في التضامن والتواصل


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 5585 - 2017 / 7 / 19 - 02:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لولا إشعاعات من دماء الشهداء في فلسطين المحتلة، وانتصارات القوات المسلحة، بكل صنوفها وعناوينها في العراق وسوريا، على التنظيم الارهابي الذي سمي "داعش"، لكانت الصورة او المشهد السياسي العربي عموما معتما ومحزنا وخطيرا. فكل الوقائع الظاهرة تشي بما هو معاكس لطبيعتها، وسائرة نحو خراب عميم. حيث تتراكم سحب ملبدة وغيوم سوداء في السماء العربية يتفرج بعض من اصحاب القرار أو المال، منتدبا او تخادما، على الحمم التي تنذر بها دون أن يبذل جهدا لحمايته اولا وما ستؤول إليه في ما بعد في المنطقة ثانيا وعموما.
نظرة سريعة لخارطة الوطن العربي اليوم، وما يمكن مشاهدته فيها سياسيا، يعكس هبوطا سريعا للسياسة العربية الرسمية وانكسارات متتالية للقيادات الرسمية التي تتحكم بمصير الأمة العربية وتتجاوز للأمة الإسلامية. كما تفضح المؤسسات الإقليمية والمناطقية التي أسست لها أو لخدمتها والتي كشفت هزالها وابتعادها عن برامجها ومواثيقها المكتوبة على ورق، وعدم قدرتها على التصدي لاية تحديات تواجهها اليوم علنا ودون مواربة. يعريها من ثياب الامبراطور ما حصل في الرياض مؤخرا من قمم، انتهت كلها لصالح أعداء الأمة، وضد مصالح اهل القمم أنفسهم. وابسط ما كشفت عنه وأصبحت مؤشرا، تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد قيادته القمم وعودته من جولته "العائلية" في المنطقة، التي أكد فيها انه جلب او استرجع مالا وفيرا ليوفر الوظائف لأبناء بلده، وتحقيق شعاره المكرر، امريكا اولا، والأموال التي اعتبرها البعض جزية، وقارنها بعض بما كان وما سبق، خرافية، ما يقارب نصف ترليون دولار، مئات المليارات، ولسنوات تالية. وهذه التغريدة الفضيحة راس جبل الجليد في النهب والاستحواذ الغربي على الثروات العربية، في الوقت الذي تشير احصائيات صارخة وبنسب عالية عن أعداد السكان العرب تحت خطوط الفقر والأمية وكوارث التبذير والفساد واستمرار الحروب والصراعات الداخلية والأهلية والعدوان السافر في بلدان اخرى، عربية وبنيران عربية. وهذه لم تعد مخفية او غائبة عن الانظار، بل أصبحت داخل كل بيت وسؤال الصغير والكبير عمرا، من المحرومين والمستضعفين والفئات الاجتماعية الأخرى المكتوية بنيران ما يحصل حاليا من تلك الحروب والتدمير في تلك البلدان المبتلية. لكن اريد هنا الإشارة الى قضيتين خطيرتين يحدثان في أطراف الوطن العربي، وهناك من يتحدث عن دعم وتسعير عربي لهما ايضا. وهما إضافة اخرى للهموم والمصائب الساخنة. ( مخطط قديم - جديد للحركة الصهيونية في تطويق الوطن العربي بإقامة علاقات وصفقات مع دول الطوق، ونجحت في البدايات مع إيران الشاه، وتركيا الاطلسي، وأثيوبيا هيلاسي لاسي، اي من خارجه، واليوم من داخله) وأقصد المخططات العدوانية التي باتت معلنة في المساهمة في تفتيت الأمة والوطن والعزف على اوتار التفرقة والتقسيم والتجزئة وتحت عناوين براقة ايضا، وتمرر بغفلة او بتسلل دون اثارة انتباه ومراعاة لما يجري فعلا ولما يستهدف حقا. هاتان القضيتان، هما قضية رفع حزب كردي في كردستان، شمال العراق، لشعار الاستفتاء والحديث ضمنا عن الانفصال من العراق، وتحديد تاريخ له، والاعلان له دون أية مشاورة مع المركز او الجيران له، الذين يريد العيش بينهم، رغما عنه، بحكم حقائق التاريخ والجغرافيا.
والقضية الاخرى تتعلق بما يتحرك في المغرب العربي عموما، وجنوب المغرب خصوصا، من انبات فسائل التمييز والتفرقة بين السكان، من البربر، الامازيغ، والانقسامات الداخلية للشعب. وكلا الموضوعين مثاران اليوم بحدة ويمرران عبر تسميات تقرير المصير والحقوق الإنسانية او الثقافية للأقليات ولا يتحدثان عن المصير والظروف والمشتركات التي جمعتهما طيلة تلك الفترة من القرون العديدة.
هذان الحدثان الجاريان اليوم تهديدان واضحان لوحدة المصير المشترك، والأمة الدولة، ودعوتان خطيرتان الى التفتيت والتقسيم والتدمير للوطن والامة. وليس حقا للمصير والاستقلال القومي، لان هذا الأمر له شروطه وقواعده التي لا تنطبق عليه وقائع ما يحدث وما يجري باسمه. ولعل دعم الكيان الاسرائيلي الصريح له وتنشيط أجهزته وتابعيه الى الدعوة له والتأييد لعبوره وفي هذه الظروف الصعبة والحرجة واستكلاب الاعداء على الأمة وثرواتها ومستقبلها يفضح الأهداف من ورائه، ويكشف اسبابه ودواعيه اليوم بالذات. كما أنه يدفع من جهة معينة بتبرير التطبيع مع الكيان الصهيوني والتدافع فيه، والتفريط بالامن الوطني والقومي لكل بلد عربي او للأمة كلها، وكذلك يفتح سبلا للفساد وتشجيعه على مختلف الاصعدة، ويستغل عبره اشعال الفتن والصراعات الدموية ونشر الكراهية والعنصرية وغيرها.
لقد حقق الاكراد في العراق، مثلا، الكثير من الحقوق المشروعة لهم وبموافقة واتفاق عام، واعترفت دولة العراق، سابقة غيرها، في دستورها الموقت بعد ثورة الرابع عشر من تموز/ يوليو1958 بذلك، واستكملت في اتفاقات وقوانين وتشريعات ما كان يتمناه ابناء الشعب الكردي في أي مكان. وكذلك حصل مع الأمازيغ في المغرب العربي، حيث أنجز لهم في الدساتير والقوانين الكثير من الحقوق المشروعة والاعتراف الطبيعي والتعايش المشترك. مما يجعل هذه الموجة من الاعلانات والتحركات غادرة وناكرة وتصب في خدمة المشاريع العدوانية والحربية والأهداف المرسومة لتمزيق خارطة الوطن العربي وتيسير الهيمنة الاستعمارية التي تريد العودة من الشباك، وعبر هذه القضايا، الى المنطقة وتجديد الاحتلال والاستحمار، بعد أن طردت بدماء الشهداء وإرادة الشعب وخيارات الأمة في التحرر الوطني والقومي.
من هنا يصبح الحديث أو القول اليوم عن أهمية التضامن، بكل اشكاله، والتواصل بكل اساليبه، بين أبناء الأمة وقواها الحيّة والخيّرة، من كل تياراتها الفكرية والسياسية، للعمل من جديد، واستعادة صفحات تاريخ مجيد، من سجل التحرر الوطني والقومي، و فعلا لإنجاز مهمات التحرر وبناء المشروع الحضاري. والتأكيد على ضرورة الكتلة التاريخية المناضلة، القادرة حقا على التغيير والتطوير وبناء المستقبل.
التضامن والتواصل مهمة الساعة، حيث لا يمكن أن يحصل كل هذا من حولنا ولا قدرة عليه، ولا حركة مواجهة فعلية تتصدى له وتعتبره من التحديات الصعبة الجديدة كغيره مما يحاك وينظم. والتاريخ لا يرحم، وليس بعد انتظار ولات ساعة ندم. وهنا الوردة فلنرقص معا.