مشروعنا من أجل نهضة الجزائر-من الفكرة إلى التجسيد السياسي-


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5504 - 2017 / 4 / 27 - 17:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مشروعنا من أجل نهضة الجزائر
- من الفكرة إلى التجسيد السياسي-

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-


طرحنا في كتابنا "النظام البديل للإستبداد-تنظيم جديد للدولة والإقتصاد والمجتمع-" إضافة إلى كتب اخرى مشروع كامل لجزائر الغد على كل الأصعدة، لكن مايهمنا في هذه المقالة البسيطة هو فكرتين أساسيتين طرحتها في كتابنا "النظام البديل للإستبداد"، فبعد تحليل أكاديمي للوضع العالمي وزحف الراسمالية العالمية للسيطرة على العالم وتواصل التفاوت الطبقي الحاد، حيث تستفيد اقلية لآتتعدى 10% من أكثر من90% من ثروات وخيرات العالم، فطرحنا فكرتنا على أساس فك الإرتباط بالرأسمالية العالمية التي تستغل كدح شعوبنا وثرواته، وكذلك ضرورة القيام بثورة علمية بإعادة النظر في أساليب وميكانيزمات الترقية الإجتماعية التي يجب أن تكون على أساس العلم والمعرفة وليس على أساس المال أو السلطة السياسية، وعلى أساس ذلك أبدعنا نظاما سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا جديدا، لكن لتحقيق ذلك اليوم والوصول إليه، يتطلب منا العمل في حدود الممكن المتوفر أمامنا وإستغلال كل المؤسسات والفضاءات الممكنة للوصول إلى ذلك، ومنها الهيئة التشريعية، وسنحاول تبسيط هذه الأفكار التي لايمكن في الحقيقة تدعيمها وتجسيدها بأتم معنى الكلمة إلا بمؤسسات جديدة وتنظيم سياسي وإقتصادي وإجتماعي آخر، فصلناه اكاديميا في كتبنا، لكن الوضع اليوم كما سبق أن قلنا لايسمح بذلك الآن، خاصة وأن شعبنا غير مستعد لإعتناق أفكار الديمقراطية والحداثة ويجسدها عمليا في كل ممارساته، لأنه لم يعرف أو يمر بما أسميناه رأسمالية صناعية وطنية تدور حول الذات وتكون في خدمة إقتصادنا الوطني بدل الرأسمالية التابعة التي يسطر عليها المستوردون الكبار والمرتبطة بالإقتصاديات الغربية وفي خدمتها، كما يشترط علينا أيضا القيام بثورة علمية كما عرفتها أوروبا القرنين 18و19م.
نعتقد أنه من الأوهام الحديث فقط عن الديمقراطية والحداثة في مجتمع تسيطر عليه العصبيات الدينية والطائفية واللسانية والقبلية، فهذه الأفكار كي تنتشر في المجتمع نظريا وتطبيقيا وقولا وفعلا يجب مرافقتها بتغيير قوى الإنتاج والبنية التحتية للمجتمع التي بدورها ستؤثر على البنية الفوقية للمجتمع، ومنها إنتشار أفكار الديمقراطية والحداثة وغيرها، فإن لم نقم بذلك، ونضع الشروط المادية لإنتشار الأفكار الديمقراطية والحداثة فإن كل دعواتنا ونداءاتنا تتبخر في الفضاء، ومن يقم بذلك دون السعي لتوفير شروطها المادية المتمثلة في الثورتين الصناعية والعلمية فهو كمن يجري وراء سراب.
وعلى هذا الأساس نطرح مشروعنا التكتيكي، الذي سيحقق الهدف الإستراتيجي، ويستند على العمل في إطار المؤسسات المتوفرة لدينا اليوم وإستغلالها للدفع بواسطة المتاح مثل القوانين والآليات بهدف قيام ثورة صناعية وعلمية في الجزائر الذي هو الشرط الضرروي لدخول عالم الحداثة وإنتشار أفكار الحريات والديمقراطية وغيرها.
أن الجزائري اليوم وكل منطقتنا لاتهتم بهذه الأفكار، فهو يبحث عن العدالة الإجتماعية والعيش الكريم في بلده، كما أنه يرفض أي فكرة تغيير جذري، لأنه أكتوى بها في التسعينيات، فقد أصبح محافظا على إبقاء الوضع على المغامرة بالجزائر، وهو محق في ذلك لأن أي محاولة تغيير النظام جذريا سيجرنا إلى فوضى عارمة يذهب بالجزائر في مهب الريح كما وقع لعدة بلدان في منطقتنا، فأي محاولة من هذا القبيل ستؤدي إلى ظهور سياسيو العصبيات الدينية والطائفية والقبلية واللسانية، فيحولوا الجزائر إلى ساحة، يتحكم فيها أمراء الحرب من أصحاب كل هذه العصبيات.
لاحظ الجزائريون كلهم أثناء الحملة الإنتخابية للتشريعيات في 04ماي خطاب سياسي ضحل بل مضحك ومقزز، فلاوجود لأي أفكار بناءة او رؤية إستراتيجية من أجل خدمة الجزائر، مما يدل على مدى الضعف الموجود داخل أغلب الأحزاب، فأغلبها تتحكم فيها إنتهازيون أو غباء سياسي وعديمو الثقافة السياسية، فتجدهم ضيقي الأفق، فلازال الطريق طويلا جدا كي تخرج الجزائر من النفق، فليست السلطة هي القوية في الجزائر، بل تستمد قوتها من أحزاب ضعيفة جدا لأنها تسير من سياسويين إنتهازيين محدودي النظر والفكر وهمهم الكرسي دون أي مشروع فكري ورؤية إستراتيجية لبناء الجزائر.
أنه ضحك على ذقون الشعب تقديم وعود في إنتخابات تشريعية لايمكن تحقيقها إلا رئيس جمهورية أو رئيس بلدية، وكأن هؤلاء لايدركون أن البرلماني مهمته رقابية وتشريعية فقط، فالإنتخابات التشريعية هدفها إنتخاب نواب في البرلمان، وليس إنتخاب رئيس دولة أو بلدية، ولهذا البرنامج المقدم للإنتخابات التشريعية تختلف كلية عن برامج الرئاسيات أو المحليات، فنحن لا نفهم هذا الضحك على الذقون عندما نجد مترشحين يعدون السكان بأشياء ليست من إختصاص البرلماني أصلا، بل هي من إختصاص السلطة التنفيذية سواء على المستوى الوطني وهي الرئاسة أو المستوى المحلي وهو رئيس البلدية.
إن طرحنا ومانراه مشروعا لنهضة الجزائر في حدود المسموح به اليوم، وبهدف وضع الشروط المادية لثورة صناعية وعلمية في بلادنا وبإستغلال كل المؤسسات والمساحات المتاحة أمامنا اليوم، ولهذا يتطلب منا الضغط والعمل بالتعاون مع كل الخيرين من أجل إستصدار وإفتكاك القوانين لمحاربة الفقر والبطالة والتخلف، ومن هذه القوانين التي يجب العمل من أجل إستصدارها قانون وآليات تدفع أصحاب الأموال سواء كان فاسدا أو غيره للإستثمار في القطاعات المنتجة لخلق الثروة ومناصب الشغل بدل الإستيراد-إستيراد الذي يحطم يوميا المؤسسات والإقتصاد الوطني، وبذلك نحول الجزائر إلى ورشة صناعية كبيرة تحررنا من التبعية للريع النفطي ولراسمالية العالمية، ونستلهم ذلك من الآليات والقوانين التي اعتمدتها الصين الشعبية بعد الإصلاحات الإقتصادية التي وقعت فيها بعد وفاة ماوتسي تونغ، والتي كانت وراء تحول الصين اليوم على قوة إقتصادية عالميةن وطبعا سنعمل من أجل تحيينها مع ظروف الجزائر، وكذلك الضغط والعمل من من أجل إستصدار وإفتكاك قانون للخروج من التخلف، ويخص البحث العلمي حيث يجب وضع قانون وآليات يعيد النظر في أساليب الترقية الإجتماعية، وذلك بإعطاء الإمتيازات لكل مخترع في المجال العلمي والتكنولوجي يخدم به الجزائر، وبهذا الشكل سيلد الطفل وهمه هو أن يصبح مخترعا في مجالات العلوم والتكنولوجيا بدل السعي إلى المناصب السياسية أو التجارة، كما سيضم هذا القانون والاليات جلب الباحثين العلميين العالميين إلى الجزائر، فتتحول بلادنا إلى قبلة للعلماء والباحثين كما كانت قبلة للثوار في الماضي، ولمنع الإمتيازات لرجالات السياسة، سنعمل لإستصدار قوانين تمنع الإمتيازات المالية لهم كي يأخذها الباحثون في مجالات العلوم والتكنولوجيا لإخراج جزائرنا من التخلف، فالعمل السياسي هو نضال، والنضال يحتاج إلى التضحية، فالنائب مثلا هو مناضل يضحي ويعطي، وليس يأخذ إمتيازات كما يقع اليوم، كما يجب حصر الحصانة البرلمانية فقط في المجال السياسي كي لايتحول البرلمان منفذا للفاسدين والإنتهازيين.
فبشأن أجور النواب يعترض البعض، ويعتقده غير معقول، لأن هؤلاء ادخل في ذهنهم بأن أجور عالية للنواب هو ضرورة بسبب الإستحمار الذي وقع في بلادنا، فلايعلم هؤلاء أن هذه الأجور استحدثت وبدأت منذ 1997 فقط بهدف شراء الذمم وقتل العمل السياسي عند الشعب عمدا وتحويل الشعب ضد كل السياسيين، ففي السبعينيات والثمانينيات كان البرلماني في الجزائر يحصل على إنتداب فقط، لكن أجرته هي نفس الأجرة التي كان يحصل عليها من عمله قبل ان يتحول إلى برلماني، وكانت الدولة تتكفل ببعض مصاريفه الخاصة بالعهدة البرلمانية، فما يمنعنا اليوم أن نعود إلى نفس النظام، وأكثر من هذا فبأي حق يأخذ الوزراء وأصحاب المناصب العليا أجور عالية جدا في الوقت الذي لا ينفق منها فلسا واحدا، لأن الدولة تتكفل بكل مصاريفه، أليس هذا إستغلال لشعبنا الذي يكد ويعمل، لكن يأخذ الفتات، ويأخذ السياسيون وأصحاب المناصب السياسية عرق جبينه، ولهذا يجب إعادة النظر في كل هذا، ويفضل أن يأخذ هذه الأموال والإمتيازات العالم والمبدع في المجالات العلمية والتكنولوجية الذي هو فعلا يخدم الجزائر، فنغير بذلك كل النظام الإجتماعي للبلاد، فبدل ان يتصارع المواطنون على المناصب السياسية، فإنه لن يبق منهم إلا المخلصين الذين يضحون، فالمناضل السياسي يضحي ولا يأخذ، فبذلك سينتهي نهائيا الصراع من أجل السلطة، ويصبح الصراع من أجل الإبداع العلمي والتكنولوجي الذي تحتاجه بلادنا.
طبعا لايمكن أن نمنع أصحاب السلطة والنفوذ من الإغتناء بأساليب غير شرعية إلا إذا رافقنا كل ذلك بإستصدار قانون آخر يسمح للقضاء المستقل-واؤكد على المستقل-بفتح تحقيق مباشرة على كل ثروة مشبوهة لاتتماشى مع مدخول الفرد، كما هو معمول به في أغلب الدول الغربية.
أن تحقيق وإفتكاك هذه القوانين اليوم ستصطدم بمصالح سياسويين إنتهازيين ومال فاسد الذين يجب على الجزائري ان يعمل وينتظم لقطع الطريق عليهم جميعا كي لايواصلوا إستيلائهم التدريجي على كل دواليب الدولة الوطنية الجزائرية، ويدفعوا ببلادنا إلى ما لايحمد عقباها.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-