في ظني.. أخطأت فاطمة ناعوت


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5447 - 2017 / 3 / 1 - 14:09
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     


ناهيك عن الأسطر التالية فأنا أحد الذين يحترمون تلك السيدة لشجاعتها في مواجهة تيارات النسخة المصرية من الوهابية البغيضة التي أصبحت جزءاً مهماً من محنة العالم العربي
كذلك فإنني واحد من الكثيرين الذين تضامنوا معها - وقدر جهدي وامكاناتي المتواضعة ولازلت وسأظل أحد المتضامنين معها في محاولات الإرهاب الديني التي تعرضت وتتعرض لها عبر الملاحقات القضائية أو الإعلامية من عناصر الإرهاب غير المسلح الذي لايقل خطورة علي الوطن من الإرهاب المسلح وخاصة أن عناصره الأزهرية وكوادره التحتية لازالت تمسك بأحشاء المجتمع المصري رغم سقوط هيمنته السياسية علي مؤسسات الحكم في 2013

كتبت فاطمه ناعوت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 27 فبراير 2017 مقالاً بعنوان [تكفير داعش مسألة أمن قومي ] تناشد فيه الأزهر إصدار فتوي بتكفير داعش كرد فعل مباشر علي عملية قتل وذبح مصريين مسيحيين في العريش وتهديد كامل الأسر المسيحية ودفعها نحو الهجرة القسرية من سيناء
وهي جريمة بشعة غير مسبوقة في حق جميع المصريين وتهدد بالفعل سلامة الوطن وتهدد سبيكته الوطنية في الصميم وتشكل تهديداً غير مسبوق للأمن القومي المصري وللدولة المصرية

إلا أن سلاح المواجهة الأنسب مع هؤلاء الدواعش المسلحين هو مواجهتهم بأجهزة الدولة المسلحة عبر الجيش والشرطة بالتوازي في نفس الوقت مع ضرورة فتح جبهة التنوير الفكري وتحديث الفكر الديني والثقافات التراثية بل والثقافة العامة للمصريين عبر فتح كافة المنافذ والمنابر للمناضلين من أجل الإستنارة والتقدم في النضال من أجل سياق نهوض وطني شامل يقضي علي جذور فكر الفقر والجهل
، ولعلي هنا أصل إلي مكمن الخطأ الذي ارتكبته السيدة فاطمة (ربما في غمرة التأثر الوجداني بالحدث)

تقول الاستاذة فاطمة ناعوت في مقالتها :

[ الأزهر صاحب الكلمة العليا "والوحيدة"في ايمان المسلمين أو كفرهم وردتهم ... ألم يحن الحين بعد حتي يصدق الأزهر أن في يده "وحده"الآن العصا السحرية التي تئد الإرهاب في مصر ، وتدحر داعش في العالم وتحقن دماء المسيحيين في العريش؟ ]

((ملاحظة علامات التنصيص من عندي)) ....

فلنتأمل العبارة جيداً ولنتسائل
هل تريد الأستاذة فاطمة فعلاً أن يكون الأزهر صاحب الكلمة الوحيدة في ايمان المسلمين أو كفرهم؟

وناهيك هنا عن داعش
فمنح هذا السلطان للأزهر سيجعل منه رقيباً ومفتشاً عاماً علي النوايا والضمائر كي مايؤدي هذه الوظيفية التي ستحدد من المؤمن ومن الكافر من المسلمين وحتماً سينسحب هذا السياق إلي غير المسلمين ويترتب علي قناعتنا بكلام الكاتبة أن نملك بأيدينا صكوك الكفر والإيمان ومن ثم صكوك الغفران إلي تلك المؤسسة التي سيطرت عليها منذ سبعينيات القرن الماضي عمامات الوهابية المصرية التي تنتج الداعشيين المسلح منهم والغير مسلح ؟

ألا يعيدنا ذلك إلي ماقبل القرون الوسطي ويصل بنا - ربما بأسرع مما تريد عصابات الإرهاب المسلحة - إلي الهدف النهائي للنسخة الوهابية المصرية وهو إقامة دولة الحاكمية التي يعملون ويتآمرون ويرتكبون الجرائم والخيانات الوطنية من أجلها منذ مائة عام؟

انتبهي ياسيدتي فهذا لن يحقن دماء المسيحيين اخوتنا في السبيكة الوطنية في العريش بل علي العكس سينتهي بذلك إلي اعتبار أن كل المسيحيين في مصر ذميين وتحت رحمة الأزهر الذي سيعلوا فوق الدولة وأجهزتها وسيكون هو منصة الوهابية للهيمنة علي انقاض الوطن لإقامة دولة الحاكمية

وأندهش كيف اغفلت الكاتبة - في مبلغ تأثرها بالحدث الذي أفجعنا جميعاً - وهي الشاعرة المثقفة المفكرة التي تقاتل في معارك الإستنارة كيف اغفلت الأسلحة الحقيقية في مواجهة الإرهاب واختزلتها في سلاح سحري اكتشفته اليوم يتمثل في فتوي الأزهر حيث تقول [فتوي واحدة معلنة وقاطعة بتكفير داعش سوف ترفع عنهم الغطاء الإجتماعي البشري الذي يخفي مسوخ داعش عن عيون رجال الأمن من الجيش والشرطة في العريش وفي سيناء وفي كل بقعة من العالم ]

وهنا يقفز التساؤل
هل نحن في معركة دينية مع داعش وغيرها
أم نحن في معركة شاملة مع قوي التخلف والجهل والظلام؟
هل جنودنا في سيناء يحاربون في معركة دينية أم يحاربون في معركة سلامة الوطن ووحدة أراضيه ؟

إذا كانت المعركة معركة دينية أرضها الفقه الديني إذن فليسترح جنودنا وليوفروا دمائهم ولتسترح أقلامنا وليكف المناضلون عن النضال من أجل الإستنارة ولتجلس الدولة تحت ظل شجرة ما انتظاراً لطلقة سحرية واحدة ساحقة ماحقة تتمثل في فتوي يطلقها الأزهر
((وربما سترتد إلي صدورنا نحن))

بالعامية نقول (ماكانش حد غلب)
فمن قال أصلاً أن تنظيم داعش يعترف بالأزهر الرسمي وبفتاويه؟

ومن قال أصلاً أن الأزهر هو الحل المشكلة وأنه لم يكن طوال عقود مضت جزء من المشكلة ولايزال بمااقترفت عمامامته (إلا فيما ندر)

في النهاية كنت لا أود أن أشير إلي ماافلت بحسن نية من الأستاذة فاطمة ناعوت لكي يتسرب لمن يسئ الظن أن المسألة دعوة تقتضي أن يتولي الأزهر السيطرة والولاية علي المصريين مسلمي الديانة وبالتالي بداهة تتولي الكنيسة السيطرة والولاية المصريين مسيحيوا الديانة فتنهدم - لاقدر الله - أركان الدولة ويضيع الوطن
ربما كانت لاتقصد ذلك ولكنها في النهاية رمت سهامها الطائشة في هذا المقال فأصابت ماأصابت
ولعلي أنا الشخص الفقير إلي العلم والتجربة هو المخطئ