الانتقام سياسة لتحقيق المصالح


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5616 - 2017 / 8 / 21 - 00:18
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

ما يحدث من اعمال انتقام طائفي في الموصل وقبلها في جرف الصخر والتاجي والفلوجة والرمادي وتكريت، ولاحقا في تلعفر، هو ليس سلوك فردي ابدا بل هو سياسة مخططة لها. ولا تنحصر تلك الاعمال اللاإنسانية بالعناصر المنفلتة بالحشد الشعبي كما يروج لها الاعلام او التغطية عليها من قبل الحكومة المتورطة حتى النخاع بها، بل تجاوزت الى قوات مكافحة الارهاب والرد السريع والشرطة الاتحادية وقوات الجيش من الفرقة الرابعة وهلم جرا. ان الاعدام الجماعي والقتل خارج القانون والتعذيب الذي تمارسه تلك القوات من كل حدب وصوب، لا يختلف من حيث المحتوى والشكل عن سياسة داعش في قتل المعارضين له في مناطق سيطرته ونفوذه.
ان هذه الممارسات الاجرامية والتي يدمى لها جبين الانسانية، ترتكب من قبل جميع الاطراف المتحاربة، وليست الغاية منها ابدا اعمال انتقامية، بل هي خطة ممنهجة لكسر شوكة المعارضين ورسالة اذعان وخنوع للمحكومين الجدد. وإذا كان داعش طبق ما جاء في كتاب "ادارة التوحش" لابي بكر ناجي وهو أحد فطاحل دعاته، في المناطق والمدن التي يسيطر عليه ويقيم فيها دولة الخلافة، ومفاده التفنن في ادارة التوحش وتعميم الفوضى في تلك المناطق حتى استقرارها وبسط سلطانه عليها، فأن نفس السياسة اي ادارة التوحش تطبق من قبل القوات الحكومية بمختلف تشكيلاتها وفصائلها في المناطق التي يطرد منها عصابات داعش.
ان هذه السياسة اي "ادارة التوحش" تمتد الى صلب النظام البعثي والقومي الذي نكل بالشيوعيين أبشع تنكيل في انقلاب 1963 وفي عقد السبعينات من القرن الماضي، وبعد ذلك ضد الناطقين باللغة الكردية في حلبجة وعمليات الانفال. كما ان الادارة الامريكية في عهد بوش الابن بعد احتلال العراق، حاولت فرض الاذعان والخضوع على المجتمع العراقي بألقاء مئات الالاف من القنابل والصواريخ على جيش منخور القوى وأكثر من نصفه فارين من الخدمة العسكرية، وثلاثة حروب استنزفته وحصار اقتصادي نهش ليس بالجيش العراقي وحده بل كل زاوية من زوايا المجتمع. وليس هذا بعد بل ما حدث في معركة الفلوجة الاولى والثانية من استخدام اليورانيوم غير المنضب والقنابل الفسفورية، وكل من سلم بجلده حيا من جحيم قوات الاحتلال، القي في سجون ابي غريب ليتفنن في تعذيبه القضية التي فاحت رائحة فضيحتها الى العالم الخارجي، هو امتداد لنفس السياسة المذكورة. وهكذا تمضي نفس السياسة في عرق التحالف الشيعي الذي شرع قانون "اجتثاث البعث" ليستبدل بعد ذلك بقانون "المسائلة والمعادلة"، وبمقتضاه قطع ارزاق الملايين من الموظفين بسبب انتمائهم خوفا من طردهم من وظائفهم. لقد كان وما زال قانون "المسائلة والمعادلة" هو سياسة لتشييع كل من لا يجاري او يعارض سياسة الحكومة الاسلامية الشيعية في بغداد. اما عتاة المجرمين في المؤسسات البعثية في الامن والمخابرات والجيش والقضاء، الذين بايعوا السلطة الحاكمة الجديدة، أصبحوا اما مسؤولين في مناصب حكومية عليا او مستشارين مخلصين لحكومات حزب الدعوة الثلاثة المتتالية منذ عام ٢٠٠٥. ولم يكتف التحالف الشيعي الحاكم يسن القوانين لتصفية مخلفات النظام السابق بل مارس التطهير الطائفي باحترافية عالية، مبررا سياسته بأن المناطق والمدن السنية هي الحاضنة الاجتماعية للنظام البعثي السابق.
ان الخطاب السياسي للمالكي والذي كان اخر كلمة له في مدينة الناصرية عندما شن حملة عسكرية في لتصفية ساحات الاعتصام في المناطق الغربية، بأن حربه هي أستمرار الحرب بين الحسين ويزيد، والذي اطلق بعدها سراح قادة عصابات جيش المهدي سابقا من السجون والمتورطين بالتطهير الطائفي بعد تفجيرات سامراء عام 2006، ليقودوا مليشيات جديدة تنظم عمليات تطهير طائفي في المناطق والمدن التي لم تقبل الخضوع الى حكم سلطة الاسلام السياسي الشيعي. اي بعبارة اخرى ان سياسة الانتقام وضع لها خطاب دعائي واعمال اجرامية وقوانين لإضفاء الشرعية على تلك السياسية، من اجل ايجاد مجتمع مروض وخاضع لسلطة الاسلام السياسي الشيعي.
ان نفس السياسة تمارس من قبل القوميين الاكراد في كركوك الذين يسيطرون على الحكومة المحلية، وستتصاعد حدة هذه السياسة خلال المرحلة القادمة كلما تقدمنا نحو مرحلة حسم مصير مدينة كركوك ومصير الاستفتاء في كردستان.
ان مواجهة هذه السياسة ليس بالتخندق الطائفي ولا بالتخندق القومي، بل فضح كل ادعاءات الحكومة وحلفائها ومنفذي تلك السياسة الدنيئة المعادية للماهية الانسانية، التي تروج بأن ما يحدث من اعمال انتقامية هي سلوك فردي ولا يمت بصلة بسياسة الحكومة او غيرها، وإنها شكلت لجنة لتقصي الحقائق ومحاسبة مرتكبيه والذي يعني طمس الحقيقة واخفائها الى ابد الابدين. فلم تشكل لجنة تحقيقية واحدة في العراق ما بعد الاحتلال وعلى جميع الاصعدة، الا من اجل تغييب الحقيقة وتهريب الجاني من قفص الادانة.
الى جانب ذلك يجب الاصطفاف حول حقيقة واحدة، ان عراق المواطنة، عراق يعيش في جغرافيته بشر ذوو معتقدات سياسية ودينية ولا دينية وانتماءات قومية وطائفية مختلفة، لن يأتي لا عبر التحالف الشيعي ولا التحالف المدني الذي أصبح عديم الطعم والرائحة ولا دولة القانون ولا اتحاد القوى السنية ولا تحالفات مستقبلية مطعمة بلحن قومي كردايتي، انه يأت عبر فصل افاق واهداف حركة اخرى تناضل بشكل صريح ودون اي لف ودوران، من اجل تحقيق خبز وحرية وامان عبر تاسيس حكومة علمانية وغير قومية.