عرض وتلخيص مقدمة مارتن نيكولوس ل -الغروندريسّة-


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 5644 - 2017 / 9 / 19 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

العنوان: "الغروندريسّة؛ أسس نقد الاقتصاد السياسي، بالألمانية : The " Grundrisse der Kritik der Politischen Ökonomie"
وقد اقترح ماركس عام 1858 عنواناً آخر هو : "نقد المقولات الاقتصادية (رسالة إلى لاسال، 22 شباط 1858 ) . وقد كتبت "الغروندريسّة" على شكل دفاتر أو كراسات .
"تلعب النقود ورأس المال دوراً كمتضادين (نقيضين) رئيسيين ضمن العمل ككل (ضمن الدفاتر)، إذ تظهر النقود لتشير لا إلى مجرد قطعة ورق أو معدن ، بل بالأحرى إلى نظام شامل من العلاقات الاجتماعية المستندة إلى قواعد وقوانين معينة ، وتنطوي على سياسة وحضارة بل وحتى شخصية معينة . أما رأس المال فيظهر هو الآخر كنظام من العلاقات الاجتماعية لكنه يستند إلى قوانين معاكسة للأولى تماماً ، بحيث أن الاقتصاد الرأسمالي ككل يمكن أن ينظر إليه ، وببسيط العبارة ، مدفوعاً إلى الأمام ومقوضاً في الوقت نفسه بفعل التوترات الكامنة فيه بين هاتين القوتين المكونتين له بشكل مشترك.
في نظرة تتجه من النظام الرأسمالي إلى الأنماط ما قبل الرأسمالية تظهر النقود كمقولة بسيطة ضمن مقولة عينية ومعاصرة هي مقولة رأس المال في النظام الرأسمالي الحديث. يكتب ماركس: "ليس رأس المال علاقة بسيطة ، بل إنه عملية يكون في أثناء كل لحظاتها المختلفة رأس مال دوماً" . يضيف ماركس: "لقد فقدت النقود صلابتها ، فبعد أن كانت شيئاً محسوساً(عنصراً) صارت عملية " (الدفتر الثاني)
تكمن مساهمة ماركس في دراسة النقود "في كشفه للفرضيات الاجتماعية والسياسية والقانونية للتعاريف المبتذلة للنقود التي تحويها كتب الاقتصاد السياسي المدرسية ، أي أن ماركس يعالج النقود والقيمة كعلاقات اجتماعية . وهو من ناحية ثانية يعالج الوظائف المختلفة للنقود في ترابطها ، كاشفاً التناقضات فيما بينها وضمنها ، وهو يعالج هذه الشبكة من العلاقات الاجتماعية في سياقها التاريخي باعتبارها نابعة من أصل وتنطوي على نهاية .
نعود إلى "الغروندريسّة" : "إن قياس استغلال العامل ليس معدل الربح ، بل معدل القيمة الفائضة " The rate of surplus value
في ملاحظة حول العلاقات الحقيقية بين الحرية البورجوازية والسوق يقول نيكولوس: "إن المساواة والحرية بصفتهما "مجرد أفكار" ليست إلا "تعابير مثالية" للعلاقات السائدة في دائرة التداول والعلاقات الاجتماعية والقانونية والسياسية التي تؤطر حرية ومساواة المالكين الأفراد ، هي مجرد بنى فوقية لما يجري في السوق"
في المجلد الأول من رأس المال يدرس ماركس التناقضات الرأسمالية بشكلها الجنيني [كائن بالقوة] potentially والتي تعبّر عنها مقولة السلعة (البضاعة). أما في المجلد الثالث فيدرس نمو هذه التناقضات بالفعل actually؛ أي النظام الرأسمالي (الإنتاج البضاعي) بمجمله .
يبدأ ماركس بالنقود [المبتذلة الشائعة؛ أي بالمفاهيم المبتذلة للنقود] ، ثم يغوص في مقولات المجتمع البورجوازي : القيمة، العمل ثم يضيف مقولاته التي هي قوة العمل الحية كسلعة من نمط خاص (خلّاق وحي )، فضل القيمة .. التبادل .. ، ليخرج بمفهوم جديد للنقود (نقود ماركس: أي مفهومه للنقود بعد هذا العَوْدُ الأحمد).
ينطلق ماركس إذاً من المفهوم البورجوازي المبتذل في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي الإنكليزي حول النقود وينتهي على السطح من الجهة الثانية خارجاً بمفهوم جديد وعميق للنقود كما خرج إنياس (بطل آينيدة فرجيل)عند شاطئ البحر من العالم السفلي ، مما يخلق فارقاً جوهرياً في طبيعة المفهوم وتحولاً أساسياً في طبيعة المناقشة .
التناقضات الرأسمالية كإمكانية كامنة في البضاعة (السلعة) يعالجها ماركس في المجلد الأول من الرأسمال ، بينما يعالج التناقضات عبر نموها وصيرورتها واقعاً فعلياً؛ أي خلال سير تطورها التاريخي الفعلي ، في المجلد الثالث من كتابه الرأسمال (نقد الاقتصاد السياسي).
يبدو أن هناك تناقضاً بين الكتاب الأول من الرأسمال وبين الكتاب الثالث منه، وهو التناقض بين الإمكانية والواقع الفعلي عبر النمو التاريخي والفعلي لهذه الإمكانية (بين الكائن بالقوة والكائن بالفعل ). وهذا النمو مشروط بظروف ، بمكان وزمان محددين في كل قطر.
لاحظ أيها القارئ المحترم هذا المقتطف لماركس: "من هنا فإن أرقى تطور للقوى المنتجة جنباً مع أكبر توسع في الثروة القائمة سيتطابقان مع اهتلاك رأس المال ، وانحطاط العامل وإنهاك قواه الحية بأكثر الأشكال فظاظة . وتولد هذه التناقضات انفجارات عنيفة وأزمات تؤدي آنياً إلى تعطيل العمل وإبادة حصة كبيرة من رأس المال بحيث يتقلص الأخير بشدة إلى المستوى الذي يستطيع عنده النشاط من جديد .. بيد أن هذه المصائب المتكررة بانتظام إنما تعاود الظهور بنطاق متسع حتى تصل أخيراً إلى الإسقاط العنيف للنظام "
يلاحظ هنا استخدام الفعل "أسقط" وليس الفعل "سقط" في إشارة مهمة إلى أن سقوط النظام الرأسمالي ليس سقوطاً عبر أزمات اقتصادية ، أي ليس عفوياً وميكانيكياً بل هو إسقاط عبر الممارسة السياسية الواعية للطبقات الهامشية وفي مقدمتها الطبقة العاملة . نقتطف من هاري ماجدوف قوله: "الدرس الهام الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياً.. فمصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات الناشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال النظام القائم " .. إن مثل هذه المجتمعات لا تنشأ من دون تغيير في تركيب السلطة ، من دون نقل السلطة إلى تلك الطبقات التي ستعيد ترتيب الأولويات الاجتماعية في اتجاه القضاء على الفقر والتعاسة ، والتي ستعتمد على البشر كما على العلم والتكنولوجيا"
يقول نيكولوس: "إن الغروند ريسّة سجل لذهن ماركس أثناء العمل وكيف يتلمس طريقه إذ يعالج القضايا الجوهرية للنظرية" . في 16 كانون الثاني 1858 ماركس يكتب إلى إنجلز في مانشستر: " لقد حققت تطوراً مفرحاً ، فمثلاً طوّحت بمذهب الربح كلياً كما كان ينظر إليه في السابق ، ومن حيث أسلوب العمل ، أفادني كثيراً أنني بمحض الصدفة ... تصفحت منطق هيغل من جديد "
كان ماركس قد قدم نقداً إجمالياً لفلسفة هيغل في المخطوطات الاقتصادية الفلسفية عام 1844 Critique of Hegel’s Philosophy in General ، ثم عاد واستدرك نقده وقال إن هذا غير كاف. وهذا ما ظهر في تذييل الطبعة الثانية لرأس المال المؤرخة في 24 كانون الثاني 1873 يكتب ماركس: ".. إن الطابع الصوفي الذي ارتداه الديالكتيك على يدي هيغل لم يحل إطلاقاً دون أن يكون هيغل بالذات أول من قدم تصويراً شاملاً وواعياً للأشكال العامة لحركته" . ويقول لينين منتقداً إهمال بليخانوف: "إن الديالكتيك هو حقاً نظرية المعرفة (عند هيغل و ) عند الماركسية : "إن هذا "الجانب" من الأمر وهو ليس "جانباً" ، إنما هو جوهر الأمر قد أهمله بليخانوف، فضلاً عن الماركسيين الآخرين" . ويضيف لينين: "إن من المستحيل تماماً فهم رأس مال ماركس ، بخاصة فصله الأول من دون دراسة وفهم معمقين لـ (منطق )هيغل كلّه . ولهذا فإن أياً من الماركسيين لم يفهم ماركس بعد مضي نصف قرن " كل هذا للإشارة إلى أهمية منطق هيغل ؛ كل منطق هيغل. ولأن الحركة هي [المطلق] الثابت الوحيد ،فإن ماركس مثل هيغل، يستخدم تعبير "اللحظة" "moment" للدلالة على ما يسمى في نظام ساكن بـالـ "عنصر" أو "العامل" وهذا التعبير: "moment" يشير لدى ماركس إلى معنيين في آن واحد : فترة زمنية، وقوة كتلة متحركة. جاء في المورد في معنى كلمة moment : (1) لحظة، (2) فترة ، امتياز أو تفوق ، (3) أهمية (4) مرحلة في تطور الأحداث (5) العزم (ميكانيك) ؛ عزم القوة" . وقد أشار لينين إلى غياب الزمن عند هيغل ، في ملاحظاته على علم المنطق (خلاصة علم المنطق لهيغل- الدفاتر الفلسفية) . بقول آخر إن غياب الزمن عند هيغل يعني غياب التوسطات ؛ غياب الشرط الغير ذاتي.
نقرأ عند نيكولوس: "التناقض الملموس بين منهج ماركس ومنهج هيغل حول مسألة الزمن، ماركس (وقت العمل، وقت التداول ، الخ..)"
"إن مسألة الإحاطة بالشيء بالنسبة لماركس كما لهيغل ، هي بالدرجة الأولى ، الإحاطة بكونه في حالة حركة. وما يجعل هذه الخطوة المنطقية أكثر صعوبة هو أن هذه المسالة ليست بدهية على الإطلاق في المجرى العادي للأحداث ".. " فقط حين تنهار الأشياء أو تتصدع فجأة يغدو بدهياً أن حركة كانت في داخلها طوال الوقت " (ماركس). لاحظ أيها القارئ أن الاستقرار توتر؛ والتوتر حركة.
