عزيزي الله – مواطن مجهول 2


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5538 - 2017 / 6 / 1 - 09:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

سلسلة مقالات من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول، 52 صفحة
يمكن الحصول على النسخة الورقية من موقع أمازون https://goo.gl/W619cB
كما يمكن تحميل النسخة المجانية من موقعي http://wp.me/p1gLKx-hSc
.
كلمة الناشر
__________
هذه رسائل موجهة الى الله وصلتني من مواطن مجهول،
لا يريد ان يكشف عن هويته، يعرفني ولا اعرفه،
يتحدث فيها عن رحلته من الإيمان إلى الشك.
صاغها بصراحة غير معهودة،
يناجي فيها ربه ويحكي له عن تجربته الشخصية مع دينه،
يعبر فيها عن ما يدور بخاطره مما لم يسمح له مجتمعه بسماعه
فضلا عن البوح به.
بعثها لي كي أوصلها إلى الله ... الذي لا اعرف عنوانه.
هل بلغت؟ اللهم فأشهد.
.
مقدمة
----
ملاحظة: عزيزي القارئ .. لو غيرت عزيزي الله في ثنايا هذا الكتاب الى عزيزي بابا نويل لما تغير شيء من محتوى كتابي هذا.
.
عزيزي الله،
هذا هو كتابي اليك، أكتبه مباشرة من دون وسيط أو ترجمان كما طلبت منا حين نتواصل معك .. أعرف أن الكثير سيغضب لأني سأكتب اليك، يريدون مني أن أصدّق بالكتاب الذي أرسلته لنا لكنهم يرفضون أن أرد عليه. أتقبل بذلك يا الله .. أيرضيك أن ترسل لي كتابا ولا تقبل أن أرد عليه؟ لا أظن، كيف وأنت الذي تنزّل من السماء كل ليلة لترى من يسألك فتعطيه ومن يدعوك فتجيبه … ألا يسعك أن تقرأ ردي على كتابك؟ يقولون وما الحاجة لذلك أصلا، فأنت تقرأ ما أريد حتى وقبل أن أفكر بما أريد .. حسناً، لكنك اخترتَ أن ترسل لنا كتابا كي نقرأه ولم تُلقه في قلوبنا مع أنك قادر على ذلك وأنا أفعل الشيء نفسه، ليس لأني قادر على أن أفعل أكثر من ذلك فحدّي هو الكتابة ولا أملك أكثر من ذلك .. لا أحسبك يا رب تمانع أن أرد على كتابك الذي أرسلت. لكن ما لهم وما لنا فهذا كتابي لك، هو شأن خاص بيني وبينك، يمكنهم أن يُعرضوا عنه أو يطّلعوا عليه فليس بيني وبينك أسرار، يا عالم الأسرار، أخجل من سردها أو حجبها عنك. أعرف أن البعض سيقول ما دام أنه شأن خاص فلِمَ تعرضه على العامة، وأقول أنه ليس لدي مانع وأعرف يا رب أنه ليس لديك مانع كما أن ناشر كتابي هذا ليس لديه مانع أيضا من نشر رسالتي لك .. ثم أنك لستَ مُلكا لأحد كي يستأثر به ويدّعيه لنفسه. هو كتاب مفتوح مثلما أن كتابك مفتوح للجميع.
.
عزيزي الله،
أرجو أن تسمح لي في بداية حديثي هذا بمناداتك باسمك الذي أعرفه والذي عرّفت نفسك به من دون كلفة أو رسميات .. أيضايقك أن أناديك هكذا من دون تكلّف أو اصطناع؟ أتزعجك كلمة عزيزي حين أخاطبك مباشرة من دون وسطاء، هل تتحسس منها وتريدني أن أغيرها مثلا الى حبيبي أو صديقي أو ربما سيدي أو مولاي أو ذو الجلالة كما اعتاد أتباعك وألِفوا؟ هل اختيار المفردة في طريقة حديثي ستغيّر من تواصلي معك .. وهل الطريقة التي أناديك بها ستؤثر في قبولك بي؟ أرجو أن لا يكون الأمر كذلك. .. لنسقط الكلفة بيننا وندع الرسميات حتى ولو غضب أتباعك فالحديث بين المحبين أجمل وأصدق حين يكون عفويا وبعيدا عن التزلف والمثاليات. وُلدت كغيري في بيئة متدينة لعائلة محافظة في الدولة التي استمدّت شرعيتها بالدفاع عنك واتخذتْ من كتابك ناموسا كما تزعُم، تقتدي به كما تدّعي وتُلزم من يقيم على ترابها باتباعه دون أن تستشير أحدا منهم في ذلك .. ملكها يسمي نفسه بخادم بيتك ويرعى مصالحك كما يقول ويتخذ من أتباعك موقّعين عنك لتفسير كتابك للناس وشرح كلامه وبيان معناه. نشأتُ في كنف دولتك التي تكفلت بحماية أصولك وممتلكاتك الفكرية وتشبّعت بالحديث عنك وحولك .. هذا باختصار من أكون ومن أي طائفة ودين هو لك أنتمي له.
.
بدأت معي بذرة التساؤل عنك في سن مبكر .. أذكر حينها كنت أدرس في الصفوف الأولى حيث كان معلم التوحيد يتحدث عنك ومن تكون وأين تكون وأنه ليس كمثلك شيء وكيف أنشأتنا من لا شيء، وعن تصميمك الهندسي الضخم ببنائك الفخم لملكوت السموات والأرض في ستة أيام، ستة أيام فقط لا غير .. يكررها علينا في كل درس من كل اسبوع ومن كل شهر حتى نحفظها عن ظهر قلب والويل لمن ينسى حفظه. أصدقك القول أنني لم أهتم كثيرا بما كان يقوله لنا عنك حينذاك .. كنتَ بعيدا عني بالرغم من تأكيده بأنك أقرب لنا من حبل الوريد وأنك تسمع كلامنا ووشوشاتنا وهمساتنا وما يخطر ببالنا قبل أن نلفظ به، بل وقبل أن يخطر بنا .. لم يفهم عقلي الطري آنذاك -وحتى الآن- كيف يمكن لأحد أن يعرف ما يخطر ببالي قبل أن يكون خاطرا. اعذرني لقول ذلك لكني لم أهتم كثيرا بك ولم ألقِ لك بالا فقد كنت أنتظر سماع صوت الجرس معلنا نهاية الحصة فكما تعلم جيدا أن مدارسنا بيئة طاردة لا تجذب الصغار لها فضلا عن الكبار. أرجو أن لا تنزعج حين أقول أن حصص التاريخ والجغرافيا كانت أكثر تشويقا وواقعية من مادة التوحيد التي وضعها أحد أبنائك المخلصين من أجلك كي نتعرف عليك وعلى عالم الغيب الذي نتخيله ونحلم به بينما بقية المواد وضعها أبناء الطبيعة من أجلنا نحن البشر، كي نتعرف على بعضنا البعض وعلى عالم الشهادة الذي نعيشه ونحسه .. على الأقل، كان هناك قصص أكثر واقعية وأحرى أن أصدقها من تلك التي يحكيها عنك معلم التوحيد، بالرغم من جبروت بعض الشخصيات التاريخية وتسلطها الا أن أي منها لم يكن يعرف ما يخطر ببالي.
.
آه، نسيت أن أخبرك عن أول تساؤل لي عنك .. أذكر جيدا معلم التوحيد حين يأتي على ذكر قدرتك الفائقة في الخلق والرزق يدلّل على ذلك بفقرة من كتابك. نعم، لا أنسى حين يُتبع حديثه ب “والدليل قوله تعالى” ثم يستحضر جملة كريمة من كلامك “إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام”. لا أكتمك القول أنه وبالرغم من صغر سني في ذاك الوقت الا أنه لم يفتني حينها أن أتساءل كيف أستدلّ على وجود شيء ما بحديث ذاك الشي عن نفسه في كتاب منسوب له؟ لو صدّقت أساسا بكتاب ذلك الشي وأنه منه وبما يقوله عن نفسه لما احتجت الى دليل على وجوده. أرأيت يا الله كيف يُبرهن على وجودك من كتاب يحتاج هو أصلا الى برهان .. ربما هي واحدة مما يسمى اليوم بالمغالطات المنطقية، على أية حال تلك كانت أول بذرة سألتُ عقلي فيها عنك واحترت فيك ثم تركت التساؤل بعدها لوقت طويل، طويل جدا.
.
لا أدري من اختار لك هذا الاسم الرباني .. الربّ؟ أشدّ على يد من اختار تلك الكلمة لك فقد كان يعي ما يصنع جيدا. لاسمك أثرٌ عليّ وعلى أصحابي الصغار، فضلا عن الكبار، فهناك جرس غريب في موسيقى تلك الكلمة لا يخفى على السامع. هي ليست كالله التي لا يستخدمها سواك بل رب .. نعم، رب، هكذا حرفين صغيرين يمكن أن يستخدمها غيرك ليدل على ملكيته وحوزه لمتاع ما، لكن حين تتسمّى بها أنت وتدعو نفسك بها يصبح وقعها على الأذن مجلجل رنّان، كصوت جوقة موسيقية في عزف سيمفوني بمسرح اغريقي. تحوى تلك المفردة من الفخامة والأبهة والعظمة ما لا تحويه غيرها من الكلمات .. انظر كيف نضيفها لغيرها ونصنع منها عوالم تليق بعظمتك وكبريائك كرب الأرباب أو رب العالمين أو رب المشرقين ورب المغربين، حين تسمع تلك الكلمة تحس بالاحتواء والسيطرة، الجبروت والعظمة، الرعاية والعناية .. كل ذلك في آن واحد.
.
يتردد على مسامعنا اسمك وتنبس الشفاه بذكرك وتهفو القلوب صوبك، أجدك في كل مكان وفي كل زمان، في لوعات المفارقين وآلام المكلومين، في آهات المحبين وخفرات العاشقين وفي زفرات المرضى وأنات المحمومين، في صياح الصغير ونداء الكبير، في عيون الأمهات وارتعاش العجائز. بالبيت هناك من يحلف باسمك وفي المسجد من يستشهد بجلال قدرك وفي المتجر من يطلب من فيض نعمك وفي المشفى من يرجوا لطفك وعافيتك. أوّل الحروف والكلمات التي تعلمتها هي من كتابك وأول صف اصطففته كان صلاة لك .. تعلمنا عنك الكثير في صغرنا، عن اسمائك وصفاتك وعن أنواع توحيدك وعن ربوبيتك وألوهيتك، تعلمنا الكثير عنك ولم نعلم شيئا عنك فأنت ليس كمثلك شيء. هكذا قيل لنا فأنت الواحد الذي ليس له ثان، أنت الأول والآخر، الظاهر والباطن .. مفردات والفاظ حفظتها عنك من أول وهلة لطراوتها وسهولة حفظها اللي تصلح للإنشاد والترتيل وحتى الغناء. أول حروف وأول كلمات تعلمتها هي من قصار السور بكتابك .. أتدري أنه أحيانا أظن أني أعرف عنك أكثر مما تعرفه أنت عن نفسك، أيمكن ذلك يا الله .. سأشرح ما أعنيه لاحقا لكن الآن أرجو أن تبقى معي ويتّسع فسيح لطفك لمناجاتي فأنت الذي يُمهل ولا يُهمل، أما الأولى فيشترك فيها معك كل مختفٍ عن الأنظار وخاملٍ عن الأفعال وأما الأخرى فهي التي عليها الكلام ومحور هذا الكتاب مني لك.
.
وإلى مقال قادم من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول
.
ادعموا حملة "الترشيح لنبي جديد"
https://goo.gl/X1GQUa
وحملة "انشاء جائزة نوبل للغباء"
https://goo.gl/lv4OqO
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb