الكافرون فى تشريع الزواج الاسلامى


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5619 - 2017 / 8 / 24 - 02:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الكافرون فى تشريع الزواج الاسلامى

مقدمة :
1 ـ جاءنى هذا السؤال : ( يقول الله جل وعلا : ( ولاتنكحوا المشركات حتى يؤمن ) كيف بي ان ابرهن لغيري على ان الشرك هنا هو الاعتداء وليس اتخاد اله اخر مع الله بشرا او حجرا من خلال ايات الكتاب الحكيم وخصوصا في بعض الحوارات ؟ )
2 ـ الإجابة على هذا السؤال تحتاج الى كثير من التفصيلات القرآنية . وأنوى ـ بعون الله جل وعلا ـ أن أكتب بحثا جديدا استعرض كل الآيات القرآنية التى ورد فيها مصطلحات الكفر والشرك والاجرام والظلم والاعتداء والاسراف والفسوق والعصيان ، وتقسيمها هل هى فى الكفر السلوكى الذى لنا أن نحكم عليه وأن نتعامل معه طبقا لتشريع القرآن ، أم هى فى الكفر القلبى وفى العبادات ، وكيفية التعامل معه طبقا لتشريع الرحمن .
2 ـ ولأن هذا يستلزم وقتا فأبادر بإجابة سريعة على هذا السؤال لتكون تمهيدا للبحث المشار اليه .
أولا : المعنى السلوكى فى التعامل مع الناس يعنى : السلام ( إسلام من السلام ) ،
1 ـ دين الله فى التعامل بين البشر هو الاسلام بمعنى السلام . ودخول العرب فى السلام كان دخولا فى الاسلام دين الله ، قال جل وعلا للنبى محمد عن النصر فى نهاية عمره : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) ) النصر ) النبى محمد لم يكن له علم بما فى القلوب ( أو الاسلام القلبى بإخلاص الدين لرب العزة جل وعلا وحده ). هو عليه السلام كان يرى الظاهر فقط ، وهو الاسلام بمعنى السلام . لذا فإن ( دين الله ) هنا يعنى الاسلام السلوكى بمعنى السلام .
والكافرون المعتدون إذا تابوا عن الاعتداء فقد أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ـ ظاهريا ـ وأصبحوا أخوة فى دين السلام ، يقول جل وعلا ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) 11) التوبة ). أما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة قلبيا فحسابها أمام الله جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .
2 ـ وعليه فأى إنسان مسالم هو مسلم بمعنى سلوكه السلمى . ولا شأن لأحد بعقيدته ودينه ، لأن مرجع الحكم على العقائد والأديان هو لله جل وعلا وحده يوم ( الدين ) . والمنافقون من حيث العقيدة والدين كانوا كفارا ، ولكنهم من حيث السلوك كانوا مسالمين ، لذا عاشوا مواطنين فى دولة النبى محمد التى أساس تشريعها المواطنة لكل المسالمين . ومارسوا حقهم فى المعارضة الدينية والمعارضة السياسية سلميا طبقا لتشريع الاسلام فى الحرية الدينية المطلقة .
3 ـ وفى سياق هذا التعامل السلمى مع الناس تأتى تحية الاسلام بالسلام ( السلام عليكم ) . وكان النبى محمد يقولها لأصحابه إذا قدموا اليه : ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (54) الانعام ) . وتأتى فى الحوار مع المختلفين فى العقيدة والدين . ابراهيم عليه السلام حين يأس من أبيه إعتزله قائلا : ( قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً (47) مريم ). وفى تشريعات الاسلام أنه يجب على المسلم إذا تطاول عليه الجاهلون أن يرد عليهم بالسلام : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) الفرقان )، ويجب عليه ــ إذا سمع منهم لغوا أى كلاما لا يليق فى الدين ـ أن يحترم حريتهم الدينية ويعتزلهم قائلا لهم ( سلام عليكم ) ، قال جل وعلا فى وصف أولئك المسلمين : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) القصص ). بل عليه أن يقرن قوله السلام عليكم بالصفح عنهم : ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) الزخرف ) .
4 : وفى تفصيلات التشريع القتالى فى الاسلام أن الجندى المحارب فى الجيش المعتدى على المسلمين ـ إذا ألقى تحية السلام يجب حقن دمه لأنه بقوله ( السلام ) أصبح مسلما . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً )(94) النساء ) فطالما ألقى السلام فقد اصبح مؤمنا أى مأمون الجانب يجب حقن دمه . والمحاربون إذا ركنوا للسلام فلا إعتداء عليهم ، قال جل وعلا : ( فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) النساء ).

3 ـ السلام هو هذا الاسلام السلوكى ، وهو سلوك ظاهرى واضح يمكن الحكم عليه بسهولة ، فالانسان المسالم يتضح اسلامه الظاهرى فى كلامه وفى تصرفاته . ويترتب على هذا السلام السلوكى تشريع الزواج المختلط بين المختلفين فى العقيدة طالما كانوا مسالمين .
ثانيا : الكفر والشرك سلوكيا بمعنى الإعتداء
1 ـ وفى المقابل فإن عكس السلام هو الاعتداء ، سواء كان سلوكا فرديا إجراميا يعتدى على حقوق الناس . وهناك تشريعات فى التعامل معها ، أو كان إعتداء هجوميا من دولة معتدية على دولة مسالمة . وهنا توصف هذه الدولة ـ طبقا لإعتدائها ـ بنقيض الاسلام ، وهو الكفر . فالكفر السلوكى هو نقيض الاسلام السلوكى .. فالذى يحارب معتديا قوما مسالمين يكون بإعتدائه كافرا ، ولنا ان نحكم عليه طبقا لسلوكه الواضح الذى لا خلاف عليه . ينطبق هذا على ما تفعله السعودية فى اليمن ، وما تفعله داعش فى العراق وسوريا ، وما يفعله الارهابيون الانتحاريون فى العالم شرقا وغربا . ينطبق هذا أيضا على من يؤيدهم أو ( يظاهرهم ) بالقول وبالعتاد وبالرجال وبالمعلومات الاستخبارية .
2 ـ هنا يحرم الزواج منهم أو تزويجهم ، لأنهم بما يفعلون وبما يقولون يكونون دُعاة الى النار. فالفيصل هو فى الدعوة الى النار قولا وفعلا ، وهذا ما جاء فى قوله جل وعلا:( وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) البقرة ).
ثالثا : الله جل وعلا يدعو الى الجنة والشيطان بأتباعه يدعون الى النار
1 ـ الله جل وعلا يدعو الى الجنة التى هى ( دار السلام ) والتى ستكون التحية فيها بالسلام ، وهو جل وعلا الذى دعا المؤمنين للدخول فى السلم كافة وألّا يتبعوا خطوات الشيطان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ) . هذا بينما طريق الشيطان هو الدعوة الى النار عن طريق اتباعه . أى أن هناك دعوتان : دعوة الرحمن للجنة ، ودعوة الشيطان للنار .
2 ـ وطبقا لدعوة الشيطان يكون القتال فى سبيل الثروة والسلطة ، أما القتال فى سبيل الرحمن فهو لرد الاعتداء بمثله ، يقول جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (76) النساء ).
3 ـ الله جل وعلا حرّم القتال المعتدى وأكّد جل وعلا إنه لا يحب المعتدين ، وحصر القتال للمؤمنين فى الدفاع فقط ضد عدو يهاجمهم فعلا ، قال جل وعلا :( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ).والمؤمنون المسالمون حين يقع عليهم هجوم يدعون ربهم أن ينصرهم على هؤلاء الكافرين يقولون : ( أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة ).هؤلاء المؤمنون المسالمون يصفون المعتدين بأنهم ( كافرين ) طبقا لسلوكهم المعتدى .
4 ــ والله جل وعلا وصف الكافرين الذين إعتدوا على المؤمنين المسالمين فى مكة بأنهم معتدون، قال جل وعلا:( لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) التوبة )
رابعا : الكفار نوعان : مسالم سلوكيا يجوز الزواج منه وتزويجه ، وكافر معتد تحرم موالاته وتزويجه والزواج منه :
1 ـ الكفار المعتدون يجمعهم أنهم بأقوالهم وبسلوكهم يدعون الى النار (أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (221) البقرة ).وهم نوعان : نوع يباشر الاعتداء بنفسه ، ونوع يظاهره مؤيدا له ، فهناك من لايشارك المعتدى إعتداءه بالفعل المادى ( المشاركة بالجنود والعتاد ) ولكنه ( داعيا الى النار مثله ) يؤيده بالقول وبالحث على العدوان ، كما يفعل فقهاء الارهاب فى عصرنا ، والذين يقومون بخداع الشباب بأكاذيب ليقوموا بتفجير أنفسهم . هذا يكون مشاركا له فى الظلم والاعتداء .
