الإستفتاء في اقلیم کردستان : ماذا وراء الأکمة ؟


عدنان كريم
الحوار المتمدن - العدد: 5570 - 2017 / 7 / 3 - 08:36
المحور: القضية الكردية     

الإستفتاء في اقلیم کردستان : ماذا وراء الأکمة ؟
عدنان کریم / سیدني

لا تني جبهة الداعین لاجراء الاستفتاء في کردستان العراق لتحدید مصیر الاقلیم بالبقاء ضمن إطار الدولة العراقیة او انفصالها لتکون دولة مستقلة بذاتها في اتساع. وتتزین صفوف القائمة بمختلف التیارات السیاسیة و ذوي المشارب الفکریة المختلفة بل والمتناقضة نوعا ما. فما ان اطلق رئیس الحزب الدیمقراطي الکردستاني ، والذي فقد لقب رئیس اقلیم کردستان منذ ٢٠١٥ طبقا لقانون وقعه بنفسه ، دعوته قبل اسابیع اثر اجتماعه بممثلي مجموعة من ممثلي الاحزاب السیاسیة الکردستانیة باجراء الاستفتاء حتی بدأت تتعالی نداءات کل القوی السیاسیة ( ما عدا حرکة التغییر والجماعة الاسلامیة ) للالتحاق بالرکب دون تأخیر. فجبهة " جهاد الاستفتاء " تتسع لتشمل الیمین والیسار والوسط والقومي والاسلامي و الشیوعي و اللیبرالي والمارکسي وکل ما زخرت به الساحة السیاسیة الکردستانیة من تلاوین واطیاف السیاسة و الفکر. هبوا جمیعهم هبة رجل واحد ملبین دعوة القائد الضرورة و " بسمارك " الکورد مبارکین الخطوة دون ادنی تردد او تمحیص لما یخفیه شعار رفعه مسعود البرزاني عند کل منعطف في علاقاته الملتویة مع بغداد و أثناء ازماته المصطنعة معها و مع خصومه و مناوئیه السیاسیین غالبا. ولا یغیر من شيء ما یرفعه بعض القوی من شروط و مقدمات و مطالب یطرحونها لاجراء الاستفتاء یعرفون هم قبل غیرهم بأنها لا تمثل سوی مکیاج لتزیین مخطط البرزاني و لا ینظر الیها المراقبون في الوسط الکردي الیها سوی کونها رداء یتدثر بها اصحابها خجلا من وصمهم بالتبعیة لقوة سیاسیة کالدیمقراطي الکردستاني تلون ومنذ انتفاضة اذار ١٩٩١ بما یشتهیه مصالحه الحزبیة ومصالح زعامته القبلیة من آل برزان. فتاریخ القیادة البرزانیة ابا و ابنا، ملیئة بما هو متناقض تماما مع الهم الکردي المثقل بخیانات حزبهم العتید و تحالفهم مع اعتی اعداء الکورد کما یشهد علیه إستنجادهم بصدام و جیشه في ٣١ آب ١٩٩٦ حیث لم یکد مضت سوی اقل من عقد من الزمن علی أقتراف صدام و جیشه ذاته جریمة الانفال السیئة الصیت.
لکن ماذا جری لیتحول البرزاني نحو تبني خیار الإستفتاء ؟
لقد بات الخناق یضیق یوما إثر آخر علی البرزاني و حزبه حیث یلاحقه الازمات من کل حدب و صوب. فمنذ عام ٢٠١٥ بدأ العد التنازلي في اقلیم کردستان علی مختلف الأصعدة.
فعلی الجبهة الإقتصادیة تتراجع الاستثمارات و توقفت کل المشاریع ویخیم علی السوق کساد و ازمة عمیقین. والحالة المعیشیة للمواطن الکردي في حال یرثی لها بعد وقف صرف الرواتب حیث لا یتم دفع الرواتب إلا مرة واحدة في ثلاثة أشهر و یتم إستقطاع ثلثي الراتب ایضا. ولم تکن الأزمة الإقتصادیة إلا حصیلة مباشرة لنهج إقتصادي و تخطیطي یفتقر لادنی معاییر السیاسة الإقتصادیة السلیمة یتبناها الحزب الدیمقراطي الکردستاني الممسك بزمام السطلة عنوة و بدون الأخذ برأي ارکان الحکم من الأحزاب الأخری المٶتلفة في الحکم. کانت تلك السیاسة الإقتصادیة و خاصة شقها النفطي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعیر لسلطة الإقلیم علی صعید الإقتصاد. و جاءت کل الثمار المرة للإنهیار الإقتصادي في الإقلیم کحصیلة مباشرة لسیاسة " الإستقلال الإقتصادي " المزعومة التي تبنتها الحزب و قیادة البرزاني دونی إیلاء اي إهتمام لرأي المختصین و القوی الأخری. وقد تبین لاحقا ان ما دفع لتبني تلك السیاسة الهوجاء هو حزب العدالة و التنمیة الترکي بقیادة رجب طیب اردوغان حیث عقد البرزاني اتفاقیة مدتها ٥٠ عاما لتصدیر النفط بإشراف الجانب الترکي لا یعرف مضمونها إلا الشلة المحیطة بمسعود البرزاني و هم نجله مسرور رئیس مخابرات الإقلیم و ابن اخیه نیتشیر البرزاني رئیس حکومة الإقلیم و وزیر الموارد الطبیعیة آشتي هورامي. والمثیر في الأمر إن کل ما یحیط بالعلاقة مع ترکیا لا یعلم بها إلا الطاقم الرباعي المذکور. ولأجل التغطیة علی اهدافهم المشٶمة لم یتوانی البرزاني عن إسکات شلة متنفذة في صفوف قیادة الإتحاد الوطني الکردستاني المعروفین بدعمهم اللامحدود لبرزاني في نهجه في الحکم. ولم یکن ثمن السکوت القادم من جبهة الاتحاد الوطني سوی الرشاوی المالیة الضخمة و بعض من المناصب غیر الحساسة مالیا و امنیا کان لابد من دفعها. هکذا بات الإتحاد الوطني رهینة اختار السکوت و المشارکة في جني فتات من ملیارات الدولارات التي تذهب لمافیات الحزب الدیمقراطي الکردستاني و اسرة البرزاني تحدیدا. ولم تأت خیار البرزاني بتحالفهم مع ترکیا من فراغ و بدون ثمن بل مثلت تلك السیاسة ضربة معلم من اجل الإستئثار بالحکم و طرد ممثلي حرکة التغییر من کل مفاصل السطة کالوزارات و رئاسة البرلمان و السیطرة التامة علی الملف النفطي و المالي و العلاقات الخارجیة و القوة العسکریة و الامن وکل ذلك بضمان ترکي بل و تخطیط مخابراتي لقادة حزب العدالة و التنمیة الترکي. هکذا ادار البرزاني ظهره لمٶتلفیه في الحکم من الأحزاب الکردستانیة و خاصة للاتحاد الوطني مثلما قطع مجمل الخیوط مع الحکومة العراقیة ، کما رسمها لهم شریکهم وضامن بقائهم في السلطة دون رقیب و دون مخاوف من ایة عملیة إزاحة أتت من الداخل الکردستاني او العراقي کما تم تأمین کل مایلزم لعدم تعرضهم لأخطار وضربات " ممیتة " و " قاتلة " من داعش و اخواتها حیث یتکفل الاتراك بکل تلك الضمانات مقابل ضخ عشرات ملیارات الدولارات من عائدات النفط لإقتصادهم المترنح من قبل البرزاني و محاربة حزب العمال الکردستاني و رفع الشرعیة عنهم من اجل تسهیل محاربتهم من قبل الاتراك.
تلکم هي لب السیاسة و الوتر التي یلعب علیها البرزاني بتخطیط و إشراف ترکي مباشر.
لکن هل تنتهي القصة هنا فقط ؟
لا بالطبع. فالأزمات تلاحق البرزاني اینما ولی. کما إن أهداف هذه الطغمة الحاکمة تتسع و لا تنحصر في الشأن المالي و الإقتصادي فقط بل و تحدیدا ولأجل دیمومة تلك السیاسة الإقتصادیة لا بد من جملة من المتطلبات الداعمة و المٶازرة و الضامنة. و هکذا تتالت مسلسل النهچ البرزاني فالتصعید مع بغداد و التفرد بالحکم و تضخیم خطر داعش واللعب علی وتر السیاسة الدولیة و إعلاء نغمة ما یسمی بإنتهاء حقبة سایکس بیکو اتت کلها کمفردات جوهریة في خطاب حزب البرزاني و خاصة منذ محاولة حرکة التغییر المس بشرعیة هذه السلطة عن طریق طرح مشروع القانون الخاص بإنتخاب رئیس الإقلیم من داخل البرلمان و نزع الشرعیة عن رئاسة البرزاني منذ ٢٠١٥.
مسلسل الأحداث منذذاك تصاعدت بوتائر سریعة لم تکن في صالح الحزب الدیمقراطي و زعامته. فالسخط الشعبي في تزاید و إتساع متواصلین والازمة الإقتصادیة تنیخ بکلکلها ثقیلا لا یرحم علی المواطن الکردستاني و الشارع یغلي و یعلو حنقا و تذمرا و مسبحة الإئتلاف الحاکم تنفرط عقدها و اللعب علی وتر تأجیج و توجیه السخط الشعبي علی بغداد لم تجد آذانا صاغیة و محاولة توظیف داعش و تضخیم مخاطرها تتداعی و تجربة الاکراد في الجانب السوري من الحدود بتنوعها و عمقها و الالتفاف الشعبي حولها و سمعتها الاممیة الراقیة برغم کل الصعاب بدأت تعري تجربة الاقلیم التي تنخرها الفساد و سطوة حیتان الحزب الکردستاني الذي بات یفقد آخر ما تبقی له من سمعة " ثوریة " تعود لحقبة الجبال .....، الخ من عوامل لعبت دورها مجتمعة في تعریة الحزب الدیمقراطي الکردستاني و اسرة البرزاني و الزمرة الداعمة لها في صفوف الإتحاد الوطني الکردستاني.
هکذا وجد البرزاني ضالته المنشودة في خیار الإستفتاء لقلب الطاولة علی مناوئیه في الداخل اولا مستغلا تلکٶ الحکومة العراقیة في تنفیذ التزاماتها الدستوریة بصدد حل مجمل القضایا المتعلقة بما تبقی من المواد المنصوصة بالمادة ١٤٠ بشأن المسألة الکردیة.
ولا یتردد البرزاني في التأکید بأن قراره بصدد الإستفتاء لا یعني الانفصال ، حیث یعرف جیدا بأن اغلبیة المشارکین سیصوتون بالایجاب إن جری.
و هکذا فإن سیاسة الاستفتاء لا یمت لا من قریب و لا من بعید بحل ما تبقی من قضایا متعلقة بالمسألة الکردیة في العراق کقضایا المناطق المتنازعة علیها او غیرها ، بل هو لعب علی الذقون من اجل حل الازمة العمیقة التي تواجه السلطة الکردستانیة و ما ولده من تذمر و سخط شعبي عارم.
فالاستمرار في التفرد بالسلطة ، حیث تسیطر عائلة البرزاني تحدیدا علی رئاسة الاقلیم و رئاسة الوزراء و الاجهزة الامنیة و العسکریة مباشر، عدا سیطرة الحزب بزعامتهم علی مجمل المناصب الحساسة الاخری، و نهب ثروات الاقلیم و إستمرار التحالف مع ترکیا وقبر الحیاة النیابیة في الإقلیم ، یتطلب کلها معالجة ازمة الشرعیة وإثارة مد شعبي موال عن طریق الالتفاف علی النقمة الشعبیة العمیقة وکل ذلك باللعب علی وتر العواطف و الاحاسیس القومیة و اللجوء إلی سلاح التصعید مع بغداد کخیار جاهز و فاعل و مٶثر.
إن توظیف الإستفتاء ، کإستحقاق سیاسي و قانوني مشروع ، من أجل جملة من سیاسات لا تمت بصلة بقضایا و هموم المواطن الکردي و الکردستاني و لا بقضایا تتعلق بالدستور ، لیس إلا حلقة اخری من سلسلة سیاسات النهب و السلب و کم الافواه و التآمر مع دول لا تکن إلا العداء للکورد . سیاسة لن یکون ضحایاها سوی المواطن الکوردي. إنها، أي الإستفتاء ، کلمة حق یراد بها باطل لا غیر لا ینبغي تمریرها بلغة توظیف و تجییش العواطف من قبل جهة ثبت بالدلیل القاطع بإنها لا ترمي من ورائها سوی تعزیز مرکزها التفاوضي مع الحکومة المرکزیة في مرحلة ما بعد داعش وإبتزاز الحکومة العراقیة و القوی المناوئة لها في الداخل من اجل حفنة امتیازات تعود ثمارها إلی السلطة المتشبثة بالحکم عنوة في الإقلیم.
وهكذا فالخیار السلیم و النهج الواقعي هو دحر هذه اللعبة و الدفع بإتجاه إسقاط سیاسة النهب و السلب و التفرد وحل القضایا العالقة مع المرکز بلغة الحوار و الشفافیة والاستحقاقات الدستوریة و الالتزامات المتبادلة.
لقد باتت السلطة السیاسیة في اقلیم کردستان ضمن زمر " الدول الفاشلة " في العالم بغرقها في الفساد و التفرد والإستئثار بالسلطة و اللصوصیة و کم الافواه والتواطٶ مع قتلة الشعب الکردي في الجانب الآخر من الحدود و الحکم العائلي و عقد الصفقات التجاریة و الامنیة مع قوی الإرهاب .
لیست سیاسة اللجوء إلی الإستفتاء، برأي العدید من المراقبین ، سوی مسعی ملتو آخر، و إسم رمزي ثان لتمریر النهج المذکور بعد زوال کل البراقع المزینة لها.
تموز ٢٠١٧