شيبات الذاكرة ) بهدف زيادة حصة الشركة "القومية " الأميركية في السوق الدولية.
قد يبدو هذا من ناحية الشكل حجة في مصلحة الرأسمالية الاحتكارية ، إذ تبدو على هذا الشكل نظاماً رشيداً أو تقدمياً. ولو أمكن فصل اتجاهها لخفض التكلفة عن التسعير الاحتكاري على نحو ما ، وإيجاد وسيلة لاستخدام ثمار الإنتاجية المتزايدة لمصلحة المجتمع ككل ، لأصبحت هذه الحجة قوية فعلاً. ولكن هذا بالضبط ما لا يمكن تحقيقه. إن الحافز الكلي لخفض التكلفة هو زيادة الأرباح ، ويمكّن تركيب الأسواق الاحتكاري الشركات من الحصول على نصيب الأسد في ثمار الإنتاجية المتزايدة على شكل أرباح أعلى. وهذا يعني أن التكاليف المتناقصة في ظل الرأسمالية الاحتكارية تنطوي على توسيع حدود الربح باستمرار. بدوره ينطوي توسيع حدود الربح باستمرار على أرباح إجمالية تزيد ليس فقط بصفة مطلقة وإنما كحصة من الناتج القومي أيضاً. هكذا تتراكم باستمرار كتل نقدية هائلة لدى حفنة من الدول الإمبريالية سوف تجد مجالاً لتحركها في القروض قصيرة الأجل للدول التي تخضع لشروط صندوق النقد الولي ، وفي المضاربات المالية الدولية عبر بنوك الرهن العقاري وصناديق الاستثمار.
ففي صيف 1997 "تعرضت النمور الآسيوية لحركة واسعة من المضاربات وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج بكميات هائلة مما عرّض موازين مدفوعاتها لعجز شديد. وقد تم تمويل هذه المضاربات من خلال التحويلات الخاصة والقروض الخارجية قصيرة الأجل التي شكلت في التحليل النهائي ، أموالاً ساخنة Hot Money تتطاير بسرعة من سوق نقدي لآخر في شكل أسراب جارحة تنقض على الأرباح الموجودة في ما سمي بالأسواق الناشئة بجشع شديد . ثم تلتهمها وتخرج سريعاً متجهة إلى سوق آخر ...
والحقيقة أن التزايد الهائل الذي حدث في حركة رأس المال الدولي المضارب في السنين الخمسة الأخيرة [1994-1999 ] إنما يعود إلى تأثير عولمة[انفلات] أسواق النقد من خلال تحرير المعاملات المالية وسرعة حركة وانتقال رؤوس الأموال في لمح البصر عبر وسائل الربط والاتصالات الإلكترونية بين مختلف أصقاع العالم وصعوبة مراقبة هذه الحركة من قبل البنوك المركزية . كما عضّد نمو هذه الحركة تطور الابتكارات المالية التي وفرت أشكالاً مختلفة ومتعددة من الاستثمار المضارب . كما عكست هذه الحركة النشاط الواسع الذي قامت به الشركات عابرة القوميات في هذا المجال وكذلك نشاط ما سمي بصناديق الاستثمار Investment Funds التي يصل عددها الآن على صعيد العالم إلى حوالي 770 صندوقاً استثمارياً ضخماً. تم حشد الموارد المالية لها من شركات التأمين وصناديق التأمين والمعاشات وكبريات الشركات الصناعية . وهذه الصناديق تتعامل الآن في أصول مالية تتجاوز بكثير حجم الاحتياطيات الدولية التي تملكها البنوك المركزية في مختلف دول العالم. وتشير البيانات المتاحة إلى أن المعاملات المالية في الأسهم والسندات عبر الحدود (للمقيمين وغير المقيمين) في البلدان الصناعية كانت في حدود 10 % من الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان في عام 1980 ، لكنها الآن ، تزيد على 100 % من هذا الناتج .. وقد ارتبط تزايد المعاملات المالية العالمية في الأسهم والسندات أو فيما يسمى بالاستثمار في الحافظة المالية Portfolio Ivestment) ) بذلك النمو غير العادي الذي حدث في تداول النقد الأجنبي يومياً على الصعيد العالمي . فالمتوسط اليومي لحجم المعاملات في أسواق الصرف الأجنبي قد ارتفعت من حوالي 200 مليار دولار في منتصف الثمانينات إلى حوالي 1,2 تريليون دولار يومياً في عام 1996 ، وهو ما يعادل 85 % من حجم الاحتياطيات الدولية لجميع بلاد العالم . وذلك يوضح مدى الصعوبة التي أصبحت تواجهها البنوك المركزية في التأثير في أسعار صرف عملاتها الوطنية أمام جحافل رأس المال المالي الدولي قصير الأجل."
"هذا النشاط المضارب الهائل الذي أصبحت تتسم به الحركة الدولية لرؤوس الأموال وعلى نحو يتجاوز بكثير حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، أصبح يشير إلى حقيقة خطرة جداً . وهي أن الشطر الأكبر من الأرباح التي أصبحت تحققها كبريات الشركات الصناعية في العالم لم يعد يتحقق في مجال الإنتاج الحقيقي ، بل في الاستثمار في حافظة الأوراق المالية . وهذا دليل دامغ على الطابع الطفيلي الذي تتسم به الرأسمالية الاحتكارية المعاصرة (الإمبريالية الرأسمالية) . كما أن هذا النشاط المضارب يقف وراء كثير من الأزمات النقدية والمالية التي حدثت في بلاد كثيرة بسبب ما يسببه من ارتفاع جنوني في الأسعار دون مبرر حقيقي . ثم هبوطها مرة واحدة . تماماً مثل بالون ينتفخ أكثر من اللازم ولا بد أن تأتي لحظة انفجاره . وفي ضوء هذا النشاط المحموم والجنوني الذي حدث في ارتفاع أسعار الأصول المالية والمادية بسبب المضاربات نشأت ما تسمى (الاقتصادات المنفوخة ) التي من أنشطتها المضاربات وتتهددها الأزمات "
وإذا أضفنا سعي النظام الإمبريالي لاستعادة ما فقدته الشبكة الإمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية وتفكك الدولة السوفييتية كعقبة كانت قائمة أمام حرية التحرك الأميركي الإمبريالي تكون لوحة ما يدعى بالعولمة قد اكتملت .
"فبعد انتصار الثورة الروسية 1917 دخل عنصر جديد في هذا الصراع التنافسي : النزوع إلى إعادة السيطرة على هذا الجزء من العالم الذي انفلت من النظام الإمبريالي والحاجة إلى منع مناطق أخرى من الهرب من الشبكة الإمبريالية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية أدى اتساع الجزء الاشتراكي من العالم وتحطيم القسم الأكبر من النظام الاستعماري إلى زيادة حدة النزوع إلى إنقاذ أكبر قدر ممكن من الشبكة الإمبريالية واستعادة الأقاليم التي فقدتها. وفي هذا الإطار يتخذ الغزو صوراً مختلفة حسب الظروف: عسكرية وسياسية واقتصادية ."
ومنذ 1945 كانت الظاهرة الجديدة هي تولي الولايات المتحدة زعامة النظام الإمبريالي بأكمله. إذ أنه نتيجة لنضجها الاقتصادي وازدهارها الرأسمالي القطري بعد الحرب الثانية وقوتها العسكرية من ناحية وللتدمير الذي لحق بمنافسيها من ناحية أخرى صار لدى الولايات المتحدة القدرة والفرصة لتنظيم الشبكة الإمبريالية المعاصرة وقيادتها.. وقد سارت عملية تنظيم النظام الإمبريالي بعد الحرب الثانية عن طريق الوكالات التي أنشئت قرب نهاية الحرب : الأمم المتحدة، البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي. وقد استطاعت الولايات المتحدة ، لأسباب مختلفة، أن تمارس في كل منها دور الزعامة. وتم تدعيم هذا النظام عن طريق أنشطة هيئة التعمير والإغاثة ومشروع مارشال وبرامج المعونة الاقتصادية والعسكرية العديدة التي تمولها واشنطن وتسيطر عليها.
لقد حاول أيديولوجيو الإمبريالية إحلال "العولمة " كمفهوم "أيديولوجي" وهو يؤشر إلى تحولات جزئية في عمل الإمبريالية وسياسات ليبرالية جديدة قائمة على حرية حركة رؤوس الأموال عبر الدول وعلى خصخصة المشروعات وعلى محاولة إعادة الأجزاء التي تفلتت من الشبكة الإمبريالية ، ومعتمدة على التطور التكنولوجي ذي الطابع الدولي ، محل مفهوم الإمبريالية الاقتصادي/ السياسي الشامل وذو المغزى الاجتماعي (الطبقي). لكن المحاولة فشلت إلى حد كبير مع سلسلة الغزوات الأميركية ومع احتلال العراق وأفغانستان وأخيراً مع الأزمة المالية والاقتصادية الضخمة التي انفجرت عبر إفلاس بالجملة لبنوك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري في الولايات المتحدة.
وبعد : فإن "الدرس الهام الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى (الأزمات الاقتصادية) لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياً... فمصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات الناشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال النظام القائم"
V- -
الإمبريالية ؛ عرض تاريخي
أنواع الإمبراطوريات
1- الإمبراطوريات القديمة القائمة على أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية كالرومانية والعثمانية والصينية والعربية والمغولية وغيرها وهي عبارة عن رابطة سياسية بفعل سيطرة قوة رئيسية ما أن يضعف المركز السياسي حتى تتفكك الإمبراطورية (Impire)
2- الإمبراطوريات القائمة على نمط الإنتاج الرأسمالي في مرحلتيه التجارية والصناعية مثالها الكلاسيكي الإمبراطورية البريطانية القائمة على احتكار الصناعة الحديثة والتجارة وهي قائمة على حيازة المستعمرات وتصدير البضائع المصنعة واستيراد المواد الأولية . وتعمل على تدمير الصناعات المحلية الحرفية بسرعة بفعل المنافسة ورخص الأسعار والقوة العسكرية
الإمبريالية كمفهوم جديد ظهر اعتباراً من عام 1900 وهو مفهوم اقتصادي/ سياسي أساسه الاحتكار وسيطرة رأس المال المالي والطغمة المالية وتصدير الرساميل بدلاً من تصدير البضائع ، والميل إلى الاغتصاب والعنف والرجعية في السياسة والفكر والضم والإلحاق والغزو والاعتداء على سيادة الدول الضعيفة والظلم القومي ؛ أي الميل للرجعية والسيطرة من الناحية السياسية . كما يميل إلى مراكمة كميات ضخمة من الأوراق المالية النقدية وإلى فصل متعاظم للتوظيف في المضاربات المالية بالمقارنة مع التوظيف في القطاعات المنتجة من صناعة وتجارة وزراعة
1860 : بداية مرحلة جديدة في الرأسمالية: كساد 1876 في أمريكا وما نتج عنه من حركة اندماجات واسعة . إن تمركز رأس المال الناتج عن الاندماجات سمح بتطبيقات تقنية للاكتشافات العلمية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر.
1900 : تبلور الظاهرة الجديدة ؛ تمركز رأس المال في المؤسسات الصناعية العملاقة وفي حفنة من البنوك الضخمة واقتران الإثنين مع هيمنة البنك على النشاط الصناعي والتجاري وظهور النشاط في سوق الأوراق المالية والمضاربات المالية. ظهور رأس المال المالي كتعبير عن الاقتران السالف الذكر. هذا التمركز الشديد قاد إلى ظهور الاحتكارات العملاقة : احتكار السوق القومية الداخلية والتمدد نحو احتكار الأسواق العالمية ونشوء الاستعمار الإمبريالي الاقتصادي (الكولونيالية الاقتصادية) : يكتسب تصدير الرأسمال والتوظيفات في الخارج والنشاطات المالية المضاربة أهمية شديدة في نشاط رأس المال المالي ودولته القومية
1910 : صعود متسارع لثلاث اقتصاديات فتية هي ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية واليابان .
- بروز ظاهرة انقسام نشاط رأس المال المالي إلى مضارب ومنتج [ظاهرة الأوراق المالية وإصدارات السندات والأسهم والمتاجرة بها وبسندات الدين الحكومية والخاصة
- اقتران رأس مال البنوك مع رأس مال اتحادات الصناعيين مع هيمنة البنكي وظهور احتكارات عملاقة يهيمن البنك عليها (رأس المال المالي) ؛ واقترانها (اندماجها ) مع احتكارات الدولة ؛ اندماج الاقتصادي بالسياسي في حركة جبارة واحدة وظهور الإمبريالية كظاهرة اقتصادية/ سياسية تنزع إلى السيطرة والإخضاع والإلحاق لا إلى الحرية وتجعل من الديمقراطية البورجوازية كذبة سخيفة. وهم الديمقراطية والحريات السياسية والاقتصادية في عصر الإمبريالية . لا تعمل الإمبريالية على تخفيض الحس النقدي في الفكر الحديث فحسب, بل حاولت أن تدمج وتستوعب مشروع الطبقة العاملة السياسة في البلدان المركزية (ظهور الإنتهازية العمالية كظاهرة دولية ؛ المنشفية أو الاشتراكية الدولية كظاهرة عالمية ؛ انقسام البروليتاريا العالمية ). تهدئة أوربا وأمريكا الشمالية اجتماعياً والهجوم الإمبريالي على بقية العالم للسيطرة عليه واستثماره وخاصة آسيا ومعها روسيا.
