هل يستفيد المغاربة من الدرس الفرنسي ؟


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 5522 - 2017 / 5 / 16 - 03:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

تمثل التجربة الفرنسية عادة النموذج الذي يغري المغاربة بحكم العوامل التاريخية والثقافية والسياسية التي طبعت تاريخ الشعبين على مدى عقود؛ بل ظلت اللغة الفرنسية ولا زالت البوابة الرئيسية للمغاربة على الثقافات والتجارب الإنسانية .ولعل التجربة الانتخابية الأخيرة جديرة بالاهتمام والاعتبار وتستدعي من الطبقة السياسية دراستها وتمثلها ،سواء في الممارسة أو الاصطفاف .فالانتخابات الأخيرة في فرنسا لم تكن مجرد انتخابات عادية كسابقاتها تضمن التداول على السلطة والتنافس بين البرامج الانتخابية ،بل كانت انتخابات مفصلية بين مشروعين سياسيين متنافرين : مشروع يستنفر الشعب الفرنسي من اجل حماية النظام السياسي الديمقراطي الذي أسسه الفرنسيون بدمائهم على قيم الإخاء والمساواة والحرية والمواطنة الكاملة ، ومشروع يستهدف كل هذه التضحيات والأسس ويسعى لعزل فرنسا عن محيطها السياسي والحضاري ويرمي بها في أتون العنصرية والكراهية والتعصب والشوفينية المقيتة . إنه مشروع ماري لوبان الذي جعل من العنصرية غذاءه الإيديولوجي مستغلا المشاكل الاجتماعية التي أفرزتها الأزمة العالمية وكذا الآثار النفسية للعمليات الإرهابية التي شهدتها فرنسا في الشهور الأخيرة .لوبان استغلت كل هذه الظروف لتقنع الفرنسيين بأن أمنهم السياسي والاجتماعي هو معاداة الآخر وطرد الدخيل من تراب الجمهورية .مشروع لوبان هذا تنكر للتضحيات التي قدمتها الأمة الفرنسية على مدى قرون من أجل المساواة والإخاء والحرية حتى يكون الوطن للجميع على اختلاف عقائدهم وأعراقهم ولغاتهم .كانت المنافسة بين الأحزاب في الدور الأول للانتخابات منافسة بين البرامج ، لكن نتائج الانتخابات وضعت الشعب والأحزاب الفرنسيين أمام مسئولية تاريخية وأخلاقية ، لأن الأمر يضع فرنسا في مفترق الطرق :إما الحفاظ على الرصيد الحضاري والبناء الديمقراطي أو تدميرهما .حينها أدرك الفرنسيون حجم الخطر الذي يتهدد الأمة والوطن الفرنسيين فتسامت الأحزاب عن خلافاتها السياسية وأطماعها في السلطة متكتلة في خندق الدفاع عن قيم الجمهورية ضد الخطر الفاشي الذي يتهدد الجميع . لهذا يعتبر الدرس الفرنسي بليغا للمغاربة أحزابا ومثقفين وناخبين ومجتمع مدني .وأهم ما ينبغي للأحزاب المغربية استخلاصه من التجربة الفرنسية :
1/ إن ممارسة السلطة أو التداول عليها ليس هدفا في ذاته يتطلب من الأحزاب التنازل عن قناعاتها السياسية والإيديولوجية ويذيبها في أحزاب شوفينية/متطرفة معادية للقيم الديمقراطية ومناهضة للحقوق والحريات وساعية إلى نظام الخلافة والدولة الدينية والحاكمية وتطبيق الشريعة ، بل هو أحد الأهداف التي وُجدت الأحزاب وتناضل وتؤطر المواطنين من أجلها. فمتى كانت الديمقراطية وقيمها مستهدَفة من قبل أعدائها ، صارت حماية النظام الديمقراطي مقدَّمة عن ممارسة السلطة .
2/ إن التحالفات السياسية تقوم على أساس البرامج الانتخابية وليس المناصب والمكاسب . ذلك أن خدمة المواطنين وتحقيق مصالحهم وأمنهم في ظل الدولة الديمقراطية وقيمها هي غاية الأحزاب التي من اجلها وجدت . بينما التجربة المغربية تسير في اتجاه مخالف ، بحيث تُبنى التحالفات دون مراعاة للبرامج الانتخابية . الأمر الذي يزيد من اتساع ظاهرة العزوف السياسي ومقاطعة الانتخابات في صفوف عموم الناخبين وخاصة فئة الشباب .
3 / إن الدفاع عن الديمقراطية وقيمها أولى الأولويات بالنسبة للأحزاب التي تحمل المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي ،والاصطفاف السياسي ينبغي أن يكون على هذا الأساس . فالمكاسب لا تكون أبدا على حساب القيم والمبادئ التي ناضل وضحى من أجلها الشعب المغربي طيلة عقود .والتجربة المغربية بيّنت أن الاصطفاف السياسي تتحكم فيه المكاسب والمناصب بغض النظر عن مصلحة الشعب والالتزام بالقيم والوفاء للمبادئ السامية .
4 / استحضار مصلحة الشعب والوطن والمخاطر التي تهددهما وتهدد البناء الديمقراطي عند التفكير في أي تحالف سياسي .فمصلحة الوطن والشعب فوق مصلحة الحزب والأفراد. فما اتخذته الأغلبية الحكومية برئاسة بنكيران من قرارات مست الحقوق والحريات والمعيش اليومي للمواطنين يثبت أن أحزابنا بحاجة إلى مراجعة مواقفها وإعادة النظر في حساباتها خصوصا لما يكون المشروع المجتمعي الحداثي مهددا .
5 / أمام أي تهديد للمشروع الديمقراطي يكون الاصطفاف ضد الأصولية بمختلف مرجعياتها واجبا وطنيا مهْما قدمت من إغراءات ومكاسب . فمن يناهض قيم الديمقراطية يناهض بالضرورة أسس الدولة الديمقراطية والمشروع المجتمعي الحداثي .
6 / إن قوة الأحزاب السياسية ومصداقيتها لم تعد رهينة بتاريخها وكاريزما قادتها ،بل ببرامجها الانتخابية .فما يفيد الشعب ليس تاريخ الزعيم وسنه وعرقه ،بل برنامجه الانتخابي ومدى استجابته لمشاكل المواطنين وانتظاراتهم.
إن الممارسة السياسية ليست معزولة عن تطلعات الشعب إلى الكرامة والحرية والعدل والمساواة والديمقراطية .وكلما باتت هذه التطلعات مهددة بالنكوص كلما وجب على الأحزاب تنبيه الشعب إلى طبيعة المخاطر والجهات التي تتهدد مستقبله.