لماذا كفر الجزائريون بالأحزاب السياسية؟


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5552 - 2017 / 6 / 15 - 21:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يجب على كل ديمقراطي حقيقي قراءة كتاب الألمانية حنا آرندت “جذور الشمولية” أين تتبعت ميكانيزمات نشأة الدول الشمولية وممارساتها وسلوكاتها، وتتبعت نشأة الأنظمة الشمولية في ألمانيا النازية الهتلرية والستالينية في الإتحاد السوفياتي، وأبرز ما في الكتاب هو حديثها عن الفراغ السياسي في المجتمع، أي ضعف الأحزاب والمجتمع المدني الذي يمهد حتما لنظام شمولي، أن شعورنا بالخطر المحدق بالجزائر بسبب توفر هذه الظروف اليوم تطلب منا البحث لما هذه الأحزاب ضعيفة؟ ولماذا يقاطعها الشعب؟ بل لما كفر بها؟، وبشان هذا الموقف الشعبي من الأحزاب فقد ختمت إحدى مقالاتي، وأنا على وعي ودراية كبيرة بما كتبته، وقلت "أن الشعب له الحق الكامل في كفره بالأحزاب السياسية كلها، فالجزائر تعيش فسادا شاملا في كل المجالات، وينطبق ذلك على السلطة والمعارضة على حد سواء"، لكن هذا ليس معناه الوقوف مكتوفي الأيدي، بل التفكير الجاد في بدائل وحلول تجنبنا دخول الجزائر نظام شمولي تحت سيطرة المال الفاسد كما نبهنا إلى ذلك في مقالات سابقة.
عادة ما تحمل الأحزاب الجزائرية مسؤولية هذا الفراغ السياسي للسلطة، وهو في الحقيقة كلام الضعفاء، ففي الحقيقة تتحمل هذه الأحزاب المسؤولية الكبرى في ذلك، لكن للأسف لو صارحتها بذلك ستعاديك لأن الديمقراطية منعدمة لدى هذه الأحزاب، فهي تريد قطيع يتبع ما تقوله القيادة ويصفق ويطبل لها، فهي لاتختلف في ذلك عن ممارسات النظام الذي تنتقده إن لم تكن أبشع منه، فهذه الأحزاب ترفض القيام بنقد ذاتي لها أو أي نقد لها خاصة إذا جاء من بعض مناضليها، لكننا نحن سنردد نفس مقولات مالك بن نبي الذي صارح الجزائريين بأنهم يتحملون مسؤولياتهم في الإستعمار لأن لهم "القابلية للإستعمار"، ونحن نردد معه اليوم بأن هناك "قابلية للفساد" و"قابلية للإستبداد"، وينطبق ذلك على السلطة وأحزاب المعارضة بقياداتها ومناضليها على حد سواء، وسنعود إلى هذا الموضوع بتفاصيل كاملة في مقالات أخرى.
ففي الحقيقة تعود إستقالة الجزائريين من الإنخراط في العمل السياسي إلى إحتكاكهم بالأحزاب ومناضليها وإكتشافهم مدى الخداع الذي يمارس من هؤلاء، وان أغلبيتهم وصوليون وإنتهازيون وذوي ثقافة محدودة جدا، ولم يكن إنخراطهم في هذه الأحزاب إلا كوسيلة أو منفذ للترقية وخدمة مصالح خاصة، بل تجد فيها الرداءة وعديمو المستوى يستخدمون أساليب دنيئة لإبعاد ذوي الكفاءات طبقا لقاعدة الإيطالي أنطونيو غرامشي "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة"، ولهذا يقاطع الشعب هذه الأحزاب في كل الإنتخابات، لأنه أدرك حقيقتهم بعد ما تعرض عدة مرات إلى خداع سياسوي من أناس يرفعون شعارات، لكن يقومون بعكسها بعد وصولهم إلى السلطة، وهو ما يطرح أمامنا مشكلة السياسة والأخلاق، فالسياسة في الحقيقة عمل نبيل، ويقول أرسطو أن “الإنسان حيوان سياسي”، وتعني في جذورها الأغريقية تسيير المدينة، أي تحسين حياة مواطني الدولة التي كانت في عهد الإغريق هي المدينة مثل أثينا.
لكن ما يؤسف له أن أغلبية رجالات السياسة عندنا تمارس السياسوية، أو ما أسماها مالك بن نبي ب”البولتيك”، ومعناها الكذب والمكيافيلية والخداع والأساليب اللاأخلاقية للوصول إلى السلطة، وهو ما دفع شعبنا إلى الإستقالة من الحياة العامة، فهو يشك في كل النخب السياسية سواء في السلطة أو المعارضة، ففي الحقيقة السياسة مرتبطة بالأخلاق على عكس مايروج له، لكن الإنسان اللاأخلاقي أي عديم الأخلاق هو السياسوي، وليس السياسي الذي يستحق كل التقدير والإحترام لكنه للأسف شبه منعدم في أحزاب السلطة والمعارضة على حد سواء، وقد نوقشت علاقة الأخلاق بالسياسة من الفلاسفة الغربيين بإسهاب.