إن هذا السطح الهادئ الذي يخفي اضطراباً دائماً ، هو ما أسماه هيغل بـ "الحضور" الذي حين تقيم الحواس علاقة معه يغدو مظهراً لأشياء . وقد عرّف هيغل هذا الحضور بذكاء بأن له شكل وحدة مباشرة ، أحادية الجانب ، يخفي (شكل الوحدة) المتناقضات تحت سطحه. الوحدة هي وحدة ما هو مزدوج ، ولحظة الاستقرار هي توتر ، صراع وحركة خفية عن النظر العادي. السوق يمثل مجموعة العلاقات الأكثر عمومية وظهوراً وحضوراً في المجتمع الرأسمالي. والأيديولوجيا المستخلصة من السوق شبكة معقدة لا تعكس هذا المظهر فحسب ، بل الخطوات والأوهام وأوجه الشبه الأخرى . ففي موضع السوق تعرض أشكال الحرية والمساواة نفسها، وهناك يتلاشى التمييز بين البائع والمشتري ليصيرا وحدة. يكتب ماركس: " من المستحيل العثور على ذرة تمييز ، ناهيكم عن التناقض بينهما ، بل ليست هناك فوارق" (الدفتر الثاني)
ليس "الحضور" غير الوحدة المباشرة أحادية الجانب للعمليات الجارية في الأعماق ، لكنه لحظة موضوعية من لحظات الكُلّ ، ولا بد أن يكون متضمناً في مفهومه (مفهوم الكُلّ). هذا الحضور تابع متحدِّد ، إنه شيء ذو خواص محددة ، ويمكن بالإضافة لذلك قياسه كمياً . الحضور حدّ، قيد لأنه يدخل نفسه في تعارض منذ البدء مع توسع الشيء اللانهائي.
نضرب مثلاً؛ قانون القيمة ؛ أو التبادل المتكافئ! ؛ وحدة المتناقضات . إن قانون القيمة حد بوصفه كمية (كتلة القيم المتبادلة بشكل نقدي، الأجور النهائية) وبوصفه مقياساً (وقت العمل بوصفه مقياساً للقيمة) وكنوعية (قوة عمل حية خالقة للثروة على شكل قيم من نمط خاص؛ قيم للاستعمال)

نلخص قانون القيمة:
1- كمية ؛ القيمة كنقد، وكأجور نهائية
2- مقياساً؛ القيمة كزمن ؛ ساعات العمل ؛ وقت العمل الضروري اجتماعياً كمقياس للقيمة .
3- نوعية ؛ كيفية : القيمة كقوة عمل حية ؛ أي كسلعة من نمط خاص التي هي "قوة عمل" العامل، وهذه القوة الحيّة أو السلعة الخاصة هي خالقة الثروة على شكل خاص ؛ أي على شكل قيم للاستعمال والاستهلاك.
يكتب ماركس: "فمعالجة عمليات السطح هذه كمجرد أمر شكلي فارغ ليست له إلاّ أهمية اسمية؛ يعني العجز عن الإحاطة بالكل . وهو خطأ ريكاردو ، على سبيل المثال في معالجته لمسألة النقود.. إن معالجته لمسائل الاقتصاد السياسي كانت وحيدة الجانب ، شكلية ، سطحية " (الدفتر الثالث)
إن السَّلب negation ، حسب رأي هيغل ، هو القوة الخلّاقة . لفهم النقود ينبغي التغلغل في جوهر رأس المال [رأس المال كسيرورة؛ كسلسلة من العمليات و من اللحظات].
كلما ازداد سلب العامل لنفسه، أو كلما ازداد سلبه من جانب رأس المال ، ازدادت الثروة التي يخلق .. فالسلب إذاً لا يعطي الشيء السمات الخاصة به في ذاته فحسب ، إنه كوضع (إيجاب) يعطيه سماته أمام الآخرين (يبين علاقته بالآخرين). يكتب ماركس: " في جوهر رأس المال ، فإن العامل بنفيه لنفسه (سلبه إياها) لا يعطي القيمة الفائضة للآخرين فحسب، ولكنه أيضاً يخلق ويعيد خلق علاقات العمل الأجير بذاتها ، ويخلق ويعيد خلق نفسه كعبد للأجر ورأس المال كرأس مال ، أما بالنسبة للعامل والرأسمالي كأفراد فإنهما لا يظهران في العملية إلا كـ "عمل أجير" و "رأسمال" بذاتيهما". لاحظ هنا جيداً أن عملية الإنتاج تعميق لا نهائي للتناقض النسبي..
إذا أردنا الإحاطة بالمجتمع ككل في حالة الحركة (أثناء سير عمله) فالأمر الجوهري الأول والأساس هو استيعاب دينامية عملية الإنتاج المباشرة ، لأن الطاقة أو محرك الكل – كما قال هيغل- تستمد مصدرها من التناقض الشامل أو الإجمالي.
الكل هو في أكثر الصياغات تجريدية . وحسب هيغل الكل وحدة الوحدة واللاوحدة . الكل عمليتان: 1- عملية السطح الناتج عنها هوية مباشرة أحادية الجانب ، تعوزها القوة الدافعة لإعادة توليدها 2- عملية تحت السطح هي المهيّجة للتناقضات . [الهوية ومولّد الهوية]
في هذا الكل يمثل التناقض (اللاوحدة) اللحظة المهيمنة (الغالبة) لأنه يضفي طابعه على الآخر ويحدد طبيعة الكل .
