التفاوض علم وفن وليس كما يفعلون (2-2)


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 5648 - 2017 / 9 / 23 - 11:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



تحدثنا في الحلقة السابقة عن مفهوم (التفاوض) ومراحله ومعلومات اخرى ،ونركز في هذه الحلقة على معادلات التفاوض وقضايا سيكولوجية تخص التفاوض والمفاوض الناجح.
معادلات التفاوض.
الشائع عندنا ان الطرف المفاوض يعمل على اقصاء الطرف الآخر وتجريده من كل مصادر القوة ،معتمدا المباراة الصفرية Zero-Sum Game وتعني،عليّ أن اكسب كل شيء وليذهب الآخر الى الجحيم، التي تؤدي الى استمرار الصراع وتصعيد حدته، فيما التفكير الحديث اشترط ان يسود مبدأ أكسب ودع الآخر يكسب Win Win Approach الذي يقوم على اساس البحث عن ارضية مشتركة لتحقيق التفاهم بين الأطراف المتفاوضة.
وعلى أساس هذا المبدأ ،وضع الخبراء ثلاث معادلات نوجزها بالآتي:
المعادلة الأولى/ الطرف الأول:عطاء وأخذ ، الطرف الثاني :عطاء وأخذ.
في هذه المعادلة يكون الطرفان على استعداد لأعطاء شيء مقابل أخذ شيء يريده وفق تخطيط كنا اشرنا الى تفاصليه المتضمنه تحديد الأهداف بوضوح ودقة ومقدار التنازلات وزمنها..وتعدّ هذه المعادلة هي الأكثر نجاحا.
المعادلة الثانية/ الطرف الأول:أخذ وعطاء ،الطرف الثاني :عطاء وأخذ.
احتمال نجاح هذه المعادلة جيد ،لأن الطرفين على علم بالتنازلات وفق مبدأ الأخذ والعطاء ،ولكن من معوقات نجاحها أن احد الطرفين مستعد لأن يعطي شرط ان يحصل على شيء بالمقابل،غير ان الطرف الثاني مستعد للعطاء ولكن بعد الأخذ اولا . والصعوبة تكمن في ان الطرف الذي اخذ، قد يفكر في المقدار الذي سيحصل عليه مقابل الا يعطي. واذا لم يقرر هذا الطرف بسرعة ماذا سيعطي فان الطرف الذي قرر ان يعطي سيسحب تنازلاته، الامر الذي قد يؤدي الى مرحلة حرجة.
المعادلة الثالثة/ الطرف الأول:أخذ وعطاء ،الطرف الثاني : أخذ وعطاء.
في هذه المعادلة يدخل الطرفان المتفاوضان العملية التفاوضية وفي ذهن كل واحد منهما الا يعطي شيئا قبل أن يأخذ ،الأمر الذي غالبا ما يؤدي الى اختلاف بينهما ،وما لم يتزحزح طرف عن موقفه فأن التفاوض قد يصل الى طريق مسدود.
ان اغفال مبدأ الاخذ والعطاء،والتعنت ومحاولة فرض الشروط والاملاءات تؤدي الى فشل العملية التفاوضية فيما ينبغي ان يكون طرفا التفاوض مقتنعين بان التفاوض يعني الاخذ والعطاء.يؤكد ذلك ان الدراسات العلمية توصلت الى ان استخدام اسلوب الترهيب والتهديد والوعيد لا تؤدي الا الى المزيد من التشدد في المواقف مهما كان الطرف الاخر ضعيفا.
صفات المفاوض الناجح
ما يحصل عندنا ان اختيار المفاوضين يتم على اساس موقعه في الحزب او الكتلة او الحكومة،ومن النوع الصلب والمتشدد والمحاور الذي يربك الخصم، فيما حدد علماء النفس السياسي خصائص المفاوض الناجح بأمرين ،هما:
الخصائص الموضوعية:
وتتحدد بالقدرة على التحليل العلمي لقضية التفاوض، وربط الأسباب بالنتائج ،وايجاد العلاقة بين المؤثر والسبب. وان تكون لديه معرفة اقتصادية بكل عنصر يتم التفاوض عليه، ومعرفة لغوية بمعاني المفردات والمصطلحات ،ومعرفة نفسية تمكنه من معرفة مزاج الطرف الآخر، ومعرفة قانونية يستعين بها من متخصص فيها.
الخصائص الشخصية :
من اهم مواصفات المفاوض الناجح ان يتمتع بشخصية ناضجة وجذابة ،وأن تكون لديه قدرة على التحمل..بحيث لا تظهر عليه علامات التأفف والضجر. ولا يمكن للمفاوض ان ينجح ما لم يكن متمتعا بالذكاء في تحديد جوانب الضعف والقصور في الطرف الآخر،والدهاء في ابتكار افكار وبدائل تدهش الحاضرين.فضلا عن تمتعه بحسن التصرف وسرعته واجادته فن الاستماع والانصات واللباقة والكياسة ،والقدرة على الاقناع..وتلك مهارة سيكولوجية تأتي بالممارسة والتدريب من قبل سيكولوجيين متخصصين بفن الاقناع. وللأسف فانك تجد بين المفاوضين العراقيين من لا يمتلك معظم هذه الصفات ، فضلا عن انه يمتلك وجها عبوسا، وان ظهوره المتكرر في الفضائيات..جعله مكروها.
ان العالم الديمقراطي الحديث غادر،في التفاوض، فكرة ان عليّ ان اربح دون ان اكترث بالطرف الاخر، وغادر لعبة المساومة غير الاخلاقية، معتمدا ثقافة التفاوض القائمة على فلسفة الربح المزدوج لطرفي التفاوض. وغادر ايضا استراتيجية الانهاك التي تعتمد على استنزاف وقت وجهد الطرف الاخر وتطويل مدة التفاوض،واستراتيجية التشتيت برسم خطة ماكرة لتفتيت وحدة وتكامل الطرف الاخر. وغادر ايضا استراتيجية الاخضاع باجبار الطرف الاخر على ان يسير وفق خطة الطرف الاول..فيما تبدو هي السائدة الان بين مكونات المجتمع العراقي وقواه السياسية،مع ان النظام في العراق يعد ديمقراطيا!
20 ايلول 2017