بصدد الاستفتاء، في الرد على ريبوار احمد


فلاح علوان
الحوار المتمدن - العدد: 5634 - 2017 / 9 / 8 - 19:33
المحور: القضية الكردية     

نشر ريبوار احمد مقالا حول الاستفتاء على موقع الحوار المتمدن بعنوان:
الاستفتاء هو حق الجماهير، لكن البارزاني والنزعة القومية الكردية هما نقطة ضعفه!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=570856
اود التنويه الى اني لست هنا بصدد تقييم الاستفتاء او تحديد الموقف منه، ولست اعارض حق تقرير المصير لجماهير كردستان، ولكني بصدد عرض موقفي من طرح يعتبر نفسه ماركسيا وشيوعيا، في حين لا ارى ما يدل على علمية وماركسية الطرح.
يقول ريبوار احمد "في الوقت الذي يعد الاستفتاء الحقيقي تعبيراً عن الارادة والقرار الواعيين لجماهير كردستان، بوسعه ان يكون مستهل مسار لقلب الوضعية الماساوية الراهنة والمضي قدماً صوب انهاء عمر السلطة المليشياتية والناهبة لهذه الاحزاب".
ثم يضيف: "ان الاستفتاء هو في الوقت ذاته خطوة ضرورية لتخليص كردستان من دوامة الفيدرالية الفاشلة الراهنة، وتزيل عائق امام النضال الطبقي للعمال وتيار الثورة العمالية".
بعد سيل من النعوت والاوصاف ضد الحركة القومية الكردية على اعتبار انها عشائرية، وفاسدة ومستبدة ومليشياتية، يستنتج: "ان الاستفتاء هو ضرورة لاستلال حجة القضية القومية من ايدي النزعة القومية التي وضفتها الاحزاب القومية لعقود في ايهام الجماهير وخداعها وتعبئتها حول اهدافهم الرجعية واستخدامها كجيش لتنفيذ صراعاتهم".
ولكن، ما هي مصلحة البرجوازية القومية المتسلطة، في القيام بهذا العمل اذا كان يمهد الارضية لتقويض حكمها؟ ولماذا تقوم السلطة المليشياتية المستبدة بمبادرة تهدد وجودها السياسي وتفتح الطريق امام الثورة العمالية؟ ان السؤال البسيط الذي يتبادر الى الذهن هو، وفق اي منطق استطاع ريبوار أحمد ان يستنتج قيام سلطة مستبدة ورجعية وتحمل كل الاوصاف التي اطلقها عليها، بالتحضير لعمل يزيل عائق امام النضال الطبقي وامام الثورة العمالية؟! وكيف يمكن لحكومة تعض بالنواجذ على السلطة ان تبادر الى استفتاء يكون " مستهل مسار لقلب الوضعية المأساوية الراهنة" ما لم تكن تريد الانتحار السياسي؟. فهل هي تتجه فعلا صوب هذا الخيار، أم ان استنتاج ريبوار احمد برمته لا اساس له وبالتالي فانه يسوق جملا وتعابير من عندياته لتبرير والتحريض على تبني مشروع البارزاني؟
ما هو دليل ريبوار احمد بأن الاستفتاء هو ضرورة "لاستلال حجة القضية القومية" وليس نصرا تاريخيا للحركة للقومية؟.
يمكن لكاتب المقال ان يوجه هذا الطرح ويدافع عنه ويروج له، كما هو من حق اي شخص، ويمكن الكاتب الوقوف في اي خندق يختار، ولكن لا ان يطرح طرحا برجوازيا مهلهلا، خليطا من القومية والاصلاحية وينسبه الى الاشتراكية او الماركسية.
يقول الكاتب: "لاكثر من ربع قرن، جعلوا الملايين ملحقاً لسياساتهم الرجعية، سبيلا لنهب كلا العائلتين وحواشيها من ثروة وامكانات لاحدود لها".
ان المجتمع الذي يتعرض للنهب طيلة اكثر من ربع قرن هو مجتمع بحاجة الى الثورة وليس الاستفتاء. لان الجماهير خلال الازمة تتطلع للتغيير الثوري للاوضاع اي الثورة، في حين ان مصلحة ووسيلة البرجوازية خلال الازمة هي الحرب او تشديد الاستبداد والتقشف، ان الاستفتاء ليس وسيلة ثورية قررتها الجماهير لكي يجري اعتبارها حلا لمعضلات المجتمع، وبالتالي فأن السير وراء سياسة البرجوازية يعني السير وراء سياسة الحرب بل التمهيد لها.