يكتب ماركس: "إن السطح قيد (حدّ) على طبيعة نفسه ويغدو هذا القيد في مجرى التطور حاجزاً أكثر تضييقاً" .. وعند نقطة معينة يحدث ما يسميه هيغل وماركس القلب أو الإسقاط المفاجئ والقافز ، حيث يتم نقض (نفي ) القيد السابق أو الوحدة (قانون التكافؤ) ويعلق التناقض إذ يتحول الكل إلى عكسه مع بروز وحدات وتناقضات من نوع مختلف ومستوى أعلى .
"إن تتبع التطور الدقيق لمفهوم رأس المال أمر ضروري ، طالما أنه المفهوم الجوهري في الاقتصاد المعاصر ، كما أن رأس المال نفسه الذي تمثل صورته المجردة والمعكوسة مفهوم علم الاقتصاد ، هو في الوقت نفسه أساس المجتمع البورجوازي . ولا بد للصياغة الدقيقة للفرضيات الأساس لهذه العلاقة أن تبرز كل تناقضات الإنتاج البورجوازي بالإضافة إلى الحدود التي تندفع بعدها إلى تجاوز نفسها " (الدفتر الثالث )
جوهر المنهج هو الإحاطة بالكل باعتباره مجموعة تناقضات . هذا هو الدرس الأعظم الذي تعلمه ماركس من هيغل . لكن ماركس لا يكتفي بذلك بل ينتقد طريقة هيغل ويقلبه، عبر هيمنة مقولة جديدة في ديالكتيك ماركس هي مقولة التناقض بدلاً من هيمنة مقولة النسق أو النظام عند هيغل.
ماركس يقلب هيغل على النحو التالي: "إن التاريخ الحقيقي – والقول لماركس- للعالم ليس نتاج "عقل فذ" بل إن هذا العقل وكل علاقاته نتاج رأس الإنسان المنغرس في التاريخ الحقيقي [الفعلي] والاثنان مدفوعان ومحددان بأنماط وجود اجتماعية – اقتصادية متغيرة ومحددة... فالعقل نتاج رأس الإنسان متكامل مع جسده الحسي والمادي والاجتماعي . ومن خلال توجيه هذا الرأس للجسد يستطيع تعديل تاريخه وهو يقوم بذلك فعلاً معدلاً بذلك مصادر وشروط التفكير" [فاعلية المفهوم الموضوعي وفاعلية ممارسة البشر]
لقد تم قلب هيغل وإيقافه على قدميه من قبل كل من فيورباخ وماركس ، وإن بدرجات متفاوتة في أوائل الأربعينات من القرن التاسع عشر . يلخص (تقديم مارتن نيكولوس للغروندريسّة) هذه العملية ببراعة . وفي تذييل الطبعة الثانية لرأس المال - لمجلد الأول التي كتبها ماركس سنة 1873 يصف فيها عملية القلب بأنها إيقاف هيغل على قدميه مجدداً.
يقول ماركس حين يتحدث عن منطق هيغل: " فالديالكتيك يقف على رأسه عند هيغل . بينما ينبغي إيقافه على قدميه بغية الكشف عن اللب العقلاني تحت القشرة الصوفية "
لابد أن يقلب هيغل رأساً على عقب إذا أريد اكتشاف النواة العقلانية داخل القشرة الصوفية " لاحظ أيها القارئ المتأني أن ماركس لا يقول: أن قلب جدل هيغل رأساً على عقب ، وإيقافه على قدميه يكفي للوصول إلى الديالكتيك بشكله العقلاني (الديالكتيك الماديّ) ؛ هذه العملية خطوة أولى فحسب ، يمكن بعدها للخطوة الثانية ؛ (بناء مقولات الديالكتيك العقلاني ) أن تشق طريقها.
إن ديالكتيك ماركس المادي لا يساوي أبداً مجرد مقلوب حسابيّ لديالكتيك هيغل. لكن مقلوب ديالكتيك هيغل يقود إلى ماركس. "وهكذا فإن نقد منهج هيغل الديالكتيكي هو نقد لنظريته في التناقض" يكتب ماركس: "إن طريقتي الديالكتيكية لا تختلف من حيث الأساس عن طريقة هيغل وحسب ، بل وتناقضها بصورة مباشرة. وبالنسبة إلى هيغل فإن عملية التفكير ، التي يحولها تحت اسم الفكرة إلى ذات مستقلة ، هي ديمورغ (خالق، مبدع) الواقع الذي لا يشكل سوى مجرد مظهر لتجليها الخارجي . أما عندي فعلى العكس ، فالمثالي ما هو إلاّ مادي منقول إلى رأس الإنسان ومحول فيه" . لاحظ هنا عمليتين في الرأس: النقل والتحويل، وهذا الأخير ( التحويل أو الترجمة) هو ما يسميه هيغل "فاعلية المفهوم ". ورغم أن الديالكتيك قد عانى على يد هيغل من الصوفية ، فإن ذلك لم يمنع هيغل من أن يكون أول من عرض الأشكال العامة لحركة الديالكتيك بأسلوب شامل وواع " .
"إن نقد منهج هيغل الديالكتيكي .. هو نقد للعمليات الرئيسية التي يمر بها المفهوم الهيغلي، و[نقد] لتناول هيغل للحركة"
بعض الفوارق المهمة بين مفهومي هيغل وماركس للمنهج الديالكتيكي:
1- المقولة الأولى ، من أين ننطلق ؛ أو نبدأ؟
2- المقولة الثانية ، ما إذا كانت التناقضات ضمن أي وحدة متطابقة بشكل مباشر بالضرورة أم بشكل غير مباشر وفي شروط محددة؟
إذا كانت المتناقضات ضمن أية وحدة متطابقة بشكل مباشر؛ هذا يعني إلغاء للزمن . وإذا كان هذا التطابق يحتاج إلى شروط محددة (إلى توسطات) فهذا يعني وجود الزمن ؛ الحالة الأولى حاصلة عند هغل لأن التناقض قائم ضمن النسق أو النظام ، أما الحالة الثانية فهي قائمة عند ماركس لأن النسق أو النظام هو لحظة إيجابية أو وضعية من لحظات التناقض أو سير تطور التناقض (سير الحركة)
هيغل يلغي الزمن بتوحيده المتناقضات بشكل مباشر ودون أي توسطات ؛ مثال ذلك أن الفكرة عنده تنسلخ (تنسلب) إلى طبيعة خارجية (تظهر؛ تتخارج) من دون وساطة كما تخرج الفراشة من الشرنقة- الفكرة تصير واقع فعلي بوساطة ذاتها. الوجود يصير عدماً بشكل مباشر عند هيغل.
المسألة الأولى:
هيغل: الوجود المحض الخالص، ثم العدم الخالص؛ لا يمكن تصور الوجود الخالص من دون نقيضه المباشر، العدم الخالص. هذا تجريد غير تاريخي.
ماركس محاكياً هيغل: الإنتاج المادي بشكل عام ، الاستهلاك بشكل عام ؛ لا يمكن تصور الإنتاج بشكل عام من دون تصور الاستهلاك بشكل عام كنقيض مباشر. هذا التجريد غير تاريخي. هذا التصور يظهر الوحدة دون إبراز الفروق الجوهرية . ومن هنا لا تاريخية هذا التصور للبداية (أو للانطلاق)
يتابع ماركس تقدمه في هذه المسألة: ".. إن الإنتاج المادي مقولة مجردة عن التطور التاريخي بدل أن تكون مفسرة له .. . إن الإنتاج بشكل عام هو تجريد ، ولكنه تجريد عقلاني طالما أنه يبرز العنصر المشترك ويثبته حقاً موفراً علينا بذلك التكرار . ومع ذلك فإن هذه المقولة العامة ، هذا العنصر المشترك الذي تم تمحيصه وفرزه من خلال المقارنة ، خضع إلى التجزئة مراراً وانقسم حسب محددات مختلفة... إن المحددات المنطبقة مع الإنتاج [بالمعنى المجرد] يجب أن تصنف بدقة بحيث أنها في وحدتها ... لا يمكن نسيان الفرق الجوهري بينها" . وباختصار فإن "الإنتاج بصورة عامة" مقولة لا يمكن من خلالها الإحاطة بأية مرحلة تاريخية حقيقية (فعلية) للإنتاج .
إن الصفحات العديدة من مقدمة الغروندريسّة عند ماركس التي تعالج التطابق بين الإنتاج والاستهلاك هي في الوقت نفسه تقليد جادّ لمدخل كتاب هيغل المدرسي ، ومحاكاة تهكمية للكتاب . إنه كشف للديالكتيك المثالي الذي يبرهن على تفوقه الساحق على المادية الميكانيكية والتجريبية.
لاحظ أيها القارئ المتبصر: ماركس يقلد هيغل في المدخل ويحاكيه محاكاة ساخرة في المتن(متن الكتاب؛ المنطق). "يوجد في كل تمثيل ، (تقليد، محاكاة، تكرار) نقص باستثناء المحاكاة الساخرة parody "
يكتب ماركس: "وحتى أنني عمدت في بعض مواضع الفصل المتعلق بنظرية القيمة إلى محاكاة طريقة هيغل في التعبير "
ومع ذلك تبدو ملاحظات ماركس الساخرة من هذه المتطابقات ونقدها اللاحق لأنها " كما لو كانت المهمة هي الموازنة الديالكتيكية بين المفاهيم لا الإحاطة بالعلاقات الحقيقية ... وعلى هذا فليس هناك ما هو أسهل على الهيغليّ من تثبيت الإنتاج والاستهلاك المتطابقين . وهذا ما قام به لا المزركشون الاشتراكيون لوحدهم (برودون) فحسب، بل الاقتصاديون المبتذلون أنفسهم "
يصف ماركس مسارين اتخذهما البحث الاقتصادي السياسي : الأول؛ انطلق من "الكل الحي" (مثلاً، دولة أمة؛ فرنسا، بريطانيا) لينتهي عبر التحليل إلى اكتشاف عدد صغير من العلاقات المحددة ، المجردة ، العامة كتقسيم العمل ، النقود ، القيمة، الخ.. والثاني؛ يسير في الاتجاه المعاكس مبتدئاً بالعلاقات البسيطة ، المجردة، العامة ليصل في النهاية إلى "الكل الحي" . يستنتج ماركس: "بدهي أن الأخير هو المنهج العلمي الصحيح"
ولكن، أليس لهذه المقولات الأبسط وجود تاريخي أو طبيعي مستقل يسبق المقولات الأكثر عيانية ؟" .. إن البداية الملائمة ليست تلك المنطلقة من فجر التاريخ ، بل الأحرى الانطلاق من المقولة التي تحتل مركزاً مهيمناً ضمن التشكيلة الاجتماعية المحددة محل الدرس(موضوع الدراسة) "
"إن البداية الملائمة لنقد المقولات (مقولات النظام ) الاقتصادية البورجوازية ليست "الإنتاج المادي بشكل عام"، بل "رأس المال" أو على الأقل "الإنتاج من أجل القيمة التبادلية" فتلك هي المقولات التي تحكم هذا المجتمع" . لاحظ أن أفضل بداية هي النهاية لأنها تتضمن بشكل كامن كل تناقضات النظام ؛ على سبيل المثال، ماركس يبدأ بدراسة البضاعة أو السلعة عند دراسة عمليات رأس المال لأن السلعة هي الناتج "النهائي" لرأس المال ، أي الناتج المعد للاستهلاك .
