هل من امل في تقويم الاحزاب الإسلامية ... ؟


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 5617 - 2017 / 8 / 22 - 16:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

هل من امل في تقويم الاحزاب الإسلامية ... ؟

العراق الحديث بحدوده الحالية التي رسمتها معاهدة سايكس ـ بيكو بعد ان اسقط حلفاء الحرب العالمية الأولى دولة الخلافة الإسلامية وسلاطينها، مرَّ منذ نشوءه الحديث هذا بكثير من الأنظمة السياسية التي تميَّز كل منها بميزة جعلته ينفرد بها بشكل خاص إضافة إلى ما تمخض عن هذا النظام او ذاك من مزايا عامة قد يشارك بها ما سبقه او ما لحقه من الأنظمة التي تبلورت على ارض العراق منذ نشأته الحديثة هذه وحتى يومنا هذا.

لم يزل يعيش بيننا اليوم بعض منتسبي ذلك الجيل العراقي الذي عاش وعايش كل هذه الأنظمة بوعي يستطيع من خلاله مقارنة هذه الأنظمة مع بعضها البعض والخروج بميزة ما قد تشكل العلامة الفارقة لكل نظام يمكن من خلالها إعطاء تقييماً معيناً له.

حينما وضعت معاهدة سايكس ـ بيكو العراق تحت الإنتداب البريطاني كان ذلك الوضع يعني ان السياسة العراقية يجري التخطيط لها في اروقة بريطانيا العظمى ، كما كانت انكلترا تسمى آنذاك ، بحيث يجري تنفيذ هذه السياسة على ارض العراق من قِبل عراقيين او مَن اكتسبوا الجنسية العراقية من رعايا الدولة العثمانية الذين وضعوا انفسهم جميعاً في خدمة التاج البريطاني الذي جاء بهم ليديروا، مع الملك المستَورَد الذي طرده الشعب السوري ، امور الوطن العراقي الجديد. لقد ابدى منفذو السياسة البريطانية من العراقيين والمتعرقين براعة فائقة في الإخلاص لأسيادهم البريطانيين الذين علمتهم تجربة ثورة العشرين بأن الريف العراقي قد يشكل احدى المعوقات الأساسية لتنفيذ سياساتهم التي كانت تتجه نحو ربط العراق ربطاً محكماً لا انفكاك منه في توجهات السياسة البريطانية . واستناداً إلى ذلك قررت السياسة البريطانية وضع الريف العراقي تحت حكم بعض العوائل التي لم يتأخر زعماؤها بالتنكر لمآثر الريف العراقي وقادته الذين فجروا ثورة العشرين واوقعوا بالقوى البريطانية خسائر فادحة وهزائم عديدة ، بالرغم من بساطة الأسلحة التي كانوا يستخدمونها في انتفاضتهم آنذاك. لقد اصبح الريف العراقي آنذاك العمق الإستراتيجي للقوى المدنية التي ناصرت الثورة واعانت رجالها على التحرك داخل المدن وتنفيذ الهجمات على المقرات العسكرية البريطانية . وعلى هذا الاساس قررت الحكومة البريطانية ان يسود مّن اختارتهم من كبار الملاكين ، الذين سبق وأن مُنحوا الإقطاعات الواسعة من الحكم العثماني المنهار ، الريف العراقي ويتحكموا به إنسجاماً مع توجهات سياسة التاج البريطاني . ولم يبخل هؤلاء الشيوخ الجدد الذين شاركوا الحكومات العراقية المتعاقبة بوساءل الإكراه والإستعباد التي مارسوها ضد الفلاحيين الذين اخضعوهم إقتصادياً وتمكنوا منهم سياسياً باسناد ودعم من الحكومة المركزية في بغداد التي لم تستطع ان تخالف ما يخطط له المستشارون البريطانيون الذين كان الوزير العراقي يأتمر بامرهم ولا طاقة له على مخالفة ما يخطط له المستشار. وقد وصف الشاعر العراقي الوطني والمساهم في ثورة العشرين الشيخ محمد رضا الشبيبي هذا الوضع ببيت من الشعر قال فيه :
المستشار هو الذي شرِب الطِلا فعلامَ يا هذا الوزير تعربد

باختصار يمكن القول ان سمة النظام الملكي يمكن تلخيصها بسيادة النظام الإقطاعي الذي جعله الحكم البريطاني في العراق يتمتع بحماية قانونية من خلال قانون دعاوى العشائر ، وما يرافقه من قمع داخل المدن لتلك القوى التي وقفت ضد الإقطاع وضد السياسة البريطنية الإستعمارية ، حيث تعرض كثير من المناضلين الوطنيين من المدنيين والعسكريين إلى السجون والنفي والإعدامات والملاحقات في ذلك العهد .

وحينما تأسست الجمهورية العراقية الأولى بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958. عملت حكومة الثورة على إزالة ما خلفه الإقطاع في الريف العراقي وما تسببت به سياسة القمع تجاه القوى الوطنية المناهضة للحكم الملكي . فكانت المحاولات التي تبلورت من خلال قانون الإصلاح الزراعي وقوانين إصلاح الوضع الإقتصادي كالخروج من هيمنة الإقتصاد البريطاني على مجمل التخطيط الإقتصادي للعراق ، إضافة الى التوجه الجاد لتقويم الوضع المعاشي والسكني والتعليمي الذي امتزج باجراءات نوعية متميزة خلال الفترة القصيرة التي عاشتها ثورة الرابع عشر من تموز ، حيث يمكن اعتبار اهم مميزات هذا العمر القصير إضافة إلى الإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية هو تجلي الصراع الداخلي بين قوى سياسية مختلفة ساهمت بتخلخل الثقة بين هذه القوى وبين قيادة الثورة المتمثلة بشكل خاص بشخص الزعيم العراقي الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم حيث قاده كل ذلك إلى التذبذب السياسي وفقدان بوصلة التمييز بين انصار الثورة واعداءها. الحديث عن هذه الفترة وعن كل التجليات السياسية التي برزت فيها قد يطول كثيراً إذا ما تعرضنا له بالإسهاب . إلا اننا هنا لا نريد سوى الإشارة الى اهم المميزات لفترات الحكم المختلفة وليس إلى تحليل الوضع الناشئ عنها ومن خلالها.

لا يمكن لأي منصف ومتابع لتاريخ العراق الحديث إلا ان يعتبر الإنقلاب البعثي على جمهورية الرابع عشر من تموز وعلى كل منجزاتها في الثامن من شباط عام 1963، سوى حقبة دموية لم تتسم بأية سمة من سمات الدولة. لذلك فإن التسعة اشهر التي اغرقت فيها عصابات البعث كل مناطق العراق بالدماء والضحايا والسجون والإعدامات وكل وسائل الإرهاب لا يمكن اعتبارها حقبة طبيعية ذات نظام يمكن وصفه بغير الدموي. واستناداً إلى تلك الجرائم التي لم يعد يحتملها حتى من ساهموا في انقلاب شباط الأسود ، انطلقت الحركة الإنقلابية على البعث في تشرين الثاني من نفس العام من قبل حليفهم الأساسي في انقلاب شباط الدموي عبد السلام عارف.

