مستقبل أمن منطقتنا في ظل تزايد الهجرات الغير شرعية


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5561 - 2017 / 6 / 24 - 00:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مستقبل أمن منطقتنا
في ظل تزايد الهجرات الغير شرعية

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-



برزت بقوة ظاهرة الهجرات في المنطقة الأورو- مغاربية منذ عدة سنوات، وبدأت تأخذ مناحي خطيرة، وذلك لعدة أسباب ومنها: تأثيرات التغيرات المناخية، خاصة الهجرات الآتية من أفريقيا جنوب الصحراء والساحل، والتي عادة ما تكون المنطقة المغاربية مجرد منطقة إنتقالية أو معبر لهجرات غير شرعية إلى أوروبا، مما حولها إلى قضية مؤثرة في العلاقات المغاربية-الأوروبية.
كما برزت الهجرة بقوة بعد نشوب ما يسمى ب"الربيع العربي" في ديسمبر2010، وتضاعفت الهجرات إلى أوروبا مباشرة بعد إندلاع تلك الأحداث، والتي انجر عنها فوضى أمنية في المنطقة الجنوبية للمتوسط، وظهور ثلاث أزمات كبرى بظلالها التأثيرية جدا، وهي أزمات ليبيا وشمال المالي، وكذلك الأزمة السورية، فنشبت حروب في المنطقة بفعل ذلك، وصاحبها تصفيات عرقية ودينية وطائفية دفعت الكثير إلى الهروب من جحيم الحرب إلى الدول الأكثر أمنا، ومنها الجزائر والبلدان المغاربية الأخرى، والتي يتخذها البعض من هؤلاء المهاجرين كمنطقة إنتقالية فقط للهجرة إلى أوروبا فيما بعد والإستقرار فيها.
قدرت الإحصائيات بأنه في عام 2011 –أي العام الذي أندلع فيه ما يسمى ب"الربيع العربي" في ليبيا-، بأن هناك 750ألف مهاجر من ليبيا من غير الليبيين دون تعداد حوالي 400ألف ليبي، وتقول الإحصائيات الإيطالية لعام 2014 أن عدد المهاجرين الغير شرعيين إليها إنطلاقا من ليبيا منذ عام 2011 تقدر بحوالي مليون ونصف مهاجر غير شرعي من جراء الأزمة الأمنية المشتعلة فيها وعدم القدرة على إيقاف الهجرات العابرة لحدودها البرية والبحرية، كما نشطت منظمات تمرير أو تهريب المهاجرين، وتراوحت مداخليها مابين 255 و323 مليون دولار سنويا منذ إندلاع الأزمة الليبية، وقد كانت تتراوح قبل 2011 بين 08و20مليون دولار سنويا فقط، ويذهب جزء كبير منها لتمويل الجماعات الإرهابية حسب تقرير المبادرة الدولية ضد الجريمة المنظمة عبر الحدود الصادر في عام 2014.
كما تحولت الجزائر بفعل الوضع الأمني المتردي في ليبيا إلى محطة للهجرات الأفريقية خاصة، إما كمحطة للإنتقال إلى أوروبا أو للإستقرار فيها، ويعد هذا أحد أسباب تزايد الهجرات إلى الجزائر، ولتخفيفها يتطلب إيجاد حل للأزمة الليبية تستهدف إعادة الإستقرار إليها.
وقد تأثرت الجزائر نسبيا من هذه الأزمة من ناحية المهاجرين رغم غلقها الحدود معها، حيث تقول بعض الإحصائيات أن الجزائر عرفت في 2013 هجرة 17 ألف ليبي مقابل 15ألف سوري يمكن أن يكون جزء منهم قد مروا عبر ليبيا هروبا من مصر التي أصبحت ترفضهم بعد سقوط نظام محمد مرسي الإخواني ووصول عبدالفتاح السيسي إلى السلطة، والذي يرى في اللاجئين السوريين بأنهم متعاطفين مع الإخوان، كما نجد25 ألف مالي في الجزائر بسبب الأزمات الأمنية في هذه الدول.