لكي نتوصل إلى البداية الملائمة ، أي نقطة البداية التي تلقي بها جانباً صوفية هيغل و "الاقتصاديين المبتذلين" وشكوك ماركس نفسه لا بد لنا من الذهاب إلى آخر صفحة في الدفتر السابع من الغروندريسّة حيث القسم الذي أعطاه ماركس عنواناً فرعياً هو "القيمة" مع الملاحظة التالية : "يجب تقديمه إلى البداية " . هذه النكشة أو النُكْتة هي محاولة أصيلة لإعادة تلخيص محتويات كل المخطوط في شكل منهاجي متماسك . وتبدأ الفقرة كالتالي : "أولى المقولات التي تنكشف الثروة البورجوازية عبرها هي السلعة . وتبدو السلعة نفسها كوحدة لجانبين [قيمة استعماليه من جانب وقيمة تبادلية من الجانب الآخر] .. " إنها نقطة البدء في كتاب ماركس "إسهام في نقد الاقتصاد السياسي (1859) " وكذلك المجلد الأول من كتاب "رأس المال" (1867). إنها بداية مجسدة ومادية وتكاد تكون ملموسة منذ اللحظة الأولى ، فضلاً عن كونها محددة تاريخياً (أسلوب الإنتاج الرأسمالي) ، وتحتوي في داخلها على التناقض الأساس لنمط الإنتاج الرأسمالي ، وهي (السلعة) وحدة نقيضين ، يضم تطورها كل تناقضات هذا النمط الإنتاجي الأخرى.
"هذه البداية غير النقية" (المحددة؛ التاريخية) التي تنتهي إليها الغروند ريسّة تتفوق كديالكتيك على البدايات السابقة لأنها تحتوي على التناقض منذ البدء، بشكل جنيني ، فيما تنطلق البدايات "النقية " (غير المحددة ، الخالدة، المطلقة، الشمولية.. الله، الخ..) بطريقة زائفة إذ تستبعد النقيض (وإلا لما أصبحت نقية) ؛ وعند ذاك عليها أن تختلق النقيض اختلاقاً من العدم وبطريقة سحرية كما خرجت حواء من ضلع آدم . على البداية أن تكون "مادية" تنطلق من "المجسد " و"المحدد" بالتالي، وعلى حد تعبير هيغل نفسه ، "من المتناقض في ذاته " يقول ماركس في مقدمة "إسهام في نقد الاقتصاد السياسي" البديل لمقدمة الغروندريسّة ما يلي: "إنني أطوي مقدمة عامة كنت سطرتها على الورق .. إذ بتفحص الأمر بدقة أكبر يبدو لي أن أي استباق لنتائج تنتظر البرهنة عليها بعد ، هو تشويش . وعلى القارئ الراغب في متابعتي أصلاً أن يوطن نفسه على القفز من المحدد (الخاص) إلى العام "
المسألة الثانية: الفارق الجوهري بين المنهج الديالكتيكي في أيدي مثالية عنه في أيدي مادية ؛ نعني بذلك مسألة درجة المباشرة في وحدة المتضادات. "كل وحدة تتكون من أقطاب أو جوانب متضادة ، هل يترتب على ذلك أن وحدة هذه المتضادات مطلقة، مباشرة وغير مشروطة ، أم أنها بالأحرى متضادات بحاجة إلى وسيط لكي تشكل وحدة وأن فاعلية هذا الوسيط (وبالتالي الحفاظ على الوحدة) تعتمد على شروط معينة قد تكون متوافرة وقد لا تكون ؟". الوحدة المباشرة تترك الثنائيات المباشرة من دون مساس . والنقطة الأكثر إستراتيجية في المقارنة هي لحظة اكتمال عملية الإنتاج الرأسمالي عندما تقارب حصيلتها ، أي السلع ؛ الدخول مجدداً في التداول بهدف الاستهلاك . هنا لا تطرح وحدة العمليتين كمتضادات (بشكل عام) على امتداد التاريخ، بل في إطار الرأسمالية على التحديد (أي في شروط محددة تاريخياً). فهل الوحدة بين الإنتاج والاستهلاك وحدة مباشرة؟ على العكس تماماً. يكتب ماركس: "نقطة الأساس هنا ، إذا نحن معنيون بالمفهوم العام لرأس المال ، هي أن هذه الوحدة بين الإنتاج والاستهلاك (التحقيق) ليست مباشرة ، بل هي كعملية فحسب مرتبطة بشروط محددة (مشروطة)" (الدفتر الرابع)
يهاجم ماركس صراحة المفهوم الذي يقول أن "الإنتاج متطابق مباشرة مع الاستهلاك" ويبين أن هذا المفهوم ، حين يتبناه الأكثر مهارة مثل ريكاردو، قد يقود إلى رؤى عميقة لكنه لا يقود إلى الإحاطة بالكل في حالة حركة، وهو يقود في النهاية ، حين يتبناه الأقل قدرة ، إلى صبيانية وسخافة". .."بادئ ذي بدء هناك حدود ليست كامنة في الإنتاج بشكل عام ، بل في الإنتاج القائم على رأس المال " . تلك هي الصياغة المادية لوحدة المتناقضات (المتضادات) ، التي تنكر مباشرة وإطلاقاً حتمية تلك الوحدة وتؤكد بدل ذلك أن تلك الوحدة هي عملية تجري في الزمان والمكان وتتطلب وسائط مادية ذات طبيعة محددة ومشروطة (تاريخية).
