الملكية البرلمانية بين الاستنساخ والشروط الموضوعية


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5478 - 2017 / 4 / 1 - 01:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     


في اوروبا تمت عملية الانتقال من المجتمع الفيودالي الى المجتمع الرأسمالي عبر طريقتين مختلفتين وهما ما يمكن تسميته بالطريقة التطورية اي عبر تراكمات متواصلة والطريقة الثورية اي عبر القطيعة او القفزة النوعية.
والطريقتان تعبران عن حاجة اجتماعية لتوافق البنية الفوقية مع البنية التحتية او بعبارة ادق بين الواقع الجديد لتطور وسائل الانتاج وعلاقات الانتاج .لقد وقع وحدث ان علاقات الانتاج القائمة باتت تعرقل التطور الحاصل في وسائل الانتاج.وفي صلب علاقات الانتاج تقع الدولة وسياساتها و مجمل ممارساتها وتدخلاتها.وبما ان الدولة هي اداة تسيير وتدبير مصالح الطبقات السائدة، فإنها تسهر على بقاء تلك المصالح وعلى تطورها وقمع كل من يتهددها.هكذا وجدت الدولة نفسها في قلب الصراع بين الطبقة الصاعدة اي طبقة البرجوازية الرأسمالية وبين طبقة الاقطاعيين.
تطلعنا التجربة التاريخية على ان الصراع في اوروبا اتخذ منحيين. يتمثل الاول في الانتقال التدريجي من الدولة الفيودالية الى الدولة البرجوازية.وقد اتخذ هذا المنحى بدوره شكل تغيير طريقة ومضمون سياسات الدولة في حماية الملكية الفردية وسن القوانين التي تنظم استغلال الطبقة العاملة وتملك الارض وتنظيم الحياة السياسية عبر الحق في الترشح والتصويت، وتبنت تدريجيا كل الترسانة الحقوقية كما تصورتها وناضلت من اجلها البرجوازية.لكن شكل النظام بقي هو نفس الشكل الملكي او الامبراطوري اي توارث السلالات للحكم مهما كان شكليا وحتى بروتوكوليا.طبعا لم تخلو هذه السيرورة نفسها من انتفاضات بل حتى ثورات سياسية لكنها سرعان ما تخمد وتحافظ الدولة على نفس شكل نظامها الملكي.فكانت هذه الانظمة هي الملكية البرلمانية كما نراها اليوم في هذه البلدان مثل بريطانيا والسويد واسبانيا...اما المنحى الثاني فنهجت البرجوازية منحى التغيير عبر الاطاحة العنيفة بنظام الملكية الاقطاعي وإقامة نظام مكانه وهو النظام الجمهوري.وقد استطاعت البرجوازية في هذه البلدان اقامة دولتها ونظاما ديمقراطيا يرعى ويخدم مصالحها كطبقة سائدة ومنتصرة على الاقطاع.
اما في المناطق الاخرى من العالم حيث كان يسود نمط الانتاج الماقبل الرأسمالي والذي لم يكن اقطاعا بل تضمن بعضا من ملامحه، لكنه كان مغايرا وسمي في الشرق بالنمط الانتاج الاسيوي؛ فان الانتقال الى الدولة الرأسمالية لم يكن يشبه ما عرفه الانتقال في اوروبا.لقد حدث الانتقال تحت اما التدخل الامبريالي المباشر عبر الاستعمار او الغير مباشر.هكذا وإذا استثنينا الحالة اليابانية حيث قامت الدولة الرأسمالية حققت فيها البرجوازية مصالحها عبر ثورة الميجي لكنها حافظت على شكل النظام الملكي - الامبراطوري - فان الانتقال الى الرأسمالية كان تحت الهيمنة الامبريالية فعرفت هذه الدول ما نسميه بنمط انتاج الرأسمالية التبعية سادت فيه برجوازية محلية خاضعة وعير مستقلة عن مصالح الامبريالية.هكذا تطلعنا التجربة التاريخية نفسها ان شكل الانظمة كلها كانت انظمة غير ديمقراطية عميلة القوى الاجنبية بغض النظر عن شكل سواء اكان جمهوريا ام ملكيا.مرد ذلك هو ان البرجوازية المحلية وهي برجوازية تابعة لا يمكنها الحفاظ على مصالحها او تنميتها إلا بالاعتماد على ولائها للحليف الاجنبي.انها وصلت للسيادة المحلية عبر هذا التحالف وخدمة مصالح القوى الامبريالية. فعكس البرجوازية الاوروبية التي انتصرت على الاقطاع فان البرجوازية المحلية هذه كانت هجينة ومتداخلة المصالح مع الطبقات السائدة التاريخية.لقد عجزت على احداث الانتقال سواء التدريجي او عبر القطيعة الثورية.
نستنتج من هذه المعطيات التاريخية ان المجتمع في هذه البلدان يعيش مرحلة كبح لتطوره وان عوامل تقدمه في البناء الاقتصادي والاجتماعي وعلى اساسه البناء الفكري والثقافي والسياسي قد اجهض.وبذلك وأمام العجز البنيوي للبرجوازية السائدة المحلية فان مهمة التحرر وتحرير الطاقات اصبحت من مسؤولية الطبقة العاملة التي هي الطبقة المعنية بذلك، ففي تحررها يقع تحرر كل المجتمع.لكن هذا المستجد التاريخي يعني ان الطبقة العاملة ستجعل افق التغيير يسير في اتجاه بناء المجتمع الاشتراكي.انها عندما تتدخل، فإنها تفعل ذلك من اجل المجتمع برمته وليس من اجل تحقيق الدولة الرأسمالية التي ستتحول الى اداة لاضطهاد الطبقة العاملة..نستنتج من ذلك ان الاعتقاد بسدادة النضال من اجل الملكية البرلمانية هو اعتقاد لا تاريخي وغير واقعي.فإذا كانت البرجوازية قد تخلت عن ارادتها لمستقلة وباتت ذيلية وتابعة للقوى الاجنبية فسيكون من السخافة الطلب من الطبقة العاملة تحقيق نظام الملكية البرلمانية وتسليم السلطة للبرجوازية التبعية.ان اقصى ما قامت به البرجوازية في مثل هذه البلدان هو تغيير النظام وحتى شكله لكن مع الحفاظ على طابعه الاستبدادي.ان مطلب الملكية البرلمانية لا يعدو عن كونه استنساخ لتجربة توفرت لها شروطها الذاتية والموضوعية في اوروبا لكنها باتت اليوم غير متوفرة بل مستحيلة في دول المحيط الخاضعة للهيمنة الامبريالية.