نادية مراد بحاجة إلى من يحميها من الزلل


عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن - العدد: 5594 - 2017 / 7 / 28 - 16:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نادية مراد، الفتاة الإيزيدية العراقية الشجاعة، ضحية الدواعش، الوحوش الضارية الكاسرة، وخوارج العصر، مرة أخرى تتألق في سماء الإعلام العراقي والعالمي، ولكن هذه المرة لا كضحية همجية التكفيريين، بل كشخصية مثيرة للاختلاف والجدل نتيجة قرارها الخاطئ لزيارة إسرائيل وإلقاء كلمة في برلمانها (الكنيست).

نادية مراد كغيرها من مئات، وربما ألوف النساء الأيزيديات، وقعت ضحية الاغتصاب والعدوان على إنسانيتها وكرامتها من قبل الإرهاب الداعشي المتوحش، ولكنها من القلة إن لم تكن الفريدة، التي اتخذت موقفاً شجاعاً وحكيماً، فرفعت قضيتها وقضية بنات جنسها ومكونها الأيزيدي، إلى المحافل الدولية، حيث ألقت كلمة مؤثرة في مجلس الأمن الدولي بكل شجاعة وبلاغة، فاستطاعت بذلك أن تكسب عطف وقلوب وعقول ومشاعر العالم كله لقضيتها العادلة، وإدانة الجناة، أكثر مما استطاعت كل وسائل الإعلام العراقية والعربية. وبذلك أصبحت نادية، بكل استحقاق، أشهر من نار على علم، ونجمة لامعة، فتم تعيينها سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، وترشيحها لجائزة نوبل للسلام لعام 2016، كما راح رؤساء الدول وبرلماناتها يتسابقون على دعوتها ومقابلتها، وإبداء تعاطفهم معها، ودعم رسالتها في حماية المكون الأيزيدي والإنسانية من الأوباش، كما وألقت كلمة في البرلمان الأوربي وغيرها من البرلمانات.

وأخيراً استغلت إسرائيل مكانة وقضية نادية وتعاطف العالم معها، فدعتها لزيارة تل أبيب، ولسوء حظ الجميع، استجابت نادية لهذه الدعوة الملغومة، وألقت كلمة في الكنيست الإسرائيلي، فانفجر اللغم عليها، فأثارت هذه الضجة الإعلامية ضدها، والتي ما كان لها أن تحصل لو أحسنت نادية في أخذ القرار السليم برفض الدعوة. فإسرائيل تدعم داعش في سوريا، وقامت مراراً بقصف القوات السورية التي تحارب داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية التي هي امتداد لداعش في العراق. وهناك تقارير تؤكد أن إسرائيل تعالج جرحى الإرهابيين في مستشفياتها لا بدوافع إنسانية بل لدعم الإرهابيين، إضافة إلى استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني لعشرات السنين، ورفضها للحلول الصحيحة التي اقترحتها الأمم المتحدة بحل الدولتين. لذلك أعتقد أن نادية مراد قد ارتكبت خطأً كبيراً في قرارها بزيارة إسرائيل.

لا شك أن قرار نادية مراد هذا ناتج عن قلة خبرتها في التعامل مع الأمور السياسة المعقدة التي يستغلها بعض السياسيين الخبثاء لمصالحهم، فهي مازالت شابة، إذ لم يتجاوز عمرها 24 عاماً، وقليلة التجربة في خوض مثل هذه النشاطات، وإذا بها فجأة وجدت نفسها نجمة لامعة تحت أضواء الإعلام العالمي. وإنصافاً للحق، فقد أجادت نادية في كل هذه الأمور خلال العامين الماضيين، ما عدى هذه الزيارة المشؤومة لإسرائيل.

وفي هذه الحالة، وطالما أصبحت نادية رمزاً لطائفتها الأيزيدية، وقراراتها تؤثر على قومها، لذلك فهي بحاجة ماسة إلى أن تحيط نفسها بعدد من أبناء قومها من ذوي الخبرة، تلجأ إليهم في أخذ المشورة منهم في مثل هذه الأمور، كي تحمي نفسها من الانزلاق، إذ لا شك أن هناك جهات تستغل مكانة نادية الرفيعة وسمعتها الدولية الجيدة وما تمثله من رمزية لتوظيفها لأغراض غير حميدة كما فعلت إسرائيل.

وخطأ يلد خطأً آخر، فكما أخطأت نادية في قرارها لزيارة إسرائيل، كذلك أخطأت في تبرير هذه الزيارة للرد على نقادها، وأغلب ردودها لم تكن مقنعة، فإسرائيل لا تقل ضراوة من داعش في معاملتها مع الشعب الفلسطيني كما أشرنا أعلاه. وعليه فقد أساءت نادية مراد إلى نفسها بالدرجة الأولى حيث وضعت نفسها في هذا الموقف المحرج، كما وأساءت إلى طائفتها المكون الأيزيدي الضحية.

لذلك فالجهة المستفيدة من هذه الزيارة، هي إسرائيل التي تستغل كافة المناسبات لتظهر نفسها بأنها هي الأخرى ضحية التنظيمات الإرهابية، وأنها في مقدمة المدافعين عن حقوق الإنسان، بينما الواقع يؤكد العكس، فهي أكبر متجاوزة على حقوق الشعب الفلسطيني.
والجهة الأخرى المستفيدة من هذه الزيارة طبعاً هي داعش وبقية التكفريين، فبهذه الزيارة الخاطئة قدمت نادية لهؤلاء و وسائل الإعلام المتعاطفة معها، ذخيرة لتبرير جرائمهم بحق الأيزيدين وغيرهم. وهذا ليس في صالح الإيزيديين، ولا الضحايا الآخرين، وعلى الشرفاء أن يستمروا في دعمهم للضحايا.

لذلك أقترح على الآنسة نادية مراد أن تعيِّن ناس قريبين منها، يتمتعون بالخبرة والإخلاص لتقديم المشورة الصحيحة لها في مثل هذه الأمور والظروف المعقدة، لتحمي نفسها من الزلل، وتسد الأبواق المتعاطفة مع داعش وكافة التنظيمات الإرهابية. وأن تعيد النظر في زيارتها لإسرائيل بأن تعتذر عن هذه الزلة الناتجة عن قلة الخبرة، ولا شك أنها وقعت ضحية الدبلوماسية الإسرائيلية الخبيثة.
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/