لكن العامل الرئيسي المؤثر في ليبيا مستقبلا هو الجنوب أو مايسمى بأقليم فزان الواسع جدا، والذي يمكن أن يلجا إليه الداعشيون، ويكون مركز تجمعهم مستغلين الصراعات بين الطوارق والتبو والفوضى القائمة في هذا الأقليم بسبب تخلي حكومتي طبرق وطرابلس عنها، مما سيهدد الجزائر ومناطقها الحدودية، وسيؤدي إلى محاولات هجرة إلى الجزائر، وقد نبه مركز مجموعة البحوث والمعلومات حول السلم والأمن الأوروبي إلى إمكانية لجوء الداعشيين إلى المثلث الواقع على الحدود الجزائرية-الليبية-النيجرية بسبب ضعف النقاط الأمنية فيه، كما يمكن أن تؤدي أي محاولة للقضاء على داعش في ليبيا كلية ومطاردة مقاتليها أن يتحولوا إلى مهاجرين وخلايا نائمة والعودة إلى سلوك الإنهاك للجيوش، بما فيها الجيش الجزائري، وكذلك ضرب آبار النفط والسعي للسيطرة عليها بهدف تمويل نشاطاتها وتمهيد لإقامة مناطق نفوذ أو أقليم إرتكاز لداعش في الصحراء الجزائرية الواسعة جدا والصعب السيطرة عليها كلية.

تعد الجزائر من الدول المتضررة من الأزمة في شمال المالي والساحل من ناحية المهاجرين واللاجئين غير الشرعيين بكل تأثيراتها الأمنية، فالضغط على الجماعات الإرهابية هناك، وكذلك على داعش في ليبيا، سيدفعها إلى محاولات دخول الجزائر، خاصة عبر المالي بالنسبة لداعش الليبية، كما فعل بعض التوارق الذين هربوا من ليبيا إلى المالي بأسلحتهم العديدة، فكان ذلك وراء نشوب الأزمة هناك في عام 2012.
فبرغم غلق الجزائر حدودها مع ليبيا والمالي إلا أن عدد المهاجرين من المالي والنيجر الغير شرعيين قدرهم الوزير الأول عبدالمالك سلال ب20ألف مهاجر غير شرعي في تصريح له في نوفمبر2016، كما قامت قوات الدرك والأمن الوطنيين بإيقاف العديد منهم في الأسبوع الممتد ما بين 21 و28 نوفمبر2016.
فقد أحصت المفوضية الأممية لللاجئين المتمثلة في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بأن عدد الماليين في الدول المجاورة في 2013 يقدر ب 176146لاجيء، ومنهم 1500 في الجزائر فقط في 01أبريل2013، وهو عدد قليل مقارنة بالنيجر وبوركينافاسو أين بلغ حدود50ألف في كل دولة، ويعود ذلك إلى غلق الجزائر حدودها مع هذا البلد.
لايتحدث الإعلام كثيرا عما يحدث في المالي منذ أن تكفلت فرنسا بمحاربة الجماعات الإرهابية في هذا البلد الذي كان ذريعة لتدخلها والإبقاء على نفوذها القديم في منطقة الساحل وجنوب الصحراء لمواجهة أي تهديد أمريكي لنفوذها في إطار الصراع حول الزعامة، فبعد ما كانت أفريقيا جنوب الصحراء منطقة نفوذ فرنسية برضا أمريكي، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت بكل قواها في هذه المنطقة حتى من الناحية العسكرية لأول مرة بإنشائها قوات أفريكوم ومتذرعة بمحاربة الإرهاب، لكن يفسر ذلك في العمق بخشية فرنسا أن يؤدي تزايد النفوذ الأمريكي إلى التحكم في منابع الطاقة وطرق مواصلاتها في القارة الأفريقية، مما يجعل أوروبا تحت الرحمة الأمريكية في هذا المجال، ولا يمكن تفسير التدخل الفرنسي في المالي إلا بصراع أمريكي-أوروبي تقوده فرنسا نيابة عن أوروبا حول النفوذ في القارة الأفريقية.
