محمود محمد طه (5) الحجاب والإختلاط


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5471 - 2017 / 3 / 25 - 10:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أشرككم هنا كما فعلت في المقالات السابقة وكما سأفعل في مقالاتي اللاحقة ببعض فقرات (غير نهائية) من كتابي الذي اعده عن المرحوم محمود محمد طه.
.
الحجاب والإختلاط عند محمود محمد طه
----------------------
ملاحظة: لكي أكون أمينًا مع فكر محمود محمد طه، أفضل اقتباس النصوص. فأفكاره خاصة ويصعب تلخيصها دون خيانتها.
.
في كتابه الرسالة الثانية من الإسلام يقول محمود محمد طه أن الحجاب ليس أصلا في الإسلام:
والأصل في الإسلام السفور. لأن مراد الإسلام العفة. وهو يريدها عفة تقوم في صدور النساء والرجال، لا عفة مضروبة بالباب المقفول، والثوب المسدول. ولكن ليس الى هذه العفة الغالية من سبيل إلا عن طريق التربية والتقويم. وهـذه تحتاج إلى فترة انتقال لا تتحقق أثناءها العفة إلا عن طريق الحجاب، وكذلك شرع الحجاب. فكأن الأصل ما كان عليه آدم وحواء قبل أن يزلا: (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، فكلا من حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين، أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وناداهما ربهما: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة، وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟ * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكونن من الخاسرين * قال اهبطوا، بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر، ومتاع إلى حين * قال فيها تحيون، وفيها تموتون، ومنها تخرجون * يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم، وريشا، ولباس التقوى، ذلك خير، ذلك من آيات الله، لعلهم يذكرون * يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهما، ليريهما سوآتهما، إنه يراكم، هو وقبيله، من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) قوله (ليبدي لهما) يعني ليظهر لهما. قوله (ما ووري عنهـما) يعني ما غطي عنهـما بلباس النـور. (من سوآتهما) مـن عوراتهما. قوله (فدلاهما بغرور) نصحهما بباطل، وكذب، حتى تـورطا في الخطيئة، فلما سقطا (بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) فأخذا يستران عوراتهما بورق التين، ومن يومئذ بدأ الحجاب. فهو نتيجة الخطيئة، وسيلازمها حتى يزول بزوالها، إن شاء الله. وفي ذلك قوله تعالى (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم)، وهو يعني قد خلقنا لكم، وفرضنا عليكم لبس ثياب القطن والصوف وغيرهما مما يواري عوراتكم. وقوله (ولباس التقوى) يعني لباس التوحيد، والعفة، والعصمة المودعة في قلوبكم، قوله (ذلك) يعني لباس العفة (خير) من لباس القطن. (ذلك) يعني لباس القطن. (من آيات الله) من حكمته في تشريعه. وكل المعنى في قـوله تعالى (لعلهم يذكرون) ويعني لعل الناس يذكرون حالة الطهر، والبراءة والعفة، التي كان عليـها أمرهم قبل الخطيئة، فتكون منهم الرجعى.
والآية الأخيرة واضحة الدلالة على ما ذهبنا اليه في أمر الحجاب. والسفـور في الإسلام اصل لأنه حرية. وقد أسلفنا القول بأنه، في الإسلام، الأصل في كل إنسان أنه حر، إلى أن يسئ التصرف في الحرية، فتصادر حريته بقانون دستوري. وقد سلفت الإشارة إلى القانون الدستوري. اقرأ في حكمة الحجاب قوله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت، حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا) إذا توفرت الأدلة على اعوجاج سلوكها بما لا يرقى إلى الحد تصادر حريتها بحرمانها من حقها في حرية السفور، وتحبس في المنزل (حتى يتوفاهن الموت) إن لم يبد من احداهن أنها قد انتفعت بالعقوبة، وأنها استقامت، مما يجعلها مرجوة لحسن التصرف في السفور.
فالحجاب عقوبة حكيمة على سوء التصرف في حرية السفور. هـذا في الأصل الإسلامي. ولكنه، في التشريع الحاضر، يمثل مصادرة مستمرة لحرية السفور، لأن الشارع أراد به الى سد الذريعة، حماية للقصر من مسئولية باهظة، وثقيلة، لا ينهض بها المؤمنون، وإنما ينهض بها المسلمون، وما لهؤلاء شرع.
المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه ليس أصلا في الإسلام
وما يقال عن السفور يقال عن الاختلاط، فان الأصل في الإسلام المجتمع المختلط، بين الرجال والنساء، ثم هو مجتمع سليم من عيوب السلوك التي إيفت بها المجتمعات المختلطة الحاضرة.
هذه جميعها مجرد أمثلة سيقت على سبيل إظهار الفرق بين الأصل والفرع، وللتدليل على أن الرسالة الأولى، إنما هي تنزل عن الرسالة الثانية، لتناسب الوقت، ولتستوعب حاجة مجتمعه، ولتتلطف بالضعف البشري يومئذ، وفيها في ذلك غناء.
.
وقد اصدر الإخوان الجمهوريون في فبراير 1975 كتاب عنونوه "الزي عنوان عقل المرأة وخلقها " اتبعوه في شهر ابريل من نفس العام بكتاب "الإختلاط بين الشريعة والدين ". وهذان الكتابان نشرا تحت إشرافه.
يوضح الكتاب الأول:
الحجاب انّما يعني بقاء المرأة في دارها .. وعن ذلك ورد قول الله تعالى: (وقرن في بيوتكّن ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاولى، واقمن الصلاة، وآتين الزكاة، واطعن الله ورسوله، انّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس اهل البيت ويطّهركم تطهيراً) وبهذا النص أصبح خروج المرأة من المنزل غير مسموح به، إلا للضرورة .. والضرورة تعني الاّ يكون عند، المرأة من يعولها من الرجال، فهي إن لم تخرج لتكسب الكسب الشريف لنفسها، ولمن تعول من الأطفال، فإنها ستموت جوعاً، أو تنحرف .. في مثل هذه الحال، وحدها، سمح للمرأة في الشريعة، في الماضي بالخروج .. وهذه هي الضرورة التي تبيح المحرّمات – الحياة أو الموت – (قل لا اجد فيما اوحي الي محرّماً على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة، أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير فانه رجس، أو فسقاً أهل لغير الله به، فمن اضطّر غير باغ، ولا عاد، فان ربك غفور رحيم) [...]فاذا اضطّرت المرأة للخروج، بهذا المعنى الذي سقناه للضرورة، فإن عليها حينئذ ان تخرج من منزلها بزي خاص، تبدو فيه وكأنها تنقل منزلها معها .. وذلك بأن تخرج وهي متحجبة تماماً، لا يبدو منها سوى وجهها، وكفيها، وظاهر قدميها .. قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك، وبناتك، ونساء المؤمنين، يدنين عليهّن من جلابيبهّن، ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ..) .
.
ويشرح الكتاب أن الحجاب هو موازٍ لوأد البنات في الجاهلية:
إن الإسلام انّما يعالج مشاكل المجتمع، وقضاياه بحكمة، ورفق، ومن ذلك، انه عندما شّرع الحجاب انّما راعى حال المجتمع، واقّر القيمة التي حرص الناس عليها، من وراء تضييقهم على النساء، وتلك هي قيمة العفّة .. فقد كان دافع الناس الأساسي من وراء (وأد) البنت، في الجاهلية، هو خوف العار الذي تجلبه لهم البنت اذا سبيت، أو اختطفت، أو تعرضت للفقر المذل .. فقد راعوا قيمة العفّة، والصون، والحفظ، ولكنهم اخطأوا السبيل اليها، حين وأدوا البنت، لأنهم بفعلهم هذا قد أعدموا الحياة نفسها، فقال تعالى، في مؤاخذتهم على هذه الغفلة: (واذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت)، ولذلك حرّم الإسلام عادة الوأد، ولكنه لم يقلّل من شأن القيمة وراءها، وانما ركز عليها، وعظّم من امرها، وهو، في الحقيقة، لم يبطل تلك العادة تماماً، وانما طوّرها، فجاء بالحجاب، بجدران المنزل الاربعة: ( وقرن في بيوتكّن ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الاولى) بديلاً للحجاب بالحفرة .. فهو قد قرّر ألا تخرج المرأة، ولا تختلط بأجنبي، الا للضرورة، وبالزي الشرعي، على النحو الذي اشرنا اليه آنفاً .. لقد طورت الوسيلة، وهي عادة الوأد، وبقيت القيمة التي هي مساعدة النساء، ثم الرجال، على الصون والعفة.
.
ويشير الكتاب إلى أن العفة ليست في الملبس ولكن في الصدور:
لقد ركّز الإسلام على القيمة الحقيقية، وهي العفّة التي في الصدور، ووظف منهاج العبادة، والمعاملة، لتحقيق هذا الغرض، واشار تعالى الى قيمة العفّة، وكونها، في الأصل، في الصدور، بقوله: (يا بني آدم قد انزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم، وريشاً، ولباس التقوى ذلك خير، ذلك من آيات الله، لعلّهم يذكرون) .. ويجب أن نفطن، الى ان غيرة الرجال على النساء هي السبب القوي في التشديد على النساء .. وليس من الخير ان تذهب هذه الغيرة، فما من أمة نزعت الغيرة من صدور رجالها الا نزعت العفة من حجور نسائها .. ولكن الخير، كل الخير، في مراعاة هذه الغيرة، ثم إشاعة التربية، وتعميقها، في نفوس الرجال والنساء حتى يتحقق مراد النبي (عفّوا تعف نساؤكم) .. وبحصول التربية، وبتركيز أمر العفة في الصدور، وباستيقان كل رجل أن الله هو الحافظ، وهو الصائن لعرضه، لا الباب المقفول، ولا الثوب المسدول: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)، وعندئذ تطّامن غلواء الغيرة الجنسية بفضل الله ثم بفضل ما استقّر في قلوب الرجال والنساء من الثقة المتبادلة.
.
وقد طرأ تطور في المجتمع يتطلب تطور في الزي:
الخروج في المجتمع اليوم أصبح لغير الضرورة في الشريعة الإسلامية – الخروج فيه اليوم للتعليم في المدارس، وللأسواق، وللمشاركة في الافراح، وللزيارات العادية، وهذه كلّها ليست ضرورة في الشريعة الإسلامية .. ولكن حكم الوقت قد طّور الضرورة في هذا المجتمع .. فاذا تطورت الضرورة، يبقى من البداهة، أن يتطور الزي الذي على أساسه يمكن للمرأة أن تخرج في هذا المجتمع المعاصر، وهو مجتمع ما ينبغي ان ننكر عليه مبدأ الخروج فنرد المرأة الى المنزل، وانّما ينبغي علينا ان نرشّد الخروج بالزي الجديد الذي يناسب الوقت .
.
والزي الجديد يجب أن يؤدي الغرض الذي من أجله فرض الحجاب في الماضي: "وهو العفّة والتصوّن، باظهار المرأة بمظهر محتشم يجبر كل من يشاهده على احترامها وتقديرها .. والزي المطور بتطوّر ضرورة الخروج انّما هو زي عصري في نفس الوقت لأنه يعطي المرأة المعاصرة فرصة المشاركة في المجتمع على اساس أنّها إنسان وليست (عورة)، ليست (انثى)، وانما هي إنسان .. والفرق شاسع وكبير بين المراة الانثى، والمرأة الإنسان" .
.
ويضع الكتاب القواعد التالية للزي النسائي:
اولاً – ان يكون (الفستان) من الطول بحيث ينزل الى ما تحت الركبة حتى يكون ساتراً في جميع الحالات، وان يعمّم بحيث يكون (محتشماً) من جميع الوجوه ..
ثانياً – ان تستعمل النساء – وخاصة عند خروجهّن للأماكن العامة – الثوب الابيض، غير الشفّاف، فانّه من البساطة، والجمال، والهدوء، بحيث يغني عن المبالغة في استعمال الثياب الصارخة الألوان، الملفتة للنظر في غير ما ضرورة ..
ثالثاً – ان تتحاشى النساء استعمال الاحذية ذات الكعب العالي، فانها تخل بالمشية وتغيرها ..
رابعاً – ان تصفّف النساء شعرهّن بالاسلوب الذي يعكس الجمال في بساطة، ووقار، وهدوء، وبالطريقة التي تمكن الثوب من الاستقرار على الراس ..
خامساً – ان تتجنب النساء استعمال (الباروكات) والاضافات الصناعية الاخرى، وكذلك المساحيق، وغيرها فانّها تزّيف حقيقتهّن وتحيلهّن الى مخلوقات (بلاستيكية) تثير الاشمئزاز والنفور. وينطبق هذا الحكم على استعمال الحلي .. وغني عن القول ان الجمال الحقيقي هو الجمال الطبيعي الذي لا تدخل فيه يد الإنسان الا كدخولها (لازالة الاشواك) ولتشذيب وتهذيب الورود والزهور.
سادساً – ان تقلع النساء وخاصة عند خروجهّن للأماكن العامة – عن استعمال العطور الصارخة وما شابهها .
هذه النقاط الست تخص مظهر المرأة وزي النساء متزوجات وغير متزوجات – خارج المنزل .. امّا المتزوجات فمتروك لهن – داخل المنزل – حرية اللّبس، والتزيّن، بالطريقة التي تروق لهّن، ولأزواجهّن .. بقيت نقطة صغيرة عن المرأة العاملة في الاعمال التي يتعذّر معها لبس الثوب .. فمثل هذه المرأة يمكنها ان تلبس، في مكان العمل، معطفاً كمعطف العمل يغطي الى ما تحت الركبة، فهو محتشم، وهو ايضاً ميسر للعمل .
.
ويختتم الكتاب بما يلي:
هذه خطوط عريضة، فيما يخص الزي والمظهر العام، تستطيع نساؤنا ان يتحركن داخلها بحيث يظهرن مقدرتهن في ابراز الجمال الهادئ البسيط، الذي يثير لدى المشاهد، ليس نزعته الحيوانية، وانما طبيعته الإنسانية المتسامية، كما يرغمه على تغيير نظرته للمرأة، واحترامها والثقة بها، والاطمئنان اليها، ويدفعه ليتعامل معها ليس كجسد، أو كنوع، وانّما كإنسان كامل له جسده، وعقله، وقلبه ..
فلتقلع النساء – اذن – عن التبرّج فانه دليل على السطحية، وخفّة العقل، ورقة الدين .. وليحرصن على الحشمة، والبساطة، في المظهر .. فانّهّن ان يفعلن ذلك، يستأهلن حقوقهن، ويخرصن ألسن الخصوم والمعارضين، ويرسين القواعد المتينة للنظرة الإنسانية الجديدة التي بها، وبها وحدها، ينفتح الباب لتحقيق العلاقة السامية الشريفة بين النساء والرجال – تلك العلاقة التي حلم بها الشعراء والحكماء، وحفلت بها نبوات الأنبياء .
ويبين الكتاب "الإختلاط بين الشريعة والدين" بأن فروع الإسلام قد فرض على النساء عدم الإختلاط بالرجال، ومن هنا جاء الحجاب. وهذا هو رأي الشريعة،ولكنه ليس رأي الدين. فالكتاب يفرق بين الشريعة والدين:
الفهم السائد عندنا الآن أن الدين هو الشريعة وأن الشريعة هي الدين.. وحقيقة الأمر أن الشريعة هي طرف الدين الذى تنزل لمجتمع القرن السابع لينظمه.. فهى من ثم قانون ذلك المجتمع الذى يناسب حاجته – وهى بذلك ليست الدين كله وإنما هي طرف منه.. وتقوم الشريعة على الآيات المدنية – فروع القرآن – وهى الآيات الناسخة للآيات المكية – وهى أصول القرآن.. ولتوضيح هذا الأمر نجد الإختلاط مثلا، محرما فى الشريعة ولكنه مطلوب فى الدين حين يجىء وقته [...] أن الإختلاط هو الأصل.. ولكن عندما وقع العجز عن القيام بمسئولية الإختلاط وواجباته صودرت حرية ذلك المجتمع فجاء إنعزال النساء عن الرجال (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا).. "الفاحشة" هنا هي ما دون الزنا والاّ فعقوبة الزنا معلومة.. "فأمسكوهن فى البيوت" عقوبة على سوء التصرف فى حرية السفور، وهو حجر عليها.. فالإسلام غرضه الحرية، وغرضه أن يكون المجتمع مجتمعا مختلطا ثم هو مجتمع مبرأ من آفات السلوك وعيوبها.. لأنه إنما يرمى لتربية الأفراد، فى المقام الأول، فيكون المجتمع كله – نساؤه ورجاله – عفيفا عفة قائمة فى الصدور، وليست مفروضة عليه بعزل نسائه عن رجاله .
.
ويضيف الكتاب:
وضع المرأة فى الشريعة – فى أن تكون محتجبة عن الرجال ولا تخرج الاّ للضرورة.. ولكن بفضل الله ثم بفضل تقدم الحياة، وقع نصول الناس عن الشريعة، فخرجت النساء وأختلطن فى المجتمع.. وأصبحنا نجد المرأة فى دور العلم المختلفة، كما نجدها فى الأسواق والمركبات العامة وغيرها.. وهذا الوضع، بطبيعة الحال، خروج عن الشريعة الإسلامية.. ولعل فى ذلك دليلا واضحا على أن الشريعة التى كانت قانونا لمجتمع القرن السابع قد أصبحت أضيق من أن تستوعب طاقات القرن العشرين وهى طاقات تبشر بالخير الكثير للنساء وللرجال فى آن معا... ومهما يكن من أمر ، فان خروج المرأة قد أصبح حقا من حقوقها، كفلته لها القوانين الوضعية، بعد أن كفله لها تطور الحياة بتوجيه الله، فليس تطور الحياة عبثا.. ولايمكن لعاقل أن ينادى بإرجاع النساء الى البيوت مرة أخرى كما ينادى لذلك دعاة الفكر السلفي بدون فهم لحقيقة الدين ولا إلمام بمشاكل المجتمع الحاضر ولا بطاقات الحياة الحديثة.. لن يكون المطلوب هو إرجاع الحياة الى الوراء وإنما المطلوب هو السير بها قدما الى الأمام..
فاذا كان الأمر كذلك فان على الدين لدورا كبير فى تنظيم هذا السفور حتى يجيء الإختلاط العفيف الذى هو مطلوب الدين بالأصالة .
وقد حدد الكتاب قواعد الإختلاط حتى يكون "نظيفا مبرأ من كل آفات السلوك ومعايب الأخلاق":
أولا: إن مظهر المرأة المحتشم هو من أهم واجباتها فى المجتمع المختلط ولقد تحدثنا بإسهاب عن زى المرأة ومظهرها ومشيتها فى منشورنا الثانى بعنوان ("الزى" عنوان عقل المرأة وخلقها) وخلاصة ذلك المنشور هي أن تسفر المرأة ولكن فى إحتشام وبساطة وقد إقترحنا زيّا بسيطا يفى بمتطلبات الشريعة ويتمثل فى الفستان الساتر الذى ينزل الى ما تحت الركبة والثوب الأبيض غير الشفاف.. وفى هذا المقام لا بد أن نشير الى الخلط فى أذهان الناس بين السفور والتبرج فيجب أن يكون واضحا فإن التبرج ممنوع دينا وشريعة..
ثانيا: ينبغى أن يكون حديث المرأة واضحا ومفهوما وبعيدا عما يثير الريبة.. والخطاب الوارد فى حق نساء النبي ينطبق على عامة المسلمات. أيضا قال تعالى (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)
ثالثا: ينبغى على المرأة أن تثبت قوة شخصيتها وخلقها فى جميع مجالات العمل وفى الشوارع والمركبات العامة وغيرها..
رابعا: ينبغى على المرأة أن تتأدب بأدب الآية الكريمة (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ، أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) صدق الله العظيم.
هذه الآية قد حوت الكثير من التعاليم التى تنظم الإختلاط وتؤدى به الى النتائج المرجوة من عفة وطهارة..
خامسا: إن على المرأة لواجبا كبيرا فى التمييز بين الإختلاط والخلوة.. فالخلوة "وهى تعني إنفراد المرأة مع الأجنبي - والأجنبي هو كل من يحل للمرأة شرعا أن تتزوجه – فى مكان يأمنان فيه إطلاع شخص ثالث عليهما"، ممنوعة شرعا.. أما الإختلاط وهو خروج المرأة فى إحتشام للمشاركة فى الحياة العامة فهو حق يكفله الدين للمرأة.. ونعنى الدين لا الشريعة وقد بينا رأى الشريعة فى الضرورة المبيحة للخروج من المنزل ولا يتم التوسع فى الخروج الاّ بتطوير التشريع بالإنتقال من آيات الفروع – "آيات الوصاية" الى آيات الأصول "آيات المسئولية" .
.
تقول الدكتوره بتول (إبنة أخيه) أن محمود محمد طه كان يصطب الجمهوريات في محاضراته ويجلسهن في المقاعد الأمامية، وكان هناك من يعترض على ذلك ولكنه كان يدافع عن وضعهن معتمدا على أصول الدين وقيم العصر ثم التفوق الذي حققته المرأة في العصر الحالي. وتشرح كيف كان محمود محمد طه يجمع في غرفته الجمهوريين والجمهوريات في جلسات النقاش، وكانت الجمهوريات يجلسن في جانب من الصالون بينما يجلس الإخوان على الجانب الآخر .
أنظر صورة المرحوم محمود محمد طه مع زوجته وجمهوريات بملابسهن البيض الجميلة والمحتشمة: https://goo.gl/EqNF2H
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb