الحكومة بالأمس واليوم


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 5569 - 2017 / 7 / 2 - 02:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يُحكى ، والعهدة على الراوي ، أن احد معارضي الحكومة العراقية في العهد الملكي اتهمه جهاز الأمن العام بشتم الحكومة وقدمه إلى القضاء مع توضيح اجهزة الأمن العامة في ملفه على انه قال " الحكومة كحبة ". واضطر المتهم إلى توكيل محامي ليتولى الدفاع عنه امام المحكمة . وجاء اليوم الذي عقدت فيه المحكمة جلستها وقرأ المدعي العام حيثيات التهمة امام المحكمة مؤكداً على ان المتهم شتم الحكومة وقال " الحكومة كحبة " . وهنا طلب القاضي من المحامي ان يدلي بدفاعه ، وبالفعل وقف المحامي امام المحكمة وقال : سيدي القاضي ان موكلي قال الحكومة كحبة ، ولم يقل الحكومة العراقية كحبة . وهنا اعترض المدعي العام ووقف صائحاً : سيدي القاضي : هذا تلاعب بالألفاظ ... ليش هوه اكو حكومة غير حكومتنا كحبة ؟
وهذا ما نؤكده اليوم بدون لف ودوران على ان الحكومة العراقية تحمل تلك المواصفات التي رافقت الحكومة العراقية آنذاك . ويمكننا تلخيص اوجه الشبه ، بل واوجه التماثل إذا اردنا التعبير عن ذلك بدقة وتتلخص بما يلي :
** الحكومة العراقية اليوم تبيع نفسها لمن يدفع بشكل عام ، ولمن يدفع اكثر في حالة الطلبات الخاصة كما في بيع الوزارات السيادية مثلاً .
** الحكومة لا تخجل ان تواجه الناس بما هي عليه كتشكيلة فقدت موقعها الإجتماعي ورصيدها الأخلاقي ، بل وانها تفتخر احياناً بانها بلغت هذا المستوى من العهر السياسي والإقتصادي والثقافي وحتى الديني .
** الحكومة العراقية ، نعم العراقية ، لم يشمل الفساد فيها بيع الأخلاق والقيم والإنحطاط الإجتماعي فقط ، بل انها عملت على توزيع هذا الفساد على اجهزة ومؤسسات ليست ضمن مواقع عملها كسلطة تنفيذية ، بل شجعت ، لا بل دفعت بمؤسسات اخرى مثل المؤسسة التشريعية او المؤسسة القضائية على سلوك نفس طريقها في ممارسة الرذيلة والإنحطاط الخُلقي والسقوط الإجتماعي.

وقد يشكل هذا الجانب الذي يشمل المؤسسة القضائية واحداً من الظواهر التي لا يمكننا التغافل عنها ، حيث اصبحت ملازمة للحياة الإجتماعية في وطننا وتشكل خطراً جدياً على حياة وامن المواطنين الذين لم يتخلصوا لحد الآن من ارهاب الإسلام السياسي ومنظماته الإرهابية ، لتستمر معاناتهم مع دواعش الداخل وكل ما يسببونه من ارهاب بحق المواطنين.

الظاهرة التي نود التطرق اليها اليوم ووضعها على طاولة البحث باعتبارها تشكل واحدة من الإنعكاسات التي تشير إلى مدى الإستهانة بالقانون تطبيقاً وتنفيذاً هي ظاهرة العصابات السائبة التي تترصد ضحاياها على شوارع المرور العامة التي من المفروض ان تخضع لحماية الحكومة واجهزتها الأمنية والمرورية ، وليست كساحة عامة تصول فيها عصابات اجرامية تتصنع حوادث الدهس لأحد افرادها وتلقيه على الشارع العام امام سيارة الضحية المُرَشَحة لدفع مبلغ ما كتعويض عن "" اضرار "" الدعس المُفتَعَل الذي تعرض له احد اعضاءها. وما يساعد هذه العصابات على المضي في مخططاتها ، ليس غياب القانون او السقوط الأخلاقي والإجتماعي للحكومة فقط ، بل وتواطئ الأجهزة والمؤسسات الأخرى كالمستشفيات او مراكز التحقيق في الجرائم التي لم تستطع ان تتطور في عملها بحيث تصبح قادرة على كشف الغث من السمين وانقاذ ضحايا عصابات المرور هذه من اشرارها التي طالما تربطها بسيادة القانون العشائري الذي تطرقنا إلى سلبياته الكثيرة والكثيرة جداً على اهلنا ووطننا في مناسبات عديدة سابقة، وكل ما يترتب على ذلك من ابتزاز مالي وتهديدات.

يا حكومة العراق التي لا نرى وصفاً ينطبق عليها غير ذلك الذي اطلقه ذلك العراقي على الحكومة آنذاك والتي اثبت المدعي العام، العراقي ايضاً، ان الحكومة العراقية وحدها هي المعنية به ، إذا لا توجد حكومة اخرى بهذه المواصفات سوى الحكومة العراقية ، التي تخضع اليوم لنفس تلك المواصفات . فيا هذه الحكومة ما نريد قوله لك هو : اننا لا قدرة لنا على منعك من التصرف بشرفك كما تريدين ، فهو شرفك وحدك. لكننا نجد انفسنا مجبرين ، لا بل ومن واجبنا الوطني ان لا ندع العهر الذي تمارسينه يشكل سبباً لإرهاب اهلنا الذين لم ينتهوا بعد من ارهاب منظمات تغنت بنفس الإهزوجة التي تتغنى بها احزاب الإسلام السياسي الحاكمة في وطننا العراق اليوم . حاولي ان تكفري عن بعض خطايا عهرك هذا بالتصدي لمثل هذه العصابات على الأقل ، ولا نطلب الكثير اذا ما اردنا ان يكون الشارع العراقي آمناً في النهار فقط ، وليس ليلاً ونهاراً ، فالليل قد يكون مهماً لضمان استمرار ما تمارسينه .