القرآن بين أهل السنة والشيعة (1)


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5485 - 2017 / 4 / 8 - 11:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أثار مقال سابق لي جدل سني - شيعي حول القرآن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=554173
لإغناء هذا الجدل، سوف انشر في مقالات لاحقة بعض صفحات من مقدمة طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي حول القرآن بين أهل السنة والشيعة... لعلني أجد في ملاحظات قرائي ما يفيدني لتصحيح معلوماتي أو تكمليها ... فأنا لا ادعي العصمة. وأشير هنا أن نظام موقع الحوار المتمدن لا يسمح بالهوامش. ومن همه تلك الهوامش عليه الرجوع لكتابي
وهذا الكتاب متوفر هنا
الطبعة العربية مجانا من موقعي https://goo.gl/MzdTib
الطبعة العربية الورقية من امازون https://goo.gl/nKsJT4
الأخطاء اللغوية في القرآن من امازون https://goo.gl/QCKIax
الأخطاء اللغوية في القرآن مجانا https://goo.gl/rPXIuB
.
جمع القرآن وفقًا للتقليد الإسلامي والآيات الضائعة
وفقًا للتقليد الإسلامي، استمر نزول الوحي على محمد منجمًا (ويعني أنه نزل مفرقًا كل بضع آيات معًا) قرابة ثلاثةً وعشرين عامًا. وقد تحول خلالها محمد من تاجر بسيط إلى رئيس دولة. ووفقًا لهذا التقليد، كان كلما نزل عليه الوحي يسجله كتبة النبي على وسائل بدائية مثل الرقاع والأكتاف والعسب. وبعد وفاته، بدأ تجميع القرآن للمرة الأولى في عهد الخليفة أبي بكر (توفي عام 634). ولكن بدأت تظهر مجموعات خاصة متباينة تحتوي نصوصًا مختلفة قرر بسببها الخليفة عثمان (توفي عام 656) تثبيت القرآن في نسخة واحدة وهي التي تحمل حتى الآن اسم مصحف عثمان، ثم أمر بحرق المجموعات الأخرى، والتي يبلغ عددها 22 مصحفًا وفقًا للساجستاني. ويتألف مصحف عثمان من 114 سورة. وكل سورة تحمل اسمًا أو أكثر أشرنا إليها في الهوامش (مثل السورة 5-1). وهذه الأسماء مشتقة من الكلمات الأولى من السورة (النجم سورة 23-53 وسورة الرحمن 97-55)، أو من رواية مميزة (سورة إبراهيم 72-14 وسورة مريم 44-19)، أو من كلمة ذكرت في السورة (سورة النحل 70-16 وسورة العنكبوت 85-29)، أو من حرف أو حرفين (سورة ق 34-50 وسورة طه 45-20). وهذه الأسماء ليست من ضمن الوحي فهي غير واردة في المخطوطات القديمة للقرآن وقد أضيفت لاحقًا للتمييز بين السور. وأسماء السور مكتوبة كتابة عادية مختلفة عن الكتابة القرآنية الواردة في نفس السورة، مثل سورة الصافات والحجرات والذاريات والمنافقون والطلاق والقيامة والإنسان والمرسلات وغيرها جاءت مع الألف الصريحة على خلاف ما جاء في نص القرآن.
.
والرواية الإسلامية حول تدوين القرآن المكي في زمن النبي محمد محل شك. وننقل هنا اعتراض محمد صبيح عليها:
أكاد اشك في أن العرب لم يعرفوا وسيلة للتدوين إلا قطع الأحجار والعظام وغيرها مما يروى أن القرآن كان يكتب عليه في حياة النبي، وأن زيد بن ثابت جالس بجواره يكتب. فكم من الأحجار أو أجزاء النخيل يستطيع أن يدون هذه الآيات؟ إنه يحتاج إلى قدر غير قليل. فإذا سرنا مع الرأي القائل بأن القرآن الذي نزل في مكة دوِّن كله – وهو نحو ثلثي المصحف – وتصورنا كتابته على هذه الأدوات الخشنة في حجمها وملمسها فعلينا ان نتصور أن ثلثي القرآن الذي كتب في مكة كان مصحفًا يحتاج إلى عشرين بعيرًا ليحمله. ولم نعلم من أنباء الهجرة أن قافلة من الأحجار فرت، قبل النبي أو مع النبي، ومعها هذا الحمل الغريب. وإذن فنحن نفرض فرضًا آخرًا، وهو أن العرب كانوا يعرفون الصحف ولنعرفها بأنها أداة مبسوطة خفيفة الحمل يكتبون عليها. وليس غريبًا أن يعرفوا هذه الصحف فقد كان اليهود يقيمون غير بعيد من مكة وكانت لهم كتب كثيرة يتدارسونها وكانت مكة – كما ذكر الأزرقي – طريق تجارة تدون حساباتها ووثائقها. وأكثر من هذا نعلم أن صحيفة كتبت في مكة، كتبتها قريش لإعلان الحصار الاقتصادي والاجتماعي على بني هاشم. وأن كاتب الصحيفة كان منصور بن عكرمة، وقد علقت الصحيفة في الكعبة .
