البحث عن شيء اسمه النصر باي ثمن


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5582 - 2017 / 7 / 16 - 22:50
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

في هذا اليوم، وفي هذه المرحلة، كل الاطراف المتحاربة على الساحتين العراقية والسورية، تبحث عن النصر، لتسويق صورتها السياسية وتثبيت اجندتها في المعادلات السياسية، التي الى الان لم تتشكل، اذ بحاجة الى المزيد من قتل المدنيين، وتشريد من يسلم بجلده ليكون مصيره مجهولا بيد المليشيات او في ساحات النزوح.
وعندما يرد الناطق باسم الجيش الامريكي في العراق على تقرير منظمة العفو الدولية الذي يتهم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والقوات العراقية، باستخدام القوة المفرطة وعدم المبالاة في دك المناطق المدنية وقتل الاف بدم بارد، بأنه تقرير مسيء وغير مسؤول، وانه اغاظ النصر في الموصل على داعش بعض الاطراف، فيعني هذا ان التقرير صحيح واصاب كبد الحقيقة. والمضحك ايضا في التعليق على التقرير المذكور هو رد لجنة حقوق الانسان البرلمانية بأن التقرير منحاز، ولكن لا الطرف الامريكي ولا الطرف العراقي يوضح، ان التقرير لمن منحاز؟ فنفس التقرير يكشف عن جرائم عصابات داعش باستخدامها المدنيين دروع بشرية واعدم المئات منهم كما علق جثث العشرات على اعمدة الكهرباء.
الجيش الالكتروني الذي جندته حكومة العبادي او بالأحرى وبدقيق العبارة تيار العبادي في الحكومة والتحالف الشيعي، شن هجمات استباقية على شبكات التواصل الاجتماعي على كل من يقلل من ثمن النصر في مدينة الموصل.
بيد ان اشعة الشمس لا يمكن صدها بالغربال، ولا يمكن اخفاء الحقيقة او حتى تشويهها في زمن تطور وسائل الاعلام. صحيح ان القوات الحكومية والتحالف الدولي استطاعوا ان يخفوا الحقائق الى حد ما عن طريق التعتيم الاعلامي، والتطبيل الدعائي، وتحريف الانظار صوب جرائم داعش بشكل احادي وابرازها على الصعيد الاعلام العالمي، ومنع وصول الكاميرا والصحفي الى اماكن الدمار، لكن الصحيح ايضا، ان دوي النصر مهما ارتفع لابد له ان يتبدد في الهواء، ويتوضح المشهد مهما كانت حبكته الدرامية.
الولايات المتحدة الامريكية بحاجة الى نصر، لتبرر اعادة انتشارها العسكري في العراق، وتجميل صورتها القبيحة في داخل الولايات المتحدة الامريكية وخارجها، واعادة كسب ثقة حلفائها التي تبددت في زمن بات انحسار النفوذ الامريكي شيء واقعا في العالم وفي المنطقة. ان الانتصار على داعش ليس له اية علاقة بداعش ولا بالإرهاب، ان الانتصار على داعش له علاقة باستراتيجية الوجود الامريكي في المنطقة. لذلك ان قتل المئات من المدنيين يستحق الثمن كما قالت مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية في ومن الحصار الاقتصادي وفي عهد ادارة بيل كلنتون، ان موت أكثر من ٢ مليون طفل عراقي نتيجة نقص التغذية والدواء يستحق الثمن.
اما فيما يخص تيار العبادي، فهو يبحث عن اي شيء اسمه النصر، كي يمرغ انف غريمه نوري المالكي بالوحل. ان المفارقة بين المالكي والعبادي، هي ان كلاهما من حزب الدعوة الاسلامي، وكلاهما من نفس القائمة الانتخابية دولة القانون، لكن الاول سلم مدينة الموصل دون اي عناء وعلى طبق لم يكتشف معدنه حتى هذا اليوم الى عصابات داعش، بينما استعاد العبادي الموصل على اكوام من الخراب والدمار والاف من جثث المدنيين. ان النصر بالنسبة للعبادي، يعني تجديد البيعة له بالبقاء في السلطة لدورة ثانية على حساب "مختار العصر وزمانه" نوري المالكي، الى جانب تدوير ازمة السلطة السياسية والازمة الاقتصادية التي تعصف بالأغلبية المطلقة المحرومة في المجتمع. ولذلك ان ثمن البقاء في السلطة وثمن انقاذها اكبر بكثير من قيمة ارواح الاف من البشر الذين لقي حتفهم.
ان الحرب على داعش أكبر كذبة استراتيجية اخترعتها الولايات المتحدة الامريكية، وطليت على الجميع، ومن لم يطل عليه، جر اما الى المستنقع تلك الحرب القذرة او غرق في اوهامها. ان الحرب على داعش بعيدة عن نهايتها كما قال جنرال في الجيش الامريكي قبل ايام وبعد اعلان العبادي بالانتصار على داعش في الموصل، لان المحاولات الحثيثة للهيئة الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية باستعادة نفوذها في العالم بشكل عام وفي المنطقة بشكل خاص، التي باتت لا تتناسب مع المكانة الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية لم تصل الى نهايتها. ولذل كان انهاء الحرب على داعش ما زال مبكرا ما لم يتضح افق الاستراتيجية الامريكية، في عصر دشن ولادة عالم متعدد الاقطاب على أنقاض افول عالم القطب الواحد الذي يقاومه تيار عنيد داخل الهيئة الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية.
ضيقي الافق وحدهم ومن لا يرون أكثر من وقع اقدامهم، هم يحتفلون بالنصر على داعش بالرغم من التهديدات المبطنة وغير المباشرة من قبل الجيش الالكتروني المذكور، والتيار الذي وجدت ضالته مع العبادي بعد ان لفضتها هزيمة المالكي في ١٠ حزيران عام ٢٠١٤، لكل من يشكك او يقل بقيمة النصر على داعش.
ان داعش انتصر قبل انتصار التحالف الدولي وحكومة العبادي وحلفائها من المليشيات، بتدمير ما تبقى من اركان المدنية بعد الاحتلال، وسلب ارادة الجماهير وتحطيم امالها وتقويض احلامها. ففي عالم نعيشه اليوم، عالم حصر كل اماني البشر بالبحث عن مكان للبقاء على قيد الحياة، فأن التاريخ لا يكتبه المنتصرين، انما التاريخ يكتبه المجرمين. وإذا اردنا ان نعيد كتابة التاريخ من جديد، فعلينا قبل كل شيء فضح هذا الانتصار الذي دفع قسط من ثمنه مسبقا والقسم الاخر سيدفع لاحقا. فالجميع من الاطراف القومية والاسلامية تصك اسنانها لمرحلة سموها كذبا وزورا ووهما ما بعد داعش.