عزيزي الله – مواطن مجهول 9


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5546 - 2017 / 6 / 9 - 05:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

سلسلة مقالات من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول، 52 صفحة
يمكن الحصول على النسخة الورقية من موقع أمازون https://goo.gl/W619cB
كما يمكن تحميل النسخة المجانية من موقعي http://wp.me/p1gLKx-hSc
.
المرأة والدين (تتمة)
---------
عزيزي الله،
ألا يمكن أن نتعرف على بعض من دون أن ندخل الدين بيننا؟ أنت كما أنت جميل معطاء ولو أني لم أفهم بعض الأشياء عنك، كقولك للشيء كن فيكون. عقلي لا يفهم مثل تلك الأحاجي والألغاز .. ربما كان ذلك الكلام يليق بزمن الإنسان القديم أما اليوم يا رب فإنّ كن فيكون هو مما لا يمكن للعقل أن يقبل به فضلا عن أن يسلّم بما ينتج عنه، ولا أظنك تقبل يا رب أن أؤمن بك من دون عقل فأنت تخاطب عقولنا في كتابك. أتدري ما يخطر ببالي حين أقرأ كن فيكون، أتذكّر تلك الكلمات التي يرطن بها الساحر وهو يخرج أرنبا من قبعته “أبراكادابرا” ثم يضحك الحضور .. ذلك المشهد هو ما يخطر ببالي الآن. نعم لا أنكر أنّ كن فيكون وأمره بين الكاف والنون أكثر وقعاً وأطربُ نغما على السامع العربي من أبراكادابرا، لكن ما الفرق يا رب؟
.
حسنا لنعد الى الدين قبل أن نتيه بين الكاف والنون .. قيل لنا أن الدين مثل كتيّب الاستعمال للصانع حتى نتعرف عليك بشكل دقيق فنحن ابتداءً من صنعتك ونحتاج الى كتاب استعمال للتشغيل والصيانة حتى نبقى على تواصل بك. ألا يمكن أن نُبقي على تعارفنا بدون عقد بيننا أو كتيب استعمال، صحيح أن العقود تجري بين البشر حين يتعاملون مع بعضهم لكن أفضل الصداقات هي تلك التي لا يصاحبها اتفاق أو تمليها شروط بل تظل عفوية بسيطة لا يشترط فيها أحد على الآخر أي قيود أو بنود .. ثم أيّ كتيب سنستخدم يا رب؟ فهناك ثلاثة أديان منسوبة للسماء وغيرها من الأرض لكن لنبقي حديثنا الآن عن تلك التي تدّعي أنها من عندك. أي واحدة سنستعمل منها لنتعرف عليك؟ الذي أراه أن الجغرافيا هي التي تحدد أي كتيب نستعمله فمن ولد في بلاد المسلمين فسيستخدم كتابهم ومن ولد في بلاد النصارى فيستخدم كتابهم .. أيرضيك هذا يا رب؟ .. أتترك مكان الميلاد يحدّد من سيهتدي الى كتيب الاستعمال، الى العقد السوي والدين الصحيح ليصل اليك .. ما ذنب من ولد في المكان “الخطأ”؟
.
أتدري يا رب ما مشكلة اعتناق دين من أديانك التي بعثت؟ .. أنها حصرية منغلقة على أتباعها. كيف يا رب يكون دينك عالمي كما يقول أتباعك وأن كتابك للناس كافة ثم متى ما دخل أحد في حِمى رجالك أصبح لا يقبل بالآخر من غير دينه، يدعون غيرهم ويرفضون دعوة الآخرين لهم .. يبنون معابد لهم في بلاد الآخرين ويغضبون من فكرة بناء معبد للآخرين عندهم مع أن كلهم يدّعون وصلا بك. متى ما دخل أحدهم في دينك فلا يحق له الخروج منه إلا بقطع رأسه .. ما ذنب من ولد فيه؟ هو لا يستطيع الفكاك منه .. أتعرف أن هذا هو أحد أسباب انتشاره فهو يورّث أبا عن جد وأتباعك من أكثر أهل الأرض تناسلا. كيف انتشر دينك يا رب بعد وفاة رسولك .. هل كان هناك وفود ومندوبين وبعثات أو مؤتمرات عالمية لعرض بضاعتك التي ظهرت للتوّ بين الناس والتعريف بدينك الجديد ونشر الأخبار عنه أم أن رجالك اعتلوا ظهور جمالهم وقاموا بصقل سيوفهم واعملوا في الناس القتل مُخيّرينهم بين ثلاث، إما أن يدخلوا في الدين الجديد غصبا أو يقدّموا ضريبة مالية لأتباعك ويعلنوا الطاعة والولاء أو يجهزوا أنفسهم للذبح والقتال. كيف تقبل يا رب أن ترى رجالك يرحلون الى أناس يعيشون في حالهم وبين أهاليهم خارج موطن كتابك ليرغموهم على واحدة من تلك الثلاث؟ ما ذنب من لا يريد أن يعتنق دينك حينذاك .. بل ما ذنبه اليوم؟
.
ضحكوا عليّ حين قالوا لا تلوموا الدين بسبب ضيق فهم أتباعه له ولا تحمّلوه ما ليس منه بسبب سوء تطبيقه كما زعموا، وقضيت شطراً من حياتي أصدّق ذلك وأقرأ كلاما من مثل ذاك الذي يقول حين سافر لبلاد كافرة وجدت اسلاما ولم أجد مسلمين وحين عاد لبلده المسلمة وجد مسلمين ولم يجد إسلاما. عدت للتلفيق حين كنت أردد مثل هذا الكلام كي أوفّق بين ما أراه أمامي من أفعال أتباعك وبين ما يزعمون أنه في كتابك وأنفقت زمنا من عمري وأنا أجيّر أخطاء أتباعك لتصرفاتهم وألقي باللوم على سلوكهم منزّها كتابك عن أخطاء متابعيه وتلك حيلة أخرى لا أستطيع أن أتتبع مصدرها، حتى بدأت أفكر بعمق حين زادت جرعة الدين في مجتمعاتنا قبل سنين وتحول بعضٌ من رجالك الى خلايا تنشر الرعب والقتل وكأنهم يستحضرون فرق الحشاشين أيام الحسن الصباح، لكن الذي جعلني أفيق ببطء مما أنا فيه هو ردة فعل الباقين الذين يستنكرون على استحياء تلك الأفعال في الوقت الذي يستقي شيوخهم عقيدتهم من نفس المصادر التي يستند عليها قادة تلك الخلايا. طال الزمن بكتابك ومضى أربعة عشر قرنا والمعتذرون نيابة عنك يدّعون أن الفرصة لم تتح بعد لتطبيقه كما أردت. تكشّف لي يا رب حينها أن المشكلة ليست في أهل الدين بل هي في الدين نفسه، ليس في تطبيق النصوص بل في النصوص نفسها .. ليس في فهمنا للدين بل في جوهره.
.
أصبح اليوم من يلتزم بكتابك ونصوصه ويمارس شعائره بحذافيره ويطبق تعاليمه كما كانت في العهد الأول الذي صدر فيه وسط رسولك وصحبه ويعتنق مبادئه حرفيا كما شرعت يسمى متشدّدا وإرهابيا في نظر العالم بينما من يرفضه تماما ويختار طريقا غير ما علّم وأسلوب حياة غير ما شرع يصبح ملحدا زنديقا خارجا عن الملة وحلال دمه في نظر أتباعه .. ما الذي سيفعله العامة اليوم من الذين توارثوا دينك إذن وما هو مستقبلهم؟ يبدوا أن هناك نسخة قادمة منقحة لطيفة قليلة الدسم خفيفة السعرات من تعاليم كتابك ستتطور مع الوقت لتتناسب مع الزمن القادم، قد يفقد معها أتباعك زمام السلطة أمام العامة لا سيما بعد أن يكون الناس قد نضجوا وزاد وعيهم بأنفسهم .. أيرضيك هذا يا رب؟ إن كان لدينك يا رب أن يبقى فعليه أولا أن يتخلى عن تلك الأحمال ويلقي عن نفسه تلك الأغلال التي تراكمت عليه، مثلها في ذلك مثل الدهون التي توشك أن تسد شرايين الإنسان. عليه أن يتطور ويتغير .. سيتوقف الناس عن تطبيق معظم ما في كتابك من الأحكام والتعاليم التي لم تعد حتى يومنا هذا تناسب وقتنا الحاضر فما بالك بالقادم من الأيام .. هناك بعض الكلام العام الذي لا يضر وهو الذي سيبقى يُتلى أما الباقي فأحسبه سيُهمل ويعطّل.
.
الناس يولدون بلا دين وتلك هي الفطرة لكن أهاليهم ومجتمعهم يغرسون فيهم دينك يا رب الذي ارتضاه آبائهم لهم. أليس من حق المواليد أن يُتركوا حتى يبلغوا الحلم ثم يقرر كل واحد أي فكرة غيبية يريد أن يعتنق، إن أراد، بدلا من أن نترك ذلك للجغرافيا ومكان المولد؟ يصعب أن تقنع أحدا بتغيير قناعاته الدينية عن طريق العقل والمنطق لأنه لم يختر تلك الاعتقادات بعقله أصلا بل ولد بها وفيها وتم غسل دماغه للقبول بها وينشأ وهو يدافع وينافح عن أشياء لم يختارها ابتداء. أنظر الى أمرك لإبراهيم بأن يذبح ابنه والشيطان يقول له لا تفعل .. ويعتقد من يقرأ ذلك أنك يا رب الأرحم بينهما. لو أن ابراهيم موجود اليوم وهو ينوي القيام بذلك لزجّوا به في السجن أو لجرّوه الى أقرب مصحة نفسية. دولة خادمة بيتك تنفق المليارات على مبنى الشيطان في مِنى والناس تفرح بذلك وتبجّله بل وتضحك سخرية من آخرين على غير دينهم ينفقون الافا على أبقار تنفعهم.
.
وإلى مقال قادم من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول
.
ادعموا حملة "الترشيح لنبي جديد"
https://goo.gl/X1GQUa
وحملة "انشاء جائزة نوبل للغباء"
https://goo.gl/lv4OqO
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb