صهر التيار الاشتراكي في بوتقة التيار-المدني-الديمقراطي-، ملاحظات انتقادية بصدد مشروع -تحالف يساري- للرفيق رزكارعقراوي - الجزء الاول


مؤيد احمد
الحوار المتمدن - العدد: 5521 - 2017 / 5 / 15 - 17:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

صهر التيار الاشتراكي في بوتقة التيار"المدني-الديمقراطي"
ملاحظات انتقادية بصدد مشروع "تحالف يساري" للرفيق رزكارعقراوي
الجزء الاول
مؤيد احمد
منذ سنوات عدة ونحن نسمع مساعي لوحدة اليسار في العراق في "ائتلاف" او "تحالف" سياسي واحد، بهدف لملمة "التشتت" وايجاد ميكانيزم للعمل المشترك فيما بينهم. تطرح هذه الدعوة بالاخص من قبل اشخاص معروفين بحرصهم على توحيد صفوف اليسار وبتعاطفهم مع من يعتبر نفسه يساري او اشتراكي او شيوعي في العراق ومنطقة الشرق الاوسط. ان الرفيق والصديق العزيز رزكار عقراوي كاتب وناشط سياسي والمنسق العام للحوار المتمدن هو من طليعة اصحاب هذا التوجه . ففي الآونة الاخيرة طرح مشروع ايجاد "تحالف يساري" من جديد حيث أيده عدد من الكتاب والناشطين السياسيين وافراد حزبيين في اوساط "اليسار".
بداية اود ان اطلع القراء على اني سبق وان عقدت ندوة على الانترنيت -البالتوك -غرفة "ينابيع العراق"- عنوانها "اليسار ودوره في العراق والعمل المشترك" في 25 أيار 2012 وذلك باقتراح ومبادرة من الرفيق رزكار نفسه والرفيق سمير طبلة والاخير مشكورا نظم وادار الندوة. لقد قمت بتحرير الندوة ونشرتها على الحوار المتمدن في 28 أيار 2012 يمكن الاطلاع عليها على هذا اللينك: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=309530
عبرت عن راي في تلك الندوة حول مفهوم اليسار في العصر الحالي والمعنى الفعلي لـ "التحالف" او "الائتلاف"السياسي فيما بين قوى اليسار واخيرا تطرقت الى الميادين الرئيسة التي بامكان قوى اليسار القيام بالعمل المشترك فيما بينها.
على اي حال، ان المشروع الحالي للرفيق رزكار عقراوي يستهدف من حيث الاساس تحقيق وحدة اليسار السياسي في تحالف يسيمه "تحالف يساري". لذا ان دعوته للعمل المشترك في ميادين عمل عدة فيما بين قوى "اليسار" والاشتراكيين تأتي في هذا السياق ولتحقيق هذا الهدف. هذا، ومن الضروري التاكيد هنا انه لا يدعو الى حل المنظمات والاحزاب اليسارية وتشكيل حزب سياسي واحد انما يدعو الى تشكيل "تحالف" او "ائتلاف" سياسي لليسار في العراق . فهذا هو جوهر طرحه.
ادرج هنا مقتطفات من مشروع الرفيق رزكار كي يتوضح محتوى هذه المبادرة :
"اعتقد انها (اي قوى اليسار- التوضيح مني )الآن تقترب من بعضها بشكل أكبر وأكبر في الكثير من المواقف والسياسات، وان كان هناك بعض الاختلافات في طريقة الطرح واليات التطبيق وتوقيتها". ويقول " برأي ان الخلافات الموجودة بين كل الفصائل ليست كثيرة وهي في معظمها خلافات نظرية على المدى البعيد، ومن الممكن الحوار عليها وهو موجودة حتى في أكثر الأحزاب الموحدة انسجاما". ومن ثم يؤكد على كون فصائل اليسار "تبني معظمها للماركسية والقيم الاساسية لليسار وان وجدت اختلافات في طريقة ملائمتها و تطبيقها في الواقع العراقي وهو طبيعي جدا، .... ولابد من الاعتراف بتعدد الاحزاب والمنابر داخل التيار اليساري الواسع ونبذ ادعاء احتكار- الحقيقة المطلقة سواء داخل او خارج اليسار".
اذن واضح، يتصور االرفيق رزكار ان قوى اليسار قريبة من حيث "المواقف والسياسات" واختلافاتها في "معظمها خلافات نظرية على المدى البعيد" ويضيف "معظمها تبني الماركسية والقيم الاساسية لليسار" واختلافاتها تكمن في "طريقة ملائمتها وتطبيقها في الواقع العراق وهو طبيعي جدا ...".
إن أول سؤال يطرح نفسه هنا هو، ما هي الدوافع السياسية المباشرة لبيان هذا النمط من التصور والتعريف لواقع اليسار في العراق.؟ ولماذا هذا الاختزال للمحتوى الطبقي والاجتماعي "لليسار" وكل هذا التصغير للاختلافات ومسخ الحدود الفكرية والسياسية فيما بين قوى "اليسار"؟.
حقيقة، ان الدوافع السياسية المباشرة واضحة بالنسبة للرفيق رزكار وهي مطروحة في الفقرة 5 و7 من مشروعه: " 5- العمل من اجل مجتمع مدني ديمقراطي والدولة المدنية، والعمل من اجل تعديل الدستور العراقي لصالح تكريس الديمقراطية وبناء الدولة المدنية، وفصل السلطات والقضاء المستقل والعادل". و" 7- تحديد وتحييد دور الدين والمؤسسات الدينية في الدولة والقوانين، في نفس الوقت المعتقدات الدينية للجماهير محترمة، وهي شأن شخصي والتركيز على ضرورة إبعادها عن السياسة". هذا، ويعتقد الرفيق رزكار بان اليسار موحد حول هذه الامور ويقول على اليسار "التركيز على ما يوحدنا الآن وليس ما يفرقنا وعلى نقاط التقاء وليس الاختلاف، وان نكثف العمل الجدي البناء من اجل تشكيل تحالف يساري على ارض الواقع، يستند إلى برنامج الحد الأدنى ونقاط التقاء التي أشرت إليها أعلاه"
من المعلوم، إن هم الرفيق رزكار ومن يدعمه من الناشطين والاحزاب من اوساط "اليسار" هو مشروع سياسي محدد، مشروع "تحالف يساري" يجمع قوى اليسارفي اطاره لتحقيق اللائحة السياسية اعلاه وبالاساس الفقريتن 5 و7 من المشروع. انه بصدد تهيئة الاجواء لتحويلها الى اللائحة السياسية الرئيسية "لليسار" في العراق وتشكيل "تحالف يساري" على اساسها وفي هذا السياق انهاء فترة "العداء للاخر".
لنستمع الى ما يقوله الرفيق رزكار لتحقيق هذا التوجه: " أولا الدعوة إلى لقاء-اجتماع تشاوري لكل فصائل وشخصيات اليسار العراقي من قبل الحزب الشيوعي العراقي لكونه القطب الأكبر في اليسار العراقي، او نداء مشترك من مجموعة من الأحزاب اليسارية، كخطوة أولية للحوار وتبادل وجهات النظر، وبعد اللقاء الأول إصدار بيان مشترك يعلن فيه التوجه الجماعي نحو التنسيق والعمل المشترك وانتهاء مرحلة التشتت والعداء للآخر".
إن هذا التوجه للم قوى "اليسار" حول اللائحة السياسية "الديمقراطية-المدنية" لا يعني شيئا، في عالم الواقع، سوى الاعلأن عن التوجه لتعبئة قوى اليسار وتوحيدها في اطار سياسي لتحقيق الاجندة السياسية للحزب الشيوعي العراقي، تجاه الاوضاع الراهنة والاحتجاجات الاجتماعية والسياسية المتصاعدة في العراق، وبالتالي الاعلان عن التوجه لصهر التيار الاشتراكي الثوري في العراق في بوتقة التيار "المدني الديمقراطي" وسد الطريق امام تطوره في اوضاع الاجتماعية والسياسية المتأزمة في البلاد. فهذا هو جوهر الموضع والدافع السياسي المباشر للمشروع ولا يمكن ان يكون شئيا سواه بالرغم من النيات الطيبة والمخلصة للرفيق رزكار عقراوي للشيوعيين والاشتراكيين الثوريين وللطبقة العاملة وجميع المضطهدين.
لو امعنا النظر في المحتوى السياسي لمشروع الرفيق رزكار لرأينا ذلك التوجه بسهولة:
1. ان "اليسار" بالنسبة للرفيق رزكار ليس الاشتراكيين والشيوعيين الثوريين اساسا، ولا ناشطي ومنظمي وطليعيي الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والشبيبة الثورية ولا المناضلين من اجل ايجاد التحول الثوري الاشتراكي للمجتمع، انما هو جمع من المنظمات والاحزاب والشخصيات والمثقفين يعتبرهم هو ضمن قطب "اليسار" ومستعدين لتبني مشروعه السياسي الاساسي بناء "الدولة المدنية". فليس مهما بالنسبة للرفيق رزكار ان كانوا هؤلاء بعيدين عن نضالات الطبقة العاملة والفئات الكادحة او حتى ان كانوا من مروجي ومدافعي النظام الراسمالي ومناوئيي الفكر الشيوعي الثوري والماركسية.
2. حسب ما رودر في مشروعه، لا يريد الرفيق رزكا منح التيار الاشتراكي الثوري، الذي يحمل برنامج واجندة اشتراكية ثورية، المكان المحوري، لا بل اي مكان ، في تعريفه لليسار، وهذا لا يتعلق بكونه لا يمنح هذا المكان لحزبنا او اي حزب او منظمة عمالية اشتراكية آخرى، انما يتعلق بانكاره لوجود هذا التيار وهذا الميل وهذا الخط في واقع الصراع الطبقي والسياسي والاجتماعي الجاري في العراق. كما انه يعتقد بان مشروعه السياسي مشروع منطقي وعملي "لليسار" ، فلا يرى داع ومبرر لعدم قبوله، من قبل اي من قوى اليسار، ضمن ظروف اوضاع العراق السياسية والاجتماعية الحالية.
وهذا لم يات اعتباطا، بل هو انعكاس لمسعى تيار "اليسار" البرجوازي عموما، وبالاخص الحزب الشيوعي العراقي، لقولبة الاعتراض الاجتماعي في قالب آفاقه السياسية وبالتالي اعاقة نمو التيار الاشتراكي الثوري داخل هذا الاعتراض الاجتماعي المتصاعد وسد الطريق عليه لنشر راية التيار الماركسي والشيوعي بين العمال والمضطهدين والكادحين وبين صفوف ناشطي الحركة العمالية والشبيبة الثورية في العراق. يضاف الى ذلك، انه انعكاس لمسعى هذا التيار الاصلاحي والليبرالي البرجوازي وباسم "اليسار" لسد الطريق امام تبلور اي سياسة ثورية وتطبيقها في ميدان ومسار التحولات السياسية والاجتماعية الراهنة في العراق، لسد الطريق امام بلورة وتنفيذ السياسات الثورية التي بامكانها وحدها تقوية صفوف نضال العمال والكادحين والشبيبية الثورية ، صفوف القوى المحركة الرئيسية المطروحة تاريخيا لايجاد التغيير الثوري والجذري في اوضاع العراق الراهنة. والدليل الساطع على هذا المسعى هو ما نشاهده من اقدام الحزب الشيوعي العراقي على اقامة التحالف وعقد الصفقات السياسية مع التيار الصدري والاسلاميين "المدنيين"! و"الديمقراطيين"!، باسم "تنسيق العمل" داخل "الحركة الاحتجاجية"، وكخيارهم السياسي الاول.
3. يطرح الرفيق رزكار، وبشكل مثير للدهشة، مفهوم سياسي ناقص ومبتور عن الاشتراكيين و"اليسار". انه يصور الحركة الاشتراكية كحركة سياسية منفصلة عن الصراع الطبقي مقتصرة على تحقيق المهام السياسية المدرجة في مشروعه وخاصة الفقرة 5 و 7 من المشروع. ان الاشتراكية و"اليسار" بالنسبة له، على الاقل في هذا المشروع ، ليس الا "الفصائل" السياسية التي تناضل من اجل تحقيق الاهداف السياسية "الديمقراطية والمدنية" المذكورة في مشروعه. فليس ثمة حديث عن الاشتراكية والشيوعية والماركسية، ولا الطبقة العاملة ونضالها الاشتراكي، ولا الثورة ولا الاممية، دع جانبا الحديث عن التحول الثوري للمجتمع وتحررالعمال وسائر المضطهدين والمحرومين من براثن حكم التيارات البرجوازية ونظامها الاسلامي والقومي المحصصاتي القائم. انه يكتفي بالقول بان "معظم" هذه الفصائل هم "ماركسيين"، ولكن مختلفين في "الامور النظرية"، اي انهم مجرد اناس ايديولوجيين مختلفين نظريا بدون ان يؤثر ذلك على "السياسة"! اذ انهم متفقين على السياسة والامور السياسية لانهم "ديمقراطيين -مدنيين" وحتى وان لم يكونوا "علمانيين"!.
4. مفهوم الرفيق رزكار للحركة الاشتراكية ولليسار مستعار، وان لم يكن قصدا، من قاموس التيار اليسار البرجوازي واحزابه في منطقة الشرق الاوسط من نمط الحزب الشيوعي العراقي والاحزاب والمنظمات اليسارية المضطربة فكريا الذين ينتمون الى التيار المثقفين الليبراليين و"الوطنيين" واشباه الاصلاحيين البرجوازيين. انه مستعار من قاموس هذا التيار البرجوازي الذي لم يكن يوما ماركسيا وشيوعيا الا قولا والذي يخفي انتهازيته اليوم تحت يافطة التعريف المرن "لليسار" و الاشتراكية وضرورات التأقلم مع معطيات ومستجدات العصر والتطورات الحاصلة في الوضع العالمي. فهو مستعار من المخزون الثقافي لهذا التيار الذي ينظم العشرات، ان لم نقل مئات، المحاضرات والندوات وينشر الاف الكتابات سنويا لايصال فكرة افراغ الماركسية والشيوعية من محتواها الثوري الى جمهور المضطهدين والمحرومين والشبيبة المتحررة في العراق والعالم العربي ومنطقة الشرق الاوسط ويلقي النصائح حول كيفية انزال راية الاشتراكية الثورية بكونها "عقيمة "! و"غير قادرة"! على حل معضلات المجتمعات المعاصرة. فهذا التيار هو الذي ينصح بترك "عداء الاخر" وكسب "العقل" و"التمدن " واذا دعى لتوحيد قوى "اليسار" فان دعواته تستهدف تحقيق اهداف سياسية "ديمقراطية مدنية" وفق اجندته المساومة مع البرجوازية وتياراتها الغارقة في الرجعية، كل هذا في وقت، لم تر البشرية عهدا اكثر دموية مثل ما تعيشها اليوم اثر بربرية راس المال والراسمالية .
5. ان جوهر الامر في مشروع الرفيق رزكار هو ايجاد "تحالف يساري"اي ايجاد تحالف سياسي "لليسار" في اطار الآفاق السياسية والفكرية لليسار البرجوازي. ان القوى الفعلية لهذا التحالف مؤلفة بطبيعة الحال من القوى النشطة سياسيا ضمن اوساط البرجوازية الصغيرة والمتوسطة في البلاد والتي تتبنى فكرة دمقرطة النظام السياسي الحالي في العراق و"تحييد" دور الدين وانشاء "الدولة المدنية". هذا وان كيفية تحقيق اهداف وسياسات "التحالف اليساري" ستكون بدرجة الاساسس عن طريق تشيكل "كتلة سياسية" برلمانية لليسار للعمل والنضال ضمن النظام البرجوازي الاسلامي والقومي القائم الذي يستشري الفساد في مجمل بنيانه لتحقيق بعض الاصلاحات الصورية "الديمقراطية" البرلمانية و"المدنية" على نمط ما انجزه، او بالاحرى ما لم انجزه، "التيار المدني الديمقراطي" الحالي. فاذن واضح، ان لهذه الحركة السياسية موضوعيتها وقواها ودوافعها ولكنها، ستكون بشكل موازي لـ ومنفصل عن النضال والاحتجاج الاجتماعي للعمال والفئات الكادحة والمهمشة الدائر في البلاد، والاهم من ذلك، انها ستكون مسعى لقطع الطريق على نفس هذه القوى الطبقية والاجتماعية لاحداث اي تغيير اقتصادي واجتماعي وسياسي جدي لصالحها في خضم الازمة التي يمر بها العراق حاليا.
6. ان انهاء النظام البرجوازي الاسلامي والقومي القائم عن طريق تقوية نضالات العمال والجماهير المضطهدة والمهمشة وايجاد وتطوير اشكال تنظيماتها الثورية الجماهيرية في مسار هذه النضالات كي تحل محل النظام القائم هو طريق الثوري البروليتاري للخروج من الازمة المتفاقمة الحالية في العراق. ان التيار الاشتراكي الثوري يجب ان يتوحد قواه حول هذا الامر اولا، ومن ثم ياتي ويضع الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مهما كانت بسيطة، في جدول اعماله ويعمل بشكل مشترك مع جميع قوى اليسار في تحقيق تلك الاصلاحات. ان ما يطرحه الرفيق رزكار على العكس من ذلك هو مشروع اذابة القوى الاشتراكية في قالب حركة "ديمقراطية- مدنية" مبتورة وحتى غيرعلمانية على وفق اجندة الحزب الشيوعي العراقي .
على ضوء ما تقدم، ان ايجاد "تحالف يساري" بالشكل الذي يدعو اليه الرفيق رزكار، حتى وان تم تحقيقه سيكون تحالف سياسي فوقي من الفصائل السياسية "اليسارية"! و"المدنية"، معزول عن نضال الملايين من العمال والكادحين والفقراء والمحرومين في عموم العراق لايجاد تغييرات ثورية لصالحهم، ليس هذا فحسب، بل سيكون عائق امام تطور هذا النضال ونضال الاشتراكيين الثوريين للرد على المعضلات الاساسية للحركة العمالية والاشتراكية الثورية والجماهير الكادحة والمضطهدة.
للمقال تتمة في الجزء الثاني والاخير
15-5- 2017