تضييح حق الأنثى فى الميراث


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5631 - 2017 / 9 / 5 - 22:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مقدمة :
1 ــ منشور لنا كتاب الميراث فى حلقات هنا ، وتم تجميعه فى كتاب منشور فى موقعنا ، بالاضافة الى عشرات الفتاوى عن الميراث فى موقعنا ، منها ما يشكو من تضييع حق النساء فى الميراث ، بما ينهض دليلا على أن ثقافة الجاهلية الذكورية هى الأقوى نفوذا من تشريعات القرآن الكريم فى الميراث .
2 ـ بعضهم يزايد عل تشريع رب العزة فى إعطاء البنت والأخت نصف ما للذكر ، ويتناسون أن قاعدة ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) لا تنطبق على الأبوين أو الوالدين ( لاحظ التساوى حتى فى الكلمة ( الأبوين و الوالدين ) : فالأم أب والأب أب ، والأم والد والأب والد ) كلاهما يرث السدس أو الثلث . ويتناسون أن التساوى بين البنت والابن أو الأخ والأخت فيه إخلال بالعدالة لأنه فى نفس التشريع الاسلامى يجب على الذكر أن يدفع مهر الأنثى ,ان ينفق عليها وهى زوجة . بينما هى ليست مطالبة بمهر ولا نفقة . فإذا قضت عمرها فى تربية الأبناء مع زوجها ومات أحد الأولاد فهى حينئذ تتساوى مع زوجها ( الأب ) فى ميراث الابن المتوفى . ويتناسون أن الوصية واجب مفروض وهى لمراعاة العدل وفق الظروف المختلفة . يتناسى المزايدون على شرع الله جل وعلا هذا كله . ويتناسون أيضا أن الواقع المؤلم فى مجتمعات المحمديين لا تزال تحمل الثقافة الذكورية ، وهى برغم ما قرره رب العزة جل وعلا فى تشريع الميراث فهى فى الواقع تحرم الأنثى حقها ، لا فارق إذا كانت الأنثى بنتا أو أختا أو أُمّا . المرأة لا تأخذ حقها المنصوص عليه فى القرآن الكريم ، ولا تأخذ حقها حتى فى القوانين الوضعية التى صنعها الذكور . وقد يتهيب بعضهم من نقد التشريعات الوضعية ، ولكنهم يتجرأون على نقد شريعة الرحمن فى القرآن .!!
3 ـ وطالما أتت لنا فتاوى تحمل فى طياتها هذا الظلم للمرأة فى الميراث . وبعد أن نشرنا تعليقات على قانون تونس فى التساوى بين الذكر والأنثى فى الميراث ـ فحواه ما قلناه فى السطور السابقة ـ جاءت لنا فتاوى أخرى ، تحمل بين طياتها ذلك الظلم للمرأة . وراينا نشر إثنتين منهما هنا فى هذا المقال ، للتنبيه على أن الواقع للثقافة الذكورية لا يزال هو الأقوى ، وان المفروض على من يزايد على شرع الرحمن العادل أن يركز عمله فى محاربة هذه الثقافة الظلامية حتى تنال المرأة حقها ، أو حتى بعض حقها . ننشر الفتوتين مع التعليق عليهما .
الفتوى الأولى :
( توفي والدي 2005 ولم يترك وصية .
نحن اخين واختين ووالدتي حية ولكنها مصابه بالزهايمر.
واقترح اخوتي الشباب ان تقسم الورثة حسب الطريقة الاسلامية ووافقنا جميعا على ذلك فقاموا ببيع احد البيوت واحد المحلات وقصموا على الطريقة الاسلامية .
منذ سنتين توفي اخي الاكبر وعنده ابنتين وقال اخي الثاني اننا لا نستطيع ان نرث من تركته شيئا .
الان باقي من الاملاك ثلاث عقارات يرفض اخي ان يبيع اي منها بحجة انه يصرف على والدتي من ايجار تلك العقارات ، مع العلم انه منذ وفات والدي وحتى اليوم لم يعطنا اي شيء من تلك الاجارات ، ويقول انها لتصرف على والدتي . ووضع والدتي في ملجاء للعجزة لانه على حسب قوله مشغول جدا وليس عنده اي وقت ليهتم بها ، مع العلم ان زوجته موجودة في البيت وعنده ابنة وحيده في الخامسة عشره من عمرها تهتم بها .
ارجو منكم ان تقولوا لي كيف يجب ان تقسم تلك التركة . وهل يجب ان تبقى والدتي في ملجاء العجزة . كنت اريدها ان تسكن معي ، لكن زوحي رفض ، وقال انها مسوءولية اخوكي ان يرعاها وليست مسووليتي . انا اعلم انك ستقول لي للذكر مثل حظ الانثيين . ولكن السوأل من يصرف او ىنفق على علاج والدتي .) أنتهى .
واقول :
أولا : تقسيم تركة الأب كالآتى :
الورثة هم : ( 2 ذكور و 2 إناث . زوجة ) .
( الزوجة لها الثمن ) الباقى : للذكر مثل حظ الأنثيين ( للذكر سهمان ، وللأنثى سهم واحد ) يتم التقسيم على 8 أسهم . الزوجة سهم واحد ( الثمن ) والباقى ( 7 أسهم ) للذكر مثل حظ الأنثيين . لو فرضنا أن التركة 800 ، يكون للزوجة 100 ، والباقى 700 ، يتم توزيعه على 6 أسهم . للذكر 2 ، وللأنثى 1 . ( للذكرين 2فى 2 ) ( الأنثى 1 + 1 ) المجموع 6 .
هذا يسرى على كل التركة التى تركها الأب .
الزوجة التى هى ( الأم ) يجب أن تكون نفقة علاجها من تركتها .
ثانيا : تقسيم تركة الابن الأكبر
( مفهوم انه ليس له زوجة ):
ترث بناته الثلثين من تركته . والباقى على الأم والأخ والاختين : ( الأم لها السدس ) الباقى للأخ وللأختين ، للذكر مثل حظ الأنثيين . أى يأخذ مثل الأختين . يتم التقسيم على 24 سهما : البنتان : كل منهما 8 ( 16 سهما ) الأم 4 . الباقى 4 أسهم . الأخ 2 ، كل بنت لها 1 .
إن كان له زوجة ، فلها الثمن ، وللأم السدس ، والثلثان للبنتين . والباقى يأخذ الأخ نصفه والنصف الآخر بالتساوى بين الأختين . يتم التقسيم على 24 سهما . الزوجة 3 الأم 4 . البنتان 16 . الباقى سهم واحد . نصف للأخ ، والنصف الآخر للأختين .
الأم هنا لها أيضا 4 أسهم من ابنها ، بالاضافة الى الثمن من ترة زوجها (الأب ) .
من مجموع تركتها يتم الانفاق عليها .
ويحرم على ابنها أكل تركتها . من تركتها يمكن تعيين من يخدمها ويرعاها ، ومن تركتها يكون علاجها .
هذا الابن إن أكل حق أمه فسينتقم الله جل وعلا منه . على فرض أن أمه لا تملك شيئا فهو مسئول عن رعايتها والانفاق عليها . فكيف إذا كان لها مال ، وأكله هذا الابن ، ثم لم يقم برعايتها . إنتقام الله جل وعلا ينتظره إن لم يبادر بالتوبة و الاعتذار لأمه و القيام بواجبه نحوها .
ملاحظة : السائلة هى أُنثى . ومع ذلك فلم تخبرنا بوجود زوجة لأخيها الذى توفى . إن كان له زوجة وتجاهلت ذكرها بين الورثة فهو ظلم ، لا يفترق عن ظلم أخيها .

الفتوى الثانية
( توفى ابويا الله يرحمه من عشرين سنة . أنا ابنته الوحيدة ، ولى ثلاثة اشقاء أكبر منى . أنا تجوزت قبل موت ابويا بخمس سنين .وانتقلت لأعيش مع جوزى فى السعودية . وأنجبت فيها أولادى وبناتى . عرفت انه لما مات ابويا الله يرحمه خصصوا لى شقة فى عمارتنا . وهى الشقة اللى شطبها جوزى ووضع فيها جهازى وعشنا فيها شهر العسل قبل أن يأخذنى معه للسعودية . لما مات ابويا الله يرحمه ترك العمارة وهى خمس طوابق تحتها اربعة محلات مؤجرة وترك قطعة أرض فى شبرا الخيمة ومصنع رخام وسيارة نقل ومحل أدوات صحية . وأمى قالت لى انها ضغطت عليهم فحصروا أملاك والدى من اموال سائلة وغيرها ، وأن نصيبى من الأموال السائلة فى الخزنة وفى البنوك سبعين ألف جنيه ، وانهم عملوها وديعة باسمى ، وان لى الشقة التى عشت فيها شهر العسل . وقالت انها ستضغط عليهم لتحديد نصيبى فى الباقى من العمارة والمصنع والعقارات . بعدين امى اتصلت بى وهى تبكى وقالت انها عاجزة عن حفظ حقى فى بقية التركة . جوزى تعجب وسكت لأنه مشغول بعمله ولأنه غير محتاج لميراثى . لكن أنا شعرت بالظلم . وبعدين لما مرضت أمى سافرت لمصر لأعتنى بها ، وماتت وأوصت لى بالذهب الذى كانت تلبسه قالت انه تعويض بسيط عن حقى الضائع . اخوتى الثلاثة صمموا على تقسيم الذهب . وغضبت وتركته لهم كله ورجعت لزوجى غاضبة منهم . وكنت تكلمت معهم فى بقية ميراثى لأنى وجدت ان الشقة التى شطبها زوجى على حسابه وجعلوها كل ميراثى تبهدلت ، وعملوها عشة لتربية الفراخ ، وبددوا جهازى . وأصبحت الكلمة لمراة أخويا الكبير ، وهى تكرهنى وأهانتنى أمام زوجها وأخوتى لما تكلمت عن بقية حقى فى المصنع وغيره ، وفهمت انهم سلطوها علىّ عشان ما اتكلمش فى حقوقى فى ميراث ابويا وأمى . وزعوا الميراث على بعضهم وكانى غير موجودة على قيد الحياة . وقالوا كفاية اللى إنصرف علىّ فى زواجى ، ونسيوا انهم بددوا جهاز فرحى وبهدلوا شقتى وان أنا ما عشت فيها إلا شهر واحد . رجعت لجوزى غاضبة ومكسوفة ومتهانة من عمل اخواتى ، وانكسفت اقول له على عملوه معايا وفى شقتتى اللى بقت كل ميراثى . وطبعا طلعت صفر من ميراث أمى ، وبددوا معظم التركة .وباعوا مصنع الرخام وصرفوا تمنه فى اربع سنين . ورفعوا على بعض قضايا فى الخلاف على الميراث. وقلت ده انتقام ربنا وقلت لنفسى ربنا يعوض على بجوزى وأولادى . ولكن مات جوزى الله يرحمه ، واضطريت أرجع لمصر . لقيت شقتى زبالة وتحتاج مائة الف جنيه لترميمها وإصلاحها . طلبت منهم يصلحوها رفضوا . وفعلا أصبحوا فقرا وينتظروا منى أساعدهم وطمعانين فى اللى معايا واللى هو تعب وشقا جوزى واللى هو حق أولادى الستة . أخويا الكبير عنده سرطان وامراته عندها التهاب الكبد ، وأخويا التانى واخويا التالت مرضانين برضه وبقى حالهم أسوأ . وبينتظروا اساعدهم لأن جوزى الله يرحمه ترك لى كيت وكيت . وأنا فعلا أقدر اساعدهم ، بس ضميرى يرفض مساعدتهم . أنا ما انساش اللى عملوه فىّ . فهل على مساعدتهم أم أساعد الفقراء التانيين ؟ ).
واقول :
1 ــ هناك حق لأولى القربى منصوص عليه فى القرآن الكريم . هم أخذوا حقهم منك فيما سلبوه من ميراثك من ابيك ومن أمك . يبقى أن تغفرى لهم وكفى .
إبحثى عن أقارب فقراء لك يستحقون المساعدة ، ولا تنسى حقوق بقية الفقراء والمساكين ، وهم أكثرية فى مصر التى تشتعل الآن بالغلاء الفاحش . أما أخوتك الظالمون فذريهم يدفعون الثمن ، فالله جل وعلا ينتقم من الظالم فى الدنيا قبل الآخرة . إذا تاب فى الدنيا وأرجع الحقوق فعسى أن يغفر الله جل وعلا وينجيه من الخلود فى النار . إذا لم يتب ومات على ظلمه وفسوقه فهو يعانى عذاب الدنيا ثم ينتظره الخلود فى النار .
2 ـ علّمى أولادك هذا الدرس مما فعله أخوتك والانتقام الالهى منهم ، حتى يتعففوا عن أكل أموال الناس بالباطل ،وألا يقعوا فى الظلم .
3 ــ ظلم البشر للبشر مذموم ، وأظلم البشر للبشر هو أن يظلم الأقارب بعضهم .
4 ـ الأفظع فى ظلم الأقارب لبعضهم أن يأكل الأخ حق أخته أو أُمّه فى الميراث . هو واجب عليه أن يرعى أخته أو أُمّه من ماله الخاص ليكون من المحسنين ، فالله جل وعلا أوصى بالاحسان الى الوالدين والأقربين، قال جل وعلا:( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36) النساء ). معظم المحمديين يفعلون العكس ، يقلبون الاحسان للوالدين ولذى القربى ظلما ، حتى فى الميراث .