العراق في مواجهة لحظة حرج


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5646 - 2017 / 9 / 21 - 02:09
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     


الشعب العراقي الشقيق الذي لم ينته بعد من استحقاقاته الوطنية الكبري التي تتعلق بإنجاز تحرره الوطني وانهاء كافة أشكال التدخلات الأجنبية علي أرضه وإزالة كافة آثار الإحتلال الأمريكي والقضاء علي عصابات الفاشية الدينية المسلحة وتحديث دولته بما يحقق الثقل الإقليمي للعراق وهو مايصب في صالح تطلعات شعوب المنطقة العربية علي تنوعها

إذ به يوشك أن يواجه - من زاوية رؤيتي المتواضعة - أصعب لحظة حرج تاريخي من الممكن أن تواجه شعباً ودولته
وهو مايتمثل في إصرار قيادة إقليم كردستان علي المضي قدماً في إجراءات الإنفصال عن دولة العراق عبر الشروع في إجراء الإستفتاء حول الإنفصال

وعلي الرغم من الإقرار بوقوع مظلومية تاريخية سابقة علي أكراد العراق منذ عقود وحتي الماضي القريب وهو ماترتب علي غياب دولة المواطنة وعدم احترام التنوعات الثقافية للشعب العراقي في ظل أنظمة الإستبداد المتعاقبة علي العراق

إلا أن انفصال الأكراد لن يؤدي إلي استقرار الأوضاع العراقية فعلي العكس فمن ناحية أولية فإن دولة الأكراد المزمعة ستولد وسط جيران يحيطون بها من كل الجهات لايرغبون في وجودها أصلاً ويصلون ومنهم جارتين علي الأقل ستكونان علي أهبة الإستعداد للتحرك المباشر ضد إعلان الدولة الكردية هما تركيا وإيران ، كذلك فإن هناك استحالة لأن تتقبل العراق بين ليلة وضحاها بأن تكون جارة طبيعية للدولة الكردية في ظل تعقيدات حدودية وصراعات يستحيل حلها علي مناطق مصادر الثروات الطبيعية

كذلك من ناحية أخري ففي حال اكتمال سيناريو انفصال كردستان هناك تنوعات جغرافية ذات أغلبيات عرقية وأخري مذهبية قد يشجعها إنفصال الأكراد علي طلب الإنفصال لتواجه الدولة العراقية - لاقدر الله - خطر التفكك والإنهيار الكامل تحت طرقات طلبات الإنفصال وطرقات أطراف إقليمية ستسارع نحو التداخل في الأراضي العراقية تحت دعوي حماية حدودها انطلاقاً من مناطق آمنةً داخل العراق

وفي نطاق ٱخر فإن طرح الفيدرالية لايشكل حلاً آمناً ومستقراً لإشكاليات العراق ذلك لإن الواقع القبلي والطائفي والعشائري داخل كل تنوع جغرافي في العراق يحول دون اعتماد هذا الحل ويجعله قنبلة موقوتة تنزلق بالدولة العراقية التي تعاني من الهشاشة الآن أن تنزلق - لاقدر الله - إلي مزالق الحروب والصراعات القبلية والمذهبية وهذا يقود إلي نفس نتائج الإنفصال الكردستاني
، وهو ماقد يمثل للمنطقة العربية الممتحنة دائماً نكبة لاتقل عن النكبة الفلسطينية

وفي ظني - كمواطن عربي - يهتم بالشأن العراقي اهتمام المصير المرتبط مع كامل الإحترام للشأن وللشعب العراقي أن العراقيين بحاجة الوصول إلي توافق وطني ينجز عقد دولة جديد

عقد دولة مركزية حديثة موحدة تحتكر العسكرية والسلاح وتحترم الحريات العامة أساسها المواطنة والقانون والحقوق المدنية واحترام الحريات والتنوعات الثقافية لكل العراقيين دونما تمييز
علي أن يتواكب ذلك مع اتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة لبناء الثقة بين مختلف التنوعات الثقافية باعتبارها نتاج المراحل الحضارية التي مر بها تاريخ العراق العريق

وعلي الإخوة العراقيين في إقليم كردستان أن يدركوا أن حقوق الأكراد الثقافية وحرياتهم وأوضاعهم لن تتحسن عبر الطريق الذي انتهجته قيادات الإقليم بمد جسور التواصل والتعاون مع أعداء الشعب العراقي وشعوب المنطقة العربية من القوي الأجنبية ومنها جريمة التعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي والسماح للصهاينة بالتغلغل داخل العراق عبر إقليم كردستان وكذلك السماح باستمرار نهب بتبديد الثروات الطبيعية للشعب العراقي واستغلالها في تمويل مغامرات سياسية وإشباع مصالح حزبية ضيقة هذا ناهيكم عن الإستفادة من نزيف تلك الموارد في تكوين ثروات شخصية وخدمة مصالح الشريحة الإجتماعية وتكتل المصالح السياسية المهيمنة علي إقليم كردستان

علي الأخوة العراقيين داخل كردستان أن يفهموا أن مصلحتهم وتطور أوضاعهم لن يأتي عبر تلك المغامرة الإنفصالية المدمرة لكل العراق وأولهم الأكراد أنفسهم،
وأنها مغامرة محكوم عليها بالفشل والإنقضاء المحتم لكون مجرد تحققها يتعارض مع الأمن القومي لأكثر من ثلاث قوي إقليمية تحف وتحيط بجوانبها ومنها أكبر قوتين إقليميتين في الشرق الأوسط

لاطريق لتطور أوضاع العراقيين الأكراد وتقدمهم إلا عبر الإنخراط في نضال من أجل حرية كل الشعب العراقي وتطور أوضاعه ووحدة وتقدم دولته واستقلالها وبسط كامل سيطرتها علي كامل أراضيها وكامل ثرواتها ومواردها الطبيعية

وفي النهاية ومن قبل ومن بعد فالأمر كله مرهون بإرادة الشعب العراقي وبنضالاته من أجل وحدة أرضه وتقدم وتماسك دولته

كان الله في عون القوي الوطنية العراقية التي تواجه امتحاناً صعباً يتداخل مع استحقاقات وطنية كبري ومصيرية لايمكن تأجيلها

المجد لشعب العراق الحبيب
__________
حمدى عبد العزيز
16 سبتمبر 2017