يكتب نيكولوس: "إن دراسة مفصلة للديالكتيك المادي في الغروندريسّة ستكون دراسة للتوسطات لدى ماركس". من المحاولات العديدة للإحاطة بالخلاف الجوهري بين ديالكتيك هيغل وديالكتيك ماركس ما يلي:
1- المحاولة الأوضح والأكثر دقة والتي أكدت الغروندريسّة على كل تفاصيلها الجوهرية هي "حول الديالكتيك" وهي خلاصة قراءة لينين لمنطق هيغل ، وهو تعميم أصيل لعمل لينين في دراسة قضايا الفلسفة خلال سنتي 1914، 1915 . إضافة إلى ملاحظاته في "الدفاتر الفلسفية"
2- روسدولسكي: يشير إلى جوهر القضية دون أن يطورها .
3- جورج لوكاش: تعليق أهمية كبيرة على مسألة التوسّطات في عمل ماركس في كتابه "التاريخ والوعي الطبقي" ولا يبدو أن لوكاش يدرك أن صلة ماركس بهيغل تكمن هنا وبدرجة أكبر بمعارضة ماركس لهيغل . وتبقى هيغلية لوكاش عائقاً أمام رؤية ذلك.
4- هربرت ماركوز: في كتابه "العقل والثورة" يركز بصواب على الطبيعة التاريخية للديالكتيك لدى ماركس.
5- لويس ألتوسير: المحاولة الأحدث في "التناقض والتحديد المفرط" بحاجة إلى أن توقف على قدميها ، إذ أن مفهومه حول "التحديد المفرط" ، إما أن يكون مجرد قضية كمية (أكبر قدر، تراكم التناقضات) ، أو أنه صياغة مقلوبة وملتوية لشرطية وتوسط التناقضات . ويبقى ألتوسير غامضاً تماماً فيما يتعلق بالمسألة الأساس ؛ أي ما هو العقلاني وما هو الصوفي في مفهوم هيغل العام. كما أن هذا المقال الأولي "في التناقض والتحديد المفرط" لم يتناول "الغروندْريسّة" ولا "دفاتر لينين الفلسفية"!
إن محاولة ألتوسير هذه قد "بينت إمكانية البورجوازية على تحريف الماركسية" .
"إن التوسط في الهيكل الأساس لمناقشات هيغل هو إما ذاتي أو مطلق ، أو الاثنين معاً في وقت واحد" . هذا يعني أن التوسطات عند هيغل غير موضوعية وغير تاريخية . إن وحدة الأضداد مشروطة بالنسبة لماركس، مثال ذلك : السلعة أو البضاعة كوحدة نقيضين(قيمة استعماليه وقيمة تبادلية). هذه الوحدة مشروطة بنمط إنتاج محدد وتاريخي الذي هو نمط الإنتاج البضاعي. لكن تفكك الوحدة وصراع الأضداد وانهيارها أمور حتمية ، أما لدى هيغل فالحالة معكوسة بالضبط (الوحدة مطلقة) .
إن الهدف الرئيسي .. هو تبيان أن التناقضات داخل هذه الوحدة تقود بالضرورة إلى تعليق تلك الشروط نفسها ومن ثم تؤدي إلى تحطيم الإنتاج السلعي وقيام نظام يستند إلى قيم الاستعمال.
يخلص هيغل إلى وجود متوحِّد ، وجود ساكن ، وجود بلا عدم . فيما يخلص ماركس إلى صيرورة جديدة مشروطة بغياب التضاد الاجتماعي . إن المطلق بالنسبة لماركس مشروط هو الآخر (مطلق ضمن حدود زمانية ومكانية؛ مطلق ضمن فترة تاريخية) . الصيرورة الاشتراكية للبشرية مشروطة بتحطيم العلاقات الرأسمالية ؛ تحطيم الإنتاج البضاعي .
ننتقل إلى نقطة أخرى في المقدمة: "إن العمل هو نشاط العامل، وهو خالق كل قيمة.. وهو (العمل) بحد ذاته لا قيمة له.. إن مقياسه الوحيد هو الزمن.. والسلعة التي يبيعها العامل إلى الرأسمالي هي قوة عمله، أو بشكل أكثر دقة بعد: الحق بالتصرف بقوة عمله أو عملها... أي الحق في كيفية استخدام تلك القوة.. لذا فإن بيع حق التصرف بقوة العمل ليس مجرد "فعل" اقتصادي محض، بل هو فعل سياسي.. ومع هذا المفهوم لما يبيع العامل للرأسمالي يكتسب تعبير "الاقتصاد السياسي" كامل معناه.." (الدفتر الثاني) إن مراجعة لمقدمة انجلز لطبعة 1891 من كراس ماركس "العمل الأجير و رأس المال" . يساعد على إبراز أهمية التحول من استخدام مفهوم "العمل" إلى استخدام مفهوم "قوة العمل " عند ماركس وانجلز. وهو انتقال من الهوية إلى الجوهر المتناقض؛ انتقال من القياس السطحي إلى الجوهر ؛ انتقال من الحضور إلى الجوهر؛ من البسيط إلى العيانيّ والمعاصر. العمل مقولة عامة لكل أنماط الإنتاج؛ بالتالي غير تاريخية، قوة العمل هي المتوسط الحسابي لقوة عمل العامل في قطر بعينه وضمن شروط نمط الإنتاج الرأسمالي العالمية، أي ضمن الزمن المحدد بالاجتماع الرأسمالي المعاصر(وقت العمل الضروري اجتماعياً).
مقولة العمل: مقولة بسيطة تظهر كسطح ، كظاهر للمقولة الثانية ، أو كمقولة سابقة لها تاريخياً .
مقولة قوة العمل: مقولة عينية تاريخية مشروطة بوجود نمط إنتاج محدد ؛ مقولة معاصرة.
نكتة (نقطة) أخرى بخصوص نظرية الربح الجديدة: يقول ماركس : هي "من كل النواحي أهم قانون في الاقتصاد السياسي المعاصر والأساس لفهم أعقد العلاقات" (الدفتر الرابع).. فقد كان الشكل متعلقاً إلى حد ما بالتنظيم الداخلي للموضوع . (شكل عرض الموضوع بعد الانتهاء من دراسته وبحثه)
ملاحظة حول "مخطوطات 1844 الاقتصادية – الفلسفية" (مخطوطات باريس) ؛ كانت الكتابات المبكرة وبخاصة مخطوطات 1844 بعيدة عن توضيح ما إذا كان الاستلاب (الاغتراب alienation) شرطاً إنسانياً شاملاً وخالداً ، أو أنه يجد جذوره في نمط الإنتاج الرأسمالي المحدد تاريخياً ، وبالتالي فهو وضع انتقالي ، عارض (بالمعنى التاريخي). يلاحظ في مخطوطات باريس وجود بقايا اتصال مع أنثروبولوجية فيورباخ؛ آثار من فيورباخ عند ماركس على شكل عدم وضوح . وقد وجد عدم الوضوح والتماسك التامين أسسهما، كما تم التعبير عنهما ، في مطابقة مفهوم "التشيؤ" مع مفهوم "الاستلاب" . ولما كان التشيؤ (صنع الأشياء؛ موضعة الفاعلية الإنسانية الروحية والبدنية أشياء) غير قابل للانفصال عن أي مجتمع إنساني يتجاوز المجتمع البدائي فإن مطابقة هذين التعبيرين يمكن تفسيره ببساطة باعتباره "رؤيا" ماركس للاستلاب على أنه استلاب أبدي؟!
يردّ ماركس في الغروندريسّة: "يحبس الاقتصاديون البورجوازيون أنفسهم ضمن مفاهيم تنتمي إلى مرحلة تاريخية محددة من مراحل التطور الاجتماعي لدرجة أن ضرورة تشييء قوى العمل الاجتماعي تبدو لهم غير قابلة للفصل عن استلابها في مواجهة العمل الحي " (الدفتر السابع) هنا يشْخصُ النظر بالدرجة الأولى إلى الاستلاب كعلاقة ملكية محددة ، هي بالتحديد علاقة بيع اضطرارية (تنازل عن الملكية ) إلى آخر (خصم [طبقي]) (الدفتر الرابع).. إن نظرية ماركس عن دائرة التداول مع نظريته في الإنتاج تقدم ضمنياً الأساس لنظرية عن أشكال الدولة . فعلى سبيل المثال ، وبشكل أولي ، تقدم الأولى الأساس لتفسير القشرة الديمقراطية وتقدم الثانية الأساس لتفسير الديكتاتورية الرأسمالية . (دكتاتورية طبقة اجتماعية؛ أي تنظيم الطبقة الحاكمة لسيطرتها وهيمنتها على المجتمع ككل) . هنا تطرح مهمة نظرية هي تطوير نظرية أساسية عن أشكال الدولة. في كتاب "أصل الأسرة والدولة والملكية الخاصة " يقدم انجلز إسهاماً ملفتاً. لكن علينا التفريق بشكل واضح بين "شكل الدولة" من جهة و "أشكال الحكم" من الجهة الثانية؛ فالدولة الواحدة ذات أشكال حكم مختلفة ومتنوعة.
في رسالة من ماركس إلى كوغلمان يعلن ماركس " أن نظرية عن أشكال الدولة محتواة في العمل نفسه ، ولكن لابد من تطويرها "