الحراك في الريف المغربي-مستقبله وخلفياته التاريخية-


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5538 - 2017 / 6 / 1 - 19:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


لايمكن لأي مثقف حر إلا أن يتضامن مع نضالات الشعوب ضد الحقرة والقمع والتهميش، ومنها نضالات الشعب المغربي عامة، ومواطني الريف خاصة، لكن في نفس الوقت يجب علينا أن نفهم خلفيات هذه الأحداث ومآلاتها وتأثيراتها المستقبلية على منطقتنا المغاربية التي تتصارع فيها قوتان: أحدهما تعمل من أجل توطيد وحدة الدول والعمل من أجل تحقيق وحدة مغاربية شاملة، وفي مقابلها قوى دولية تسعى لزرع التفتت في منطقتنا المغاربية وتحويلها أي حراك إيجابي إلى سلبي، وتستغل هذه القوى الدولية ظروفا أنتجتها السياسات العمياء للأنظمة القائمة، وهو ما يجب الحذر منه من قادة مختلف هذه الحراكات التي عرفتها وتعرفها منطقتنا، فكم من حدث إيجابي تحوله قوى معادية لمنطقتنا إلى حدث سلبي، وهو ما وقع مع ما سمي بالربيع العربي الذي تحول إلى خريف دموي مفتت لدولنا، وكي نفهم الحراك في الريف المغربي اليوم، يجب علينا أن نفهم خلفياته التاريخية.

1-الخلفيات التاريخية
يعود عداء منطقة الريف في المغرب للنظام الملكي إلى عهد مقاومة البطل عبدالكريم الخطابي ضد الإستعمارين الفرنسي والإسباني في عشرينيات القرن20، فقد وقف العرش الملكي ضد هذه المقاومة الباسلة، والتي تمكنت من إنشاء جمهورية الريف التي تعد أول جمهورية في العالم الإسلامي، وقد سبقت الجمهورية التركية بقيادة كمال آتاتورك، لكن لم يكن هدف الخطابي فصل منطقة الريف التي انطلقت منها المقاومة، بل كان هدفه إيجاد منطقة إرتكاز من أجل تحرير كل البلاد المغاربية من الإستعمار ثم توحيده في دولة واحدة، فقد أرسل الخطابي آنذاك رسائل إلى شعوب المنطقة يحضها على الثورة ضد الإستعمار، واليوم هناك وثائق عديدة تتحدث عن تلك الرسائل، ومنها رسالة نحوز صورة عنها أرسلت للشعب الجزائري في وقت كانت فيه حركة الأمير خالد في الجزائر في نفس الفترة، وللمفارقة أن ثورة الخطابي في الريف وكذلك حركة الأمير خالد في الجزائر كانت تلقى الدعم من شيوعيي العالم آنذاك، ويعود ذلك إلى نداء لنين إلى شعوب العالم الإسلامي للثورة ضد الأمبريالية والإستعمار في 1919.

