الدين والتراجع المستمر لحقوق الإنسان العربي

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 5581 - 2017 / 7 / 14 - 00:09
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

لا أدري لماذا تذكرت ما كتبه د. فؤاد زكريا رحمه الله في كتاب له بالفرنسية بعنوان:
les Arabes à l heure du choix
حيث كتب ما معناه وبتصرف: "ما هي جدوى أن يقول شيوخنا دائما أن الله كرم الإنسان وجعله خليفته في الأرض دون باقي المخلوقات بينما أن الإنسان العربي يتم إذلاله واستعباده وتستباح كرامته بشكل شبه يومي" أين هو هذا التكريم الإلهي؟ ولماذا يتمتع الانسان الغربي بحريته وكرامته دون أي تكريم إلهي؟
وأحيانا يخيل إلي أن منظمات حقوق الانسان في العالم أنشئت من أجل الدفاع عن الإنسان العربي وحده وأن موظفيها سوف يعانون من البطالة لو أن هذا المسكين نال حريته يوما ما.
ويوما بعد يوم يتلاشى الأمل في أن ترقى الدول العربية إلى مرتبة الدول الحديثة، ذلك أنه من غير الممكن تصور أن يتقدم أي مجتمع دون أن تحترم فيه الحقوق الأساسية للإنسان.
والحاصل أن أنظمة الحكم في عالمنا العربي البائس تتصور أن مهمتها الأساسية هي فقط تأمين الطعام والشراب والمسكن لمواطنيها، أما كرامة المواطن وحقه في حرية التعبير والاعتقاد واختيار من يحكمه ومحاسبته وانتقاده فهي نوع من الترف لدى بعض الأنظمة ونوع من قلة الحياء ونقص في التربية لدى أنظمة أخرى تستوجب تلفيق التهم والاعتقال إلى أجل غير مسمى.
الإنسان الذي لا يتنفس إلا الاستبداد والفساد والامتهان تضيع آدميته وتموت لديه ملكات الخلق والإبداع ولذلك لا تندهش عندما ترانا ننازع الأمم الأفريقية المتخلفة على مراكز المؤخرة في كل مؤشرات التنمية البشرية.
والحقيقة أن الذي دعاني لكتابة هذا المقال القصير مقطع فيديو أرسله لي صديق من مصر يظهر فيه رجل تبدو على محياه سمات الاحترام وهو يناشد الرئيس السيسي بمنتهى الأدب أن يعيد النظر في قراراته الأخيرة بزيادة أسعار المحروقات بنسب مرتفعة جدا بما سيؤدى حتما إلى نوبة جديدة من التضخم الجامح والمعاناة لعشرات الملايين من المعدمين في مصر وما أكثر هؤلاء في شتى أنحاء العالم العربي.
فما كان من الرئيس إلا أن هب في وجه الرجل بعصبية شديدة وبصوت مرتفع: أنت مين؟ فرد الرجل: أنا فلان عضو مجلس النواب. فرد الرئيس: مجلس نواب أيه؟ أنت فاهم أنت بتقول أيه ودرست الكلام بتاعك؟ وبالطبع لم ينبث الرجل أو أيي من كبار رجال الدولة الحاضرين بكلمة واحدة وبدت على الجميع علامات الهلع. من جراء غضب الرئيس.
وبالنيابة عن هذا النائب المحترم أود أن أرد على أسئلة الرئيس ب: إنني الشعب يا سيادة الرئيس. أنا الشعب الذي يعاني في صمت ولا يجد من يوصل صوته لك وينتظر تحقيق وعودك له. وانا لا أحتاج إلى أن أقوم بدراسة للشعور بمعاناتي ومعاناة أسرتي لأننا جميعاً نعيشها يوميا. والذين يقومون بالدراسات لا يعبأوون بنا ولا بما تسببه دراساتهم لنا من مصائب وكوارث.
مقطع الفيديو السابق يلخص حالنا في العالم العربي حيث تحاصر الشعوب من قبل جبهتين مستبدتين ومتحالفتين هما الطغمة الحاكمة والسلطة الدينية. والأولى صريحة في خطابها وتعاليها وأساليبها القمعية. أما الثانية فهي مراوغة وتتحايل على الشعوب بشتى الطرق حتى تحافظ على نفوذها وعلاقتها الطيبة بالسلطة الحاكمة ومع الشعب في ذات الوقت. ولذلك فهي تغض الطرف عن كل ما حولها من استبداد وفساد وظلم وكأن الأمر لا يعنيها. كما أن لديها قدرة عجيبة على التعايش مع هذه الاوضاع في سلام وانسجام ودون أي تبرم. ولكن ومن باب الإنصاف فإنها لا تنسى الشعب تماما فنجدها لا تبخل عليه بالنصائح والشعارات الدينية الكبيرة من عينة أن الفقر ليس عيبا وأن الله يحب من عباده الفقراء وأنه سوف يكرمهم كرما كبيرا عند قيام الساعة.
كما أن شيوخنا يقدمون معروفا هائلا للملايين الكادحة والتي تعيش على الفتات بتذكيرهم دائما بأن الفقر والحرمان هما ابتلاء من عند الله لاختيار قوة إيمانهم وأن التعامل مع هذا الوضع لا يكون إلا بالصبر والدعاء والصلاة، او التأسي بالصحابة وربط الحجارة على البطون للتخلص من الاحساس بالجوع، وكأن الإحساس بالجوع أحساس خارجي يمكن للحجارة أن تتكفل به!
وفحوى الرسالة الضمنية التي يريد شيوخنا إرسالها للفقراء والمهمشين هي أن الحكام غير مسؤولين عن أوجاعهم لان المشكلة لا تتعدى أن تكون اختبار ألهي بين الله وعباده لا يصح أن يتدخل الحكام فيها.
هل رأيتم حجم التدليس وكيف يمكن الإساءة للدين وتوظيفه سياسيا؟ فبد إفلاس هؤلاء الشيوخ وفشلهم في تقديم أي حلول لشعوبهم عل مدى قرون في قضايا التحرر والتقدم ونظم الحكم الرشيد، فإنهم الآن يوظفون الدين لتبرير الظلم والفساد ويسعون لوأد أحلام الشعوب في التحرر والتقدم والتمتع بحقوقها الأساسية مثل سائر المخلوقات.
والأسئلة الحائرة التي تراودني دائما:
- إلى متى ستظل شعوبنا أسرى حالة التدين الوراثي الكاذب الذي لا مكان فيه لاعمال العقل والتدبر؟
- هل خلق الدين ورجاله كي يخدموننا أم أننا خلقنا لخدمتهم؟
- كيف يمكن لأمة أن تعيش مع العالم في سلام ورجال الدين بها يبثون في عقول شبابها أنهم يملكون الحقيقة المطلقة دون العالمين وأن من واجبهم أن يفرضوا تلك الحقيقة على هؤلاء الضالين حتى لو استدعى الأمر استخدام القوة.
- متى ستدرك الشعوب أنها تخضع لعملية نصب واحتيال كبرى باسم الدين وأن وعظاها يقودونها الى الانتحار الجماعي من خلال حثهم على رفض كل مبادئ الحداثة والعيش المشترك وحق الحياة الحرة للجميع.

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي