فوز حارس التشافيزية


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 5618 - 2017 / 8 / 23 - 17:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تصاعدت من جديد حملات الهجمة الإمبريالية على فنزويلا لإسقاط نظامها الوطني التقدمي، ولان فنزويلا الان تعبر عن انتصار الإرادة الوطنية الشعبية على خطط الإمبريالية واعوانها في المنطقة والعالم كله، أرى أن ما كتبته في المقال التالي فور فوز الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والذي للاسف لم تنشره الصحف التي كنت اكتب فيها حينها، واشرت فيه عن الدور العربي المتخادم، انه إعلان تضامن وبيان تأييد وصوتا عربيا مع نضال الشعب الفنزويلي وشعوب امريكا الجنوبية ضد الإمبريالية ومخططاتها الاستعمارية. وقد أعاد الشعب الفنزويلي ثقته برءيسه وإدارته وسياساته في الاستفتاء الاخير وفي التعديلات التي تناضل من أجل الحفاظ على فنزويلا دولة وطنية تقدمية في وجه العدوان والتهديدات الإمبريالية الأمريكية.
"مات هوغو تشافيز (5/3/2013) وفاز مرشحه في انتخابات الرئاسة (14/4/2013). قبل موته حث تشافيز انصاره والشعب الفنزويلي لانتخاب نائبه نيكولاس مادورو (50 عاما) بعد وفاته التي عرف قرب اجلها. وصدق الانصار ومحبو الراحل وصيته. فاز مادورو في انتخابات الرئاسة ليحرس نهج تشافيز. لتستمر التشافيزية في فنزويلا وفي تحالف اليسار الديمقراطي في القارة الامريكية الجنوبية. كما اعلن وصرح في حملته وبعد اعلان فوزه.
صحيح حملت نسب الفوز والانتخابات مفاجئات، بل ومفارقات بعد كل تلك الاجواء والتعاطف الشعبي مما يشير بوضوح ايضا الى قدرات وحملات الهجوم للمعارضة وحلفائها في التأثير عليها. فقد كانت الفوارق ضئيلة بين المرشحين الرئيسيين. حيث فاز مادورو في ما يقارب 51 بالمائة، بأكثر 300 الف صوت عن زعيم المعارضة انريك كابريليس ( 40 عاما) الذي احتج على النتائج ودعا الى إعادة فرز الأصوات مجددا وشاركته الولايات المتحدة الامريكية في معارضتها لتكشف انحيازها ومواقفها العدائية مع خطط اعداء ثورة تشافيز ومشروعه الاشتراكي.
اكد نيكولاس مادورو أنه سيقود البلاد على النهج الذي رسمه الرئيس الراحل هوغو تشافيز. وكان تشافيز قد سماه في حثه لانتخابه، حامل لواء الاشتراكية. عمل مادورو بعد حصوله على شهادة الدراسة الثانوية سائق حافلة في كاراكاس، وانخرط في العمل النقابي، لينضم مع كثيرين إلى تشافيز في إطار الحركة البوليفارية، تلك الحركة التي أسست لأول محاولة انقلابية قادها الرئيس الراحل وانتهت بالفشل. شارك مادورو بما حمله من أفكار وما التقى به مع كثيرين كانوا يحاولون الخروج بأنفسهم وبلادهم من الفقر والاستغلال ونهب الثروات التي فرضها الغرب الرأسمالي عليهم، فكان العداء لأمريكا ومن حالفها نقطة فاصلة أرخت لوصوله ورفاقه إلى دائرة القرار السياسي. وقف الرئيس الجديد المنتخب إلى جانب تشافيز خلال أعوام سجنه وساهم بالإفراج عنه، وعمل منسقا سياسيا وإقليميا في حملة تشافيز ألانتخابية، دخل بعدها مجلس النواب ثم الجمعية الدستورية في فنزويلا، انتخب عام 2000 عضوا في الجمعية الوطنية واصبح رئيسها بعد ست سنوات. كما تقلد بعد ذلك وزيرا للخارجية ثم نائبا للرئيس. مبرهنا على انه تلميذ ورفيق كفاح وأمين لأفكار تشافيز. مواصلا نضاله معه في الساحة الفنزويلية منذ عام 1992 عندما نزل إلى الشارع للمطالبة بالإفراج عنه بعد اعتقاله، فيما قادت شريكة عمره سيلسا فلوريس منذ البداية الفريق القانوني الذي ساعد على إطلاق سراحه. مكونا فريق عمل سياسي وقانوني في ادارة الصراع والادارة السياسية في البلاد. لذا جاء اختياره متطابقا مع وقائع نشاطه وتفانيه الشخصي والانساني والرفاقي.
لكن مفاجئات الانتخابات سمحت للخبراء والمحللين السياسيين ولاسيما من اعداء نهج فنزويلا ودورها في المنطقة والعالم وارث الراحل هوغو تشافيز، بالتشاؤم للحديث عن مستقبل النهج البوليفاري في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض والمشهد السياسي المعقد الذي ستقبل عليه أمريكا اللاتينية، بل والهجوم على السياسات الاشتراكية التي ارساها تشافيز وعدت اساس منهجه وطريق بلاده في التنمية والبناء والتقدم.
رغم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في فنزويلا وما شهدته من سياسات تنموية فان اكثر من نصف السكان الذي ناهز الثلاثين مليونا ما زال تحت خط الفقر. ورغم خطط تشافيز التي ركزت على سيطرة شركة النفط الوطنية الفنزويلية PDVSA على القطاع النفطي، لتوزع عوائدها على سائر قطاعات الاقتصاد ظلت الاوضاع الاقتصادية بحاجة الى تطوير وتحديث مستمرين. وفي العام الماضي وحده قُدرت تحويلات الشركة لبرامج الدعم الاجتماعي بأربعة وأربعين مليار دولار، ذهب قسط كبير منها لدعم وقود السيارات. وهذا ما جعل الفقراء يلمسون التغييرات التي احدثها تشافيز وسياساته الاقتصادية في البلاد. ولكن المعارضة اليمينية تمارس دورا تخريبيا واضحا في تشويه هذه الخطوات والعمل على خطط السوق الحر الذي يخلق تفاوتا صارخا في مستويات المعيشة بين السكان.
فاز حارس التشافيزية وأصرت لجنة الانتخابات على النتائج رغم كل الاعتراضات غير القانونية والتي تستهدف التضليل والتخريب وحتى الانقلاب على السلطة، كما صرح الرئيس المنتخب واتهم المعارضة وداعميها بذلك. وكما وعد بمنهجه السير على خطى تشافيز الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في فنزويلا، وعلى تواصل السياسة الخارجية ودعم حركات التحرر الوطني والتضامن مع كفاح الشعوب ضد الاستعمار الجديد وسياسات النهب الامبريالية. ومن الملفت للانتباه وقوف حكومات ووسائل اعلام عربية مع المعارضة ضد الرئيس الجديد في فنزويلا وحفلت فضائيات ومقالات رأي وتعليقات (بالعربية) في الكثير من تمنيات ورغبات المعارضة الفنزويلية في إسقاط التشافيزية، نهجا وحكما وخيارا شعبيا.
هذه المواقف المخجلة العربية تشير الى طبيعتها وتوجهاتها الجديدة في المشهد السياسي العربي والدولي والتخادم الرسمي العربي مع خطط الامبريالية في هجمتها العدوانية ضد التحرر وإرادات الشعوب وخياراتها الوطنية والقومية. وارتباطا بها تتعرض القضايا الوطنية العربية الى الهجمة ذاتها من القوى والجهات ووسائل الاعلام ومرتزقتها التي تحولت ناطقة باسم تلك التحالفات العدوانية الجديدة.
اعترف قادة امريكا اللاتينية بفوز مادورو، وأعلنوا وقوفهم مع الشعب الفنزويلي وخياره، بل اتهم الرئيس البوليفي إيفو موراليس الولايات المتحدة بـ"الإعداد لانقلاب" في فنزويلا، وذلك بعد دعوة واشنطن لإجراء عملية تدقيق في نتائج الانتخابات الرئاسية. ورأى أن واشنطن تسعى "لخلق عدم استقرار" في فنزويلا، "وذلك لتبرر لاحقاً تدخلها". وأضاف "إزاء الاستفزاز والاعتداء من الحكومة الاميركية على الرفيق (مادورو) وشعبه الثوري، سندافع عن هذا الشعب" الذي "يراهن على التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية".
فوز مادورو ونجاحه في استمرار التشافيزية بأسلوب جديد ومتواصل يحقق استمرار التحولات التنموية ومواجهة التحديات الكثيرة، الداخلية والخارجية، ويقدم افاقا اخرى لنجاح التجارب الثورية في امريكا اللاتينية وضربات للأعداء الذين يزدادون شراسة وعدوانية. بعد الانتخابات الرئاسية ومفاجئاتها فنزويلا ستواجه واقعها الجديد بعد كاريزما هوغو تشافيز.. باستمرار نهجه الذي اختاره الشعب وأكده نيكولاس مادورو، حارس التشافيزية."