أن السياسة في الأصل هو عمل نبيل يستهدف طرح الحلول الإقتصادبة والإجتماعية وغيرها بهدف تحسين حياة المواطن وتحقيق رفاهيته وتطوير الدولة في كل المجالات، لكن غاب هذا المفهوم لدى كل هذه الأحزاب السياسية التي تفتقد اصلا إلى برامج سياسية واضحة المعالم، فهي تطرح عموميات فقط، ولهذا فكلها تكرر نفس الكلام، مما جعلها لا تختلف بعضها عن بعض، فمن حق الشعب الجزائري أن لاينتخب ويقاطع أحزابا تطرح أمامه شعارات فقط، وممكن أهداف مبهمة جدا، لكن لا يبينون لهم الميكانيزمات والآليات العملية لتحقيق تلك الأهداف والشعارات، ونعتقد أن الأحزاب السياسية في الجزائر بشكلها الحالي عاجزة تماما على طرح حلول لمشكلات المواطن لأن تركيبتها البشرية ضعيفة جدا من ناحية الكفاءة والثقافة والأخلاق، بل تجد أغلب مناضلي وقيادات هذه الأحزاب تجهل أبسط معاني السياسة ذاتها، فهمها السباق والصراع من أجل السلطة فقط، بل تجد الصراع بداخل هذه الأحزاب ذاتها، ولهذا نجد إنشقاقات يومية بداخلها، فليس صحيح ما يقال أن النظام هو الذي يفتتها لإضعافها، بل سبب إنشقاقاتها هي هذه الصراعات وممارسة البولتيك الآأخلاقية بداخلها، وهو عمل دنيء، ويعود ذلك إلى ضعف تركيبتها البشرية أخلاقيا وعلميا وثقافيا مماجعل هؤلاء الضعفاء والرديئون والوصوليون والإنتهازيون يستخدمون الميكيافيلية والأساليب الدنيئة للسيطرة على الأحزاب، ويكون عادة ذوي الكفاءات والأخلاق وممارسي السياسة بمفهومها النبيل هم ضحايا بولتيك هؤلاء المتعطشين للسلطة حتى ولو كانت على بضعة مناضلين يرضخون لهم ويتملقونهم، ولعل شعبنا لايعلم أن البعض من مناضلي الأحزاب الذين ينتقدون ممارسات النظام، وما يسمونهم ب"شياتي" السلطة، بأن هؤلاء أنفسهم يمارسون "الشياتة" بطريقة أبشع لأبسط مسؤول محلي أو حزبي طمعا في ترقيتهم أو تحقيق مكاسب معينة، وهو ما يعني أن هؤلاء الشياتين داخل الأحزاب أبشع بكثير ممن ينتقدونهم ويقولون عنهم "شياتو" السلطة.
كما تطرح دائما في الجزائر مسؤولية النخب المثقفة التي أستقالت من العمل السياسي، وتركوا الساحة لهؤلاء الفاسدين والرديئين والوصوليين، لكن ماذا سيفعل المثقف المسكين عندما يجد نفسه محاصر من الرداءة من كل جانب ومتواطئة ضده لأنه يهدد مصالحها بكفاءته ونزاهته وأخلاقه، فليس صحيح ما يروج من أن السلطة في الجزائر هي عدوة النخب المثقفة، بل الأحزاب التي تدعي المعارضة تخشى من المثقفين أكثر من النظام ذاته، فهذه الأحزاب مثل النظام تريد مثقف واجهة، تفتخر به، وتستغله للدعاية فقط وتوظف إسمه لإكتساب مناضلين وأنصار جدد، لكنها تخشاه أكثر من خشية النظام منه، وتستخدم الرداءة كل الاساليب الميكايافيلية والدنيئة واللآأخلاقية ضده لإسكاته وتهميشه، فقد صدق غرامشي الذي قال "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة "، فقد أثبتت التجربة الجزائرية اليوم أن النضالات الديمقراطية تبدأ من الأحزاب ذاتها قبل دمقرطة النظام، فممارسات هذه الأحزاب لاتختلف عن ممارسات النظام، فلو أخذت هذه الأحزاب السلطة، فستكرر نفس ممارسات النظام لكن بشكل أبشع.
فلو أستمر هذا الفساد الحزبي الشامل في الجزائر والمرتبط بقوة بالفساد المالي الذي سيطر على كل شيء، فستدخل الجزائر عاجلا أم آجلا في نظام شمولي حسب القواعد التي حددتها الألمانية حنا آرندت، وهو ما يتطلب منا التفكير جميعا في الحل الجاد وتجنيب الجزائر ذلك أو على الأقل تحضير أنفسنا من الآن لمرحلة "ما بعد موت هذه الأحزاب الفاسدة"، وهذا ما سنعود إليه في مقالات قادمة.