لقد تميزت فترة العارفين عبد السلام ومن بعده اخيه عبد الرحمن بالركود السياسي الذي صاحبته بعض اجراءات التوجه نحو التيار القومي العربي والتقرب من قادة هذا التيار على الساحة العربية، إضافة إلى الإجراءات الداخلية التي حاول فيها اتباع التيار القومي إصلاح ما خربته عصابات البعث وكذلك إلى الإلتفاف على بعض منجزات ثورة الرابع عشر من تموز خاصة فيما يتعلق بقانون الإصلاح الزراعي وقوانين استثمار النفط التي ابرمتها حكومة الثورة مع شركات النفط الأجنبية. لقد ادى هذا الهدوء السياسي النسبي الذي استمر خمس سنوات تقريباً إلى ان تستعيد بعض القوى السياسية نشاطها وإعادة تنظيماتها للتأثير على الساحة السياسية العراقية مجدداً. وكانت عصابات البعث المستفيدة الأولى من هذا الركود السياسي إذ لم تخلو مؤسسات الدولة ، وخاصة المؤسسة العسكرية ، من بعض من شاركوا هذه العصابات في جرائم الثامن من شباط واستمروا بالعمل حتى بعد الإنقلاب العارفي على حلفاءه في تشرين الثاني من عام 1963. واستناداً إلى ذلك تحالفت عصابات البعث مع هذه القوى التي استطاعت ان تطيح بحكم عبد الرحمن عارف لتستولي على السلطة السياسية بالمشاركة مع مجرمي الثامن من شباط في تموز من عام 1968. وبعد ان تخلصت عصابات البعث من حلفاءها ، خاصة العسكريين منهم ، في الثلاثين من تموز من نفس العام وانفردت بالسلطة بدأت حقبة البعثفاشية المقيتة التي استمرت قرابة اربعة عقود من تاريخ العراق الحديث. لقد تجاوزت هذه الحقبة السمات السياسية والإقتصادية التي إتسمت بها العهود السابقة لتضيف إلى تصنيفها كدكتاتورية مقيتة حاولت الإيحاء في سنينها الأولى بالتكفير عن جرائمها في الثامن من شباط عام 1963، صفة اخرى تتعلق بالقيم الأخلاقية التي تعاملت معها كسلعة تباع وتشترى متى ما اراد ذلك الدكتاتور الحاكم بامره وبأي ثمن يمكن لعصاباته ان تتاجر بالقيم الأخلاقية التي انتهكت كل مقومات المجتمع العراقي وقضت على كثير من خصائصه التي كانت تتجلى بالعلاقات بين المواطنين التي لم تعد تقوم على الثقة حتى بين افراد العائلة الواحدة. إذن نستطيع القول بأن الدكتاتور ية والتدني الخلقي كان من اهم مميزات حكم البعثفاشية الذي قضى عليه الإحتلال الأمريكي وحلفاؤه في التاسع من حزيران عام 2003 ، وجاء بأحزاب الإسلام السياسي بنفس ذلك القطار الأمريكي الذي حمل عصابات البعث عام 1963. وهنا حلَّت الطامة الكبرى بالعراق، طامة حكم الإسلام السياسي واحزابه التي اعطت لهذه المرحلة التي بدأت بخلافتها للبعث مميزات فاقت بكثير من السمات الساقطة كل مميزات المراحل السابقة التي مر بها العراق.

لو اردنا اختصار سمات المراحل العديدة في تاريخ العراق الحديث لأستطعنا القول بأن العامل السياسي الذي بلور نظام الحكم كان العامل الغالب في تجليات سمات هذه المرحلة او تلك . إلا ان ما اضافته دكتاتورية البعث من التدني الخُلقي إلى جانب العامل السياسي شكل سمة اخرى انفردت بها هذه الدكتاتورية . إلا ان ما نعيشه اليوم تحت حكم الإسلاميين قد تجاوز سمات كل المراحل السابقة في تاريخ العراق مضافاً اليها الكثير والكثير من الإسقاطات التي شكلت فعلاً سمات مرحلة فريدة في تاريخ العراق الحديث لم يعشها احد من قبل وسوف لن تتجاوز سيئاتها مرحلة اخرى مقبلة ، وهذا كله باسم الدين الذي تنوعت طرق التمسك به والرجوع اليه لتقرير مصير هذا البلد واهله الذين تسلط عليهم هذا البلاء العظيم. فما هي سمات هذه المرحلة وبماذا تختلف عن المراحل الأخرى التي عاشها وطننا العراق؟

** من سمات حكم الأحزاب الإسلامية بروز العامل الديني الموَجِه للسياسة اليومية بحيث اصبح لممثلي الدين الواحد الذي تتبناه كل هذه الأحزاب ، ونعني به الدين الإسلامي ، اكثر من واجهة توحي جميعاً بانها تمثل ادياناً مختلفة يصوغ روادها مبادءها حسب الطلبات الآنية لقادة هذه الأحزاب وحسب احتياجاتهم.
** ومن سمات هذه المرحلة السوداء من حكم احزاب الإسلام السياسي ان هذه الواجهات الإسلامية سلكت سلوكاً فقهياً ودينياً جعل من كل منها طائفة تؤجج للصراع الطائفي المقيت الذي اصبح القاعدة الأساسية التي تتحرك عليها هذه الطوائف في كل نشاطاتها السياسية، وبالتالي تتبلور من خلالها السياسة العامة التي يرسمها صراع الطوائف على غنائم اللصوصية التي يمارسونها جميعاً بحق الوطن واهله والتي انتجت حكومات المحاصصات البغيضة بكل ما تحمله من سقوط وتدني على جميع المستويات.
** وما يجب قوله هنا ان هذه الطوائف الإسلامية المتناحرة تمثل المذهبين السني والشيعي على حد سواء وقد اجاد الجميع ، كل على شاكلته ، اساليب المكر والخداع التي تتطلبها ارض المعركة على الغنائم.
** وقد انتج التأجيج الطائفي هذا بوصلة التوجه خارج العراق للتفتيش عن الحليف الإقليمي الذي يخطط لتحقيق مصالحه في العراق بحيث شكل القطبان السعودي والإيراني قاعدتي هذا الإرتباط الخارجي . اي ان عملاء ايران والسعودية اللذان يبرران هذه العمالة بالإرتباط المذهبي اضافا إلى ارتباطهما بالسياسة الأمريكية وركبوهم قطارها ، يركبون قطارات اخرى يريدون من خلالها ايصالهم الأكيد إلى مراكز السلطة والتحكم في العراق وشعبه.
** لا احد على الشارع العراقي ينكر اليوم ان الغيوم الداكنة السوداء التي تغطي سماء العراق الآن هي غيوم اسلامية حقيقية وليست ليبرالية او علمانية او شيوعية او ديمقراطية او اية مسميات اخرى للحكام الإسلاميين في العراق، انها ببساطة غيوم سوداء لعصابات لصوص الإسلام السياسي ورهطها المشارك لها في هذه اللصوصية.
** المرحلة التي يمر بها وطننا الآن هي اسوأ مرحلة في تاريخه فيما يتعلق بالفساد الذي يمارسه الإسلاميون بشكل جعلوه يتناسق مع نعيقهم بالتزاماتهم الدينية وانتماءهم للدين الذي طالما يرددون نغمة انتماءهم اليه. اما مظاهر الفساد هذه فإن كثرتها التي لم يشاهد اي مجتمع في الدنيا مثيلاً لها فنحاول اختصارها بما يلي:
++ الفساد الإداري في مؤسسات الدولة جميعاً وبدون استثناء ولا يعلم عمق هذا الفساد وانتشاره إلا من يراجع اية مؤسسة حكومية ولأبسط الإجراءات التي قد لا يستغرق انجازها بضعة دقائق في المؤسسات النزيهة.
++ الفساد المالي الذي اصبح مضرب الأمثال عالمياً وليس عربياً او اقليمياً او محلياً فقط. لقد هرَّب الإسلاميون كل خيرات العراق لتصب في حساباتهم المصرفية او لتتحول إلى عقارات وضياع وممتلكات متنوعة خارج الوطن وداخله. لقد اصبح هؤلاء النكرات من الإسلاميين اصحاب مليارات الدولارات بعد ان كان احسنهم لا يملك ما يسد به رمقه.
++ الفساد المالي والإداري افرزا عصابات امتهنت طرق الرشوة وكيفية ابتزاز المواطن في جميع دوائر الدولة بدون استثناء . لقد كانت الرشوة والإرتشاء ظواهر مقتصرة على فئة منبوذة من العاملين في مؤسات الدولة ، اما اليوم فقد اصبحت اليد التي تتوضأ وتسرق في نفس الوقت منقبة من مناقب الإسلام السياسي ورواده من الإسلاميين العراقيين بمختلف احزابهم الإسلامية ايضاً.
++ الفساد الأخلاقي الذي بلغ ذروته في التدني الخلقي الذي رافق كل هؤلاء المتنفذين في الأحزاب الإسلامية الحاكمة . لقد اصبح الكذب ديدنهم والتلاعب بحياة الناس من خلال تجاراتهم المتعددة بكل الموبقات ،ونشر الرذيلة وبيوت الدعارة المسماة مراكز زواج المتعة، راجع الرابط http://www.alquds.co.uk/?p=518251
للإطلاع على تفاصيل التجارة بالنساء الفقيرات في عراق الإسلام والإسلاميين الأوباش.
++ الفساد السياسي الذي تجسم من خلال تراشق هذه الأحزاب مع بعضها البعض بمختلف التهم بغية الإسقاط السياسي حيث رافق ذلك نشر كل الموبقات التي مارستها هذه الأحزاب الإسلامية كالخطف والإغتيال والإحتيال والإستيلاء على اموال واملاك الغير بالقوة والسطو والتجارة بالمخدرات والكثير الكثير من الجرائم التي لا هَمَّ للإسلاميين من تبادلها سوى تأمين مراكزهم اللصوصية في جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها.
++ الفساد الثقافي الذي تجلى على ابشع صوره في الأطروحات البدائية المتخلفة التي يطرحها بعض من يحسبون انفسهم دعاة لثورة الحسين، فاصبح كل ما ينشرونه من على المنبر الحسيني هراء في هراء وخرافات لا تؤدي إلا لمصادرة العقل وتحجيمه وتعطيل فهم الناس للدين الحقيقي الذي ينبغي ان يكون لقوم يعقلون ، لقوم يتفكرون ، لأولي الألباب ...
راجع http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=567790
لزيادة المعلومات في هذا التخلف الفكري.
** لم يعش العراق نظاماً سياسياً وصل فيه سوء الخدمات ، جميع الخدمات بدون استثناء، إلى الدرجة التي هي عليها اليوم ، ليس في منطقة معينة او محافظة بذاتها ، بل في كل انحاء العراق شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً.
** من السمات التي لا يمكن تجاهلها في عراق اليوم تتجلى في غياب قانون الدولة وسيادة القوانين العشائرية والأعراف المحلية لتتحكم في حياة المواطنين وتثقل كاهلهم بالتزامات بعيدة كل البعد عن حماية الدولة ووقوفها إلى جانب المواطن ، خاصة البسيط ، الذي يتعرض إلى الإبتزاز والقمع والإضطهاد تحت ظروف الإنفلات القضائي هذه .
** قد يضع البعض ، وهم على حق ، غياب الأمن تحت حكم الأحزاب الإسلامية ومن يقف خلفها من العنصريين الشوفينيين في المرتبة الأولى من سمات المرحلة التي يمر بها العراق اليوم. إلا ان فقدان الأمن هذا لم يكن بسبب الإرهاب فقط ، بل ان احدى مسبباته الأساسية هو الصراع القائم بين الأحزاب الإسلامية الحاكمة على تقاسم غنائم اللصوصية لأموال الدولة التي يمارسونها منذ ان دخلوا العراق على ظهر الدبابة الأمريكية بعد هزيمة عصابات البعث في التاسع من نيسان من عام 2003 وحتى يومنا هذا.
** اما الطامة الكبرى والتي تشكل السمة الأكثر خطراً على مستقبل الوطن فيمكن لكل ذي بصر وبصيرة ان يراها في النظام التعليمي الإسلامي الذي يسود العراق اليوم والذي ينهار سنة بعد اخرى حتى اصبحت المراكز التعليمية العراقية بكل مستوياتها في مؤخرة قائمة التقييم الدولي المعترف به لتقييم الأسس التعليمية وفق المؤشرات العلمية الدولية .

