الاول من ايار والطبقة العاملة في العراق


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5507 - 2017 / 4 / 30 - 23:22
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

ان التاريخ النضالي للطبقة العاملة في العراق بما فيه النضال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، يشكل جزءا كبيرا من المشهد السياسي في العقود الخمس من منتصف القرن العشرين. بيد ان هذه الطبقة تعرضت الى ضربات متتالية من الطبقة البرجوازية بمختلف تياراتها السياسية القومية والوطنية والاسلامية وبشكل ممنهج لتفتيت وحدة صفها. ويمكن تقسيم ذلك التاريخ الى ثلاثة مراحل، الاولى قبل انقلاب ١٧ تموز ١٩٦٨، وهي المرحلة التي يشهد التاريخ السياسي للمجتمع العراقي صعود نضالات الطبقة العاملة، وابرز محطاتها هي اضرابات ١٩٣١ ضد رسوم البلديات وسرعان ما توسعت مطالبها لتشمل اطلاق سراح السجناء السياسيين، واضرابات ١٩٣٣ ضد رفع سعر الوحدة الكهربائية واضرابات عمال نفط كاورباغي في ١٩٤٦التي اسقطت وزارة العمري. اما المرحلة الثانية هي بعد استلام البعث للسلطة، حيث قام بالقضاء على التشرذم السياسي للبرجوازية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام ١٩٢١، الى جانب قمع الحركة العمالية. وكان فتح النار على عمال الزيوت النباتية في ٥ تشرين الثاني عام ١٩٦٨ هو نهاية المرحلة الاولى، وجرح وقتل واعتقل قادة العمال في هذا الاضراب. وتشهد هذه المرحلة تعرض الطبقة العاملة الى هجمة شرسة، حيث تم اعتقال قادتها وفعاليها، وسوق العديد منهم الى محرقة الحرب العراقية - الايرانية، ومنع كل اشكال الحريات النقابية وفرضت القوانين العسكرية عليها حيث الحقت العديد من القطاعات الصناعية الحكومية بالتصنيع العسكري، واختتم البعث بتشريع قانون تحويل العمال الى الموظفين ليضفي الصفة القانونية على منع الحريات النقابية في القطاع الحكومي والذي مازال معمول به لحد هذا اليوم. والمرحلة الثالثة بعد الاحتلال، وهي المرحلة التي دشن تاريخ جديد لنضالات الطبقة العاملة، حيث استغلت اجواء توفر الحريات النسبية بسبب تدمير الدولة البرجوازية القمعية من قبل الاحتلال والتشتت السياسي الذي تعيشه الطبقة البرجوازية بسبب تصاعد الصراعات السياسية بين الكتل البرجوازية القومية والطائفية. وقد استطاعت الطبقة العاملة في تنظيم عشرات الحركات الاحتجاجية في مختلف القطاعات الكهربائية والنفط والصناعات والبلديات والسمنت.. الخ.. من اجل الارباح وضد المماطلة في توزيع الرواتب وضد سياسة التقشف وضد العقود المؤقتة. بيد ان هذه الطبقة ما زالت مشتتة، وتحاول الاحزاب القومية والطائفية في تعميق هذا التشتت من خلال نقل صراعاتها الى صفوفها، والحيلولة دون بلورة حركة عمالية مستقلة في افاقها واهدافها.
ان الطبقة العاملة التي اسقطت حكومة زين العابدين بن علي في تونس وحسمت مصير نظام مبارك في مصر عام ٢٠١١ وبالرغم من كل نواقصها ونقاط ضعفها، وما الت اليها نتائج الثورتين التونسية والمصرية، ولكنها مازالت البرجوازية مرعوبة في هذين البلدين. وهذا ما يفسر انشاء المحاكم العسكرية للعمال في مصر والمحاولة في شق اتحاد الشغل في تونس. الا ان الطبقة العاملة في العراق لم تستطع ان تخطوا نفس الخطوات وان تتحول الى قوة تدخل في الصراع السياسي مثلما شهد تاريخها في منتصف القرن العشرين كما ذكرنا، بسبب العديد من المشاكل والمعضلات ليس هناك المجال لتحدث عنها بالتفصيل.
ان النقطة التي نريد ان نركز عنها في هذا المقال هو الاول من ايار، ولم يكن محض صدفة ولا منة من قبل البرجوازية الحاكمة في تحول اليوم المذكور الى عطلة رسمية في العراق، بل انها ثمرة معاركها الطبقية خلال تاريخها النضالي. الا ان هذا اليوم كتقليد نضالي للطبقة العاملة طمس في العراق وتحول الى يوم تلقي فيه الاحزاب البرجوازية الكلمات والخطابات الفارغة للعمال، بينما الأحزاب اليسارية يتجمع اعضائها ومؤيديها في هذا اليوم لأثبات حضورها امام الطبقة العاملة والقسم بأغلظ الايمان بالإخلاص لها وانها لم تنساها، وبعد ذلك تختفي طوال السنة لتبرم اما الصفقات السياسية مع اقذر التيارات البرجوازية السياسية اوتبارك سياسات الاحزاب البرجوازية الأخرى المعادية حد النخاع لمصالح الطبقة العاملة.
ان الشيوعية التي تحدث عنها ماركس وأفنى حياته من اجلها، كانت تعني هي ذلك الفصيل أكثر حزما ويغلبون المصالح المشتركة والعامة للطبقة العاملة في جميع الصراعات، ويمثلون مجمل مصالح الحركة في مختلف مراحلها النضالية. اي بعبارة اخرى ان الطبقة العاملة ليس اولئك الناس الفقراء والمحرومين الذي ينظر إليهم بعين العطف والصدقة، بل انها تلك الطبقة التي تحمل رسالة تاريخية لأنهاء كل اشكال الظلم الطبقي والاجتماعي والسياسي والديني والعرقي والقومي والجنسي. تلك الطبقة التي يجب ان لا تساوم على مصالحها وتفصل افاقها عن افاق الحركات البرجوازية. وفي مثال تاريخي على ذلك، فعندما كان الجميع يصفق لحكومة عبد الكريم قاسم "الوطنية"، طالب قاسم وفي اول مناسبة رسمية للاول من ايار عام ١٩٥٩ في العراق وفي كلمة في مقر الاتحاد العام لعمال العراق بالتعاون بين البرجوازية الوطنية والطبقة العاملة. الا انه تفاجئ برفض التعاون والمساومة على مصالحها على لسان رئيس الاتحاد آنذاك صادق الفلاحي، مما دفع قاسم وحكومته بالكشف عن وجهها القبيح المعادي للطبقة العاملة، حيث اغلق مقر الاتحاد والقى العديد من نشطائه وفعاليه وقادته في غياهب السجون والمعتقلات.
وقد كتبنا عشرات المقالات وفي هذا العمود على ان الغايات وراء استهداف العمال واسرهم عبر العمليات الارهابية من قبل عصابات داعش والقاعدة، هي تشويه الوعي الطبقي للعمال واحلال محله الوعي الطائفي الخادع والكاذب. وان الصراع بين الكتل القومية والطائفية تصل الى حد الشتم والضرب في البرلمان، والى الاغتيالات والتصفيات في الشوارع، ولكن خطابها وتصويتها يتوحد في اقرار سياسة التقشف واستقطاع رواتب العمال في جميع مؤسسات العملية السياسية من الحكومة والبرلمان والقضاء.
ان أعاده البريق للأول من ايار واعادة هذا التقليد النضالي هو مهمة الشيوعيين، حيث الاستعراض الطبقي في اماكن العمل والسكن والشوارع، عبر اللقاءات والتجمعات والمسيرات. ان اعادة تذكير العمال في هذا اليوم واهميته الاجتماعية والسياسية، هو خطوة مهمة نحو توحيد الطبقة العاملة في العراق واعادة تشكيل المشهد السياسي. انه عمل يومي ودؤوب ومتواصل طوال السنة كي نصل الى يوم الاول من ايار.
فليس هناك اي مبالغة ولا ننطلق بشكل حماسي، بل نؤمن وحسب المعطيات النضالية التاريخية للطبقة العاملة في العراق، فأنها الوحيدة قادرة بالقضاء على الخرافات القومية والطائفية، وانهاء مسلسل الدم واعادة المدنية والانسانية الى المجتمع العراقي.