ان البرجوازية مستعدة لادخال المجتمع في طاحونة الحرب لاجل استمرار حكمها، وطحن مدن بل بلدان بكاملها، وخبرات التاريخ عديدة على امثال هذه السياسة التي انتهجتها البرجوازية خلال ازماتها المتكررة.
ان الحرب القومية في العراق ليست وشيكة وحسب، بل ان هناك مظاهر مناوشات وصدامات قد بدأت، وهناك اذاعات تحرض وتؤلب بهذا الاتجاه، وهي تشكل مقدمة وارضية للحرب، وحينها لن يجدي التفكير في من هو الذي بدأ الحرب ومن المعتدي، وسيكون التفكير بأقامة المجتمع المدني قد اصبح من الماضي. ان مهمة الماركسيين هي الوقوف الفوري بوجه التلويح بالحرب، وبوجه دعاتها من زعماء المليشيات وتجار الحروب، وهذا يتطلب بناء جبهة طبقية متماسكة وموقف طبقي اممي، لاينطلق من ارضية تمثيل قومية بوجه اخرى وتبني موقف برجوازية قوميته، اي كما حصل للاممية الثانية، بل موقفا بلشفيا يحبط مشروع دعاة الحرب ونافخي ابواقها، ويدعو لتوجيه البنادق صوب العدو الطبقي.
يقول الكاتب:
"ان المقرر الاول والاخير لمصير جماهير مجتمع كردستان هي جماهير كردستان نفسها،"
اذا كان الكاتب يعتبر هذا الاقرار معيارا لمصداقية وحقانية اي طرح بهذا الخصوص، فان قسما كبيرا من مجتمع كردستان، ومن خلال ناشطيه ومفكريه يطرح اراءا مخالفة تماما لمشروع البارزاني وطرح ريبوار، وللطروحات التي تدور في هذا الفلك. واذا اردنا الرجوع الى موقف جماهير كردستان فلا يمكن وضعه في اطار مشروع البارزاني او الموافقة والارتماء في خندق البرجوازية الكردية.
ان موقف الجماهير الحالي في كردستان يشكل في العديد من مظاهره مفاجأة، بل شكًل سابقة ومبادرة شعبية لمواجهة مشروع ذي ابعاد عالمية، وهو اول تصدٍ شعبي من مواقع يسارية في المنطقة للسياسات العامة ولترسيم مصير المجتمع. ويمكن ان يلعب هذا الاتجاه الشعبي دورا في انعطاف المنطقة الى اليسار اذا تطور وتبلور واستطاع حشد الجماهير معه، وربما يقود الى تقدم لا يقل تأثيرا عن الثورة التونسية والثورة المصرية.
وسط دخان الشرق الاوسط القاتم وركام البيوت المتهاوية على ساكنيها، ونيران القناصة وتصادم المليشيات وهيمنة امراء الحرب وتجار الدم والسلاح، وبيع البشر في سوق النخاسة، وجلسات موظفي الامم المتحدة ومسؤولي الدول العظمى باناقتهم وبرودهم، لتوجيه الحرب الوجهة المناسبة لسياساتهم، ينبري هذا الصوت الشعبي من اوساط جماهير كردستان، ليقول ما يريده الشعب وما يراه جوابا على سياسة البرجوازية. انه مقدمة لفصل صفوف الجماهير عن تأثير الايديولوجية البرجوازية، وهو موقف قابل للتطور الى اتجاه اشتراكي أممي.
وقد ابرز الحراك الشعبي بسرعة كتابا ومفكرين تقدميين وماركسيين، وهناك طرح ماركسي متنوع رغم انه ما زال غير متماسك من الناحية التنظيمية او التعبوية، ولكنه يخطو بأتجاه تقديم تصور علمي رصين. ان هذا يقتضي وجود منظمة نضالية، وهو ما تفتقر له الحركة في كردستان. انا ارى ان بناء هذا التيار وتأصيله وربطه بالحركة الشعبية وبالمطالب اليومية، ومواجهة البرجوازية المتأزمة ببديل، هو خطوة ثورية وستترك تأثيرا متتابعا في عموم الشرق الاوسط الساخن، وارى ان على دعاة الحرية والتقدم تقوية هذا التيار الذي لا يزال مجرد بصيص امل، وما زال في بداياته، ويحمل امكانية الانتصار الى جانب احتمال التراجع.
وعلى هذا الاساس فأن ريبوار احمد لن يجد سندا لطرحه في موقف الجماهير، بل مع القوى صاحبة المشروع ومع ممثليها وانصارها.
