شعارات اليمين المتطرفة المضللة - تمثل خطراًً داهماً على اليسار وقاعدته الاجتماعية


صلاح عدلى
الحوار المتمدن - العدد: 5515 - 2017 / 5 / 9 - 20:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

شعارات اليمين المتطرفة المضللة
تمثل خطراًً داهماً على اليسار وقاعدته الاجتماعية
=============================
صــــلاح عدلـــــي
الأمين العام للحزب الشيوعي المصري

هناك ظاهرة ملفتة برزت بشكل واضح في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة ومن قبلها في الانتخابات الأمريكية، حيث رفع مرشحو اليمين المتطرف شعارات: "ضد العولمة المتوحشة!!" "والحمائية للصناعة الوطنية" وضد المؤسسة الحاكمة ووسائل الإعلام الاحتكارية، كما رفعوا الشعارات القومية الشوفينية مثل "أمريكا أولاً"، "والخروج من السوق الأوربية المشتركة"، كما فعلت بريطانيا وتسعى إلى ذلك قوى اليمين المتطرف في أوروبا، كما رفعوا كذلك شعارات أخرى تغازل الطبقة العاملة وسكان المناطق الريفية من الفلاحين الفقراء والعاطلين بهدف كسب تأييدهم لسياستهم المعادية للهجرة وللإسلام والعرب.
وقد لاقت هذه الشعارات تجاوباً كبيراً ظهر في النسبة الكبيرة التي حصل عليها مرشحو هذا التيار اليميني المتطرف في الانتخابات. والدليل على ذلك حصول ترامب ومارين لوبان على أعلى الأصوات في المناطق الريفية والأقل تطوراً، في حين تراجع حجم التأييد لهم في المدن الكبيرة.. وترافقت هذه الظاهرة مع ظاهرة أخرى وهي فقدان الأحزاب التقليدية الكبرى لثقة الناخبين، وخاصة تيار الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي تقاسمت الحكم مع أحزاب اليمين التقليدي طوال الحقبة الماضية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اكتشفت الجماهير أنه لا فرق بين هذا اليسار وبين هذه الأحزاب اليمينية، وخاصة في السياسات المعادية لمصالح الطبقات الشعبية والفئات الوسطى وكذلك في تأييدهم للتوجهات العدوانية الامبريالية في السياسة الخارجية.
لذلك برز مؤخراً تيار يساري راديكالي جديد حصل على نسبة عالية من أصوات الناخبين، حيث حصل جان لوك ميلونشون في فرنسا على ما يقرب من 20٪ من الأصوات في المرحلة الأولى للانتخابات الفرنسية، كما حصل بيرني ساندرز على ما يقرب من 10 ملايين صوت في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي في أمريكا في حين حصلت هيلاري كلينتون على 13 مليون صوت.
وسوف نركز حديثنا في هذا المقال على الظاهرة الأولى الخاصة بصعود اليمين المتطرف وشعاراته الخادعة المسروقة من أجندة اليسار، وذلك لكسب تأييد جماهيره التقليدية. وأول ما يلفت النظر هو أن الشعارات الجديدة تختلف تماماً عن توجهات وشعارات اليمين المحافظ والرجعى في بداية الثمانينات من القرن الماضي التي ظهرت على يد الرئيس ريجان في أمريكا ومارجريت تاتشر في بريطانيا، الذين بشرا بإنجيل العولمة الرأسمالية المتوحشة والخصخصة والحريات الثلاث للرأسمالية (حرية التجارة ورأس المال وسوق العمل)؛ وهو ما تمت ترجمته في "توافق واشنطن" عام 1982 الذي تبنته المؤسسات الرأسمالية العالمية (الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية) وسعت إلى فرضه بكل الوسائل على دول وشعوب العالم خلال العقود الثلاثة الماضية.. فما الذي أدى إلى بروز هذا التيار اليميني المتطرف وإلى التغير في الشعارات التي يرفعها، وهو ما خلق تلك الحالة الضبابية والملتبسة التي تسود المشهد السياسي، ليس فقط في الدول الرأسمالية المتقدمة، بل وفي معظم دول العالم.
أنا أعتقد أن هناك ثلاثة تطورات جوهرية حدثت في العقد الأخير أدت إلى هذا التغير الدراماتيكي. أولها: دخول الرأسمالية العالمية في أزمة كبرى عام 2008، والتي لم تشهد مثيلاً لها بهذه الحدة منذ أزمة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، التي كانت أحد الأسباب الأساسية لصعود الفاشية والنازية في أوروبا واندلاع الحرب العالمية الثانية، وما زالت الآثار المترتبة على أزمة 2008 حتى الآن تمسك بخناق النظام الرأسمالي العالمي رغم تجاوز عنق الزجاجة؛ ويتجلى ذلك في معدلات النمو المنخفضة للغاية ومعدلات البطالة المرتفعة حتى الآن وغيرها من المؤشرات الأخرى.
وثاني هذه التطورات هي عملية الانتقال التي يشهدها العالم الآن والتحول من هيمنة القطب الواحد الأمريكي إلى عالم متعدد الأقطاب على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وبروز دور روسيا والصين، وبزوغ عدد من التكتلات الاقتصادية الكبرى (مجموعة البريكس ومجموعة شنغهاي) المنافسة للدول الامبريالية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المرحلة الانتقالية تتم في إطار الرأسمالية وليست بديلاً جذرياً عنها على المدى القريب والمتوسط.. ومن المعروف أن مراحل الانتقال هذه تشهد صراعاتٍ وحروباً وتصاعداً للتوتر في مناطق كثيرة من العالم، وتتخللها حالة من الضبابية وعدم اليقين واليأس تنعكس على الجماهير الشعبية ومزاجها مما يؤدي إلى تقلبات دراماتيكية في توجهاتها، وهذه الحالة تستغلها القوى اليمينية المتطرفة والفاشية الجديدة لتضليل الجماهير وحرف مسار الصراع الطبقى إلى مسارات طائفية وعرقية وحروب ونزاعات مسلحة للحفاظ على مصالح الرأسمالية، واحتوأ أي نزوع ثوري يهدد مصالح الرأسمالية العالمية خلال هذه التحولات.
وفي هذا السياق يأتي بلا شك تصاعد خطر الإرهاب الذي تستخدمه تلك القوى اليمينية المتطرفة لتغذية النزعة العنصرية القومية (الشوفينية) لخداع الجماهير الشعبية وتحويل أفكارها عن السبب الحقيقي لأزماتها، وخاصة أزمة البطالة والخوف من العمليات الإرهابية.. مع العلم أن هذه الجماعات الإرهابية المتسترة بالدين تم خلقها وتمويلها وتسليحها من قبل المخابرات المركزية الأمريكية وحلفائها الرجعيين في منطقة الشرق الأوسط، وكانت البداية في أفغانستان وما زالت مستمرة من خلال دعم الامبريالية لتلك الجماعات في العراق وسوريا وليبيا بعد ذلك.
وثالث هذه التطورات العالمية هو الآثار المترتبة على تلك النهضة الصينية الكبرى التي تحققت في الأربعين عاماً الماضية والتي حققت فيها الصين ما حققته الرأسمالية العالمية في قرنين وأكثر.. مما أصبح يهدد السيادة الاقتصادية للدول الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بل وصل الأمر إلى الحد الذي أدى بترامب ورموز اليمين المتطرف في أوربا إلى رفع شعار "الحمائية".. ويذهب كل المحللين السياسيين الآن إلى أن الخصم الأساسي للولايات المتحدة الآن هو الصين، حتى ولو لم تعلن ذلك، لأن الصين - رغم اندماجها في العولمة - إلا أنها ترفع شعار "الاشتراكية" ذات الخصائص الصينية، ويحكمها الحزب الشيوعي الذي نجح في قيادة الدولة والمجتمع في تحقيق هذه النتائج المبهرة.
ولا شك أن هذه التطورات العالمية تضع على عاتق القوى اليسارية التقدمية في العالم، وفي بلداننا العربية بشكل خاص أعباءاً جسيمة، مما يفرض عليها ضرورة تطوير خطابها وتكتيكاتها للتمايز عن اليسار التقليدي الذي فقد مصداقيته، وفي نفس الوقت عليها تشكيل جبهات تقدمية وديمقراطية لهزيمة قوى اليمين المتطرف وإقناع الجماهير بتمايز شعاراتها جذرياً عن شعاراتها، وذلك لأن هذه الأوضاع تشكل ظروفاً مواتية لنهوض اليسار إذا أُحسِن استغلالها، وهو ما سوف نتناوله في المقال القادم.

القاهرة – 9/5/2017 ................. صلاح عدلي / الأمين العام للحزب الشيوعي المصري