2 ـ وهناك كفار بالعقيدة يقدسون البشر والحجر ، وهم القسم الأكبر من البشر بما فيهم المسيحيون والمحمديون والبوذيون والهندوس ..الخ . ولكنهم مسالمون ، قال جل وعلا فى تشريع التعامل معهم : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) الممتحنة ) هم بمسالمتهم يكونون مسلمين سلوكيا ، ويجب البرُّ بهم والعدل فى التعامل معهم ، وبالتالى يجوز فى التعامل السلمى معهم وضمن البر والقسط الزواج منهم وتزويجهم ، على أساس القسط .
3 ـ وهناك كفار يعتدون على المسالمين يخرجونهم من ديارهم ، وهناك من يظاهرهم أى يناصرهم قولا أو فعلا . هؤلاء هم الكافرون المعتدون سلوكيا يحرم تأييدهم وتحرم موالاتهم أو التحالف معهم، وبالتالى يحرم الزواج منهم أو تزويجهم ، قال جل وعلا ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ).
4 ـ لذا نزل فى هذا السياق قوله جل وعلا : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) فى الآية التالية عن المؤمنات المهاجرات : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) الممتحنة ). إى إختبار المهاجرات للمدينة إختبارا أمنيا للتأكد من أنهن لسن جاسوسات ، وفى نفس الوقت تطليق الزوجة التى إختارت أن تظل فى مكة مصممة على تأييد قريش فى عدوانها . ففى حالة القطيعة التامة بين مكة والمدينة بسبب حرب قريش للمدينة لا بد من تحويل الانفصال بين الزوج المسلم فى المدينة وزوجته الكافرة فى مكة ، وهذا معنى (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) . وقد شرحنا هذا بالتفصيل فى مقال منشور هنا عن الولاء والبراء فى سورة الممتحنة .
5 ـ ولنتذكر أنه فى أول هذه السورة جاء وصف المعتدين القرشيين بالكفر بناءا على سلوكهم حين أخرجوا المؤمنين المسالمين من ديارهم وأموالهم ، ونزلت سورة الممتحنة تنهى وتلوم بعض المؤمنين المهاجرين فى المدينة على موالاتهم أولئك الكافرين المعتدين، قال جل وعلا لهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) ) الممتحنة ). هم موصوفون بأنهم أعداء الله جل وعلا وأعداء المؤمنين المسالمين بسبب جرائمهم بإخراج الرسول والمؤمنين ـ وليس مجرد الكفر القلبى بالقرآن .
6 ـ كفرهم الاعتدائى السلوكى يجعل مودتهم حراما ، بينما تكون المودة مع البر والقسط فريضة مع المسالمين المختلفين فى العقيدة والدين القلبى . وفى التعامل السلمى يكون الزواج مباحا .
خامسا : العدل والقسط فى التعامل مع المخالف فى العقيدة :
1 ـ القسط هو المقصد الأعلى من إرسال كل الرسل فى كل العصور (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ) . أى ليقوم الناس بالقسط فيما بينهم ، فى تعاملهم داخل المجتمع المسلم المسالم ، ومع المختلف فى الدين القلبى ولكنه مسالم فى سلوكه .
2 ـ بل حتى فى التعامل مع الكافر المعتدى ، وهذا بأن يكون رد الاعتداء بمثله ، قال جل وعلا : (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة).
3 ـ والله جل وعلا أمر بالعدل والاحسان فى التعامل عموما فقال جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل )
4 ـ ليس هذا فقط . فالله جل وعلا يحذّر مقدما من التحامل على الخصوم ، ومن إتباع الهوى فى الحكم على الأقارب . فالعادة أن معظم البشر يطغى عليهم الهوى فى التعامل مع المخالف لهم فيستسهلون التحامل عليه بما ينافى العدل. يقول جل وعلا مؤكدا على التعامل العادل مع الخصوم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة ) .ويقول جل وعلا فى عدم محاباة الأقارب : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء) ، ومن ضمن الوصايا العشر جاء قوله جل وعلا : (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) (152) الانعام ) .
5 ـ فى ضوء العدل فى التشريع الالهى نفهم أن للكتابى أن يتزوج مؤمنة مسلمة طالما أن للمؤمن المسلم أن يتزوج كتابية ، وهما يأكلان من طعام بعضهما البعض ( الحلال ) ، وهذا فى قوله جل وعلا : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (5) المائدة ) .
6 ـ العدل مقصد تشريعى ، هو الحكم على كل الأوامر والنواهى . وتنفيذ أى أمر أو نهى لا بد أن يكون خاضعا للعدل . ومن أسف أن ( المحمديين ) فى شرائعهم أهدروا العدل ، وقنّنوا الظلم ، والله جل وعلا لا يحب الظالمين كما أنه جل وعلا لا يحب المعتدين .