محمود محمد طه (7) اتهامه بهدم اركان الإسلام


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5475 - 2017 / 3 / 29 - 02:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أشرككم هنا كما فعلت في المقالات السابقة وكما سأفعل في مقالاتي اللاحقة ببعض فقرات (غير نهائية) من كتابي الذي اعده عن المرحوم محمود محمد طه.
.
اتهامه بهدم اركان الإسلام
--------------
ملاحظة: لكي أكون أمينًا مع فكر محمود محمد طه، أفضل اقتباس النصوص. فأفكاره خاصة ويصعب تلخيصها دون خيانتها.
.
اركان الإسلام خمسة: الشهادة بشقيها "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله"، الصلاة والصوم والزكاة والحج.
وقد رأت فتوى علماء السودان بأن محمود محمد طه "تحت ستار الإسلام الجديد الذي بعث به رسول القرن العشرين فإنه يعمل على القضاء على أركان الإسلام الخمسة ويسقط التكاليف الشرعية بادعاء أنها أعمال تقليدية يتجاوزها المقلد إلى أن تسقط عنه حين يبلغ الإسلام الجديد وتفرض عليه أعمال أخرى بالأصالة".
وجاء في تعليق القاضي المكاشفى طه الكباشي في رده على منتقدي حكمه بردة محمود طه: "محمود محمد طه هدم كل أركان الدين، ركنا من بعد ركن وادعى النبوة والألوهية".
وجاء في "كتاب الميزان بين محمود محمد طه والأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف" رأي السلطات الدينية في علاقة محمود محمد طه بالشيوعيين:
أن أنصار محمود الحقيقيين قلة لا يعبأ بها ولكن كثيرا من الشيوعيين انضموا إلى دعوته وبخاصة بعد حركة يوليو 1971 فانهم يلتقون معه في القول بشيوعية الأموال وفي تحطيم أركان الإسلام ركنا بعد ركن، فكل ما بينهما من فرق هو أن الشيوعية تلغي الدين من اعتبارها من أول وهلة – ولكن محمودا يخالفهم في أنه يزعم أن تجويد تقليد المعصوم في الصوم والصلاة والزكاة والحج ينتهي به إلى أن يتجاوزها جميعها إلى مرتبة تكون له شريعته الفردية المطلقة في كل أولئك .
ونقرأ في مقال: "الأساس للفكر الجمهوري كله، الاستغناء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون محمود طه هو عيسى، ثم المهدي المنتظر، ثم رسولاً للرسالة الثانية، ثم إلهـًا".
وسوف نرى على أي أساس تم توجيه هذه الإتهامات لمحمود محمد طه ونبدأ بموضوع الشهادة بشقيها.
.
الشهادة بشقيها: اتهامه بأنه ادعى الألوهية
---------
يكرر كثيرًا محمود محمد طه مبدأ التوحيد "لا اله إلا الله" الذي يجب أن يحققه الإنسان في حياته. ورأينا ان هناك من اتهم محمود محمد طه بأنه ادعى الألوهية. ولم نجد له اثر في كتابات محمود محمد طه. وهذا الإتهام مبني على نظرية الحلول التي يقول بها المتصوفة والعارفون. وقد جاء في كتاب "بيننا وبين محكمة الردة" قول للمدعي الثاني:
يقول السيد محمود محمد طه في كتابه (الرسالة الثانية من الإسلام) في صفحة 90 النص الآتي: (ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله.. فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله) ويقف هنا عن النقل ليذهب ليقول عني: (فهو بذلك يدعو إلى مذهب الحلول، وهو مذهب إلحادي معروف. فكيف ينسلخ الفرد من بشريته حتى يكون الله؟ وبهذا لا يكون الله واحدا فردا صمدا، فهو متعدد وهذا كفر، يقول الله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم) وقال تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) فاذا كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة فمن باب أولى من قالوا بملايين الله.. ومن المعلوم ضرورة أن الله واحد فرد ليس بجسم ولا عرض ومن أنكر شيئا معلوما من الدين ضرورة فهو كافر مرتد.
.
وقد رد محمود محمد طه بأن هذا النص مبتور. فنصه الكامل هو:
وحين تطلع النفس على سر القدر، وتستيقن أن الله خير محض، تسكن إليه، وترضى به، وتستسلم وتنقاد، فتتحرر عندئذ من الخوف، وتحقق السلام مع نفسها، ومع الأحياء والأشياء، وتنقي خاطرها من الشر، وتعصم لسانها من الهجر، وتقبض يدها عن الفتك، ثم هي لا تلبث أن تحرز وحدة ذاتها، فتصير خيرا محضا، تنشر حلاوة الشمائل في غير تكلف، كما يتضوع الشذا من الزهرة المعطار.
(ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله.. فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله. وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقا بقوله تعالى عن نفسه: (كل يوم هو في شأن) والى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال (تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم) وقد قال تعالى: (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون).
.
اتهامه بأنه ينكر ختم الرسالة
------------------
وفيما يخص الشق الثاني من الشهادة "أشهد أن محمدًا رسول الله"، جاء في فتوى رابطة العالم الإسلامي بأن محمود محمد طه "ادعى الرسالة وأنكر ختم الرسالة وأنه المسيح المنتظر كما أنكر الجزء الثاني من الشهادة". وجاء في فتوى علماء السودان : "يذكر أن المترقي في مدارج الرسالة الثانية يتخلى عن شهادة أن محمدا رسول الله ثم عن شهادة لا إله الا الله قال في كتابه الرسالة الثانية ص 165: فهو حين يدخل من مدخل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يجاهد ليرقى بتقليد المعصوم إلى مرتبة فاعلم أنه لا اله الا الله. ثم يجاهد باتقان هذا التقليد حتى يرقى بشهادة التوحيد الى مرتبة يتخلى فيها عن الشهادة".
.
وهذا الإقتباس مبتور مأخود من كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام". والنص الكامل هو:
الأصل في الرسالة الثانية الحيوية والتطور، والتجدد، وعلى السالك في مراقيها أن يجدد حياة فكره، وحياة شعوره كل يوم، بل كل لحظة، من كل يوم، وكل ليلة.. مثله الأعلى في ذلك قول الله تبارك وتعالى في شأن نفسه (كل يوم هو في شأن) ثم هو (لا يشغله شأن عن شأن). فهو حين يدخل من مدخل شهادة (ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله) يجاهد ليرقى بإتقان تقليد المعصوم إلى مرتبة (فاعلم أنه لا إله إلا الله) ثم يجاهد بإتقان هذا التقليد حتى يرقى بشهادة التوحيد إلى مرتبة يتخلى فيها عن الشهادة، ولا يرى إلا أن الشاهد هـو المشهود، ويطالع بقوله تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو، والملائكة، وأولو العلم، قائما بالقسط، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم) وعندئذ يقف على الأعتاب، ويخاطب كفاحا، بغير حجاب (قل الله ! ثم ذرهم في خوضهم يلعبون).
.
والإتهام بأنه ينكر ختم الرسالة مبني على اعتقاد أن النبي محمد هو خاتم النبيين، ولا يحق لأحد أن يعلن نفسه نبيًا بعد محمد: "ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما" (سورة الأحزاب 40). وهذا الإتهام نجده في مقالات كثيرة. ولكننا لم نجد له أي سند في كتابات محمود محمد طه وكل ما وجدناه أنه يفرق ما بين النبوة والرسالة.
.
يقول محمود محمد طه في كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام":
بمجئ موسى ونزول التوراة على بني إسرائيل دخلت الفكرة الإسلامية في طور جديد، وهو طور ما يسمى بالأديان الكتابية، وهي اليهودية والنصرانية، والإسلام - فالتوراة لليهود، والإنجيل للنصارى، والقرآن للمسلمين. وهذا الطور الجديد، الذي دخلته الفكرة الإسلامية بمبعث موسى، تميز بالتوسع في التشريع الديني بصورة لم يسبق لها مثيل، وجميع التشاريع تنسب للرب عن طريق الوحي الملائكي لموسى، وقد اتجه التشريع الديني، الموحى به من الرب الواحد، إلى تنظيم حياة المجتمع، في كل كبيرة وصغيرة، وبصورة جماعية واسعة. ولقد تعانقت عقيدة التوحيد مع شريعة التنظيم على هذا المدى الواسع لأول مرة في التاريخ. ثم جاء عيسى بالإنجيل، ثم اكتمل الثالوث الإسلامي بمبعث خاتم النبيين.
ويكرر محمود محمد طه الآية المذكورة أعلاه بأن محمد خاتم النبيين في عدة كتب ويعترف صراحة بأن النبوة قد ختمت وأن النبي محمد هو خاتم الإنبياء. ولكن يفرق ما بين النبوة والرسالة، بين النبي والرسول. فهو يقول:
"النبوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله، ومنبئاً عن الله.. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقى، وبحسب ما يطيق الناس" . ودور الرسول بعد محمد هو توصيل رسالة الإسلام الثانية. ولكن من هو هذا الرسول؟ يجب محمود محمد طه: "هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام.. كيف نعرفه؟؟ حسنا!! قالوا إن المسيح قد قال يوما لتلاميذه: "احذروا الأنبياء الكذبة!!" قالوا: "كيف نعرفهم؟؟".. قال: "بثمارهم تعرفونهم".
