عزيزي الله – مواطن مجهول 10

سلسلة مقالات من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول، 52 صفحة
يمكن الحصول على النسخة الورقية من موقع أمازون https://goo.gl/W619cB
كما يمكن تحميل النسخة المجانية من موقعي http://wp.me/p1gLKx-hSc
.
المرأة والدين (تتمة)
---------
عزيزي الله،
أتدري ما يحتاجه دينك اليوم؟ يحتاج الى خصخصة .. نعم، مثل خصخصة القطاع الاقتصادي كي نفكّ اشتباكه مع المنتفعين من أهل السلطة والسياسة ونحوّله من مؤسسة أهلية عامة الى مؤسسة خاصة تعمل وفق قوانين الشركات المقفلة بدلا من قوانين السوق العام، شركة توصية بسيطة بدلا من مساهمة عامة. هل تقبل يا رب أن يكون الدين أمرا شخصيا بحتا ويعامل كالحشيش المخدر الذي قامت بعض الدول بتقنينه، مثله في ذلك مثل أنواع من المخدرات البسيطة التي لا تضر كثيرا والذي أجازته بعض الدول المتقدمة على شرط أن تكون للاستخدام الشخصي البحت وتجرّم تسويقه وبيعه والمتاجرة به. هكذا هو الدين، سيكون ضارا لو زاد استهلاكه لذا يجب تناوله باعتدال ومنع تسويقه والمتاجرة به. لا أنفي حاجة العامة له والبسطاء من الناس الذين يتعاطونه لا سيما في ظل انعدام العدالة الاجتماعية وتفشي الفساد من قبل أهل السلطة فيبحث أولئك المساكين عن مخدر مؤقت. هو مثل الأعضاء الحميمية للإنسان .. يمكنه أن يتفاخر بها بل ويتبجّح بما يملك أسفل هناك ولكن عليه أن يبقيها مخفية تحت ملابسه وأن لا يبرزها أو يلوّح بها للآخرين لا سيما الصغار منهم.
.
ثم كيف يا رب يكون الدين تجارة ويكون فعل الخير بيعا مؤجلا تقبض ثمنه لاحقا، .. هل أدلكم على تجارة، وإن الله اشترى من المؤمنين .. فاستبشروا ببيعكم. أنت في ذلك نافستَ أولئك الذين يلومهم المعتذرين من بعض أتباعك حين يرون قوما منهم يتخذون من زيّهم وحالهم مصيدة للآخرين ويتاجرون بالدين إما عن طريق البصق على المحسودين أو فك الطلاسم عن المرضى والمسحورين أو جمع المال باسم المحرومين وشعارهم في ذلك يا باغي الخير أقبل. يحسب المعتذرون من أبنائك ذلك تطفلا من أولئك على ما يرونه الدين الحق واختطافا له من بين أيدي أبناءه في الوقت الذي تقوم أنت أيضا بالبيع والشراء باسم دينك. يفعل أتباعك الخير طلبا للمتع والملذات والجنس مع من تخبأه لهم في جنتك من حوريات، تقيس لهم أعمالهم بالوزن والمكاييل .. وكأننا في محل بقّال يضع الميزان ليقيس مقدار الخير والشر، أيهما رجحت كفته فهو نصيبه. بينما أفعل أنا وغيري ممّن لا يؤمن بدين، نفعل الخير بدون مقابل .. لا نفعله لكنز مخبأ لنا كما يزعمون بل انطلاقا من إنسانيتنا وأخلاقنا التي تتمنى الخير للناس كافة وترجو الإحسان لهم وتأمل بمبادلتنا نفس الشعور. هم يفعلون الخير، ليس لأنه خير، بل لأن هناك أجرا عليه مخبأٌ لهم، ويفعله مثلي لأنه خير في حد ذاته من دون أن أنتظر ثوابا لذلك .. مثلما أنني أمتنع عن عمل الشر ليس خوفا من عقاب وعذاب ونار كما هو حال أتباعك بل لأنه شر .. ألا يكفي ذلك؟ بل أليس ذلك أرقى وأتقى وأنقى ممن تكون بوصلة أخلاقه مرتبطة بميزان يقيس حسناته وسيئاته ليعطيه لقائها نصيبه من ثواب وعقاب ينتظره.
.