باختصار شديد يمكن القول بدون اي تردد ان مؤسسات العراق جميعها فاسدة ومتأخرة ولا تُسيَّر باتجاه خدمة المواطن بل باتجاه خدمة الحزب او رئيس الحزب او العائلة او القومية والمناطقية ، وكل ذلك بعيد كل البعد عن تبني الدولة ومؤسساتها للمواطن ومصالحه اولاً وآخراً ، وامثلتنا الصريحة والواضحة لكل هذه المؤسسات الفاسدة والمنخورة تتجلى في ما يسمى بالرءاسات الثلاث ، الجمهورية والنيابية والوزراء . فإن كان شأن المواقع القيادية في البلد بهذا الإنحطاط ، فكيف سيكون إذن شأن المؤسسات الأخرى الأدنى مستوى في التدرج الخدمي للمواطنين ؟ والجواب واضح وصريح إذ لا يمكن وضع هكذا مؤسسات إلا في اسفل حضيض التدني الخلقي والإنحطاط الإجتماعي وفقدان التوجه الوطني والعلاقة بالمواطن.
إن هكذا احزاب لم تتوقف في كل سيئاتها هذه عن التغني باسم الدين والورع والتقوى هي احزاب لا دين لها ولا تعرف الورع وبعيدة كل البعد عن التقوى ، كبُعد رواد الإسلام السياسي واحزابهم الحاكمة ومن يدور في فلكهم عن كل معاني الشرف والأخلاق والغيرة على الوطن . فهل من امل في تقويم الأحزاب الدينية الحاكمة في العراق ، نقول نعم إن كان هناك امل في تقويم اعوجاج ذيل الكلب المربوط بعصا مستقيمة.
الدكتور صادق إطيمش