مازالت روحي تستدفئ بذلك البلوفر


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5524 - 2017 / 5 / 18 - 09:38
المحور: سيرة ذاتية     

لدي حنين إلي كنيسة إمبابة حيث كنت في مثل هذا الوقت من كل عام أنعم أنا الصبي الصغير بأجواء منعشة للروح حينما كنت أذهب مع ابناء وبنات صديق أبي الترزي (عم جاد أفندي) الذي كان يحيك لي بنطلون العيدين(الفطر والأضحي)
واسم (عم جاد أفندي) علي عهدة شقيقتي الحنونة كأمي (هدي- التي سماها والدي علي أسم هدي جمال عبد الناصر لأسباب قد تكون معروفة ومتفهمة )

هي قالت لي اسمه عندما صفعت جبهتي بكفي وأنا أروي لها مؤخراً عن حياتنا وأيام طفولتنا في إمبابة قائلاً :
- مش عارف ؟؟؟؟؟؟ أفندي؟؟
- ... ... ... ... ؟؟؟؟؟؟ أفندي؟؟
نطقت هدي وهي ترفع أصبعها كما لوكانت تجيب علي سؤال شفوي في المدرسة
- جاااااد... عم جاد افندي..

كنت ابتهج بالنقوش والأيقونات التي كانت تزين جدران الكنيسة واتعشم ان تكون قد ظلت علي حالها ورونقها إلي الآن وأن تظل في المدي المقبل

وكذلك مازالت روحي شغوفة بالموسيقي والتراتيل التي تتردد أصدائها حتي الآن في أذني عندما كنا نواظب علي حضور حفلات تكليل عرس لأحد أصدقائنا من أهالي إمبابة أو في حال حفل نصف الإكليل أو الخطوبة الذي كان يعقد لأحد أولادهم أو بناتهم

تلك الكنيسة التي عرفت أصدقاء بين جدرانها ورحابة فنائها ...
اتذكر أنني في أعياد السعف كنت آخذ تلك إحدي المشغولات اليدوية التي كانت تصنعها أمي من عيدان القمح ذات السنابل التي كانت تجلبها معها من القرية وتشغلها وتعلقها في البلكونة كتميمة
كنت أبادلها مع اصدقائي الإمبابيين بمشغولات السعف التي كانوا يحملونها في احتفالات اعتدنا أن نشارك فيها

وإلي جانب دروس المساعدة المجانية التي كنت اتلقاها من إحدي بنات عم جاد افندي الترزي في بيتهم المواجه لمدرسة "الجرن" أو مدرسة إمبابة الإعدادية للبنات تلك التي كنت اشتري من أمامها أعواد الورد البلدي والقرنفل والقطيفة القرمزية ووردة حنك السبع في أيام الربيع والتي كانت علي قمة سوق إمبابة للأشياء المستعملة (الروبابيكيا) والذي كنت أسير فيه إلي حيث يفضي - ضمن مايفضي بشكل غير مختصر - إلي شارع سيدي اسماعيل حيث الباب الخلفي لمدرسة الوحدة العربية الإبتدائية التي كانت مدرستي
واذكر أن بنت عم جاد افندي الترزي كان اسمها فيفيان وكنا نعرفها بفيفي ولم تكن تبدأ المذاكرة لي إلا بعد أن تقدم لي أمها (طنط أم فيفي) كعكهم المصاحب لكوب الشاي باللبن الكبير التي وهي تسألني معاتبة عن أمي التي لم تأت إليهم منذ اسبوعين حيث كان الإنقطاع عن زيارتهم أو انقطاعهم عن زيارتنا لمدة اسبوع بمثابة تقصير يستحق التساؤل الممزوج بشديد العتاب

مالا انساه هو أن كنيسة إمبابة كانت بها ماكينة تريكو وأن بنات عم جاد أفندي طلبن من أمي لكي يصنعوا لي ( بلوفر) أن تشتري لي عدد من (شلل) خيوط الصوف وبالفعل ارتديت أول بلوفر تعي عليه ذاكرتي علي الإطلاق بفضل بنات عم جاد أفندي وظللت أزهو به كل شتاء إلي ان تمرد جسدي النامي علي مقاساته التي كانت قد ضاقت وضاق هو من كثرة ارتدائي له طوال مالم يقل عن أربعة مواسم شتوية ولازلت روحي بعد مرور عشرات الأعوام تلجأ لذات البلوفر مستدفئة به رافضة أن يسقط من بؤرة العمق في ذاكرتي

- الله يرحم عم جاد افندي كما اسمته هدي شقيقتي أو أياً كان اسمه الذي لم استطع تذكره رغم تذكري لملامح وجهه وهيكله الجسدي والذي ظل صديقاً حميماً هو وأسرته لأسرتنا حتي تناقلتنا السبل إلي فراق لايمحو ماعلق بروح الصبي الذي كنته ولايزال يرافقني بمشاغبات الذاكرة اللحوحة

وتحية لروح بناته وأولاده أينما كانوا واينما كانت قد حلت بهم مصائر البشر

حمدى عبد العزيز
4 يناير 2017