السماءُ حزينةٌ ونحن نضحك!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 5632 - 2017 / 9 / 6 - 13:24
المحور: حقوق الانسان     

حدّثني النيزكُ قائلا: “نويتُ أن أدمّر كوكبكم. فقد صار مصدر إزعاج للكون. فهل لكِ كلمةٌ قبل أن أنفّذ فيكم أمرَ الله؟"
فأطرقتُ في خجل، ثم أجبتُه:
"تأخرتَ كثيرًا! ولكن، قبل أن تصطدم بالأرض وتصعقنا، اعلمْ أيها النيزك أننا كوكبٌ من الخُطأة القُساة، فلا تأخذك بنا شفقةٌ ولا رحمة وأئتِ على آخر شقيٍّ فينا وأنت مستريحُ الضمير، كي يتطهر الكونُ من دنسنا.
نحن الأرضيين:
صنّاع السلاح فينا يزرعون الفتن في مفاصل الدول الجاهلة حتى تروج بضائعهم. ثم يجلسون يتفرجون. فإذا ما تفجّرتِ الدماءُ من الأجساد قهقهوا ملء أشداقهم. فإن فرغت مخازنُهم صنعوا المزيد حتى تمتلئ خزائنهم بأطنان الذهب.
نحن الأرضيين:
الرجالُ فينا يذبحون الأطفالَ حتى ينتزعوا قلوبَهم ونُخاعَهم وأكبادهم وقرنيّات عيونهم؛ ليشتروا بها عَرَضَ الدنيا. والمسلمون فينا يرشقون غير المسلمين بالرصاص ويذبحونهم على رؤوس النواصي وأسفلت الطرقات وهم يكبّرون باسم الله الأكبر، ثم يفرون آمنين مطمئنين، وهم يهتفون ملء أشداقهم: لا يُؤخذ مسلمٌ بذميّ . فإذا ما جنَّ الليلُ وهبط الظلامُ على المدينة، ناموا ملء جفونهم يحلمون بالغيد الحسان من أبكار الجنّة وغلمان اللواط وأنهار العسل والخمر. لا ضمير يجفلُ. وممَ يجفلُ؟! الضحايا كفارٌ دمُهم هدرٌ، ولا ديّة لهم عند حكوماتنا العنصرية التي تكيلُ بألف كيلٍ وكيل!
نحن الأرضيين:
اليافعون فينا يغتصبون الطفلات ثم يلقون بهن من حالق. ولا ينسون أن ينتزعوا أقراطهن وقلائد أعناقهن، ليقايضوا بها أشياء تروي غيابَ العقول والضمائر. بعدها "قد" يدخلون وراء قضبان تحميهم من بطش الباطشين؛ فينالون مكافأة اعتزال المجتمع والاعتكاف بعيدًا عن الزحام والقمامة والضوضاء والركض العسر وراء لقمة العيش. سيأكلون دون مقابل، ويسكنون دون مقابل، وينامون ملء شخيرهم في السجن سنواتٍ معدودات، ثم يخرجون ليستأنفوا هتك براءة الطفلات.
نحن الأرضيين:
يضرب رجالُنا نساءنا بمنطق "الغلَبةُ للأقوى”. ونساؤنا ترى في إهانة أجسادهن وتعذيبها حقًّا مشروعًا للرجل، إن زهد فيه فذاك من فضله وكرمه، وإن أتاه فذلك بعضُ حقّه، والحقُّ أحقُّ أن يُنالَ. أيها النيزك، قبل أعوام، خرج غلاظٌ أشداءُ من بني جلدتنا المدنسة، في دولة اسمها السودان، ثم راحوا يمزّقون ظهر فتاة مُستضعَفة بالسياط اللاهبة. تسألني: “لماذا؟"، حسنًا، لأنها ارتدت بنطالا، فتشبّهت بالرجال! وفي سورية بالأمس القريب رجموا فتاة نحيلة بالحجارة المسنونة حتى مزّق الموتُ لحمها وأخرج أحشاءها. لا، لم ترتد بنطالا يا عزيزي النيزك، لكنها استخدمت فيس بوك.
نحن الأرضيين:
نفعلُ كل يوم في كوكبنا شيئًا طريفًا قد لا يستوعبه عقلُك المفطورُ على المنطق. أتدري؟ نحن نتقاتل فيما ورثنا من عقيدة لم نخترها. المسلمون منّا ينحرون المسيحيين في سوريا والعراق ومصر والباكستان وأفغانستان، ثم يكبّرون باسم الله الأكبر وهم يُمنّون النفس بأنهم بعد برهة سوف يتقلبون على سُرُر اثنتين وسبعين حسناء من الحور العين يعُدن عذراوات بعد كل نكحة. لكن حكوماتنا الرشيدة تعاقبهم بالمد في أعمارهم كي يتأخروا عن ملاقاة شهواتهم مع الحور والغلمان في فردوس الجهاديين. والمسيحيون منّا يقيمون مذابح جماعية للمسلمين في أفريقيا الوسطى، ثم يهتفون: “طوبى للرحماء فإنهم يُرحَمون". ثم ينتظرون أن ينعموا بأبديتهم جوار الله في الفردوس الأعلى.
نحن الأرضيين:
حين يود متطرفٌ إسلامي منا أن يقتل طفلة مسيحية تحمل شمع العرس في حفل زفاف، لا يكتفي برصاصة واحدة في قلبها الصغير، بل يمطر جسدها النحيل بأربع عشرة رصاصة ليستمتع بمشهد تقافُز الطفلة أمامه تحت وابل الرصاص، ثم يذهب إلى بيته آمنا مطمئنا لأنه يعلم أنه حتى وإن قُبض، عليه سينجح في إقناع الجميع بأنه مختلّ عقليا. فعلها قبله عشراتٌ في أفلام سابقة ونجحت. هل قرأت قصيدتي: “صائد المريمات"؟ اقرأها، لأنها ستجعلك تنسف كوكبنا وأنت مرتاح الضمير.

أيها النيزك الغاضبُ، تعال سريعًا واحصد أرواحنا جميعًا، فليس فينا رجلٌ رشيد. لا تستثنِ منا أحدًا فكلُّنا قد خان اللهَ وأبكى السماء الطيبة بغلاظة أرواحنا. إما بفعل الخطيئة المباشرة، أو بالصمت عنها. فليس مَن قتل ومَن ذبح ومن اغتصب فقط هو من يستحق الويل، بل كذلك كلُّّ من رآى وسمع ثم صمت. وكلُّنا سمعنا وصمتنا واكتفينا بمصمصة الشفاة وادّعاء الورع.
أيها الكويكب الغضوب هلمّ خلِّصِ المجرةَ من أدراننا نحن الأرضيين، فقد أعيينا السماءَ بخطايانا وشهواتنا في العِرض والمال، وهوس اشتهائنا للدم والظلم وتجذّر الأنانية في قلوبنا. لا ترحم منا أحدًا بحق الله. فداخل كلٍّ منا همجيٌّ قاتلٌ أخفقنا أن نهذبه.