كما لايمكن لنا فهم هذه حراك الريف المغربي بمعزل عما حدث في بلدان منطقتنا المغاربية بعد تخلصها من الإستعمار الفرنسي، ففي المغرب الأقصى ضغط جيش التحرير المغربي في كفاح مسلح من أجل التحرير من الإستعمار، لكن عمدت فرنسا إلى إعطاء نوعا من الإستقلال للمغرب أمام كل هذه الضغوط، ومنها ضغوط الثورة الجزائرية والتفكير في إنشاء جيش تحرير مغاربي يضم الجزائر وتونس والمغرب.
لكن أرادت فرنسا إستقلالا تتحكم فيه، فأشترطت تفكيك جيش التحرير المغربي الذي كان يكافح ضدها، فأنشأت للأسرة الملكية الحاكمة جيشا يدعى “الجيش الملكي المغربي”، ويسيطر على دواليبه ضباطا كانوا داخل الجيش الفرنسي، وأشهرهم الجنرال محمد أوفقير، كما أحتكرت مدينة فاس دواليب الدولة على حساب المناطق التي ضحت أكثر من أجل إسترجاع إستقلال المغرب، وعمد هذا الجيش في مهمة التفكيك والقضاء على جيش التحرير المغربي خاصة في الريف المغربي الذي يعد أحد معاقله الأساسية، وهي المنطقة التي ينحدر منها البطل الكبير عبدالكريم الخطابي، أين يرفض حكام المغرب إلى حد اليوم نقل رفاته من مصر إلى المغرب رغم المطالب الشعبية بذلك، خاصة في الريف المغربي.
ولكي يتم القضاء النهائي على جيش التحرير المغربي تم إفتعال أحداث في أواخرالخمسينات في منطقة الريف أدت إلى القيام بمجزرة يندى لها الجبين بقيادة هؤلاء الضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي، وهي المجزرة التي ترسخت في ذهن مواطني الريف في المغرب، وهذه الحادثة التي وقعت في الريف المغربي تشبه إلى حد ما نفس ماوقع في منطقة القبائل في 1963 حيث لعب الضباط الفارون من الجيش الفرنسي دورا تآمريا على المنطقة آنذاك، وقد كان هؤلاء وراء كل المناورات الإستفزازية ضد جبهة القوى الإشتراكية بقيادة آيت أحمد لدفعه إلى العنف، خاصة الضباط زرقيني وهوفمان، رغم كل محاولات المجاهد سعيد عبيد أبن الأوراس الحد من مناوراتهم بحكم أنه كان قائدا للناحية العسكرية الأولى، ويبدو أنهم كانوا وراء تصفيته في مكتبه عند قيام المحاولة الإنقلابية للطاهر الزبيري، وقد شرحنا مناورات هؤلاء الضباط بوضوح وبالتفاصيل في كتابنا "الجزائر في دوامة الصراع بين العسكريين والسياسيين".
ووقع نفس الأمر تقريبا في الجنوب التونسي الذي يعد أيضا منطلقا للكفاح المسلح التونسي ضد الإستعمار الفرنسي، فهل كان المخطط هو نفسه في هذه البلدان الثلاث؟، وغرابة الأمر أن المناطق الثلاث الريف في المغرب ومنطقة القبائل في الجزائر وكذلك الجنوب التونسي التي لعبت كلها دورا كبيرا في الثورات التحريرية تحولت إلى مناطق تمرد ضد الأنظمة القائمة بسبب هذه الأحداث التي وقعت في بدايات إسترجاع إستقلالها، وزادتها إحتقانا التهميش الإقتصادي والثقافي التي تعانيه بأشكال متفاوتة من منطقة إلى أخرى.

2- السيناريوهات المستقبلية
نعتقد من خلال قراءتنا للمشهد في حراك الريف في المغرب أننا أمام سيناريوهين:
السيناريو الأول: يتمثل في اخذ الحراك في الريف نفس منحى ما وقع في منطقة القبائل في الجزائر في كل 1963من و1980 وبشكل كبير 2001، حيث سيتأثر المغاربة الآخرون بدعاية العرش ضد حراك الريف كما تأثر بعض الجزائريين بدعاية النظام ضد منطقة القبائل منذ 1962، فهو ما من شأنه أن تبقى الأحداث محصورة في منطقة الريف، ولا تتوسع إلى باقي المناطق المغربية، في هذه الحالة ستظهر كرد فعل على ذلك حركات متطرفة، وتدعو إلى الإنفصال مستندة على "جمهورية الريف"، وهو تقريبا ما وقع في منطقة القبائل بعد أحداث2001، وطبعا سيستغل ذلك من أطراف دولية لتحريك عملية تفتيت في منطقتنا المغاربية كلها، ولهذا فيجب على المغاربة وكل المغاربيين التضامن بكل الأشكال مع حراك الريف في المغرب والإنضمام لها، لكن في هذه الحالة سيظهر سيناريو ثان يشبه ما وقع في الجنوب التونسي في 2010.

السيناريو الثاني: يكون مشابها لما وقع في جنوب تونس في 2010، حيث توسعت الحركة إلى المناطق التونسية الأخرى، لتتم الإطاحة بتنظام بن علي، وتكون بداية لما سمي ب"الربيع العربي"، و يمكن أن تتكرر نفس الحركة في المغرب إنطلاقا من الريف، ثم تتوسع إلى دول في المنطقة، ففي هذه الحالة يجب أيضا القيام بحساب دقيق والإستفادة من دروس الربيع العربي الذي تحول إلى خريف دموي في أغلب الدول بإستثناء تونس نسبيا، وطبعا هذا يتطلب وعي ثقافي وسياسي وتنظيمي كبير جاد وإنتشار ثقافة ديمقراطية كبيرة، ويمكن من خلال ذلك تحقيق دمقرطة حقيقة لكل دول منطقتنا المغاربية والوصول إلى توحيد دولنا بناء على رغبة وضغوط الشعوب التي ستعي بأنه يستحيل أن تخرج من ضعفها وفقرها وتخلفها دون إندماج إقتصادي وتوحيد سياسي مغاربي شامل.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-