يقول الكاتب في موضع اخر:
"ولهذا، فان شرط تقدم هذه العملية هو تقصير ايدي البارزاني وحزبه وابطال دورهما". ولكن كيف سيمكن تقصير يد البارزاني الى جانب التحريض على اتباع مشروعه؟ وما معنى "ابطال دورهما"؟ ان ابطال الدور السياسي هو بانهاء سلطة ونفوذ حركة، لا بالاصطفاف وراءها ووراء مشاريعها.
وعند الحديث عن معارضي الاستفتاء يقول الكاتب:
"ان موقف هؤلاء لاصلة له قط بالتساع القلب على غد افضل لهذه الجماهير، بل يقطرون رياءاً"
لا يكفي ذم الاخرين لأن يكون دليلا على مصداقية طرف مقابل الاخر، سيمكن لاي من الموصوفين بالرياء ان يقول ان هذه المقالة تقطر رياءا اكثر، وهكذا لن يكون لدينا حجة او برهان.
يحصر الكاتب المسألة في اطار الخلاف او النزاع العربي الكردي ويقول:
"ان موقف القومية العربية الذي نراه في تصريحات حكومة العبادي والاطراف الاسلامية والقومية العربية، وبغض النظر عما يكون عليه طبيعة التبرير والحجة، ينبع من زاوية الشوفينية العربية التي تعتبر العراق بلداً عربياً وجزءاً من العالم العربي"
ان تصوير ريبوار احمد للمسألة على انها نتيجة نزاع بين العرب والكرد هو امر خاطئ وغير علمي وتحريضي، انه يعكس نظرة محلية ضيقة وغير تاريخية، وهو يتضمن عدم اعترافه بوجود شعوب اخرى في العراق لها وجودها ولها تاريخ في الصراع السياسي والقومي في العراق، مثل الشعب الاشوري والكلدان والشعب التركماني ذي الوجود المليوني، والايزديين، وعدم اعترافه بشأنها السياسي الطبقي والثقافي والقومي، ومعاناتها وصراعاتها السياسية والاجتماعية، سواء مع السلطة العروبية، او مع قوى قومية اخرى.
ان حصر المسألة على هذا النحو، هو تصور عرقي للمسألة القومية، انه لا يرقى حتى الى الفهم والاستعداد الذاتي للقومية، ولا يتناول اي بعد موضوعي للحركة القومية، انه حديث ذو طابع تحريضي يحث على الكراهية بين الاعراق ويعتبرها اساس الصراع، ان هذا الطرح اقرب للفاشية.
وكان على كاتب البحث قبل الخوض في الموضوع، ان يطلع على تاريخ الصراعات القومية في العراق الحديث منذ انتهاء الانتداب، وعدم استسهال الامر واطلاق جمل ذات طابع تحريضي. لا اريد الخوض هنا في تاريخ النزاعات القومية في العراق وجذورها، فهذا موضوع اخر بحاجة الى بحث اخر، ولكني اريد هنا ان اثبت عدم موافقتي لهذا الطرح في هذه النقطة كذلك.
ثم يضيف:
"لقد ازفت ساعة ان ترى وتسمع جماهير كردستان موقفاً اخر غير الموقف والنداء القومي-الشوفيني العربي، صوت اخر من زاوية تحررية واشتراكية واممية للدفاع عن الحق المسلم به لجماهير كردستان."
اذا لم يعتبر ريبوار احمد تضحيات الالاف الذين اعدموا او قتلوا او عذبوا وسجنوا، في مواجهة الحكم القومي العروبي، من سكان انحاء العراق خلال عقود، هي "موقف غير الموقف الشوفيني – القومي العربي"، فاننا سنكون امام موقف ممعن في الشوفينية واللاموضوعية والتحيز والكذب كذلك.
ثم يضيف:
"عبر هذا الموقف فقط يمكن الدفع بجهة اخرى مناقضة لجهة الشق والتجابه بين العمال والجماهير الناطقة بالكردية وبالعربية"
"لقد حلت ساعة ان يصدح العامل والشيوعي في العراق بالضد من النزعة القومية العربية وحكومة العبادي"
هل يستطيع ريبوار احمد ان يبرهن لنا ان هناك "تجابه" بين العمال والجماهير مصدره الكراهية بسبب اللغة او العرق او الاثنية، ودون ان تكون هناك مصلحة سياسية للبرجوازية وتأليب وزرع العداوة وزج الجماهير في الحروب لمصالح طبقية سياسية؟. هذا الكلام خطير جدا ومخيف، هذا دق طبول حرب قومية وتأجيج نار،لان التجابه اذا جرى على اساس اللغة وبسببها فليس له حل سوى تبديل اللغات او ابادة الطرفين او تهجير الجميع. وهو يتعارض تماما مع الف باء الماركسية التي تعتبر المصلحة الطبقية هي الدافع وراء السياسة.
ان البارتي على الاقل يقول سنكون جيرانا جيدين، ولكن حتى هذا لا يريده كاتب المقال.
يقول الكاتب في موضع اخر:
"في الوقت الذي ليس هناك شيء اكثر وضوحاً من ان الثروة التي نهبوها تكفي لتاسيس عدة دول وليس دولة واحدة"
ان الدولة ليست مول او عمارة لكي تبنى بالمال، ثم ما نوع الدولة التي يمكن بناؤها مع سارقي المال العام والذي "يكفي لبناء اكثر من دولة"؟
ان نهب الثروة ليس عملا قامت به مجموعة نشالة، ان فهم اساسيات عملية الانتاج والتراكم الرأسمالي كما شرحها كارل ماركس، تقودنا الى معرفة ان النهب الجاري هو جزء من متطلبات دورة رأس المال العالمي، كيف؟
ان السيطرة والاستيلاء على الفائض سواء كان مصدره العمل الرخيص او الثروات الطبيعية بصورة رئيسية كما هو الحال في العراق، يجري عن طريق تمكين سلطة ودعمها سياسيا من قبل القوة القائدة في السوق العالمية، وتأمين تدفقات الاموال الى البنوك والمصارف العالمية، اي الدخول في دورة الانتاج الرأسمالي العالمي، وتحويل المال الى رأس مال، هذا لا يجري الا عبر فساد ونهب محكم تقف وراءه مافيات خطيرة ممعنة في الاجرام، ويتطلب تدمير بنى الدولة ومؤسساتها لا بناء دول عصرية مدنية ديمقراطية، وهذا احد اهم اسباب اختيار وتمكين هذه الفئة من الحكام وادامة سلطتهم.
لا يمكن للمالكي او النجيفي او البارزاني وغيرهم وضع مئات المليارات في جيوبهم او في بيوتهم، ومهما افرطوا في الانفاق، فانه لايعادل سوى مقدار غير ذي بال من الثروات التي تدخل في البنوك والمصارف، اي في دورة رأس المال. انه الشكل المعاصر لاعادة انتاج التراكم الاولي القائم على النهب والاستيلاء، والذي يظهر بوضوح مع كل ازمة اقتصادية.
هذه المليارات هي شكل السيطرة على الفوائض ومهمتها تأمين التدفقات المالية وليس بناء دول، هذه الاموال هي ثمن بقاء هذه السلطة، وتقديس السلطة للوطن والتباكي عليه هو في جوهره تقديس المال ومصدر المال.
البرجوازية لا تعرف سوى مقدس واحد هو المال، لانه مكانتها، وقوتها، وشرفها، وهي لم تستول على المال لبناء دولة عصرية يتطور في ظلها الصراع الطبقي بسرعة لتقوم الثورة الاشتراكية، فليست مهمة الاشتراكيين اذن ان يعلموا البرجوازية بشؤونها، انها اعرف بمصلحتها من هذه المحاولات.
وبمقدار ما تغتني البرجوازية من النهب والاستيلاء على الثروة واستملاك عمل الغير، يجب ان يتطور طرح التيارات الماركسية ويغتني، ان الطرح الذي بين ايدينا يفلس امام اغتناء البرجوازية، ربما لانه يريد ان يشاركها تصورها لينال نصيبا معها.
ويختتم الكاتب:
"من الضروري ان يوضع البارزاني والبارتي تحت ضغط شديد وفرض التراجع عليهم عن هذه الغلطة الكبيرة"
الغلطة الكبيرة! يبدو ان الكاتب يلتسع قلبه لتنقية موقف البرجوازية من الاغلاط، وتقديمه نقيا.
انا ارى ان موقف الكاتب لايرقى حتى الى موقف البارتي او اليكتي، على الاقل البارتي واليكتي ينتظر موقف الشعب ورأيه، في حين ان الكاتب يتماهى مع المشروع ويمضي ابعد من واضعيه، ويحيط نفسه بجملة شعارات يعتبرها شيوعية او ماركسية.
ان هذا المقال برأيي هو عصارة تفكير وطرح تيار سياسي كامل وليس مجرد مقال، وهذا التيار موجود داخل القوى والاحزاب السياسية، ولكن يجري تقديمه هنا على انه استنتاج ماركسي، وهو ما يتطلب البرهان وليس استخدام الاسلوب الدعائي والتحريضي والشعاراتي لتمريره على انه طرح ماركسي. هذا التيار ينتمي من الناحية السياسية والطبقية للبرجوازية وليس للطبقة العاملة وللماركسية، وارى ان الرد على هذا المقال هو جزء من مواجهة ممثلي تيارات البرجوازية داخل الحركة العمالية.
07-09-2017