الانتخابات وما يدور خلف الكواليس


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5542 - 2017 / 6 / 5 - 01:43
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

من حق السياسيين في حزب الدعوة والتحالف الشيعي ان يدلو بتصريحات حول النموذج العراقي وتسويقه الى الخارج للاستفادة منه، فالحق يقال؛ ليس هناك نموذج سياسي في العالم يشبه النموذج العراقي في كل شيء، وخصوصا بدءا من التبجح ومرورا بالكذب حتى الوصول الى العملية السياسية برمتها.
ففي الديمقراطيات الغربية، وفي موسم الانتخابات، فأن كل حزب يستعرض برنامجه الانتخابي على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لكسب الناخبين والحصول على اصواتهم. الا في النموذج العراقي، فأن البرنامج الانتخابي هو اخر شيء يكتب ويكشف للمجتمع لان النتائج محسومة سلفا. لنذهب الى التصريحات الاخيرة للمالكي سواء عبر المقابلة التي اجرتها صحيفة "الاخبار" اللبنانية معه او مؤتمره الصحفي الاخير حول الانتخابات، اذ يرفض بشدة تأجيل الانتخابات لثلاثة اسباب، الاولى الخوف من حدوث فراغ دستوري، والثاني هناك مخطط لأفشال العملية السياسية في محاولة لأقصاء التيار الاسلامي من السلطة. كما ان حكومة العبادي ضعيفة وهو السبب الثالث، وكأن حكومته ولمدة ولايتين كانت قوية الى درجة، سلمت ثلث مساحة العراق الى عصابات داعش دون اي اعتراض من أحد، مع اختفاء ٣٠٠ مليار دولار من الميزانية، مع انه لم يعمر شارع واحد على الاقل من الشوارع الرئيسية التي شيدت في عهد النظام السابق في بغداد، وهنا نتحدث عن عمر ٨ سنوات لحكم المالكي.
اذن المالكي يخاف من الفراغ الدستوري اذا تأجلت الانتخابات، في الوقت الذي يعيشه العراق هو الفراغ الامني بالمعنى المطلق. فالمليشيات تصول وتجول، وتعددت مراجعها اليوم، فهناك المليشيات العشائرية التي غذاها المالكي بنفسه، بأعادت قيم العشيرة المتهرئة الى المجتمع وتقديم كل اشكال الدعم لها كما فعل صدام حسين، والمليشيات التابعة للأحزاب الاسلامية، ومليشيات عصابات داعش، وعصابات الخطف والقتل. المالكي لا يهزه هذا الفراغ ولا يرعبه سقوط العشرات يوميا مضرجين بدمائهم وبإشكال مختلفة، وهو يعرف ان الفراغ الدستوري ليس اكثر من كذبة، ولا يدري حتى كيف خرجت هذه المقولة من فمه.
بيد ان السبب الاصلي الذي يرعب المالكي من تأجيل الانتخابات وعموم التحالف الشيعي غير المنسجم مع نفسه، هو السيناريو الامريكي الجديد في العراق وفي المنطقة الذي يعد على نار هادئه. فعامل الوقت ليس في صالح التحالف الشيعي وخاصة للقوى الموالية للجمهورية الاسلامية، فهناك تغيير واضح في الاستراتيجية الامريكية في المنطقة، فتعزيز التواجد العسكري من جديد في العراق، وعلى طول الحدود السورية - العراقية من الجهة الغربية للعراق وتحديدا في مناطق البو كمال، وتسليح الحلفاء الجدد من القوميين الاكراد المنضوين تحت لواء قوات سورية الديمقراطية بنوعية من الاسلحة لا تجهز بها الا الجيوش النظامية، لانهاء سيناريو داعش في الرقة، وتعيين احد المجرمين العتاة على الملف الايراني في الوكالة المركزية للمخابرات الامريكية هو مايكل دياندريا، وهو بطل عملية اغتيال عماد مغنية واسامة بن لادن بشكل مافيوي، ويعني في احدى فصوله، الاعداد لحملة الاغتيالات والتصفيات الجسدية لرموز ونفوذ ايران في العراق. ويعني التصعيد من العنف والصراع السياسي في الموسم الجديد. كما ان التباطؤ او التريث من قبل التحالف الدولي بقيادة امريكا، بالقضاء على داعش في الموصل والحويجة وتلعفر والقائم وراوة وعانة تحت عنوان كذبة "حماية المدنيين"، هو من اجل الانتهاء من اعداد السيناريو السياسي في العراق. وكل ما ذكرناه هي معطيات مادية لما يحدث خلال المرحلة القصيرة المقبلة.
في الطرف الاخر، فأن الاخوة الاعداء في التحالف الشيعي، يشعرون بخطورة الوضع، فنجدهم يصرون على اجراء مهزلة الانتخابات في موعدها لاعادة انتاج نفوذه وسلطته من جديد واضفاء الشرعية الموهومة على حكمه، فالمالكي يتحدث بلغة حسن البنا عن التيار الاسلامي، كما ان الحكيم يصدر فتوى غير مباشرة لقتل الملحدين في خطبته الاخيرة، وهي بقدر اي الفتوى لاستهلاك الاعلامي بنفس القدر هي للمزايدة بالدفاع عن الهوية الاسلامية في سوق المنافسة الايديلدوجية الدينية والطائفية، وقيس الخزعلي يصرح بأنه يجب ان يكون رئيس الوزراء حشديا اي من الحشد الشعبي، كي يحافظ على تضحيات الحشد الشعبي كما يقول، وهو مبرر غير منطقي وغير سياسي ابدا، واذا اخذ به فيجب التطاحن بين فرقة مكافحة الارهاب والبيشمركة والشرطة الاتحادية على منصب رئيس الوزراء، لان كل واحد من هؤلاء يدعي بأن الفضل يعود له ولتضحياته الجسام بالتصدي لداعش. بيد ان ما يقوله الخزعلي، يعني في طياته، بأنهم لن يسمحوا ان تخرج السلطة من تحت عباءة الاسلام السياسي الشيعي وتحديدا من الجناح الموالي لولاية الفقيه.
ان "الانتخابات" في العراق التي يتحدثون عنها كذبا وزورا بأنها الممارسة الديمقراطية الحية، وعن طريقها ستتغير الاوضاع السياسية والامنية، وحيث جربت مرات عديدة، ليس هي لعبة الجماهير العمالية والمحرومة والمتعطشة للحرية والرفاه. اي بلغة اخرى ان "الانتخابات" في العراق مثل لعبة الغولف، هي لعبة البرجوازية، في العراق هي لعبة نهابي وسارقي ومصاصي دماء الجماهير في العراق على مدى اربعة عشر عام، وسواء شاركت الجماهير او لم تشارك في الانتخابات، فنفس الجماعات التي خرجت في تظاهرات مليونية في ٢٥ شباط ٢٠١١ وفي ٣١ تموز ٢٠١٥ ضدها سيعاد انتاجها.
فكما يقول لينين، ان البرجوازية لا تبقى بواسطة العنف وحسب، وانما تبقى بفضل رتابة الجماهير، خمود همتها، وعدم وعيها، وعدم تنظيمها. وهذا سر قوة الاسلام السياسي في العراق، اضافة بأنها تحاول دائما بابقاء الاوضاع الامنية منفلتة لترسيخ سلطتها. علينا نحن ان نغير هذه الاوضاع، ويقف الشيوعيون في مقدمة هذا التغيير، والخطوة الاولى هي ان التغيير ممكن حتى في ظل هذه الاوضاع في العراق، اذا كان هناك ارادة ثورية.