.
ويشير صبيح أن القرآن ذاته يذكر كلمة صحيفة (فقد جاءت ثماني مرات بصيغة الجمع «صحف») وقرطاس (مرة بصيغة المفرد ومرة بصيغة الجميع «قراطيس») . كما يذكر القرآن مرة واحدة كلمة الرق، وهو جلد رقيق يكتب عليه. ويشك أيضًا صبيح في أن يكون القرآن المكي قد تم تدوينه بالكامل قبل الهجرة لأنها كانت فترة اضطرابات. فالآية قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ» (55-6: 91) والآية وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (55-6: 7) تدلان على أن القرآن المكي، خلافًا للتوراة، لم يكن يكتب على سبيل الحصر في صحف وقراطيس بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (85-29: 49). أي ان الحفظ كان أساس العلم بالقرآن المكي وليس التلاوة من صحف مسطورة، والتدوين الفعلي للقرآن بدأ بعد الهجرة . ففي العصر المكي لم تكن هنا إلا صحف معينة تكتب من القرآن ويتداولها المسلمون سرًا ليتدارسونها في بيوتهم بعيدًا عن أعين قريش وعن أذاها . ويرى البعض أن القول بأن الكتابة كانت مقتصرة على العهد المدني يهدف إلى إثارة الشبهات حول سلامة النص القرآني الشريف وحفظه في تلك الحقبة المبكرة من نزول الوحي، وهي في الواقع حقبة مهمة جدًا، لأن ما نزل فيها يمثل حوالي ثلثَيْ القرآن الكريم . فهم يرون أن القرآن المكي قد كتب كله في مكة ، وأن كتابته كانت على أدوات رقيقة سهلة للحمل وقابلة للطي والتمزيق، سواء كانت من جلد رقيق فاخر أو قرطاس ـ الورق البردي ـ وما نحوه. وأن ما جاء من قول زيد بن ثابت في أنه جمع القرآن من العسب واللخاف وصدور الرجال، إنما هو من باب الاحتياط وليس في مجال الكتابة والتأليف .
.
وفيما يخص جمع القرآن بعد وفاة محمد، يشير التقليد الإسلامي أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل له كانت مع فلان، قتل يوم اليمامة. فقال: لنا الله واشار على أبي بكر بجمع القرآن خوفا من ضياع كثير من القرآن بمقتل من حفظوه. وقد تم توكيل أبو بكر بهذه المهمة إلى زيد بن ثابت الذي استصعب المهمة بقوله: «فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن». فراح يجمعها من العسب واللخاف وصدور الرجال. وهذه الرواية تطرح موضوع وسائل التدوين البدائية التي تكلمنا عنها، وموضوع ما إذا كان القرآن مدونًا أم لا قبل وفاة محمد، فلو كان مدونًا لما استصعب زيد بن ثابت مهمته ولما احتاج البحث عنه في صدور الرجال. وتطرح أيضًا موضوع صحة حفظ القرآن من الصحابة: هل هو كله أم بعض آياته؟ وإن ضاعت آية بموت أحد الصحابة، فهل هذا يعني ان القرآن الحالي ناقص؟ وكم من آية ضاعت بمقتل حامليها؟ هذه التساؤلات تبين انه يجب أخذ التقليد الإسلامي بشيء غير قليل من الاحتياط .
.
ويضيف التقليد الإسلامي ان زيد بن ثابت أودع الصحف التي دونها عند أبي بكر، ثم عند عمر مدة حياته، ثم عند حفصة بنت عمر وزوجة محمد. وليس هناك أخبار تفيد بأن ابا بكر أو عمر فرض قرآن أبي بكر على الجميع، فبقي الوضع كما كان عليه قبل جمعه. ولما كان عهد عثمان بن عفان، رأى إعادة النظر في أمر هذه الصحف. وينقل البخاري عن أنس سبب هذا الأمر وهو أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وأخبره باختلاف الناس في قراءة القرآن. فأرسل عثمان إلى حفصة طالبًا الصحف لنسخها. وأوكل هذه المهمة إلى زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (وغيرهم وفقًا لبعض الروايات) على أن يكتبوه بلسان قريش في حال اختلافهم في شيء من القرآن. ويذكر البخاري أن اللجنة راجعت الصحف التي عند حفصة ورتبت سورها وما غاب منها أكملته. وكان ذلك في عام 25 أو عام 30 للهجرة، وفقًا للتقليد الإسلامي. وبعد ذلك، رد عثمان النسخة إلى حفصة وأرسل النسخ إلى الأمصار وأمر بما سواها أن تحرق، مما يعني ان قرآنه كان مختلفًا عما سواه، وإلا لما احتاج لحرقه. فبعض الروايات تشير إلى أن ابن كعب يضيف إلى قرآنه سورتي القنوت، وهما سورة الخلع وسورة الحفد. وهذا نصهما وفقًا لمصادر مختلفة:
سورة الخلع: اَللّهُمّ إِنّا نَسْتَعِيْنُك وَنَسْتَغْفِرُكَ ونُثْنِيْ عَلَيْكَ اَلْخَيْرَ ولا نَكْفُرُك ونَخْلَعُ ونترُكُ مَنْ يَفْجُرُك.
سورة الحفد: اَللّهُمّ إيّاكَ نَعْبُدُ ولَكَ نُصَلِّي ونَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِدُ نَرْجُوْ رَحْمَتَكْ ونَخْشَى عَذَابَكَ اَلْجَد إِن عَذَاْبَكَ بِالكُفّاْرِ مُلْحِقٌ.
.
وكان الكثيرون يعتبرون هاتين السورتين جزءًا من القرآن، ومنهم ابن عباس وابو موسى الأشعري وأنس بن مالك وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والحسن البصري. وكان عمر بن الخطاب يقرأ هاتين السورتين في الصلاة. وقد وضعهما جلال الدين السيوطي في آخر تفسيره «الدر المنثور» بعد «المعوذتين» إيمانًا منه بأنهما سورتان من القرآن. وعلى النقيض من ذلك، أنكر عبد الله بن مسعود على لجنة عثمان إضافة المعوذتين إلى القرآن (أي سورتي الفلق والناس، وهما آخر سورتين وفقًا لترتيب مصحف عثمان: 20-113 و21-114)، وكذلك الأمر في الفاتحة (أي السورة 5-1). فيكون عدد سور قرآن ابن مسعود 111 سورة بدل 114 سورة يتضمنها قرآن عثمان .
.
وننقل ما يقوله السيوطي حول هذا الموضوع: «أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنا إن قلنا إن النقل المتواتر كان حاصلًا في عصر الصحابة بكون ذلك من القرآن فإنكاره يوجب الكفر. وإن قلنا لم يكن حاصلًا في ذلك الزمان فيلزم أن القرآن ليس بمتواتر في الأصل» . ويشار هنا إلى ان قرآن ابن مسعود كان واسع الانتشار في الكوفة وقد رفض تسليم قرآنه لحرقه معتبرًا ان نصه أفضل من نص زيد بن ثابت وأنه كان يجب اختياره لجمع القرآن بدلًا من زيد، فقد أصبح مسلمًا في مكة قبل مولد زيد. ويخبرنا اليعقوبي: «جمع عثمان القرآن وألفه، وصير الطوال مع الطوال، والقصار مع القصار من السور، وكتب في جمع المصاحف من الآفاق حتى جمعت، ثم سلقها بالماء الحار والخل، وقيل أحرقها، فلم يبق مصحف إلا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود. وكان ابن مسعود بالكوفة، فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبد الله بن عامر، وكتب إليه عثمان: أن أشخصه، إنه لم يكن هذا الدين خبالًا وهذه الأمة فسادًا. فدخل المسجد وعثمان يخطب، فقال عثمان: إنه قد قدمت عليكم دابة سوء، فكلمه ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان، فجزّ برجله حتى كُسر له ضلعان».
.
ويظهر أن مصحف ابن مسعود استمر موجودًا حتى عام 389 هجرية حيث تم حرقه بعد فتنة بين الشيعة والسنة ببغداد. ويقول السرخسي في المبسوط: «ونحن أثبتنا التتابع بقراءة ابن مسعود فإنها كانت مشهورة إلى زمن أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى كان سليمان الأعمش يقرأ ختمًا على حرف ابن مسعود وختمًا من مصحف عثمان والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور» . ولم يكن مصحف ابن مسعود هو الوحيد المتداول. فيذكر ابن النديم (توفى عام 995) في الفهرست: «رأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى حمزة الحسني رحمه الله مصحفًا قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب يتوارثه بنو حسن على مر الزمان» .
.
ويلاحظ هنا وجود آيات طويلة ضمن سور آياتها قصيرة، يمكن اعتبارها دخيلة على القرآن، فهي بمثابة تفاسير ربما أضيفت للنص القرآني لتوضيح الآيات السابقة لها. ونذكر منها الآيات التالية: سورة المزمل 3-73: 20، سورة المدثر 4-74: 31، سورة الفاتحة 5-1: 7، سورة العصر 13-103: 3، سورة النجم 23-53: 23 و32، سورة البروج 27-85: 10 و11، سورة التين 28-95: 6، سورة الشعراء 47-26: 227، سورة الصافات 56-37: 102 و158، وسورة الدخان 64-44: 37، سورة الانشقاق 83-84: 25.
.
وإلى مقال قادم
.
ادعموا حملة "الترشيح لنبي جديد"
http://www.ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=919
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb