أول أيار عام سابع حرب


بدر الدين شنن
الحوار المتمدن - العدد: 5507 - 2017 / 4 / 30 - 14:19
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

لمحة من البدايات
ـــــــــــــــــــــــــ:
لما قررت الأممية الاشتراكية ، عام ( 1888 ) ، تكريس الأول من أيار كل عام ، عيداً عمالياً عالمياً ، كانت غايتها تحقيق ، وحدة النضال العمالي على مستوى العالم ، وخاصة في البلدان الرأسمالية المتطورة " الولايات المتحدة ـ أوستراليا ـ وأوربا ـ وكندا " لمواجهة الاستغلال الرأسمالي المتوحش المتصاعد ، وللارتقاء بهذا النضال ، إلى أن يتم التخلص من الاستغلال الاجتماعي والطبقي .

بيد أن الإمكانيات التنظيمية آنذاك ، ومستويات الوعي السياسي الاجتماعي الطبقي ، لم تكن على مستوى واحد في البلدان المتطورة ، ولم تكن هذه البلدان على قدر واحد في الوعي الحركي والثوري ، الذي يساعد على الوصول ، في زمن منظور ، إلى الهدف الأعلى ، وهو " الاشتراكية " .
وقد انحصر النضال العمالي ، نتيجة لذلك ، بالحد الأدنى ، وهو النضال لتحسين شروط العمل .. الصحية .. المتعلقة بمكونات المواد الأولية ، ومكان العمل ، والآمنة من حيث مستوى التكنولوجيا لأدوات العمل ، وتحسين معدلات الأجور بما يتناسب واحتياجات المعيشة المتنامية ، وتحديد ساعات العمل ب 8 ساعات في اليوم .

وقد تم تلافي هذا النقص ، بين برنامج الحد الأدنى ، وبرنامج الحد الأقصى ، حسب الحاجات الموضوعية ، من خلال تعاون الحركات العملية مع الحركات الاشتراكية ، والاشتراك معاً في القضايا الأساسية المطروحة ، بالتوازي مع التطلعات المبدئية إلى الهدف الأعلى .. الأعلى الاشتراكية . ما أدى إلى نشوء حركات عمالية ذات بأس في النضال السياسي الاجتماعي . وساعد على نشوء الحركة العمالية النقابية المطلبية ، وزيادة وتوسع الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية . ولازال نجاح الحركات العمالية والنقابية مرتبطاً بمدى حضور وتقدم الحركة الاشتراكية .. بدلالة سيرورة الحركات العمالية .. قبل ( ثورة اوكتوبر في روسيا 1917 ) .. وإبان العهد الاشتراكي ــ 1991 ـ 1991 ) .. وبعد انهيار العهد الاشتراكي ( 1991 ) .

من جهة أخرى ، كانت هناك مسافة بعيدة بين الحركة العمالية " النقابية والحركة الاشتراكية الديمقراطية ، في البلدان الرأسمالية المتطورة ، إن على مستوى التطور الاجتماعي ، والاقتصادي ـ والسياسي ، أو على مستوى الوعي الاشتراكي الديمقراطي ، وبين ما هو قائم في البلدان غير المتطورة .. غير الرأسمالية ، في قارات البؤس في ، آسيا ، وأفريقيا ، وأميركا للاتينية . . وبالتالي فإن هذه البلدان تكاد تخلو من ، من الحركتين ، العمالية النقابية ، والاشتراكية الديمقراطية . كما أنها كانت ، ومازال بعضها ، ضحية الاحتلالات الاستعمارية ، ومعاملتها كمصادر للثروات والمواد الطبيعية ، وكأسواق واسعة رابحة .
إلى أن طور الحزب الاشتراكي الديمقراطي شعار الأممية الأولى من " يا عمال العلم اتحدوا " إلى شعار " يا عمال العالم و يا أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا .. وجرى توحيد نضال العمال ، مع نضال الطبقات والفئات الاجتماعية والشعوب المضطهدة من قبل الرأسمالية ، على المستوى الوطني والعالمي .

الثورة العمالية الأولى
ــــــــــــــــــــــــــــــ:
في عام 1917 .. في روسيا .. نجحت الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي " البلاشفة " في اقتحام أسوار النظام الرأسمالي في بلادهم ، وأخذوا على عاتقهم ، وضع الاشتراكية قيد التطبيق في بلد واحد . وقد قاموا خلال حقبة العهد الاشتراكي ، التي امتدت أكثر من سبعين عاماً ، رغم الحصار الكوني الشامل ، ورغم حروب التدخل الاستعمارية ـ الرجعية ، التي فرضت عليهم ، قاموا بتصفية مخلفات دمار الحرب العالمية الإمبريالية الأولى .. في مجالات الإعمار والاقتصاد والشؤون الاجتماعية ، وطبقوا أحد المطالب الرئيسية للحركات العمالية العالمية ، وهو ثماني ساعات عمل في اليوم ، واستوعبوا البطالة بسرعة مذهلة ، ورفعوا مستوى القدرة الشرائية للأجور ، وتم وضع وتنفيذ مشاريع سكن عملاقة ، ووسعوا وطوروا البنى التحتية ، وأرسوا أسس بناء الاشتراكية علمياً .. على كل الصعد .. الصناعية والزراعية .. والتعليمية .. والتنموية المتوازنة مع احتياجات المجتمع . وبنوا دولة قوية ،رادعة للدول الإمبريالية على أحدث وأفضل مستويات التكنولوجيا العسكرية .. وامتلكوا أقماراً صناعية للأغراض المدنية والعلمية والعسكرية .

وقدموا مساعدات اقتصادية ، سياسية ، واقتصادية ، وعسكرية ، للبدان المضطهدة ، والتي تتعرض للعدوان الإمبريالي . ومنها مصر ، وسوريا ، والعراق ، والجائر ، وفلسطين ، وجمهورية جنوب اليمن . وخلقوا مناخ سلام دولي ثنائي القطبية .. ومتعدد مسارات التحرر والتقدم الاجتماعي

ولذا ، إن التداعيات الموجعة ، التي تأتت عن خسارة الاشتراكية ، انعكست سلباً مريعاً على العالم ، وخاصة على الشعوب والطبقات الاجتماعية المضطهدة المستغلة ، ومنها شعوب البلدان العربية . وفي مقدمها ، ليبيا ، مصر ، تونس ، سوريا ، العراق ، اليمن .
وفي المنعكسات لخسارة الاشتراكية ، وفي الحركة العمالية العالمية في روسيا ، أن بلداننا استبيحت من قبل الدول الرأسمالية الإمبريالية العريقة بعدوا نيتها ولصوصيتها . فخلال ربع قرن على خسارة الاشتراكية في روسيا ، تعرضت عدة بلدان عربية للحرب فقد شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها ، الحرب على العراق مرتين . مرة باسم تحرير الكويت ، ومرة ثانية بذريعة امتلاك العراق أسلحة تدمير شامل . وقامت إسرائيل بالعدوان على لبنان 2006 . وهاجمت غزة أكثر من مرة منذ بداية القرن الحالي .

أيار والعام السابع حرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ:
كان أحد المنعكسات الأسوأ في البلدان العربية ، هي حرب الإرهاب الدولي ، التي خططت لها ، ونفذتها " منظومة الإرهاب ، الغربية ــ العربية " التي شملت عدداً من الدول العربية ــ غير الملكية ــ " باسم الربيع العربي " مستغلة الظروف الداخلية السيئة المتراكمة في مستويات المعيشة ، وفي مجال احتكار الحكم .
بيد أن هذه الحرب ، لا علاقة لها بالربيع أو بالصيف العربي، البيئي والسياسي . وقد انكشف مؤخراً بوضوح بلسان وزير خارجية قطر السابق وهو أحد منفذي هذا الربيع ،" أنها مؤامرة ". وأنها ،، من التخطيط ، إلى التمويل .. والتسليح .. والتدريب .. والقيادة الفعلية .. والإعلام .. هي حرب الدول الرأسمالية ، التي تحاول إعادة رسك خريطة الثروة والنفوذ في العالم .. وهي ـ أي ـ الحرب ـ مصممة على ألا يعود العالم كما كان ، أيام ثنائية القطبية الدولية في العهد الاشتراكي في روسيا .. والسلاح الذي يستخدم في هذه الحرب ليست مهمته حربية وحسب ، وإنما هو مع حامليه الإرهابيين المرتزقة له مهمة .. أن يفتك سياسياً واقتصادياً واجتماعيا في البد المستهدف . وهو يمزق المجتمعات والبلدان .. ويهجر السكان .. ويدمر البنية السكانية .. وهو وسيلة النهب والتدمير .

وفي مثل هذه الحرب الإرهابية المتوحشة . التي تتدخل فيها بشكل كلي المفاعيل الخارجية المعادية .. يجري تقسيم المجتمع .. وتدمير القيم والمعتقدات .. وتنتفي شروط النضالات الاجتماعية ، وتسود الفرقة ومفاسد الانقسامات والصراعات القومية والطائفية المذهبية والدينية والأخلاقية .
لذا ، من الصعوبة بمكان ، أن يقدم العمال في سوريا ، بأول أيار هذا العام أيضاً تحت سقف حرب الإرهاب المدمرة ، خطاباً نقابياً صرفاً . فالحرب قد دمرت الكثير من المصانع .. ولصوص حرب الإرهاب فككوا وسرقوا وهربوا الكثير من المعامل إلى خارج الوطن وخاصة إلى داعمة حرب الإرهاب الأولى تركيا . وتم تمزيق خطاب أول أيار العمالي النقابي المعروف .. قبل أعوام الحرب في سوريا . أو هكذا يريد من يهف إلى تدمير سوريا .. مجتمعياً .. ليسهل تمزيقها .. وتدميرها .. وجودياً . لكن الطبقة العاملة السورية ، لم ولن تتخلى يوماً .. عن خطاب أول أيار . سواء في زمن الاحتلال الأجنبي ، أو زمن الديكتاتوريات العسكرية . وكان خطابها يتضمن الحرص على وحدتها .. وعلى المهام النضالية المطلوب أداؤها . إلى أن يحل أول أيار المقبل .

وفي هذا العام أيضاً .. إن الطبقة العاملة السورية ،، لن تتوانى عن أن يكون خطاب أول أيار .. غنياً .. نوعياً .. بالنضال . وغناه هو مقاومة الإرهاب .. وتحريك عملية الإ نتاج في المناطق المحررة .. والمشاركة في إحياء مقومات إعادة الإعمار .
وسيبرهن عمال سوريا هذا العام السايع من الحرب الإرهابية الدولية القذرة على الوطن .. أنهم مع بقية القوى الوطنية والاجتماعية الأخرى .. أبطال التحرير ولبناء .. وإعادة بناء وطن موحد يتمتع بالقوة والازدهار والحرية والكرامة .