.
ويضيف في كتابه "هؤلاء هم الإخوان المسلمون":
استنباط هذه الشريعة الجديدة ليس نبوة جديدة، ولا وحيا جديدا، فقد ختمت النبوّة بهذا النص الصريح: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين..).. حتى لقد استقر جميع خبر السماء بين دفتي المصحف.. ولكن هذا لا يعني، على الإطلاق، أنه ليس هناك أمر في الدين مستأنف تنتظره البشرية.. ذلك بأنه لا بد من فهم جديد للقرآن، مؤدب بأدب القرآن، وبمنهاج التّعلّم القرآني: (واتقوا الله، ويعلمّكم الله) - فهم جديد للنصوص القرآنية القديمة – فهو ينفذ الى أصول القرآن ليستنبط منها شريعة جديدة تتوّفر على حل مشكلات الحياة المعاصرة..
.
تهامه بأنه يدعي كونه المسيح المنتظر
----------------------
فيما يخص اتهامه بأنه يدعي بأنه المسيح المنتظر، لم نجد لها أساسًا في كتاباته. ولكنن نقرأ في كتابه "المسيح":
المسيح المنتظر ليس عيسى الإسرائيلي كما يظن غالبية المسلمين اليوم، وإنما هو رجل من أمة النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى: (لو لم يبق من عمر الدنيا إلاّ مقدار ساعة، لمد الله فيه، حتى يبعث رجلا من آل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا).. وواضح العبارة في كون الرجل، من آل البيت.
وكون عيسى المنتظر ليس عيسى الإسرائيلي له سببان، أولهما: أن نبوءة الوحي قد ختمت بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، ولا مجال لمجيء نبي يوحى إليه من بعده، وكذلك كان عيسى.. وإنما المجال فقط للفهم من القرآن، وهذا من حظ أهل القرآن. ولذلك فالرجل المنتظر رجل من أمة محمد يأتي ليبعث أصول الإسلام ويقيم عليها دولة السلام، وهو الذي (لا تهزم له راية)، ذلك لأنه إنما يأتي بسلطان الفكر المحيط والمسيطر الذي تدين له العقول.. وهذه هي الآية التي تخضع لها الأعناق. قال تعالى: (طسم * تلك آيات الكتاب المبين * لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزّل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين).. هذه الآية، إنما هي آية (العلم) المسيطر على كل العقول، (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون).. وهو بهذا المعنى إنما يخرج للناس بمعجزة القرآن الثانية.. فبعد أن دان الناس في الماضي لمعجزته المتمثلة في البلاغة سيدين الناس اليوم لمعجزته المتمثلة في (العلم)، العلم بظواهر، وببواطن الأمور.. (وإلى الله ترجع الأمور).. هذا العلم هو الذي جعل حركة البعث الثاني ليست في حاجة إلى الإكراه، على خلاف حركة البعث الأول التي احتاجته.
.
وفي رده على اتهامه من رابطة العالم الإسلامي بداعائه بأنه المسيح المنتظر، جاء في كتاب "بيننا وبين الشئون الدينية وأساتذتها من أزهريين ومن سعوديين":
لم يرد عنا ادِّعاء لمقام المسيح في أي من كتبنا أو أحاديثنا، وذلك لسبب بيسط وبديهي وهو أن المقامات لا تنال بادعائها، كما أنه ليس من أدب الدين في شيء ادعاء المقامات لأن الادِّعاء في شرعة التوحيد عجز عن الوفاء بالتزام واجب العبودية نحو الربوبية.. ثم لأن التستر خلف الأسماء الكبيرة، والمقامات العالية، ينطوي على شيء من الإرهاب الفكري، للناس، الذين يريدون حلاً لمشاكلهم، ولذلك فإننا حريصون، أشد الحرص، على عرض المحتوى الموضوعي للإسلام بعد نفي الغموض الديني عنه، وعلى نحو يبرز للناس فضيلة الإسلام التي لا تُجارى، فيسلكوا إلى الله على فكر ويقين.. ومهما يكن من الأمر، فإن قولنا هذا ليس مقصوداً منه أن ينفي مجيء المسيح، فإن ذلك أمر مفروغ منه بالضرورة، وإنما قصدنا به إلى نفي فرية ادعائنا لذلك المقام.. لأنه من الجهل بمكان، إضاعة الوقت في ادعاء مقام لا يكون إلا بالتحقيق، ولا يجلى إلا لوقته في اليوم الموعود .
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb