عزيزي الله – مواطن مجهول 6


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5541 - 2017 / 6 / 4 - 23:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

سلسلة مقالات من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول، 52 صفحة
يمكن الحصول على النسخة الورقية من موقع أمازون https://goo.gl/W619cB
كما يمكن تحميل النسخة المجانية من موقعي http://wp.me/p1gLKx-hSc
.
الآخرة
-----
لم خلقتنا يا رب؟ .. لا، لست أسأل عن الكون من حولنا ولا حتى عن الحياة بيننا بل عنا نحن البشر الواعون لأنفسنا .. لا تقل لي ما يردده علينا رجالك كي نعبدك ونلجأ اليك تضرعا وخيفة منك .. فما لك ولعبادتنا؟ أمن أجل أن نلصق جباهنا بالأرض عدة مرات باليوم .. أتزيد صلاتنا من قوتك أو يرفع ركوعنا من عزتك أو يتسع ملكوتك من أثر دعائنا لك؟ لا تقل لي أنك تتلذذ حين تشاهد جباهنا تهوي الى الأرض ساجدة لك، أو تستمتع برؤية أجسامنا وهي مستلقية في محراب طاعتك! أيشعرك ذلك بنشوة كتلك التي تصل فيها مخلوقاتك الى رعشة الجماع حينما تتزاوج بينها. ما الذي يجعل هذا منا إذن؟ أنصبح مثل العاهرات اللاتي يمارسن الجنس فيما يختبئ سيد البيت خلف باب زجاجي يشاهد الحدث أمامه ليصل الى ذروة النشوة من خلف الستار؟ ليت شعري .. ما الذي تريده منا يا رب؟
.
عزيزي الله،
قرأت كتب المتقدمين والمتأخرين عنك، قرأت كتبا بالعربية وأخرى بالإنجليزية على فترة من الوقت تصل الى أربعين عاما .. وتوصلت الى حقيقة واحدة وهي أن الدين من صنع البشر، لا شك عندي في ذلك. الدين هو صناعة بشرية بحتة لا دخل لك بها .. أما أنت فإني أقف عن الإجابة حول سؤال وجودك، فأنا لا أدري ولا أعرف. حدّي في التعاطي مع دينك هو كتابك ورسولك ومن نشره من أتباعك لأن هؤلاء بشر يسري عليهم ما يسري علي وبيني وبينهم أوجه شبه، أما أنت يا رب فليس بيني وبينك أرضية مشتركة. أعترف بجهلي بك وعجزي عن معرفتك فضلا عن فهمك .. وأعتقد أن عدم معرفتي بك لن تضرني مثلما أن معرفتي بك لن تنفعك. من تكون، وماذا تكون، لا يهمني ذلك .. كن كما تريد أو بالأحرى كما يريد خلقك لك أن تكون .. لا علاقة لي بذلك ولا أريد أن يكون لي علاقة بذلك. أتباعك يؤمنون بك، ليس لأنك موجود .. بل أنت موجود لأنهم يؤمنون بك. إن كانوا يظنون أنك موجود فستكون وإن كانوا يظنون أنك لست بموجود فلن تكون فهم لا يرون العالم كما هو بل كما هم، لكن ما دخلي أنا بذلك كله. أظن أن فكرة وجودك قد خلقها الإنسان فالجائع حين لا يجد خبزا والمظلوم حين لا يجد عدلا والمريض حين لا يجد شفاء والمكلوم حين لا يجد مواسيا يبحث عن عزائه في اله مختفي بالسماء. تقل الحاجة لتلك الفكرة كلما أصلح الإنسان من حاله واقترب من سد الفراغات في حياته وأصبح أقرب الى تحقيق العدالة .. فلربما في مستقبل الزمن حين يتحقق ذلك ويعيش الإنسان في سلام حقيقي ويسيطر على مصيره بنفسه، حينئذ تنعدم الشرور والآلام والحروب بين البشر وتزدهر الحياة وتثمر المتع والملذات بدون احاسيس بالذنب أو مشاعر بالنقص وتصبح الأرض وقتها هي الجنة المزعومة وتختفي الحاجة لك يا رب.
.
لماذا يتردد رجالك المؤمنون بك في اللحاق بك يا رب حين يحين وقتهم .. أليسوا على موعد معك ومع أحبائهم الذين فارقوهم. هم أكثر الناس تعلقا بك وشوقا للقائك كما يزعمون .. لمَ تراهم يخافون من الموت ومن مغادرة دنيانا هذه .. أليس هناك سيجدون ما كانوا به يُبشّرون .. ما بالهم متعلقين بدنيانا الزائلة الزائفة كما يزعمون ويرفضون مغادرتها أكثر من غير المؤمنين؟ لست خائفا من ملاقاتك يا رب، فرهان باسكال الذي يفرح به رجالك لا يعني شيئا لي بقدر ما يعني أنهم هم أيضا يخالطهم الشك فيك مثلي. هم يتمنّون أن يكونوا الرابحين سواءً كنت بانتظارهم أم لم تكن .. وهذا شك فيك ابتداء منهم وإلا لثبتوا على إيمانهم بك ولم يتقوّلوا عليك. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى كلّ يدعى الوصول اليك بحسب دينه الذي ارتضيته له حسب زعمه، ليت شعري من منهم ستقبل به إن كان كل واحد يدّعي أن الآخر مخطئ في دينه .. أتقبل بهم جميعا مع أن أديانهم التي يدّعون وصلا بها لك تكفّر بعضها البعض؟
.
لست خائفا من ملاقاتك كما أني لست متشوقا كثيرا .. إن كُتب لنا أن نلتقي فسأسألك أين كنت مختفيا عن الأنظار، فأنا صادق مع نفسي ولست كبقية الأتباع الذين يريدون الفوز بنتيجة الاختبار عن طريق نقل الأجوبة الجاهزة من كتابك .. أما أنا فأريد أن أصل للأجوبة التي يقبلها عقلي وليس ما يمليها عليّ غيري. سأجلس معك جلسة عتاب ومصارحة أسألك عن حياتنا وآلامنا وآمالنا التي لم تتدخّل بها، لمَ أبقيتَ نفسك مختفيا حين كنا في أشد الحاجة لك .. لمَ لمْ تتجلّى لنا حقيقة بدلا من الركون الى الإشارات الضعيفة والتلاعب بعواطف الخليقة .. أتشعر بالمتعة حين تفعل ذلك؟ أكنت تحس بنشوة عارمة حين ترانا نمد أيدي الضراعة ونمرّغ رؤوسنا في التراب حتى تزول آلامنا؟ أي شعور سادي ينتابك حين تتولى من غير رجعة وتترك الناس الذين تعلقوا بك وعقدوا عليك الآمال وتوجهوا لك بالصلوات واخترعوا لك حججا وأعذارا، أتلقي نظرة للوراء وأنت مغادر لترى من بقي يبكي من أجلك ومن توقف عن ذلك؟
.
إن اخترتَ يوم اللقاء بك أن تقبل بي كما أنا، لا كما غيري وأن تثّمن لي استخدامي لعقلي الذي منحتني إياه وعدم تعطيلي لملكاته التي زرعتها فيني فلربما أنت جدير بكونك رب وتستحق هذا اللقب، أقول ربما إذ يبقى أسئلة تحتاج الى إجابات منك لعلي أكون أنا الذي أحاسبك عليها بدلا من أن تحاسبني. وإن اخترتَ غير ذلك وأظهرت السخط وعدم الرضا كوني لم أغش في الامتحان كغيري من أتباعك ولم أعطل عقلي وأسير مع القطيع فلستَ جديرا بالربوبية التي تتلبس بها ولا تثريب عليّ حينئذ حتى لو كان مصيري هو جحيمك الذي يتحدث عنه أتباعك لأنك في هذه الحالة لست بالعادل الرحيم بل أنت الظالم الشرير. ليس بيدي حيلة وقتها مثلما أنْ ليس بيدي حيلة اليوم فقد أتيت لهذه الدنيا من دون أن اُستشار، وأرفض أن أكون تابعا لكائن غيبي لا أعرف ما يكون سوى من كلام يردده غيري عن غيرهم عن غيرهم عن غيرهم، لا يختلف كثيرا عن حكايا الجن وبابا نويل. ثم كيف نتيقن أنك أنت الرب يوم اللقاء العظيم .. قد يكون أحد القوى الغيبية وما أكثر مدّعيها هي التي أيقظتنا من رقدتنا وليس أنت .. عليك أن تثبت لنفسك أولا أنه أنت وليس فوقك أحد قبل أن تثبت لنا.
.
ثم ما الذي تعنيه بالخلود يا رب؟ أتدري أن فكرة الخلود تخيفني أكثر من العدم .. عشت عقودا من الزمن وهأنذا الآن مودّع وقد تعبت من الاستيقاظ كل يوم حاملا رأسي فوق كتفي. ستون أو سبعون سنة أحسست فيها بالتعب بل وبالملل أيضا فما بالك بملايين أو مليارات السنين الى ما لانهاية وأنت تصحو كل يوم أو ربما وأنت صاحٍ طول الوقت في جنة عرضها السماوات والأرض. ما تلك العيشة يا رب، يآه .. أيّ مللٍ سأحس به وأي ضجر وسأم سأشعر به .. حتى ولو انتزعت الملل من نفوسنا وطردت الضّجر من قلوبنا وأمتّ الموت من حياتنا كي لا يبقى الا زمان لا ينتهي .. كم هذا مخيف! ثم يأتي رجالك ليصرفوا الناس عن تخيل ذلك السجن السرمدي ويخدّروهم بالحديث عن الملذات والمتع التي سيجدونها في جنتك مما لا يخطر على قلب بشر .. يستوي في ذلك السجن الأبدي من هو في جنتك ومن هو في نارك.
.
وإلى مقال قادم من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول
.
ادعموا حملة "الترشيح لنبي جديد"
https://goo.gl/X1GQUa
وحملة "انشاء جائزة نوبل للغباء"
https://goo.gl/lv4OqO
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb