منتدى ستوكهولم الدولي السنوي الرابع حول السلام والتنمية


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 5581 - 2017 / 7 / 14 - 00:09
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

تشكل التوترات الدولية الراهنة وتصاعد التدخلات العسكرية الخارجية والتهديدات الأجنبية السافرة المخالفة للقوانين الدولية النافذة، الى جانب تصاعد العمليات الأرهابية، بالتأكيد، تهديداً خطيراً للسلم والأمن في العالم، مع ما تفرزه من تداعيات دولية وإقليمية ومحلية مدمرة إقتصادية – إجتماعية وبيئية وصحية تشل خطط وبرامج التنمية،التي لايمكن تحقيقها من دون وتوفر الشروط والعوامل والمتطلبات اللازمة..
وإستطراداً، أثبتت التجربة الدولية العملية أنه من دون توفر السلم والأمن والإستقرار الدائم في البلد المعني لن تكون هنالك عملية تنمية هادفة لتطوير المجتمع وإرتقائه الى وضع أفضل عبر تنمية موارده وإمكاناته الداخلية.وفي هذا الإطار بذلت الأمم المتحدة جهداً خاصاً لمجالات التنمية،أثر قويا في حياة ملايين البشر ورفاههم في كل أنحاء العالم، من خلال السعي لتقليل الفقر، وتعزيز الإزدهار، وحماية الكوكب..وقد بنت جهدها على القناعة بأن السلام والأمن الدوليين الدائمين غير ممكنين إلا عند ضمان الإزدهار الاقتصادي للأفراد وضمان رفاههم في كل أرجاء العالم.

من هذا المنطلق عرفت الأمم المتحدة التنمية، منذ عام 1956، بأنها " العمليات التى بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالى والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن"..

وإسترشاداً بذلك، أولى معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أهمية خاصة لقضايا السلام والتنمية، إدراكاً منه للعلاقة الوثيقة بينهما.وهو كمؤسسة علميّة بحثية دولية مستقلّة متخصّصة بالشؤون الستراتيجية،ركز على البحوث والأنشطة المكرسة للسلام والأمن الدوليين والتسلح والنزاعات المسلحة ونزع السلاح.وهو منذ تأسيسه في عام 1966 يُقدم البحوث الرصينة والبيانات والمعلومات والتحاليل والتوصيات، بالاستناد على مصادر مفتوحة/علنية. وقد دأب على نهج ربط المعلومات والتحليلات بالأرقام الإحصائيّة الدالّة، كي يتمكّن الباحثون الاستراتيجيون، وصنّاع القرار، والمعنيون الآخرون، والأعلام، والرأي العام، من تكوين آرائهم وأحكامهم.

منتدى ستوكهولم السنوي حول السلام والتنمية

منذ أربعة أعوام شرع SIPRI بتنظيم منتدى دولي سنوي في ستوكهولم، مكرساً لقضايا السلام والتنمية، سرعان ما تحول الى منبر دولي هام لإحراز التقدم في قضايا السلام العالمي.
اَخر هذه المنتديات، وهو المنتدى السنوي الرابع،إنعقد في الثالث والرابع من اَيار الماضي، بالشراكة مع وزارة الخارجية السويدية. وشارك في أعماله أكثر من 200 أكاديمياً وخبيراً وشخصيات رفيعة المستوى من قادة الفكر وواضعي السياسات من أكثر من 60 بلداً، لمناقشة سبل العمل للحفاظ على السلام وإدامته، وتحديد الممارسات الجيدة في تداخلات بناء السلام وتقييم كيف وتحت أي ظروف يمكن تكراراها أو تعديلها لتلبية إحتياجات الآخرين في هذا السياق، بهدف تطبيق أدوات بناء السلام الناجحة على السياقات الهشة والمتأثرة بالنزاعات.

من بين المساهمين في الجلسة الإفتتاحية: نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة السفير يان إلياسون؛ وعضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د.حنان عشراوي، ووزيرة التعاون والتنمية الدولية السويدية إيزابيلا لوفين؛ ووزيرة الخارجية السويدية مارغوت والستروم؛ ووزير المالية والتنمية الاقتصادية السيراليوني مومودو كارغبو، وعدد من السفراء الأجانب المعتمدين في السويد، ومؤسس "معهد ماديبا للقيادة " في غرب أفريقيا، أوري تراوري.

افتتح المنتدى السنوي الرابع مدير SIPRI دان سميث، الذى اكد على العلاقة الحاسمة بين السلام والتنمية. وقال "ان العالم فى وضع غير آمن وما نحتاجه هو المزيد من الالتزام بتحقيق السلام بالوسائل السلمية".

وفي كلمتها في الجلسة الافتتاحية، أبرزت وزيرة الخارجية السويدية مارغوت والستروم الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عملية بشأن بناء السلام، قائلة: "نسأل أنفسنا ما العمل الذي يتعين ان نقوم به؟" وأجابت:"..إنه الاعتراف الصادق بأننا جميعاً بحاجة لمضاعفة جهودنا لبناء مجتمعات شاملة، ومنع العنف والنزاعات المسلحة وبناء سلام دائم ".وكانت قد أعلنت عشية المنتدى بان SIPRI يساهم هنا في جمع أطراف فاعلة مختلفة من جميع أنحاء العالم لتبادل الخبرات وتقديم النصائح العملية حول كيفية العمل من أجل تعزيز الوقاية من الصراعات وتعزيز بناء السلام . هذا المنحى مهم لعملنا في مجلس الأمن الدولي، وخاصة في مجال الحصول على التجارب العملية لأولئك الذين يعملون على وجه التحديد في الدول التي تعاني من النزاعات".

وقالت وزيرة التعاون والتنمية الدولية السويدية، إيزابيلا لوفين:" ان التعاون الإنمائي يلعب دورا محوريا للبلدان التي تسعى نحو الحل السلمي للنزاعات".وأضافت:"يمكن لتجاربنا في مجال الحوار الدولي بشأن السلام وبناء الدولة أن تكون بمثابة مصدر إلهام لدول أخرى، وللنظم المتعددة الأطراف".وأشارت إلى "الشمولية كمثال لما يتعين عمله في بناء السلام الناجح ". وإختتمت: "لن يتخلص أي بلد من الفقر دون احترام وتشجيع للمرأة ولحقوقها ".

من جهته، أوضح مؤسس "معهد ماديبا للقيادة" في غرب أفريقيا، أوري تراوري:"ان الدول الهشة مرنة، ولكن المجتمع الدولي كثيرا ما يتحدث عن الحاجة إلى بناء القدرات في الدول الهشة وكأنها غير موجودة بالفعل.. يجب على الجهات المانحة أن تلبي ما تحتاجه الدول الهشة لتحقيق أهدافها ".

وفي كلمته،دعا نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة والرئيس المقبل لمجلس إدارة "سيبري" يان إلياسون إلى "مؤسسات موثوقة وقوية"، معتبراً " ان المؤسسات هي العمود الفقري للمجتمع اللائق والمتحضر".
وتحدث وزير المالية والتنمية الاقتصادية السيراليوني مومودو كارغبو عن ضرورة تنفيذ أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وشدد على ضرورة ترجمتها وتبسيطها في سياق محلي.

توصيات اَنية وملحة

التقرير الختامي للمنتدى سيصدر في اَب القادم، وسيتناول توصيات اَنية وملحة- كما أخبرتني مشكورة السيدة كاتي سوليفان - منسقة برنامج السلم والتنمية لدى SIPRI، من بينها:

معالجة "ضعف الثقة": ان عدم الثقة trust deficit في المؤسسات العامة والنظام المتعدد الأطراف، وتزايد المخاوف الأجتماعية بين الجماعات والمجتمعات المنفصلة، هي جلية في تنامي الجماعات القومانية nationalist والشعبوية populist والمتطرفة extremist في سياقات عالمية متنوعة.فنحن بحاجة الى العمل لإعادة بناء الثقة من أجل تمكين التعاون الفعال في مجالات السلام والتنمية.

الشمولية Inclusivity ضرورية لبناء السلام وإدامته: يتعين على بناة السلام إيجاد سبل لتزويد الفئات المهمشة إجتماعياً، إقتصادياً، سياسياً، جغرافياً، بإمكانية الوصول الى عمليات السلام، وإنشاء اَليات (mechanisms) تكفل ان يكون تمثيلهم ذو تعبير نوعي.

يجب إعطاءه الأولوية لمنع نشوب النزاعات:يستلزم ذلك ان يكون هنالك إستثمار أكبر في منع نشوب النزاعات في الدول المسالمة والمتضررة من النزاعات .

إعتماد نهوج approaches جديدة: قد لا تكون أدوات الوقاية الراهنة من نشوب النزاعات وإدارتها وحلولها كافية في معالجة الأبعاد الكثيرة للنزاعات العنفية.. ان التكنولوجيا والفنون السلمية هي أدوات مستجدة قوية لإشراك الأفراد والمجتمعات التي غالباً ما تستبعد من عمليات السلام الرسمية.

هذا وقد بينت مناقشات المنتدى الرابع أنه ثمة حاجة ماسة إلى وجهات نظر متنوعة.فقد وصلت المشاركين رسالة واضحة من تجارب حية شهدها المجتمع السويدي مفادها ترابط مفاهيم السلام والإندماج.وفي سياقات الصراع العنفي يمكن للاستبعاد أن يعمل كدافع للنزاع، ولذا اعتبرت النهوج الشاملة Overall approaches ، منذ وقت طويل، حاسمة لبناء السلام واستدامته. وهذه يمكن أن تتخذ أشكالا متنوعة. وقد تشمل، على سبيل المثال، الجهود الرامية إلى زيادة المشاركة بين مختلف الطوائف أو المجموعات الديموغرافية في عمليات السلام، وتعزيز تمثيل المرأة والأقليات العرقية أو الدينية والشباب والسكان الريفيين. وبالمثل، فإنها تسعى في كثير من الأحيان إلى توسيع نطاق المشاورات في تصميم وتنفيذ ورصد استراتيجيات بناء السلام الوطنية لتشمل منظورات مختلفة، مثل الحكومات المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ويمكن أن تشمل النهوج الشاملة بالمثل المبادرات التي تسعى إلى تنويع التمثيل داخل القطاع نفسه، على سبيل المثال، صناع السياسات على المستويات الدولية والوطنية والمحلية.

ولكي تؤدي عمليات بناء السلام إلى سلام مستدام، يلزم المشاركة والمشاركة الواسعة من فئات المجتمع على مدى طويل. ولئن كان ذلك معترفا به على نطاق واسع، فلا يزال هناك مجال كبير للتحسين عندما يتعلق الأمر بالجهود الدولية والوطنية لدعم بناء السلام الشامل للجميع حقا وفعلآ.