- اقتسام العالم من قبل الاحتكارات الدولية لا يعني الصراع على إعادة الاقتسام : "لا يستطيع الاحتكار في نظام الرأسمالية أن يزيل المزاحمة من السوق العالمية بصورة نهائية ولبرهة طويلة .. ومن الواضح أن إمكانية تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح عن طريق إدخال التحسينات التكنيكية تعمل في صالح التغيرات [إعادة الاقتسام بفعل تغير موازين القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية].. ولكن ما فطر عليه الاحتكار من ميل إلى الركود والتعفن يواصل عمله بدوره وهو يتغلب في وقت معين في بعض فروع الصناعة وفي بعض البلدان ... إن الإمبريالية هي تراكم هائل للرأسمال النقدي في عدد قليل من البلدان (مالكي الأوراق المالية) " ما يدفع لنشاط المضاربات المالية عبر الحدود وتصدير الرساميل قصيرة الأجل حيث يمكنها الانسحاب بسرعة من سوق لأخرى ويسم بطابع الطفيلية كامل البلاد التي تعيش من استثمار عمل مئات البلدان ما وراء البحار ، ويشدد هذا الوضع لدرجة أكبر عزلة فئة أصحاب المداخيل التامة عن الإنتاج.
- هيمنة الولايات المتحدة على النظام الإمبريالي بعد الحرب الثانية . تركز الثروة فيها وسيطرة الدولار كعملة عالمية وقومية .نييورك مصرف العالم بدلاً من لندن . إعمار أوربا واليابان عبر مشروع مارشال ؛ وتغلغل الشركة الاحتكارية الأميركية في أوربا واليابان وكندا. وهيمنتها على هذه الأسواق.
- تصاعد الاستثمار في الخارج والتوظيفات المالية بشكل هائل بعد الحرب العالمية الثانية (الإمبريالية من دون مستعمرات أثناء الحرب الباردة على أثر انتصار السوفييت في الحرب وحركة التحرر الوطني/ القومي) ظهور السلاح النووي كقوة ردع عالمية
- كساد منتصف السبعينات على أثر الحرب بين العرب وإسرائيل 1973 : موجة اندماج في الشركات الدولية ، ظهور ما يسمى بالتقنيات ذات الطابع الدولي (تكنولوجيا الفضاء والاتصالات الفضائية ، الحواسيب والربط الإلكتروني ، ثورة المواصلات : السيارة والطائرة.
1980- تحرير الأسواق وحركة تدفق رؤوس الأموال والتوظيفات عبر الحدود القومية ، الانفلات من مراقبة الدولة والبنوك المركزية: التنظيرات المعادية لدولة الرعاية الاجتماعية . كف يد الدول عن التدخل في حركة سوق يسيطر عليها رأس المال المالي والشركات الاحتكارية الدولية والمضاربات المنفلتة من عقالها. الخصخصة ووحشية السوق الإمبريالية .
1997- انفجار أزمة النمور الآسيوية وقبلها أزمات مالية في المكسيك والأرجنتين (انهيار عملات وطنية). وقد سبق هذا حرب الخليج الأولى ولاحقاً قصف يوغسلافيا ومن ثم احتلال أفغانستان والعراق . تجدد الغزو الإمبريالي في محاولة لاستعادة الأجزاء المتفلتة من الشبكة الإمبريالية على أثر الحرب العالمية الثانية .
2005- أزمة الغذاء العالمي والارتفاع الجنوني في أسعار النفط كل ذلك نتيجة المضاربات الهائلة في هذه المواد الأساسية والحيوية للشعوب.
2007- انفجار أزمة الرهن العقاري وانهيار بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة: الإمبريالية الرأسمالية تشهد أخطر أزمة مالية واقتصادية وأضخمها في تاريخها الحديث.
توضيب البيت الأوربي عدا روسيا من قبل الولايات المتحدة للهجوم على بقية العالم خاصة آسيا، ظهور الصين وروسيا وإيران وفنزويلا ، الخ .. كدول تقاوم مشروع التوسع الإمبريالي
يظهر وهم ديمقراطية الإمبريالية خلال الأزمة : خطة للإنقاذ بمليارات الدولارات تؤخذ من الناخبين الفقراء عبر الضرائب وتمنح للمضاربين والأثرياء من أصحاب البنوك والشركات العملاقة الاحتكارية.
على أثر الأزمة زيادة التفاوت في الدخل والثروة في أمريكا وأوربا حلال فترة اعتماد السياسة الليبرالية الجديدة .
أظهرت الأزمة الرأسمالية الأخيرة من جديد أن الاشتراكية- الديمقراطية (الاشتراكية الماركسية) هي البديل الحقيقي للنظام الرأسمالي على المستوى العالمي، والقومي .
VI
السمات الجديدة للإمبريالية الرأسمالية الراهنة
تتميز إمبريالية الوقت الحاضر بعدد من السمات الجديدة وهذه السمات هي:
1- تحول موطن التركيز الرئيسي من التنافس على تقسيم العالم إلى الصراع ضد تقلصات النظام الإمبريالي. بكلام آخر: ظهور ديالكتيك جديد للعلاقة بين الدول الإمبريالية الرئيسية وهو ديالكتيك الاندماج/ المنافسة مع هيمنة الاندماج بين الدول الإمبريالية الرئيسية. و ديالكتيك آخر هو الصراع بين النظام الإمبريالي تحت قيادة الولايات المتحدة والدول ذات التحرك القومي "المستقل " (الصين ، روسيا، إيران، كوريا الشمالية ، فنزويلا، كوبا، العراق ، سوريا الخ..) والتي تعرقل تحرك النظام الإمبريالي في سعيه لاستعادة ما تفلت من الشبكة الإمبريالية أو منع تفلتات جديدة.
2- الدور الجديد للولايات المتحدة كمنظم وقائد للنظام الإمبريالي العالمي
3- نشأة التكنولوجيا ذات الطابع الدولي (البث الفضائي والاتصال الفضائي، الربط الإلكتروني)
علينا أن نضيف ملاحظتين هامتين عن الإمبريالية:
1- بما أن الدولة الحديثة هي صاحبة حصة كبيرة في تروست الدولة الرأسمالية ، فإنها (الدولة الإمبريالية الرأسمالية) هي الذروة المنظمة الأعلى والأكثر شمولية لهذا الأخير. ومن هنا تأتي سلطتها الضخمة ، بل والرهيبة الهائلة تقريباً.
2- يتضمن قانون رأس المال المالي ، كلاً من الإمبريالية والعسكرة ، وبهذا المعنى فإن العسكرة لا تقل عن رأس المال المالي ، في كونها ظاهرة تاريخية نموذجية. أي الارتباط العضوي بين العسكرة والإمبريالية ؛ بين العسكرة ورأس المال المالي
إن أهمية النفقات العسكرية قد أثرت في الواقع في جميع البلاد الرأسمالية الصناعية .. وغدت النفقات الحربية حافزاً للنمو الصناعي بعد الحرب العالمية الثانية.
تُعلِّم مجموع البلاد الرأسمالية الرئيسية الإنتاج بالجملة . كذلك كان يجب أن يطابق استهلاك بالجملة في كل وقت هذا الإنتاج. ولم يلبث تحالف اقتصاد الحرب ودولة الرفاهية (الرعاية) أن أعطى التدخلات الحكومية وسائل ضمان الاستهلاك بالجملة . إن الطلبيات الحكومية العسكرية هي سوق هائلة للشركة الاحتكارية العملاقة ، ومن خلال ذلك يعاد توزيع الدخل القومي مرة أخرى لصالح الشركة الاحتكارية العملاقة ، ويظهر مرة أخرى نفاق و تهافت "الديمقراطية " الإمبريالية. وهو ما يجعل من المسألة الديمقراطية مهمة أساسية للحركة الاشتراكية الماركسية، ولليسار الماركسي عموماً.