«إسرائيل» دولة ديمقراطيّة جدّاً


سعود قبيلات
الحوار المتمدن - العدد: 5521 - 2017 / 5 / 15 - 21:29
المحور: القضية الفلسطينية     


نعم، «إسرائيل» دولة ديمقراطيّة جدّاً، بل هي واحة الديمقراطيّة الوحيدة في المنطقة؛ وذلك ليس فقط بسبب مواظبتها على استخدام صندوق الاقتراع؛ فعن مثل هذا الطريق، نفسه، كان قد وصل إلى سدّة السلطة كلٌّ مِنْ هتلر وموسوليني ونابليون الثالث («نابليون الصغير»، كما أسماه فيكتور هوغو)، وبوش الصغير.. وما إلى ذلك.

«إسرائيل» دولة ديمقراطيّة، لأنَّها تحتفل اليوم بما تسمِّيه «يوم الاستقلال»، الذي هو في حقيقته يوم نكبة شعبٍ كامل تمَّ اقتلاعه مِنْ أرضه وتشتيته في مختلف أنحاء العالم.

ولذلك، يبدو لي احتفال «إسرائيل» بما تسمِّيه «يوم الاستقلال»، كطقسٍ وحشيٍّ بدائيّ يرقص فيه القتلة حول جثمان ضحيّتهم الممدَّد على الأرض.

«إسرائيل» ديمقراطيّة، أيضاً، لأنَّ هذا ما يقوله ذلك الجزء المهيمن من العالم، الذي يسمِّي نفسه «العالم الحرّ»، بل وأكثر مِنْ ذلك يسمِّي نفسه أيضاً «المجتمع الدوليّ» (باعتبار أنَّ مليارات البشر الآخرين هم لا شيء بنظره). ولأنَّه حرّ، وهو المجتمع الدوليّ كلّه، فيجب علينا أنْ نصدّقه ونقبل كلَّ تقييماته العجيبة، وخصوصاً عندما يقول إنَّ «إسرائيل» هي الديمقراطيّة الوحيدة في محيطٍ من الديكتاتوريّات، ويحتفل معها بحماسٍ شديد بما تسمّيه يوم استقلالها.

و«إسرائيل» دولة ديمقراطيّة (وعلمانيّة أيضاً!)، بدليل أنَّها أقيمت بالاستناد إلى أسطورة عمرها آلاف السنين لم يدعمها حتّى لو دليل علميّ (أركيولوجيّ) واحد. وكما هو معروف، فتلك الأسطورة تزعم أنَّه في ذلك الزمن السحيق كانت قد قامت دولة يهوديّة على أرض فلسطين. ومع الأسف الشديد، فإنَّ كثيرين مِنْ أبناء جلدتنا يتبنّون تلك المزاعم الباطلة، ويؤمنون بأنَّها تاريخ حقيقيّ!

وبناء على تلك الأسطورة، يحقّ لأيّ يهوديّ، مِنْ أيّ بلد مِنْ بلدان العالم، أنْ يأتي إلى فلسطين، ويصبح فوراً مواطناً أصليّاً فيها، بينما يُحرّم على أيّ واحد مِنْ مواطنيها الأصليين العودة إلى وطنه الذي أُضطرّ إلى مغادرته في عمليّة ترانسفير همجيّة جرتْ قبل بضع عشراتٍ من السنين فقط. كما يُعامل كلّ مَنْ بقي على أرضه، من المواطنين الأصليين، في أقلّ الأحوال سوءاً، كمواطن من الدرجة العاشرة.

وبناء على تلك الأسطورة، نفسها أيضاً، تُكال المدائح السخيّة، بل ومختلف أنواع التبجيل والتمجيد، لقبيلة بدائيّة مترحّلة، هي قبيلة العبرانيين. وبالمقابل، تُذَمُّ كلّ الحضارات القديمة العظيمة التي أقامتها في المنطقة – آنذاك – شعوبها المتمدّنة (الفراعنة، والفينيقيّون، والبابليّون، والأشوريّون، والكلدانيّون، والعمونيّون، والمؤابيّون.. الخ)، بل وتُلصق بها أفظع الصفات السلبيّة.. دون وجه حقّ.

كأنَّه مِنْ واجب الجميع أنْ يتابعوا، إلى ما لا نهاية، العيش تحت تأثير الحالة النفسيّة الخاصَّة التي عانت منها قبيلة بدائيّة كانت تترحّل بين البلدان والشعوب فترى علوّ حضاراتها وتقدّم مدنيّتها، الأمر الذي كان يجعلها (أعني تلك القبيلة) تشعر بالعجز والصَّغار والدونيّة كلّما قارنت نفسها بتلك الأمم، فلا تجد سبيلاً إلى مواجهة تلك الحالة النفسيّة الصعبة إلا بـ«التعويض».. الأمر الذي نتج عنه كلُّ ذلك الكمّ الهائل المعروف مِنْ أحلام اليقظة الغريبة والوحشيّة، و«الأخيولات» و«الاستيهامات» البدائيّة.. وما إلى ذلك.

ولكلّ هذا فـ«إسرائيل» دولة علمانيّة حقيقيّة.. وخصوصاً لأنَّها دأبتْ في السنوات الأخيرة على العمل مِنْ أجل تحقيق ما تسمِّيه «يهوديّة الدولة»!

نعم، «إسرائيل» دولة ديمقراطيّة، لأنَّها حقَّقتْ تلك الأحلام البدائيّة المريضة بالاستيلاء على أراضي الغير عنوة، وهدم بيوتهم بكلّ تلك الهمجيّة التي رسمتها الأسطورة التوراتيّة.. وتركهم في العراء. وهي ديمقراطيّة أيضاً، لأنّها مارست وتمارس كلّ أنواع الإبعاد والعقاب الجماعيّ، وتأخذ الأبرياء بجريرة كلّ مَنْ تتّهمه مِنْ ذويهم بـ«جريمة» المقاومة، وتعتقل الألوف عشرات السنين مِنْ دون محاكمة.. تحت مسمَّى الاعتقال الإداريّ.

لم يبقَ إلا أنْ يأمر نتنياهو (عطا الله العبرانيّ) الشمس بتأخير مغيبها – كما في الأسطورة القديمة – إلى أنْ ينتهي مِنْ إبادة كلّ مَنْ بقي على قيد الحياة، من الفلسطينيين، وحَرْقِ بيوتهم.

وببساطة، «إسرائيل» ديمقراطيّة؛ لأنَّ المراكز الرأسماليّة الدوليّة منافقة ولا تحترم إلا منطق القوّة. انظروا، مثلاً، كيف تفاعلت الولايات المتّحدة وتتفاعل مع الوضع في كوريا الشماليّة. ففي البداية، كان صوت واشنطن عالياً، ومنذراً بالويل والثبور، لكوريا، إذا ما أجرتْ أيّ تجربة صاروخيّة. ولكن، عندما ردّتْ كوريا على تلك التهديدات الوقحة بقوّة، وهدَّدتْ بإشعال حربٍ نوويّة في حال الاعتداء عليها والتجاوز على استقلالها، وراحتْ تجري التجربة الصاروخيّة تلو الأخرى، لانت لهجة القوم في بلاد اليانكي، وأصبحوا يبادرون في إثر كلّ تجربة صاروخيّة كوريّة إلى الإعلان بأنَّها كانت تجربة فاشلة! (التجربة الأخيرة، قال الأميركيّون إنَّها لا تهدِّدهم؛ لأنَّ الصاروخ الذي جرتْ تجربته ليس عابراً للقارّات!). لقد نسوا أنَّهم، عندما أطلقوا تهديداتهم القاسية على مسمع العالم كلّه، ربطوها بإجراء التجارب فقط ولم يتحدّثوا عن نجاحها أو فشلها. وفي النهاية، رأينا ترامب، نفسه، يعرض على رئيس كوريا الشماليّة اللقاء به، قائلاً إنَّ ذلك سيكون شرفاً كبيراً له (أي لترامب وليس لرئيس كوريا).

نعم، «إسرائيل» دولة ديمقراطيّة جدّاً.. فما هي الفاشيّة إذاً؟!