محمود محمد طه (1)


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5464 - 2017 / 3 / 18 - 10:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

اقوم حاليا بوضع كتاب حول المفكر السوداني المرحوم محمود محمد طه بالعربية والفرنسية عنوانه "محمود محمد طه وتشريح القرآن"
علما بأنه تم شنقه في 18 يناير 1985 بتحريض من الأزهر
وينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة اجزاء
الجزء الأول: سيرة حياته
الجزء الثاني: عرض مفصل لافكار محمود محمد طه
الجزء الثالث: وثائق محاكماته واهم كتبه.
وسوف انقل لكم تباعا بعض الفقرات من كتابي هذا، أبدأها ببعض ما في المقدمة
.
أول معرفتي بالمرحوم محمود محمد طه
--------------------------
أول مرة قرأت عن حزب "الإخوان الجمهوريين" الذي أسسه وترأسه محمود محمد طه كان في رسالة بعثها محمد عبدالله السمان، أحد رفقاء حسن البنا، مؤسس الإخوان المسلمين الذي يعتبر أحد أشهر الكتاب الإسلاميين، إلى صحيقة الأهرام في 16 ابريل 1976. ونحن ننقل ما جاء في تلك الصحيفة:
.
الإخوان الجمهوريون يتحدثون عن رسالة الإسلام الثانية!!
بعث الكاتب الإسلامي المعروف محمد عبدالله السمان بهذه الرسالة إلى صفحة الفكر الديني ينبه فيها إلى ظاهرة جديدة وخطيرة بدأت تظهر في ساحة العمل الإسلامي، تحمل اسم الإخوان الجمهوريين، وهي تدعو إلى ما يسمى بـ "رسالة الإسلام الثانية". يقول الأستاذ السمان:
منذ أيام وقعت في يدي رسالة مطبوعة من ثلاثين صفحة عنوانها: "الغرابة في الدعوة الإسلامية الجديدة " (انظر النص هنا https://goo.gl/56aHOH) وهي من منشورات جماعة اسمها "الإخوان الجمهوريون" مقرها في ام درمان بالسودان الشقيق، وتاريخ طبع الرسالة سبتمبر 1975، والمؤلف مجهول وكلمات الإهداء في الصفحة الأولى:
"الى الذين تطالعهم الغرابة مما ندعوهم اليه، فهم فى حيرة وشقاق ... والى الذين لا يهمهم مصير أنفسهم، فهم لا يعنيهم مما ندعوهم اليه شيء ... إنكم، جميعا، لن تجدوا أنفسكم، ولن تحققوا اسلامها [في الكتاب: سلامها] الاّ فى هذه الدعوة، ثم إنكم لن تجدوا عنها منصرفا، فهى ما تسألون عنه عند الله، يوم تلقون الله".
وفي المدخل إلى هذه الأفكار العجيبة تقول الرسالة:
"ان الدعوة الإسلامية الجديدة، التي تبشر بالرسالة الثانية من الاسلام، هي دعوة عالمية، وكوكبية ... ولكن وطنها الأم هو السودان، ثم سائر بلاد المسلمين، ثم باقي بلدان العالم".
أما ما تزعمه هذه الدعوة، فهو الدعوة، إلى الإسلام، في مستواه العلمي، حيث تلتقي جميع الأديان، وحيث تنتهي العقيدة التي تفرّق الناس على قاعدة "كل حزب بما لديهم فرحون". والدعوة للإسلام، في مستواه العلمي، تقع لأول مرة في وقتها، فلقد بُدئ بالدعوة للإسلام في مستواه العلمي في مكة في القرن السابع الميلادي... ولما ظهر عمليا عجز بشرية ذلك الوقت عن النهوض بذلك المستوى من الإسلام، استبدل به المستوى العقيدي في الإسلام الذي كان ملائما لحاجات ذلك الوقت. وفي هذه الرسالة: أن القرآن ينقسم إلى أصول وفروع ... أصول يمثلها القرآن المكي، وفروع يمثلها القرآن المدني، وهما: أي المكي والمدني – ليسا على مستوى واحد، وقد نسخ المدني المكي، مع أن المدني الناسخ هو قرآن الوصاية والتمييز والقصور... وأن المكي المنسوخ هو قرآن الحرية والمساواة والمسئولية. وترفض هذه الجماعة مفهوم النسخ لدى جمهور العلماء من المسلمين، لأنها ترى أن نسخ الآيات يعني ارجاءها إلى يوم تحتاجه البشرية فيه، كذلك ترى هذه الجماعة صاحبة الدعوة الإسلامية الجديدة "ان الإسلام رسالتان، قامت الأولى على آيات الفروع - أي في المدينة - وكانت شريعة لعامة الناس، وعليها جرى العمل.. أما الثانية فقد انبنت على آيات الأصول – أي في مكة - ولم يقم عليها تشريع عام ، وإنما عمل بها النبي في خاصة نفسه، وقد بلغها مجملة، وترك تفصيلها إلى يوم يأذن الله فيه، وجماعة "الإخوان الجمهوريون" ترى أن هذا اليوم قد جاء، وأنهم هم رسل الدعوة الإسلامية الجديدة، والمبشرون برسالة الإسلام الثانية، وهي مرحلة "علمانية الإسلام" التي تمثلها اليوم هذه الجماعة، ولتحقيق هذه المرحلة، لا بد من تطوير الشريعة الإسلامية، وذلك بالإنتقال من نص فرعى فى القرآن خدم غرضه حتى استنفده، إلى نصّ أصلى مدخر في القرآن إلى أن يجيء وقته، وجاهل – كما تقول الرسالة – من يظن أن مشاكل بشرية القرن العشرين يمكن ان يستوعبها وينهض بحالها نفس التشريع الذي استوعب ونهض بحل مشاكل بشرية القرن السابع الميلادي.
هذا التطور الواجب يحتم تصحيح وضع المرأة في التشريع الإسلامي، مساواتها مساواة تامة مع الرجل، فشهادة المرأة في الشريعة المتطورة مساوية لشهادة الرجل، ويجب ان تزول قوامة الرجل عليها لزوال أسبابها المرحلية، وأن تزول التفرقة في الميراث بينها وبين الرجل، وأن يكون لها حق الطلاق كما هو للرجل تماما.
وبعد – فالذي يثير الكثير من التساءل
أن هذه الجماعة تقوم بنشاطها العلني منذ سنوات بعيدة، ولها مقرها المعروف في ام درمان، كمنطلق لها لنشر الهوس الديني، الذي تؤمن به، ومع ذلك فلم يتعرض لها علماء الدين، وهم من الكثرة بمكان في السودان، بالإضافة إلى أن للأزهر هناك عددا لا يحصى من علمائه، لم يتكرم واحد منهم بإرسال مذكرة عن هذه الجماعة للأزهر ليصدر بيانا يحذر فيه من أفكار هذه الجماعة الضالة المضلة التي لم اعرض من عقيدتها في هذه الكلمة السريعة إلا القليل.
(هنا ينتهي مقال صحيفة الأهرام)
.
وحقيقة الأمر لم يكن الأزهر غافلا عن امر الإخوان الجمهوريين، فقد كتب الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بتاريخ 5 يونيو 1972 رسالة للسيد الأستاذ وكيل وزارة الشئون الدينية والأوقاف بالسودان يقول فيها:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
وبعد، فقد وقع تحت يدي لجنة الفتوي بالأزهر الشريف، كتاب الرسالة الثانية من الاسلام، تأليف محمود محمد طه، طبع في أم درمان الطبعة الرابعة عام 1971م ص. ب 1151. وقد تضمن هذا الكتاب أن الرسول بعث برسالتين فرعية ورسالة أصلية. وقد بلغ الرسالة الفرعية، وأما الأصلية فيبلغها رسول يأتي بعد، لأنها لا تتفق والزمن الذي فيه الرسول. وبما أن هذا كفر صراح ولا يصح السكوت عليه، فالرجاء التكرم باتخاذ ما ترونه من مصادرة لهذا الفكر الملحد والعمل على ايقاف هذا النشاط الهدّام، خاصة في بلدكم الاسلامي العريق. وفقكم الله وسدد خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأمين العام
لمجمع البحوث الاسلامية
دكتور محمد عبد الرحمن بيصار [وقد اصبح لاحقا شيخ الأزهر]
.
وقد رد عليه محمد أحمد ياجي، وكيل وزارة الشئون الدينية والأوقاف، بتاريخ 23 يوليو 1972، كما يلي:
تحية طيبة
بالإشارة إلى خطابكم المؤرخ 5/6/1972 والخاص بكتاب الرسالة الثانية من الإسلام تأليف الأستاذ محمود محمد طه، إن موضوع مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه ونشاطه الذي يقوم به موضوع دراسة دقيقة بواسطة هذه الوزارة وسلطات الأمن المختصة في جمهورية السودان الديمقراطية، وستتخذ فيه الاجراءات المناسبة بعد اكمال دراسة الموضوع من جميع جوانبه.
هذا وتجدر الاشارة الي ان المحكمة الشرعية العليا بجمهورية السودان الديمقراطية كانت قد أصدرت حكمها غيابيا في القضية نمرة 1035/1968 في 18/11/1968م ضد الأستاذ محمود محمد طه وحكمت غيابياً بأنه مرتد عن الاسلام وأمرته بالتوبة من جميع الأقوال والأفعال التي أدت الي ردته، وتجري الآن عملية جمع هذه الحقائق للمساعدة في الدراسة واتخاذ الاجراءات اللازمة وشكرا.
محمد أحمد ياجي
وكيل وزارة الشئون الدينية والأوقاف.
.
وقمت بقص مقال الأهرام للإحتفاظ به، اقتناعا مني بأن الأمور لن تمر على خير. وقد صدق حدسي إذ قام نظام النميري بشنق محمود محمد طه في 18 يناير 1985 بتحريض من الأزهر وقد دفن في مكان اخفاه عن عائلته ومريديه حتى يومنا هذا. وقد هنأ الأزهر النميري على ما قام به وفقا لما جاء في خبر عن وكالة السودان للأنباء في نفس اليوم. وقد قمت بكتابة مقال بالفرنسية في مجلة تصدر في جنيف في ابريل 1985 حول هذا الحدث.
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb