اكذوبة لاهوت التحرير الشرق أوسطي


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5497 - 2017 / 4 / 20 - 05:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

إكذوبة لاهوت التحرير العربي
________________________
بعض إخواننا من اليسار العربي ينظرون لعقد (مصالحة تاريخية) مع قوي وتيارات التأسلم السياسي علي أساس أن هذه القوي والتيارات تعبير ثوري عن آنين الطبقات العربية المنسحقة ويضربون مثلاً علي ذلك بثورة القرامطة وتجربة حزب الله وأظن أن هذا هو خلط شديد في الأوراق والرؤي من حيث تباين الظروف التاريخية والبيئية ومن حيث إلتباسات مفهوم الثورات عند هؤلاء المنظرون لتلك المصالحة التاريخية كذلك فإن الأمر ينطوي علي مغالطات كبري فيما يتعلق بمحاولتهم فحص التركيبة الطبقية التي تحكم الإسلام السياسي واختلافها من مجتمع إلي آخر وعدم التحديد الدقيق بين الإنتماءات الطبقية من حيث (الجذور والمنابع الطبقية) وبينها وبين الإنتماءات التي تترتب علي(التعبير عن المصالح الطبقية) وهذا يرجع إلي القراءات الجامدة التي لاتري غير أن البنيان الفوقي ماهو إلا إنعكاس للتحتي ويبدو أن الخلل في تبني قضية الإنعكاس (بقراءة ميكانيكية)
هم بالضبط مثلهم مثل بعض الرحالة حسني النية الذين شاركوا - عبر قراءاتهم الملتبسة بالأخطاء والخطايا - باقي غالب الرحالة الأوربيين الذين قدموا إلي المنطقة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر للحركة في الترويج للوهابية داخل أوربا علي اعتبار أن هذه الحركة هي (بروتستانت الإسلام) لتبرير دعم حكوماتهم لتلك الحركة أمام الشعوب الأوربية (والأمر هنالك لم يكن بعيداً عن إيعاز من المخابرات البريطانية أو بعيداً عن مصالح شركة الهند الشرقية التي كانت توظف هؤلاء الرحالة)

وهذه واحدة
أما الثانية فهي إستدعائهم النقلي لتجربة (لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية) بالقفز علي الفوارق الثقافية والتاريخية والجغرافية وأنماط التفكير الديني والعقائدي بل والفارق في انساق الحياة وأطوار المجتمعات هنا وهناك

ومبلغ اندهاشي من طرح هؤلاء أفكار المصالحة علي هذه الأسس في حين كوني لا أشك في اطلاعهم علي تاريخ السياسي والتراث الفكري والحركي لتلك التيارات وتجلياتها التنظيمية والحركية
وأظن أن هناك معطيات لايمكن تجاهلها في هذا الشأن أهمها :

1 - أن نشأة الأفكار التأسيسة للتأسلم السياسي قد ارتبطت بتشوهات مجتمعية وشهدت ممارساتها الحركية الأولية إرتباطاً بنزعات الجماعات الرعوية البدوية المفعمة بثقافة الغزو والإستلاب واستباحة دماء الآخر الملاصق أو العابر وازدراء المدني والتعامل مع المرأة كممتلكات يمكن السطو عليها واغتنامها عند إخضاع الآخر القبلي والمختلف دينياً
وهذا ماشكل جزءاً أساسيا من السياق الإيديولوجي لغالب تلك الجماعات وعلي تنوعاتها وهذا مااسهم في صبغها بصبغة العداء للحياة المدنية الحضرية وعدائها المتأصل لصيغ الديمقراطية والتقدم واقترنت بالممارسات الهراركية (فكر الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة) واصبحت منذ قيام المملكة الوهابية ثم باكستان أو دولة الملالي في إيران وكذلك مشروعها السياسي في مصر نموذجاً لفاشية الأطراف ومايمكن أن يتمفصل عن هذه المشاريع من أنماط عنصرية طائفية مذهبية للحياة تتعارض بشكل جذري مع مفاهيم التقدم بل وتشكل مشروعاً هائلاً لإنتاج التخلف وابتسار مسارات النمو وخنق مسارات التطور الإنساني في مناطق هيمنة هذه التيارات

2 - أن غالب هذه الجماعات والتيارات وتفرعاتها السياسية تنشد هدفاً نهائياً أساسياً لاتتنازل عنه يتعلق بإقامة دولة الحاكمية بطابعها الطائفي سواء عبر دولة الخلافة أو الإمارة أو الإمامة أو دولة ولاية الفقيه وهذا نسق معاد تماماً للأفكار الأساسية التي يرتكز عليها كل ماهو ديمقراطي أو تقدمي في رؤيته لأنساق الحياة الديمقراطية وتتناقض مع المبدأ الأساسي الذي يري في الشعب مصدراً للسلطات

3- أن الغالبية الساحقة لتلك الجماعات والتيارات (إن لم تكن جميعها) يري أن رابط الوطنية هو من قبيل الإبتداع الذي يتعارض مع النسخ النقلي لتجارب السلف الصالح الذي يري رابط الدين هو المحدد الرئيسي للأمة وبالتالي فإن أفكار مثل التحرر الوطني أو الإستقلال الوطني لاتشكل أساساً للتفكير عند هؤلاء انما الأساس في هذا الشأن يكمن في النزوع نحو الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة الإسلامية التي لاحدود لها سوي الدين الذي لايتحدد بالحدود الوطنية بل بالرقعة البشرية التي تتحدد بالدين الإسلامي
وبالتالي فلايمكن الحديث عن امتلاك غالبية هذه التيارات لمشروع وطني وبالتالي يصبح الحديث عن (لاهوت التحرير) او (اليسار الإسلامي) حديثاً لايتسم بالعلمية بقدر مايمكن أن يقترن بما يشبه تشييد الأوهام الكبري وترويجها لتتفاقم بذلك أزمات الوعي المزيف لدي شعوب الشرق الأوسط البائس

4 - يضاف إلي ظاهرة افتقاد المشروع الوطني لدي غالب هذه التيارات والجماعات أن هذه التيارات في نشأتها قد تورطت في مشبوهية الإرتباط التوظيفي بالاستراتيجيات الإستعمارية ويمكن هنا الإستناد لوقائع التمويل المبكر لتلك الجماعات واستجاباتها للتوظيف منذ قيام العصابات الوهابية في هجر نجد والتي تمثلت ودور المستعمر البريطاني في انشاء الرابطة الإسلامية في الهند (باكستان) أو الدور البريطاني في تقديم الدعم المالي للإخوان المسلمين في مصر ثم ماتلاه من الدعم الأمريكي للإخوان والجماعات السلفية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عن طريق المملكة الوهابية السعودية ثم المساهمة الأمريكية في تمكين الإخوان من السلطة في مصر (وإن بدا أن ذلك تم عبر الصندوق الإنتخابي) وبفضل سذاجة بعض القوي اليسارية والقومية والليبرالية (القوي التي تمثلت في اجتماع فندق فرامونت الشهير عشية صعود الإخوان إلي قمة السلطة السياسية في مصر)

5 - أن ظواهر عداء هذه القوي والتيارات للإستعمار لاتعبر عن موقف تحرري وطني أصيل وانما هي جزء من سياق العداء للآخر المختلف والذي يمكن التعامل معه أيضاً كموقف برجماتي إذا مالاحت - عبر هذا الآخر - فرصة امتلاك أدوات تتيح تقوية ودعم وتمكين تنظيم تلك الجماعة أو ذلك التيار في لحظة تجل لحقيقة تلاقي المصالح الطبقية التي تتبناها تلك التيارات والجماعات بالمصالح الإستعمارية كسياق طبيعي لظاهرة تبعية الرأسماليات العربية لرأسمالية المراكز الإستعمارية

6 - وفي سياق ماسبق ، - ومع إقرارنا بدور حزب الله المقاوم للكيان الصهيوني في لبنان وكونه استثناءً قد يؤكد علي صحة القاعدة ولا ينفيها، ومع تقديرنا للظروف الإجتماعية والطائفية التي تمخض عنها حزب الله - إلا أننا لانستطيع التسرع في إطلاق مفهومية كونه حركة تحرير وطنية علي استقامة امتدادتها إلا بعد الوقوف علي جوهر مشروع حزب الله وموقفه من القضية الفلسطينية باعتبارها صراع ديني أم صراع تحرر وطني ثم حقيقة خياراته ومصالحه الطبقية الحقيقية وهذا لايمكن أن تجيب عليه مقاومته للمشروع الصهيوني إلا إذا كان يقف مقاوماً في وجه مايمثله المشروع الصهيوني من عداء لحركات التقدم في المنطقة وكمخلب قط شرس لقوي المركز الإستعماري العالمي والوقوف ضده كجزء من نضال القوي التقدمية العربية للتصدي لمخططات الهيمنة الإستعمارية علي المنطقة لا كجزء من عداء ديني لليهود ولا كجزء من سياق مشروع للدفاع عن الطائفة والمذهب واحسب أن هذا لايمكن التسرع بالجزم به ولا إلقاء الرهانات الكلية عليه في الوقت الآني والقفز إلي اعتباره (يسارا إسلامياً) أو (لاهوتاً للتحرير)

6 - أن افتراض وجود خط فاصل وسور عازل بين ماهو مسلح في تلك التيارات والجماعات وبين ماهو غير مسلح فهو أمر لايدل إلا علي ابتلاع صياغات أوربية (صيغت لأغراض معروفة) وتسويق ساذج لفقاعة وهم ضخمة وجسيمة سيفيق منها الواهمون علي حقيقة أن (كل) تيارات التأسلم السياسي قد تمأسست نظرياً علي أساس تخريجات فكرة (الفرقة الناجية) أو (الطائفة المنصورة) بمعني التنظيم المذهبي الديني هو نفسه اختزال لفكرة (الجماعة ) ومادونها هم المشركون (في حال عموم المسلمين فيما عدا اتباعهم باعتبارهم (اتباع السلف الصالح) أو الكفار وهذا مايعني لديهم (اصحاب الديانات الأخري) وأن الأمر هنا (أمر الوصول لدولة الخلافة أو الإمامة أو ولاية الفقيه) يتطلب طريق واحد هو (الجهاد) والجهاد هنا تتوقف دعويته أو تسلحه علي ظروف تتعلق بقراءة كل تجل تنظيمي لهذه التيارات لطبيعة توازنات القوي وإمكاناتها والمخاطر المترتبة علي الإنتقال جزئياً أو كلياً لحالة التسلح بدليل أن غالبية قيادات التنظيمات المتأسلمة (الدعوية)قد مرت بفترات حملت فيها السلاح في مواجهة الدولة وغالبية أعضاء وقيادات التنظيمات المسلحة قد مرت بفترات (الجهاد الدعوي) وتاريخ غالب هذه القوي والتيارات هو تاريخ تنقل مابين الجهاد الدعوي والجهاد المسلح لكنها ً(إلا فيما ندر) تشترك في ذهنية الإرهاب الفكري والتكفير علي أساس فكرة (الطائفة المنصورة) وهذا يحصر الفارق بين حمل السلاح وعدم حمله في اللحظة (التكتيكية) التي يمكن فيها حمل السلاح

7 - أخيراً فأن سيادة مفاهيم مثل (الفكرة الناجية) أو ( الطائفة المنصورة) أو (الجماعة) أو (أهل السنة والجماعة) أو (جماعة أتباع السلف الصالح) كسياق إيديولوجي لتلك التيارات والجماعات تحولها إلي مشاريع صياغات ثقافية طائفية عنصرية للمجتمعات ومن ثم فإن هذه التيارات لايمكن أن تشكل مشروعاً لهوية منفتحة علي العقل ولا مشروعاً وطنياً تقدمياً وهذا يجعل استحالة أن يتمفصل عن هذه التيارات لاهوتاً للتحرير يمكن لليسار أو لأي قوي وطنية تقدمية إجراء المصالحة التاريخية المزعومة معه

____________
حمدي عبدالعزيز
20 ابريل 2017