هل أندلع -ربيع- آخر في منطقتنا؟


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5541 - 2017 / 6 / 4 - 23:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


مرت سبع سنوات على إندلاع ما سمي "الربيع العربي" في منطقتنا، والذي تحول إلى "خريف دموي" في كل الدول التي أندلع فيها بإستثناء تونس نسبيا التي كانت نقطة الإنطلاق لتلك الأحداث في ديسمبر2010، ويبدو أن الحراك في الريف المغربي التي تعد الحسيمة نقطته المركزية تشبه إلى حد بعيد نفس الأحداث التي أندلعت في تونس أين كانت سيدي بوزيد نقطة بدايتها، ويبدو أن هناك سيناريو وارد جدا لهذه الحراك في المغرب، يكون مشابها لما وقع في تونس في 2010، حيث توسعت الحركة إلى المناطق التونسية الأخرى، لتتم الإطاحة بنظام بن علي، وتكون بداية لما سمي ب"الربيع العربي"، و يمكن أن تتكرر نفس الحركة في المغرب إنطلاقا من الريف، ثم تتوسع إلى دول في المنطقة، ففي هذه الحالة يجب أيضا القيام بحساب دقيق والإستفادة من دروس الربيع العربي الذي تحول إلى خريف دموي في أغلب الدول بإستثناء تونس نسبيا، وطبعا هذا يتطلب وعي ثقافي وسياسي وتنظيمي كبير جاد وإنتشار ثقافة ديمقراطية كبيرة، ويمكن من خلال ذلك تحقيق دمقرطة حقيقة لكل دول منطقتنا المغاربية والوصول إلى توحيد دولنا بناء على رغبة وضغوط الشعوب التي ستعي بأنه يستحيل أن تخرج من ضعفها وفقرها وتخلفها دون إندماج إقتصادي وتوحيد سياسي مغاربي شامل.
لكن نعتقد أن هذه الشروط التي أوردناها غير متوفرة في مجتمعاتنا اليوم، لكن علمتنا أحداث الربيع العربي ثابتين أساسيين، أولهما أن الدولة التي اندلعت فيها الفوضى التي لازالت موجودة إلى حد اليوم هي ليبيا، ويمكن أن نسجل أن قبل إندلاع الأحداث بسنوات كان سيف الإسلام القذافي يحضر نفسه لخلافة أبيه، وكان يريد الظهور بالمصلح الكبير للدولة، وربط علاقات وطيدة بالمثقفين والمجتمع المدني وحتى أحزاب المعارضة، وأولى إهتماما بالحريات وحقوق الإنسان وغيرها، وحاول إعطاء صورة الديمقراطي والمجدد للدولة في حالة خلافة أبيه، ولا يمكن لنا معرفة إن كان سيف الإسلام القذافي صادقا في سلوكاته وممارساته آنذاك أم كان يجامل وما كان يقوم به مجرد وسيلة تمويهية لكسب الدعم الشعبي لخلافة أبيه؟ ولم نعرف ماذا سيحدث في حالة وصوله إلى السلطة بسبب وقوع تلك الأحداث في ليبيا التي أخذت منحى خطيرا اليوم وزادتها تأزما أكثر تحطم المؤسسة العسكرية التي كان بإمكانها ضبط الأمور وإعادة البلاد إلى الإستقرار كما وقع نسبيا في مصر التي تمتلك مؤسسة عسكرية قوية ومنضبطة.
أما الثابت الأساسي التي أشتركت فيه كل الدول التي وقع فيها "الربيع العربي" هو فكرة توريث السلطة، مما يدفعنا إلى القول أن لظاهرة التوريث السلطوي علاقة وطيدة بتلك الأحداث، خاصة أنها كانت كلها جمهوريات نشأت بعد إسقاط أنظمة ملكية، مما يجعل من الصعب جدا إقناع الشعب بالقبول بنوع ما سماه البعض بنظام "جملوكي"، ولهذا يمكن تفسير تلك الأحداث بصراع داخل سرايا الحكم ذاته، فعادة لن يقبل الكثير بتوريث السلطة للإبن، إلا لأنه أبن الحاكم، فهل سيقبل كبار ضباط الجيش والسياسيين بذلك، فهم في الحقيقة يرفضون ذلك في عمق نفسيتهم، حتى ولو أخفوه، وأظهروا عكس ذلك علانية، فلهذا استغل هؤلاء تلك الظروف التي دفعت الشعوب للتحرك متأثرة بتونس ولتوفر ظروف إجتماعية وسياسية ونفسية ودولية لإشعالها، ولهذا يمكن لنا القول أنه من غير المستبعد، وهذا ما سيظهره التاريخ مستقبلا أن تلك الأحداث قد كان لرجالات نافذة داخل أجهزة السلطة دور كبير فيها، لأنها ستزيح الحاكم الذي يريد توريث السلطة لإبنه، وهو لم يحصل ما حصل عليه إلا لأنه أبن الحاكم، لكن للأسف أنهارت دول بأكملها كاليمن وليبيا وسوريا بسبب إنهيار المؤسسة العسكرية وإنقسامها، فمن الصعب جدا إعادة بناء هذه الدول من جديد لإنعدام مؤسسة أمنية أو عسكرية تعيد ذلك، وتلزم الجميع بإحترام القرارات، فالمؤسسة العسكرية القوية رغم بعض سلبياتها هي درع الأمان لأي إنهيار كما وقع في جزائر التسعينيات.
نعتقد في الأخير بأنه لا يمكن قراءة الحراك في الريف المغربي اليوم بمعزل عما وقع منذ سنوات في منطقتنا، فمن هي الدولة التي ستكون شبيهة بالفوضى الليبية في المنطقة مادام أن مستقبل المغرب سيكون شبيه بتونس نسبيا-حسب ما يبدو- ؟، فهذه مجرد تساؤلات فقط وتحذيرات لعل يقرأ بعض صناع القرار في دول منطقتنا هذه الأحداث كلها بموضوعية والإستفادة من دروس الربيع العربي الذي تحول إلى خريف دموي.