ذلك العالم الإتصالي


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5623 - 2017 / 8 / 28 - 15:06
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     


عن نفسي أفضل استخدام تعبير "العالم الإتصالي" عن تعبير "العالم الإفتراضي"

تعبير العالم الإفتراضي يدلل علي طوباوية أطراف ومواقع وأحداث ويفترض أننا نتحدث ونتواصل في فضاء من ابتكار الخيال في حالة انفصال ومفارقة للواقع المعاش

بينما نحن في الحقيقة اشخاص واقعيون يحقق لنا هذا العالم "الآداة الإتصالية العظيمة" إمكانية أن نطل علي الأحداث والوقائع حسب زاوية الرؤية التي نختارها وحسب انحيازاتنا وأذواقنا وثقافاتنا المتنوعة

ونطالع أفكار بعضنا مباشرة وبتزامن مع نبض وإيقاع الحياة وأحداثها

أما عن الأقنعة التي يرتديها البعض ليخفي تحتها رغبات ونوازع مختلفة وربما مشاكل وتشوهات نفسية وأزمات وأمراض ذاتية
فهذا ليس وقفاً علي مواقع التواصل الإجتماعي فقط وليس تلك الظواهر ذنبه أو لعنته كما يحلو للبعض أن يردد
بل أن تلك الظواهر هي من صميم الواقع الإنساني وتحدث علي أرض واقعنا المباشر المعاش كل يوم وكل لحظة في علاقات بعض البشر مع الآخرين وإلا ماعرف العالم صنوف من البشر منها الأفاق والمرائي والنصاب والمخادع واللص والإنتهازي

وبالتالي فهذا في حد ذاته إثبات يضاف إلي العديد من الإثباتات أننا لسنا إذاء عالم افتراضي بل أننا وبشكل آخر (أكثر اتصالية) يعبر عن الواقع بعينه

وأن هذا الفضاء الذي نلتقي فيه عبر الكتابة والتراسل والمشاركة بالصورة والملفات الصوتية والمرئية ماهو إلا عالم إتصالي يجري في صلب الواقع وينبض بالحياة ويصخب بإيقاعاتها الجديد في هذا أنه يحقق لكل منا حرية الوقوف علي زاوية من الرؤيا تخلق تلك الحالة التي نعيشها من التفاعل الإتصالي

وعبارة "العالم الإفتراضي" عبارة مضللة أظن أن وراء إطلاقها هؤلاء المرتعدون من تلك الإمكانات الإتصالية والتعبيرية والمعلوماتية الواسعة التي تتيح لأوسع قاعدة من البشر بشكل غير مسبوق نوافذ للوصول إلي المسكوت عنه وماكان بالإستطاعة حجبه في السابق من حقائق ومعلومات وأراء والسيطرة عليه وتوجيهه بشكل يخدم مركزيات بعينها أو سلطات بعينها وهو ماكان يجعل نوافذ التعبير عن الرأي والموهبة والذات الإنسانية حكراً علي مجموعات نخبوية ورقائق مجتمعية قريبة من المركز السلطوي

اتاح هذا العالم الإتصالي إمكانات غير مسبوقة للكثيرين من أبناء المجال الشعبي العام كي يعبروا عن افكارهم السياسية وآرائهم الإجتماعية والتعبير عن واقعهم وشواغلهم ومواهبهم وقدراتهم وإيصالها للمجال العام دونما مرور ببوابات التفتيش الإجتماعي والسياسي

ولذلك تخرج علينا أطراف الإعلام النخبوي المركزي ليل نهار بتعبير العالم الإفتراضي تضليلاً وتزييفاً معتمداً لحقيقة هذا العالم الإتصالي المرتبط بأحشاء الواقع وذلك للتقليل من شأن مايطرح علي صفحاته والتسفيه منه بشكل دفع بعضهم بتشبيه كتابه بمن يمارسون الإستمناء الجنسي غير مدركين بأن الملايين من الشباب ومن التنوعات العمرية قد انصرفت عن جرائدهم ومحطاتهم الإعلامية إلي الوسيلة الأرخص والأسهل والأكثر مباشرة وطزاجة بالواقع
وأن عالم البروباجندا السلطوي قد غربت شمسه وأن عالم آخر من الإتصال والتعبير الحر المباشر الغير مشفر قد بدأ في السطوع
بعيداً عن تلك البروباجندا المركزية التي قمعت وقتلت الكثير الجم من المواهب والأفكار والأراء

___________
حمدى عبد العزيز
14 اغسطس 2017