يريدون منا يا رب أن نصدق بك ما دمنا قد ولدنا في أرضهم .. حسنا، ثم ماذا؟ لو قبلنا بذلك وبأن هناك حياة أخرى، ما الذي يحلّه ذلك في دنيانا، ما المصاعب التي ستنتهي من حياتنا إذا قبلنا بذلك الأمر وسلمنا أن هناك عالما غيبيا بعد الممات .. معظم من حولي يقبلون بذلك ولا أجد شيئا قد تغير فيهم. هل تحسنتم أحوالهم أو تعدلت أمورهم أو ارتقوا في سلم الأمم .. يقولون ستذهب للجحيم إن لم تؤمن بالجحيم، حسنا سأذهب لاحقا، لكن ما الذي غير ذلك في حياتي الآن؟ هل إيمان أتباعك بجحيم في حياة أخرى جعل منهم أناس أفضل وأرق وألين وأسلم أم جعل منهم أناس أغلاظ متحاربين متخاصمين .. ثم أي طائفة يا رب ستقبل بها؟ هل تقبل جواز المرور من كل أتباعك بغض النظر عن دياناتهم وانتماءاتهم العقدية؟ لمَ إذن تزعم كل طائفة أن جواز الآخر لا يُقبل به في مملكة السماء وأن تأشيرة الدخول هي فقط تلك الممنوحة لهم من قبلك. لم لا يكون هناك تبادل للأدوار فيجرب أتباع كل عقيدة ومذهب دين غيرهم .. يتخلى المسلم مثلا عن دينه ليصبح نصرانيا مدة معينة فيرتاد الكنيسة بدلا من المسجد ويصلي هناك .. أسيجدك هناك يا رب؟ أنت الذي كنت تلتقيه في مسجده، ومن سيجد النصراني حين يغير دوره ويرتاد المسجد هو الآخر، أسيجدك أنت أيضا هناك؟ ليت شعري .. من سيجد من؟
.
خمسون عاما قضيتها أعتنق نفس الدين الذي اختارته لي الصدفة حين ولدت في هذه البقعة من الأرض .. أيمكن لأحد من أتباعك يا رب أن يقدم استقالته ويتوقف ولو مؤقتا عن اتباع دينك .. أيمكن أن يصحو أحدنا ذات يوم ليقرر أن يستقيل من دينه بعد أن اكتشف أن المدة قد طالت به وهو على نفس الدين والمنهج؟ ربما أحس بالملل ويريد أن يغير مذهبه ويجرب دينا آخر أو يأخذ إجازة مثلا للراحة أو للتغيير بعد طول عمل، نعم فالدين دوام والتزام كالوظيفة .. هناك التزام بالقواعد والإجراءات وهناك بعض الأعمال والممارسات البدنية وهناك زملاء آخرون في الوظيفة يشاركونك نفس العمل وهناك ترغيب وترهيب، تُكافأ على الأداء الجيد وتتعرض للمسائلة أو حتى الفصل إذا تدنى مستوى أدائك في العمل. مثلما أنك تستطيع أن تستقيل من الوظيفة ألا يمكن أن تستقيل من الدين - بغض النظر عن السبب- أم أنه ورطة لا خلاص منها؟ يمكن لأحدهم أن يغير وظيفته ويباشر عمله في وظيفة أخرى، هل يمكن أن أغير ديني وأجرب دينا آخر لأرى كيف يكون .. لم لا يحق للمسلم أن يجرب المسيحية مثلا ليرى إن كانت فعلا مثلما يحكي المسلمون عنها ويقولون أو أن يجرب البوذية ليرى هل هي مثل ما يدّعيه قومه عنها؟
.
مثلما أن الموظف يحصل على تعويض بعد سنين من العمل فيجد راتبا تقاعديا وخدمات صحية له ولعائلته، ألا يحق لرجالك التقاعد بعد تلك السنين من الالتزام بدينك؟ ألا يتوفر لأحدهم وضع تقاعدي من الدين يرتاح تحت ظلاله فيما تبقى له من سنين في هذه الدنيا .. لا تحيلني يا رب الى جنتك وتقول لي أن التقاعد إنما سيكون هناك فما ذاك الا العذاب الأبدي حتى ولو قضى وقته كله في افتضاض الأبكار. قد تسألني وما الذي سيتغير لو أنك منحت تقاعدا لرجالك .. سيتوقف عن أداء الشعائر الظاهرية -هذا إذا كان ممارسا لها- وتقديس كثير من الأمور والفكاك من بعض المعتقدات. سيعطي لفكره إجازة خارج نطاق العمل .. يتأمل وضعه الجديد وإذا لم يرتح لما وجد يعود مرة أخرى للدوام. ألا يستحق رجالك أن يجربوا حياة غير حياتهم ولو لفترة مؤقتة ويغيروا من طريقة تفكيرهم ويتقمصوا شخصيات الآخرين لينظروا للآخر بمنظار الآخر وليس بمنظار أنفسهم كي تسقط الجدران المصطنعة وتختفي العداوات المفتعلة التي صنعتها الأديان وتنتهي الحروب، .. كل الحروب بين البشر. حتى لو لم يقدم الدين سببا مباشرا لشن الحروب فهو بالتأكيد قدم لأصحابها العذر لارتكابها.
.
وإلى مقال قادم من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول
.
ادعموا حملة "الترشيح لنبي جديد"
https://goo.gl/X1GQUa
وحملة "انشاء جائزة نوبل للغباء"
https://goo.gl/lv4OqO
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb