دونالد ترامب ومستقبل عراق ما بعد داعش


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 5532 - 2017 / 5 / 26 - 20:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

دونالد ترامب ومستقبل عراق ما بعد داعش

 د. جواد بشارة

تتزاحم الأخبار اليومية وتدفع المراقبين للقيام بعملية فرز وقراءة مابين السطور قبل البدء بالتحليل الجيوسياسي والجيوستراتيجي لسياسة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط في حقبة دونالد ترامب التي أعتقد البعض أنها ستشكل انعطافة خطيرة في مسار السياسة الخارجية الأميركية. فبعد أن هدد ترامب، إبان حملته الانتخابية، بأنه سيقاضي المملكة العربية السعودية ويرغمها على دفع تعويضات ضحايا الحادي عشر من أيلول، والتي قدر أنها قد تصل إلى 300 مليار دولار، واعتبارها مع قطر ومشايخ الخليج الأخرى ، عدا مسقط، المسؤولة عن تمويل الإرهاب العالمي، هاهو يقوم بزيارة تاريخية للمملكة السعودية ويبرم معها صفقات تجارية ويبيض وجهها في حين يناور مع هذه المملكة القروسطية ومن حولها من حلفاء إقليميين لمحاصرة إيران وحليفاتها في المنطقة، أي النظام السوري وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن وبالطبع جزء كبير من الطبقة السياسية العراقية الموالية لإيران بلا قيد أو شرط. كما يشاع أن ترامب طلب من الدكتور حيدر العبادي فك ارتباط العراق الرسمي الذي يمثله العبادي في الوقت الحاضر، مع إيران مقابل التعهد بإعادة الإعمار في المناطق المنكوبة، والتي لا تشمل الوسط والجنوب قطعاً، مع تأمين السيطرة الأميركية المطلقة على مقدرات العراق النفطية ، بحجة تفادي سرقة مبالغ إعادة الإعمار من قبل شبكات الفساد المستفحلة في العراق والمعروفة للقاصي والداني.ومن سخريات القدر أن يبادر السياسي الشهير أسامة النجيفي بتأسيس حزب سياسي جديد تحت إسم الحزب العراقي الموحد والذي هدفه الوحيد والأهم هو تكريس النجيفي باعتباره السيد الرئيس لإقليم الموصل السنّي. ولقد أعلن عن ذلك الحدث السعيد من إقليم كردستان في أربيل لأنه يحلم بإقامة إقليم سنّي على غرار إقليم كردستان ويتمتع بما يتمتع به هذا الأخير من مواصفات ومزايا، ويدعي النجيفي أنه يمتلك دعما وتشجيعا من قبل إقليم كردستان ومن قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ينوي احتضان المنطقة الغربية والشمال الغربي من العراق ذات الأغلبية السنية برعايته ودعمه المالي والسياسي والعسكري. ومن الطبيعي أن يضفي السيد النجيفي بعض التوابل على مشروعه المستقبلي باعتباره نائباً لرئيس الجمهورية العراقية رسمياً ، بأن يكون إقليمه السنّي ضمن عراق فيدرالي أو كونفدرالي موحد شكلياً على أن تكون محافظة الموصل هي عاصمة الإقليم السنّي القادم لا محالة. ومن المعروف أن كردستان تطالب بضم المناطق المتنازع عليها والتي تقع ضمن الإقليم السنّي المزمع تشكيله بزعامة أسامة النجيفي خاصة بعد الانتهاء من إجراء الاستفتاء الكردستاني بشأن الاستقلال عن العراق وحق تقرير المصير. كما صرح علي الربيعي المتحدث الرسمي بإسم الحزب العراقي الموحد أن المهمة العاجلة لحزب السيد النجيفي هي إعادة إعمار المنطقة المدمرة من جراء الحرب على داعش وإنهاء حالة الفقر المدقع والبطالة المتفشية بين السكان والوضع الاقتصادي المتردي، فهل يوجد من يصدق ذلك والكل يعرف من هو أسامة النجيفي وما هو تأريخه؟ والسؤال المطروح الآن: ماهو مصير الأقليات العراقية الأخرى المتواجدة في المنطقة من أيزيديين وتركمان ومسيحيين وشبك وشيعة وكلدان وآشوريين وغيرهم ؟ وماهو مصير مناطق تقع ضمن هذه الإشكالات العويصة كسنجار وتلعفر وسهل نينوى، وكل هؤلاء يطالبون بإقليم مستقل أو يتمتعون بحكم ذاتي حقيقي ويطالبون بتوفير الحماية الدولية؟ هذه هي المتاهة العراقية السائدة اليوم.الحقيقة الخافية على الكثير هي أن دونالد ترامب يعرف مايريد وقواعد اللعبة واضحة وبسيطة بالنسبة له من خلال التلويح بسياسة الترهيب والترغيب وتطويع الحلفاء كدول الخليج وعلى رأسها السعودية وتركيا وباكستان وأفغانستان والأردن ومصر وترهيب الخصوم والمتمردين على الهيمنة الأميركية ظاهرياً ، كإيران وسوريا ولبنان الشيعية وليس السنّية والمسيحية، والراغبين في قرارة أنفسهم بالتعاون التام مع الشيطان الأكبر كما كانت تسميه إيران الخمينية.
استغلت الولايات المتحدة الأميركية هذه الديناميكية المتصاعدة اليوم ضد الإرهاب الإسلامي المتجسد بالقاعدة وداعش المفبركتين أميركياً وخليجياً كما يعرف الجميع، لإعادة ترتيب أوراق المنطقة الشرق أوسطية ومراجعة توزيع مناطق النفوذ الدولية المتصارع عليها مع روسيا والصين ودول البريكس ، من خلال إعادة رسم حلف الناتو بتطعيمه إسلامياً بدول البحبوحة النفطية، والحد من الطموحات الإيرانية الإقليمية التي تحلم باستعادة دور إيران كشرطي للخليج. فلقد نجحت السعودية في إقناع إدارة ترامب بأن نهجها هو الصحيح من خلال تأسيس الأمة الإسلامية السنّية المحمية من قبل واشنطن، مقابل الأمة الإسلامية الشيعية الزنديقة التي تقودها إيران عبر محور طهران بغداد دمشق بيروت، الشيعي المحمية من قبل روسيا القيصرية ، باعتبار بوتين قيصر روسيا الجديد.