لكن نعتقد أن مشكلة المالي معقدة جدا، لأنها ليس فقط مهددة بإنتشار الإرهاب رغم الضربات الفرنسية له، بل أيضا بسبب النمو الديمغرافي وضعف التنمية وتغيرات المناخ وتأثيراته على كل المنطقة، وهو ما جعل بعض الدراسات تقول بإمكانية هجرة 150مليون مهاجر أفريقي إلى أوروبا بكل تأثيراتها، وأيضا الصحراء الكبرى التي ستكون مركز إنتقال، مما جعل أوروبا تعتبرها حدودا لها يجب توقيف الهجرات إليها فيها، كما لا ننسى اللاجئون نتيجة الحروب والأزمات الأمنية في أفريقيا، فقد بلغ عدد اللاجئين الأفارقة حدود 17مليون من ضمن 60 مليون لاجيء في العالم - حسب تقرير المفوضية الأممية لللاجئين لعام2015-، وهو ما سيدفع إلى تزايد المهاجرين إلى الصحراء الجزائرية والليبية وإتخاذها كمعبر للبعض للمرور إلى أوروبا، كما يمكن أن تتخذ كمكان إستقرار بفعل الضغوط والسياسات الأوروبية المانعة لهذه الهجرات التي تهددها في تركيبتها البشرية والإجتماعية، فيجب أن نضع في الحساب الفرق الموجود بين هجرات من أجل تحسين الحياة وهجرات من أجل الهروب من الموت بسبب الحروب، فالنوع الأول سيعمل من أجل الوصول إلى أوروبا بكل الوسائل لأنه في نظره الجنة المرجوة لتحسين وضعه الإجتماعي، أما النوع الثاني فما يهمه هو الهروب من الموت فقط والبحث عن المناطق الآمنة، وذلك ما يدفعه إلى العمل من أجل الإقامة في دول الجوار مؤقتا حتى يعود الأمن إلى بلده الأصلي، لكن رغم ذلك فله تأثيراته السلبية على الوضع العام للدول التي يلجأ إليها هؤلاء كالجزائر.
لكن لا نعلم مدى دقة وصحة الإستطلاع الذي أجرته اللجنة الدولية لتنمية الشعوب، والذي يقول أن 70% من المهاجرين إلى الجزائر يفضلون الإستقرار فيها، أما الباقي فيعمل من أجل الذهاب إلى أوروبا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية، لكن لايمتلكون الإمكانيات، يجب أن نأخذ هذه الإستطلاعات والإحصائيات بتحفظ، لأنها عادة ما يختفي وراءها تسويق لفكرة إقامة مناطق للمهاجرين في دول المنطقة، خاصة الصحراء الكبرى.
لكن ما يخشى من هذه الهجرات هو وقوع الكثير منهم في قبضة إستغلال الجماعات الإرهابية، فقد وصف المؤرخ الكاميروني آشيل ممبي في 2015 الوضع في الساحل بقوله: أن غلق كل المنافذ من الهجرات سواء إلى أوروبا أو غيرها أعطى دعما للإرهاب، لأن هؤلاء ليس لهم ما يخسرونه من الإلتحاق بالجماعات الإرهابية مقابل أموال، وليس تأثرا بأفكار وأيديولوجيات محددة، فالعمل لديهم هو العمل، فحتى الإرهاب هو منصب عمل في نظرهم، فهذا الأمر هو الذي يدفعنا إلى التفكير تنمويا وإقتصاديا في مسألة الهجرة، وليس فقط تشريعيا وقانونيا، وذلك كي لايتحول المهاجرون إلى إرهابيين، مما يدخل المنطقة في دائرة مغلقة: إرهاب وتردي الوضع الأمني فزيادة للمهاجرين الذين تغلق أمامهم كل المنافذ، فيقووا الإرهاب، وهلم جرى.

أن للهجرات تأثيرات إجتماعية حادة على الأمن والصحة والتعرض للإبتزاز من تجار المخدرات والدعارة، كما يمكن أن يكون المهاجرين لقمة سهلة للجماعات الإرهابية دون أن ننسى إمكانية إصطدامهم بالسكان المحليين كما وقع في تمنراست وبشار وورقلة في بداية مارس2016، وكذلك في دالي براهيم بالعاصمة في أواخر نوفمبر2016، ويعود هذاالإصطدام إلى عدة أسباب: ومنها التصادم الثقافي والهوياتي والعادات والتقاليد، إضافة إلى المنافسة حول مناصب الشغل ، خاصة الغير الدائم، لأن هذه الهجرات ستكون محل إستغلال من المستخدمين بفعل رخص أجورهم، مما يهدد أجور ومناصب عمل السكان المحليين، ونضيف أسباب تبدو صغيرة، وليست ذات شأن، لكنها في الحقيقة مجرد فتيل لإشعال التصادم وتطوره بسبب العوامل الأعمق التي ذكرناها، ويمكن أن يؤدي ذلك الصدام إلى الفوضى التي يصعب التحكم فيها، مما يؤدي إلى إستغلال الجماعات الإرهابية ذلك لإعادة إنتشارها.

يستهدف عادة هؤلاء المهاجرين الإنتقال إلى أوروبا، لكن أوروبا أصبحت ترفضهم بكل الأشكال بالضغط على الدول المغاربية بإبقائهم عندها والمساهمة في محاربة الهجرة الغير الشرعية، وأصبحت تمارس سياسات الربط مثلا بين تقديم مساعدات تنموية مقابل القبول بلعب دور الشرطي بمنع المهاجرين إلى أوروبا، بل القبول بهم في أراضيها بعد طردهم منها.
أن مسألة الهجرة الغير الشرعية ستؤثر حتى على المؤسسات الأمنية لعدة دول في الفضاء الأورو-مغاربي، ومنها الجزائر التي ستضطر نتيجة لذلك إلى توسيع مهامها إلى مكافحة الهجرات الغير الشرعية تحت الضغط الأوروبي عليها، وتكون في نفس الوقت عاجزة على إعادة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية بفعل ضرورة إلتزامها بالقوانين الدولية والمعاهدات التي وقعت عليها، وهو ما يمكن أن يحدث تغيير ديمغرافي، حتى ولو كان طفيفا في الدول المغاربية، ويضغط إقتصاديا عليها في ظروف أزمات إقتصادية حادة في الأفق بحكم إنهيار أسعار المحروقات، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إضطرابات إجتماعية وتصادمات بين المهاجرين والسكان الأصليين، مما يؤدي إلى الفوضى، خاصة في المدن الكبرى التي تعقدت مشاكلها بفعل هجرات داخلية واسعة جدا، خاصة أثناء سنوات الإرهاب في التسعينيات، فيجب أن نضع في أذهاننا بأن أحد أسباب الفوضى في سوريا اليوم هم المهاجرون العراقيون إليها في 2003 ، والذي ضخمها أزمة غذائية نسبية في سوريا بحكم تأثير تغيرات المناخ على زراعة القمح، وهو ما كان سببا لغضب إجتماعي تم إستغلاله من قوى سياسية معارضة وأقليمية ودولية، وهو ما أدى إلى الوضع السوري اليوم، وهو ما يخشى تكراره في الدول المغاربية، ومنها الجزائر، وتعد هذه الفوضى السلاح الفعال الذي تستخدمه الجماعات الإرهابية، خاصة داعش لإعادة إنتشارها.

عادة ما تطرح مشكلة المهاجرين وحلها في إطار تفعيل النصوص التشريعية والقانونية الوطنية والدولية في إطار مختلف المعاهدات والمؤسسات الدولية المنظمة للهجرات، وأقصى ماتذهب إليه الحلول هي إجراءات ظرفية كإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية ثم تأهيلهم هناك وإخضاعهم للمراقبة، فمثلا تقترح المنظمة الدولية للهجرة حول المهاجربن الماليين على سبيل المثال لا الحصر سبعة مقترحات تدور كلها في عموميات دون أي فعالية وحل جذري للمشكلة، لكن نعتقد بضرورة إيجاد تفكير آخر مبني على مقاربات أخرى تدور حول التنمية الدائمة والمصالح المتبادلة بين الفضائين المغاربي والأوروبي.
يجب التعامل مع هؤلاء اللاجئين والمهاجرين بروية وذكاء مع عدم مناقضة القوانين والإلتزامات الدولية التي وقعتها الجزائر، وتقتضي القبول باللاجئين وتسوية وضعيتهم، كما يجب الحذر جدا أثناء التعامل معهم وضرورة الإلتزام بحقوق وكرامة الإنسان، لأن أي خطأ في ذلك سيتحول إلى سلاح يستغل ضد الجزائر من بعض المنظمات الدولية، كما يعطي ذلك شرعية لليمين المتطرف في أوروبا وسلوكاته العنصرية ضد المهاجرين، خاصة المهاجرين المغاربيين في فرنسا، لكن يجب الحرص على فرض الرقابة الأمنية عليهم، كي لاتتحول الهجرات أداة إنتقال الإرهابيين تحت غطائها، خاصة الداعشيين بعد الحصار المضروب عليهم في العراق وسوريا وليبيا، فيجب حصر هؤلاء اللاجئين والمهاجرين في أماكن محددة ومعروفة وإخضاعهم لرقابة أمنية كبيرة ومنعهم من الإحتكاك كثيرا بالسكان المحليين، ثم الضغط على أوروبا لتقديم مساعدات جدية للدول المغاربية لمواجهة المشكلة إذا أرادت التخلص من خطر الهجرات إليها.

فعلى أوروبا أن تكف على النظر لمشكلات جنوب المتوسط ومعالجتها من جانبها الأمني فقط دون الأخذ بعين الإعتبار العوامل والأسباب العميقة لها كالمشاكل الإقتصادية والإجتماعية والتنموية والفوارق بين شمال غني وجنوب فقير يتحمل فيه الشمال مسؤولية كبيرة، إضافة إلى تدخل دول أوروبية وغربية عامة في دول جنوب المتوسط لخدمة أهدافها الإستراتيجية، أن هذه المقاربة الشاملة تفرض على أوروبا التعاون والتنسيق مع الفضاء المغاربي والساحل في كل المجالات لإستعادة الأمن والإستقرار في المنطقة والحفاظ عليه، خاصة أن أمن أوروبا والفضاء المغاربي مرتبط بأمن الساحل، ولما لا السعي لإقناع أوروبا، بأنه من مصلحتها المساهمة بشكل كبير في مشاريع إستثمارية تنموية كبرى في جنوب المتوسط عامة، وفي الصحراء الكبرى والساحل خاصة، وذلك بإقامة مجمعات صناعية وسكانية وعمرانية كبرى كبناء مدن جديدة مستعينة بالعديد من المشاريع المبنية على أبحاث علمية وضعتها فرنسا نفسها في القرن التاسع عشر لتطوير الصحراء، ثم إضافة مشاريع جديدة حسب المستجدات والتطور العلمي والتكنولوجي السائد اليوم، وبأن ذلك كله من شأنه إيقاف المهاجرين إلى أوروبا، وتتحول الصحراء الكبرى إلى مناطق لجلب العمالة من أفريقيا والبلدان المغاربية بدل هجرتها إلى أوروبا.
يبدو أن الأزمات التي اندلعت في جنوب المتوسط لن تتوقف، ولن يعود الإستقرار في السنوات العاجلة، بل بإمكانها أن تستمر لمدة بسبب فقدان المؤسسات الأمنية والعسكرية التي بإمكانها لعب دور في إعادة الإستقرار وفرضه مثل ليبيا، وأيضا بسبب الإنقسامات الإجتماعية والعرقية والطائفية الحادة في هذه الدول مثل سوريا، لكن حتى ولو عاد الإستقرار والأمن، فإن الهجرات كانت موجودة قبل هذه الأزمات، ولم تكن نتيجة لهذه الأزمات الأمنية التي فقط زادتها تفاقما، لكنها ستتزايد بشكل كبير مستقبلا بسبب المشاكل الإقتصادية والإجتماعية الحادة والفارق الحاد بين عالمي الشمال الغني والجنوب الفقير، وسيزيدها تفاقما أكبر التغيرات المناخية خاصة في جنوب غرب القارة الإفريقية، وهو المشكل الأكبر الذي سيعاني منه العالم أمام رفض دول الشمال الخضوع إلى بعض الإلتزامات التي تتطلب تخفيض الإنتاج وتغيير النمط الإستهلاكي المفرط في الغرب الرأسمالي، وهو ما يعني إدخال تغيير على نمط حياة سكان هذا العالم.
وأمام هذه الأوضاع لم يبق أمام الدول المغاربية والمحيطة بالصحراء الكبرى إلا التعاون الإقتصادي والتكنولوجي مع أوروبا المتضررة من هذه الهجرات والضاغطة على الدول المغاربية لإيقافه. لكن يجب على أوروبا تحمل مسؤوليتها في تنمية المناطق الإنتقالية لتثبيت المهاجرين فيها، ويفترض على الدول المغاربية والمحيطة بالصحراء الكبرى التحكم في هذا الحل التنموي لهذه الصحراء الكبرى التي تعتبرها أوروبا حدودا لها يجب إيقاف الهجرات فيها، فهذا حل يجب أن تفكر وتتحكم فيه الدول التي تسيطر على هذه الصحراء قبل أن تفرض عليها القوى الكبرى حلول تقسيمها وإقامة إمارات دينية فيها شبيهة بالإمارات الخليجية معتقدين أنها بإمكانها أن تتحول إلى جاذبة للعمالة الأفريقية، كما تجذب تلك الإمارات الخليجية العمالة الأسيوية، وقد تناسوا أن أي محاولة لإقامة إمارات دينية في الصحراء الكبرى معناه الفوضى المزمنة والتقاتل فيما بينها والعمل من أجل غزو الآخرين، مما يهدد السلم والأمن كله في الفضاء الأورو- مغاربي، ومنها التأثير على منابع المحروقات التي تعد شريانا للإقتصاد العالمي.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-